لم تحظ قضية في العقود القليلة الماضية، بمثل الاهتمام الذي حظيت به قضية المرأة: فقد عقدت من أجلها المؤتمرات الدولية و اختصتها الأمم المتحدة بسنة عالمية و ربط الكثيرون بين واقعها و بين واقع المجتمع المختلف أو المتقدم، و أنجزت من أجلها اتفاقية دولية تمنع التمييز ضدها في الاشكال كافة و وقعت عليها معظم دول العالم.
ولا تزال اصداء مؤتمر بكين في منتصف التسعينيات تتردد إلى اليوم حول ما ورد فيه و النقاشات الواسعة التي رافقت اعماله بحيث أصبح منهج عمل و مرجعية تقتدي بها المؤتمرات الأخرى، و تسترشد بالنتائج و التوصيات التي أقرها.
على الرغم من كل التعديلات التي حصلت في كثير من قوانين بلدان العالم تجاه المرأة لا يزال الجدل مفتوحاً في هذه القضية تارة لجهة علاقة حقوق المرأة بطبيعتها الفيزيولوجية و ما تفرضه، ( أولا تفرضه) من تحديد أدوارها، و مواقع المسؤولية التي يمكن ان تحتلها المرأة، و تارة لجهة علاقة هذه الحقوق بالمجتمع الذي تنتمي إليه، و الثقافة التي تشد او اصره. كما يدور الجدل حول النموذج الذي يهيمن اليوم على صورة المرأة هل هو النموذج الغربي الذي تبدو فيه المرأة انها حصلت على حريتها الفردية، بمستوياتها كافة، ولكنها في الوقف نفسه فقدت روابطها الأسرية و الاجتماعية؟ وهل هو النموذج الذي صنعته السينما و وسائل الإعلام حين تمتزج فيه صورة المرأة الغربية وحياتها بصورة المرأة التي تنشغل بجمالها و بالأزياء التي ترتديها... ؟ أم هو نموذج المرأة المسلمة التي تقدم صورة أخرى عن شكلها و سلوكها؟
وهنا يطرح سؤال آخر: ما هو المعيار الحقيقي الذي يميز بين النموذجين ليكونا على هذه الدرجة من الاختلاف؟ ما يقودنا لنسأل ما هي الصورة الحقيقية للهوتين؟ فما هو العنصر الذي يميز هوية المراة المسلمة عن غيرها؟ أهو عنصر واحد أم منظومة كاملة مترابطة؟
جدلية الصورة النمطية للمرأة
ثمة نقاش على مستوى آخر، في مظلومية المرأة في الإسلام كدين أو في المجتمعات الإسلامية، فيذهب بعضهم الى أن الاسلام نفسه لم ينصف المرأة سواء في بعض الآيات او في الروايات فمنعوها من التعلم و من الخروج من المنزل...
وفي منتصف القرن الماضي برزت دعوات في أكثر من بلد من البلدان العربية و الاسلامية إلى " تحرير المرأة " وإلى "سفورها" و إلى كسر التقاليد التي تكبل تعليمها وعملها... ولا شك ان تلك الدعوات كانت تعبر من جهة عن واقع حقيقي إلى حد بعيد لأن المرأة لم تنل نصيبها لا من التعلم و لا من أي مشاركة اجتماعية ولا من حقوقها الاساسية، مثل حقها في قبول الزواج او رفضه... لكن هذه الدعوات كانت من جهة أخرى، متأثرة بالحركة النسائية الغربية في اوروبا أي بما يعرف بـ " النسوية " التي رفعت شعاراً لها المساواة التامة بين المرأة و الرجل في كل الواقع و المسؤوليات وفي كل ميادين العمل، انطلاقاً من فرضية ان الاختلاف الفيزيولوجي ليس هو الذي يحدد المهنة او المستقبل او الأدوار، و إنما الثقافة و التربية هما ما يفعل ذلك .و لذا ترى هذه الدعوات أن على المرأة أن ترفض هذا التمييز على أساس الفيزيولوجيا وأن تعمل من أجل حقها بالمساواة بحسب القدرة و الكفاءة.
