جانب من الظروف السياسية في عصر الإمام العسكريّ (عليه السلام)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
جانب من الظروف السياسية في عصر الإمام العسكريّ (عليه السلام)

واصل الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام مهامّ الإمامة بعد والده الإمام الهادي عليه السلام. وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكّام من العباسيين هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد. وكانت المعاناة مع الدولة العبّاسية ما زالت شديدة، ففي غضون حكم المعتزّ قُتل الكثير من الأبرياء وسُجن من العلويّين أكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل. وبعد المعتزّ تسلَّم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام عليه السلام، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا أنّ الأجل لم يمهله فمات.
 
وحدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: اجتمعنا في العسكر وترصّدنا لأبي محمّد عليه السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يُشز إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمَنون على أنفسكم"[1].
 
يقول أحمد بن محمّد: كتبت إلى أبي محمّد (الإمام العسكريّ) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك، ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد عليه السلام بخطّه: "ذلك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به"، فكان كما قال عليه السلام[2].
 
وقد بلغت درجة الضغط والمضايقة في عهد الإمام العسكريّ عليه السلام على الإمام والشيعة إلى درجة اضطرّ الإمام عليه السلام إلى أن يتصرف بطريقة أمنية، وكانت تلك المضايقة تعود لسببين:

الأول: أنّ الشيعة قد تحوّلت في عصر الإمام العسكريّ عليه السلام إلى قوّة ضخمة في العراق تعارض وتخالف الخلفاء والحكّام، بل وصل الأمر إلى أنّهم كانوا لا يعترفون بشرعية أيّ واحد من الخلفاء العباسيين، ويعتقدون بأنّ الإمامة في أولاد الإمام عليّ عليه السلام. ومن الشواهد التاريخية على ذلك هو اعتراف عبيد الله وزير المعتمد بذلك، فقد ذهب جعفر الكذّاب أخو الإمام العسكريّ عليه السلام بعد استشهاده إلى عبيد الله وقال: اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، ...(فزجره) وقال: يا أحمق، إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى مرتّب"[3].
 
الثاني: أنّ العباسيين وغيرهم كانوا يعلمون وطبقاً للروايات المتواترة أن المهديّ المنتظر الذي سيتحقّق على يديه العدل والحرية من جهة، ومن جهة أخرى سوف يبيد كلّ الحكومات الظالمة أنه من أبناء الحسن العسكريّ، ولهذا شدّدوا الرقابة على الإمام العسكريّ عليه السلام في كلّ صغيرة وكبيرة، فقد أخضعوه للمراقبة الشديدة، ووضعوه تحت أعينهم[4].
 
وبعد خلافة المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ عليه السلام، وقُتِل مجموعة من العلويّين في هذه الأحداث. وتذكر بعض المصادر التاريخيّة أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم[5].
 
دروس تمهيدية في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 50، ص 269.
[2] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ص324.
[3] الأربلي، علي بن عيسى بن أبي الفتح،كشف الغمة، ج3، ص197.
[4] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص434.
[5] أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690.

قراءة 368 مرة