ومضات من صفات العبّاس بن علي بن ابيطالب (عليه السلام)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ومضات من صفات العبّاس بن علي بن ابيطالب  (عليه السلام)

كان العبّاس عليه السلام منذ نعومة أظفاره من أهل العقل والمعرفة. ويُقال: إنّه لمّا كان صغيراً، أجلسه أمير المؤمنين عليه السلام في حجره ذات يوم، وقال له: قل: واحد. فقال: واحد، فقال: قل: اثنان، فسكت العبّاس ولم يُجب. فسأله أبوه عليه السلام عن سبب سكوته، فقال له: "أستحي أن أقول باللّسان الذي قلْت واحد اثنان. فقبّل أمير المؤمنين عليه السلام عينيه"[1].
 
ويقول الإمام زين العابدين عليه السلام واصفاً عمّه العبّاس: "رحم الله عمّي العبّاس - يعني: ابن عليّ - فلقد آثر وأبْلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى لمنزلةً يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"[2].
 
وقال فيه الإمام الصادق عليه السلام: "كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلْب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً"[3].
 
وقد كان للعبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام الكثير من الكرامات، وتحقّقت حوائج كثيرٍ من الناس ممّن توسّلوا به إلى الله تعالى، وهو أمر مشهور ومعروف بين الناس.
 
العبّاس في محضر ثلاثةٍ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام
كان عمر العبّاس بن عليّ حين شهادته 34 عاماً[4]، ما يعني: أنّ ولادته كانت في سنة 26 من الهجرة النبويّة. ويمكن لنا أن نستنتج أنّ عمره حين شهادة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام كان 14 عاماً، وحين شهادة أخيه الإمام الحسن عليه السلام 24 عاماً، وهكذا يكون قد عاش عشر سنواتٍ بعد ذلك مع أخيه الحسين عليه السلام[5].
 
وقد اختلف المؤرّخون في أنّ العبّاس عليه السلام هل كان حاضراً في معركة صفّين أم لا؟ فذكر بعضهم أنّه عليه السلام كان من المشاركين في تلك الواقعة[6]. فيما ذهب بعض المحقّقين المعاصرين إلى أنّ العبّاس حضر بعض الحروب، ولكنّ أباه أمير المؤمنين عليه السلام لم يأذن له في النزال[7].

وذكر بعضهم أنّ العبّاس لم يكن حاضراً في صفّين فحسب، بل إنّه أيضاً كانت له مبارزات بطوليّة، وأنّ معاوية دعا برجلٍ من أصحابه يقال له: ابن شعثاء، وكان يعدّ بعشرة آلاف فارس، فطلب منه أن يخرج لمبارزة العبّاس، فبعث إليه بسبعةٍ من أولاده فقتلهم، فعند ذلك خرج ابن شعثاء، فقاتله العبّاس وألحقه بأولاده، وعجب الحاضرون من شجاعته[8].
 
لكنّ هذه الحادثة لم يرِد لها ذكر في المصادر القديمة. لذا ذهب المحدّث النوريّ إلى أنّ صاحب هذه الحادثة هو العبّاس بن ربيعة (بن الحارث بن عبد المطّلب)، حيث نُقل عنه حادثة مشابهة لهذه، وأنّ هذا ما أدّى إلى اشتباه بعض الباحثين، وإلّا، فإنّ العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن حاضراً أصلاً في صفّين[9].
 
وقد أجاب بعض الباحثين عن ذلك بأنّ هناك واقعتين جرتا لأمير المؤمنين عليه السلام، إحداهما مع ولده العبّاس، والأُخرى مع العبّاس بن الحارث، ذلك لأنّ الخوارزمي نقل كلتا الحادثتين في مناقبه، تفصل بينهما صفحات من كتابه، فيبعد أن يكون الخوارزمي قد اشتبه في النقل ونَقَل الحادثة الواحدة بخبرين مختلفين[10].
 
والحقيقة - بعد الإغضاء عن هذه الأقوال والمناقشات - أنّ العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام إن كانت ولادته سنة 26 هـ، فإنّ عمره في وقعة صفّين، والتي حدثت في العام 37 هـ، لم يكن يتجاوز الـ 11 عاماً، ما يبعّد احتمال أن يكون عليه السلام قد شارك، وهو بهذه السنّ الصغيرة، في الحرب والنزال[11].
 