لقد خفت صوت النسوية في العقدين الماضيين كحركة منظمة لكن افكارها حول المساواة استمرت و تسللت إلى كثير من العقول وصولاً إلى الامم المتحدة نفسها، وإلى منظمي مؤتمراتها الدولية و الإقليمية، فمن هذه الافكار بزغ فجر الجندر الذي لا يعني سوى النوع الإنساني الذي لا يميز بين الذكر و الأنثى على اساس فيزيولوجي بل يعتبر ان ادوارهما المختلفة هي نتاج التربية و ليست نتاج الاختلاف في الاستعدادات الفيزيولوجية او النفسية .
واختلف الاسلاميون ايضاً في نظرتهم الى المرأة: فذهب بعضهم إلى تشريع منعها من الخروج ومن العمل مهما كان نوعه و منهم من لم يسمح لها بأي مشاركة اجتماعية او سياسية ولا تزال بعض الدول الاسلامية تمنع المرأة هذا الحق الى اليوم بما في ذلك حق الانتخاب وصولاً إلى حق قيادة السيارة...
وللأسف يتيح هذا الواقع توجيه الاتهام إلى الإسلام نفسه، و ليس إلى بعض الاتجاهات الاسلامية او بعض المفكرين الإسلاميين، او حتى بعض الحكومات التي تمنع المرأة هذه الحقوق. و غالباً ما يستخدم أصحاب الاتجاهات الفكرية غير الإسلامية هذه النماذج، للادعاء بأن الإسلام يفعل سوى تكريس تخلف المرأة.
لكنّ هذه التجارب ليست الوحيدة التي تعبر عن واقع المرأة في البلدان الإسلامية المعاصرة. فثمة الكثير مما يمكن الإشارة إليه، في مشاركة المرأة في ميادين مجتمعها المختلفة، من المؤسسات الحكومية، إلى الهيئات الأهلية و التطوعية، إلى المشاركة السياسية، كما في لبنان و فلسطين بشكل بارز(1)
صورة المرأة والصحوة الإسلامية
لا شك أن التغيرات التي حصلت في العالم الإسلامي على مستوى الأفكار، والقضايا السياسية و الثورات الشعبية المختلفة التي باتت صوتاً واحداً يطالب بالعدالة الاجتماعية و السياسية و الفردية، ورفع يد الهيمنة الاجنبية المتطفلة عن الشعوب و تركها لتنفس هواء نقياً وحدها دون واسطة ما أثر على المسلمين بطرق مباشرة و غير مباشرة في نظرتهم إلى انفسهم وإلى المرأة وإلى الآخر، لكن المسألة الأساس ليست في هذا الحق أو ذاك بل بين نظرتين إلى المرأة من خلال ما يسمى بـ " إطار الانتماء " و هذا الإطار هو الذي يحدد الحقوق والواجبات، ومهامها وأوجه مشاركتها و ضرورتها والحاجة الفردية، او الاجتماعية إليه . و المقصود بإطار الانتماء المرأة كفرد أو المرأة كجزء من أسرة تنتمي إليها او المرأة كجزء من منظومة اجتماعية لها تأريخها و عقيدتها و قيمتها و مبادئها و تعاليمها الأصلية و مستجدات زمانها.
لذلك فإن المنظومة لها محور نواة و ركيزة صبغتها بصبغتها العامة، و مازلنا نطلق عليها اسم ( مجتمعات إسلامية ) رغم أ، انطمة حكمها و دساتيرها ليست إسلامية بالضرورة ، لكنها مسلمة الانتماء بامتياز من حيث عقائد شعوبها و قيمهم و مبادئهم بل في جذور معظم عاداتهم و تقاليدهم_ كما في تركيا اليوم - رغم انسلاخ صبغة الحكم عن الإسلامي .
أين النواة و الركيزة في هذه المجتمعات ؟ اعتقد أن البداية بدأت من خلال ما باتوا يعتقدون به و يؤمنون، ولا نختلف أ، هذه العقيدة مشتركة في أساسها و جذرها مهما تلونت المذاهب و اختلفت المشارب الطائفية، و الأنظمة القانونية.
