المباهلة بخير أهل الأرض

قيم هذا المقال
(0 صوت)
المباهلة بخير أهل الأرض

تقع منطقة نجران على سبع مراحل من مكّة إلى جهة اليمن. وكل أهل نجران نصارى، صالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكتب إليهم قبل أن ينزل عليه: ﴿طس﴾[1]،  و﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[2]، ما يلي: "بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمّد النبيّ إلى أسقف نجران وأهل نجران، إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام"[3].

فاجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم يتدارسون أمر كتاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام، فأجمع أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وجماعة، فيأتيانهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فاستقبلهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم آيات من القرآن، فامتنعوا وكثر الحِجَاج معهم. فلمّا أصبحوا عادوا إليه، فقرأ عليهم الآيات، فأبوا أن يقرؤوا. فأمر تعالى نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بمباهلتهم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشتملًا على الحسن والحسين عليهما السلام في خميلة له، وفاطمة الزهراء عليها السلام  تمشي خلفه، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام خلفها، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم هؤلاء أهل بيتي"، "إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم"[4].

وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم، فلمّا رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أقبل بمن معه، سأل عنهم فقيل له: "هؤلاء أعزّ الناس عليه، وأقربهم إلى قلبه"، فقال له أهل نجران: "لم لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر، وأهل الشارة ممّن آمن بك واتّبعك؟!"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أجل، أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض، وأفضل الخلق". ولم يصحب النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا من المسلمين سوى أهل بيته عليهم السلام هؤلاء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا. فقال أسقفهم: "إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا"[5]. وبعد امتناع وفد نصارى نجران عن الدخول في الملاعنة، وتقرّر ضرب الجزية عليهم، انصرفوا. وكتب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابًا أقرّهم فيه على دينهم، ولم يتدخل في شؤونهم، فأعطاهم ذمّته في أمور كثيرة كلّها لمصلحتهم، وكان الكاتب لهذا الكتاب هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام. ولما قبض النجرانيّون كتابهم انصرفوا إلى نجران[6].
 
السيرة النبوية المباركة، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة النمل، الآية 1.
[2] سورة النمل، الآية 30 .
[3] الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج6، ص415، ابن كثير، البداية والنهاية، ج5، ص53، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص65، ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، ج3، ص39، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص50.
[4] ابن البطريق، عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، ص132، ص188، السيد ابن طاووس، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ص45، ص129، الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج6 ص419، 64.
[5] علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمّيّ، ج1، ص104، العياشي، تفسير العياشيّ، ج1، ص176، الشيخ المفيد، الإرشاد، ج1، ص166، مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، ج7، ص120، ابن كثير، البداية والنهاية، ج5، ص54، ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص368، أبو نعيم، أحمد بن عبد الله، دلائل النبوّة، لا.ت، لا.ط، ص298، الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص123، الخوارزمي، المناقب، ص59، فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص14، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص150، ابن الأثير، أسد الغابة، ج4، ص26، البيهقي، السنن الكبرى، ج7، ص63، الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص485، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص392.
[6] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص82، البلاذري، فتوح البلدان، ج1، ص78، الحموي، معجم البلدان، ج5، ص269، ابن أبي شيبة، المصنف، ج14، ص550.

قراءة 652 مرة