وقد كان العبّاس حاضراً حين الاقتصاص من قاتل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، لكن لم يُسجّل أنّه كان له دور في تنفيذ حكم القصاص[12].
 
كما حضر العبّاس أيضاً غُسل الإمام الحسن عليه السلام وأعان - مع أخيه محمّد بن الحنيفة - أخاه الإمام الحسين عليه السلام على تغسيله[13].
 
ولم ينقل لنا التاريخ شيئاً عن أبي الفضل العبّاس في عصر إمامة الإمام الحسين عليه السلام حتّى ما قبل أحداث كربلاء، لكنّ الأمر المسلّم به أنّه كان حاضراً إلى جنب أخيه الإمام الحسين عليه السلام منذ اللّحظات الأُولى لإعلان قيام النهضة الحسينيّة، وأنّه خرج بصحبته ليلاً من المدينة باتّجاه مكّة[14].
 
 نهضة عاشوراء (3)، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

[1] الخوارزميّ، مقتل الحسين، ج1، ص122، المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج15، ص215.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص68، الحديث 101. وله أيضاً: الأمالي، المجلس 70، ص548، الحديث 731.
[3] أبو نصر البخاريّ، سرّ السلسلة العلويّة، ص89، ابن عنبة، عمدة الطالب، ص327.
[4] ابن عنبة، عمدة الطالب، ص327، التميميّ المغربيّ، شرح الأخبار، ح3، ص194. وينبغي أن يُذكر هنا أنّ المصادر المتقدّمة لم تُشر إلى التاريخ الدقيق لولادة العبّاس عليه السلام، وإنّما ذكرت عمره حين شهادته. غير أنّ بعض الرجاليّين المتأخّرين ذكروا أنّ ولادته كانت في الرابع من شهر شعبان سنة 26 للهجرة. (راجع: النمازيّ الشاهروديّ، مستدركات علم رجال الحديث، ج4، ص350، المقرّم، العبّاس، ص136).
[5] السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص429، محمّد السماويّ، إبصار العين، ص57.
[6] الخوارزميّ، المناقب، ص227.
[7] راجع: السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص429.
[8] راجع: البيرجندي الخراساني، الكبريت الأحمر في شرائط المنبر، ص385 386.
[9] راجع: المصدر نفسه، ص385.
[10] راجع: المقرّم، العبّاس، ص277 278.
[11] في بعض المصادر المتأخّرة غير المعتبرة أمور منقولة من حياة العبّاس عليه السلام، لكنّنا لم نعثر عليها في شيءٍ من المصادر المعتبرة، فمن ذلك ما ورد في كتاب معالي السبطين: أنّه لمّا كانت ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان عام أربعين للهجرة، أي: في ليلة استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وهي الليلة الأخيرة من عمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حيث أخذ الإمام يودّع فيها أهل بيته وخاصّته، ويوصيهم بوصاياه ومواعظه، وفيها التفت إلى ولده أبي الفضل العبّاس عليه السلام، وضمّه إلى صدره، وقال له: ولدي! ستقرّ عيني بك يوم القيامة. ولدي! إذا كان يوم عاشوراء ودخلت الماء وملكت المشرعة، فإيّاك أن تشرب الماء وأن تذوق منه قطرة وأخوك الحسين عليه السلام عطشان. (الحائري المازندراني، معالي السبطين، ج1، ص277). وهذه الحادثة لا وجود لها في أيٍّ من المصادر المتقدّمة المعتبرة، وقد نقلها في معالي السبطين بدون ذكر مستندها.
[12] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج3، ص40، البلاذريّ، أنساب الأشراف، ج3، ص263.
[13] الديار بكري، تاريخ الخميس، ج2، ص293.
[14] الدينوريّ، الأخبار الطوال، ص337، الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص34. وقد أحال المصنف تفاصيل حياة العباس عليه السلام ومقتله إلى الجزء الأول من كتاب تاريخ وقيام ومقتل جامع سيّد الشهداء عليه السلام بالفارسيّة.

28-07-2022

 

قراءة 613 مرة