اليوم في عصر الصحوة الإسلامية بتنا نعرف أننا كشعوب عربية أو إسلامية نشترك بعقيدة واحدة مهما اختلفنا، بل مهما احببنا أن نختلف، بل مهما حرص الحريصون على ابراز الاختلاف و بتنا نرى ان الاختلافات المسماة ( طائفية ) هي وجه بشع و ذميم للنفوذ السياسي في المنطقة، ولعبة بخيوط مهترئة يعلو اليد التي تحركها طبقات من غبار الزمان القديم، قبل الصحوة العقل المشترك عند المسلمين في قوله صلى الله عليه و آله و سلم : " ليس منا من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين".
هذا الهم الموحد فرض على المرأة أن تكون جزءاً لا يتجزأ منه ، يبقى السؤال: كيف صاغت مشاركتها؟ و كيف ساهمت هذه العقيدة المشتركة في بلورت دورها بما يخدم ساحتها، مع الحفاظ على كرامتها و عزتها و عنفوانها و أولويتها الأسرية، كي لا تذوب في حصن و حصنها مشرع خال ؟
ويجدر أن نسأل عن دور العقيدة في بناء الإنسان ( تشكيل مفاهيمه، رؤاه، مشاعرة و انفعالته، انتهاء بالأهم... سلوكه، خياراته، و مساهمته في تغيير الواقع و رسم المستقبل ) ؟
هل يصح عندها ادعاء أن الفكر يصنع واقع الانسان- رجلاً و امرأة- و جزءاً من مستقبله؟
اولاً : دور العقائد الدينية في بناء الانسان
لو اردنا تعريف العقيدة في الاصطلاح الإسلامي المشهور بين العلماء: " ما قطع به العقل و اطمأن به القلب و صدقته (نفذته ) الجوارح" نجدها علاقة مشتركة بين ابعاد الانسان : الاعتقاد المحكم في العقل يلازمه اطمئنان القلب و يترشح على السلوك و الأفعال الظاهرة من الانسان .
وبناء عليه فإن الافكار التي نعتقد بها لكننا لا نؤمن بها، ليست عقيدة راسخة، كذلك ما نشعر أننا نميل إليه دون قناعة..
ليس عقيدة فضلا عما نفعله بحكم العادة و التقليد و لا نؤمن به او نرضاه... لا يرقى ليكون عقيدة بالطبع لماذا هذا التعقيد؟وما هو سرّ هذه العلاقة بين العقل و القلب و العمل ؟
هذا السؤال تزخر كتب الاخلاق و العقائد و تسهب في شرحه(2) وبشكل موجز يمكن اختصاره بأن الرؤية الإسلامية لتربية الإنسان عبارة عن عملية مكونة من تربية جميع ابعاده بشكل منسجم (العقل و القلب و الجسد ) تبدأ من غنى العقل و ترشيده و تنمية قدراته، لذلك وردت عدة آيات كريمة و احاديث شريفة اكدت حقيقة العلم و التعلم و التفكر و إدراك عواقب الأمور و التأمل : " لا عبادة كالتفكر " .(3)
ليصبح قادراً على الحكم و التمييز و الفصل و الاستنتاج، وعليه يضبط قواه النفسية(4) الأخرى بصمام محكم مستقر، يخضع له سلوكه العام الذي ينسجم مع حالته النفسية المستقرة و نفاد بصيرته ، يقول الله تعالى : ( فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم الله و اولئك هم أولو الألبا ) (5)
إضافة إلى أننا نجد أن المنظومة الدينية في الإسلام منسجم مع أبعاد الإنسان ، فهي تعود إلى حقول ثلاثة تخاطب الإنسان بالتكليف : العقيدة ، الأخلاق الشريعة وهي تتداخل في أجزاء كبيرة أي اننا نجد أن المصلى هوملتزم بالشريعة و عندما يحاول الخضوع و الخشوع في صلاته ليؤدي حقها ينعكس ذلك على بناءه الأخلاقي و حالته النفسية و من البداية إذا تم سؤاله لم تصلي ؟ فسيجيب : امتثالا لله تعالى الذي أمرني بذلك و هو ما يترشح من عقيدته بالتوحيد .
هذه العقيدة التي لا تشكل حتى تمر و تربي الأبعاد الثلاثة ( عقل، قلب، جسد ) هي نفسها ينبثق منها تكليف يخاطب الأبعاد الثلاثة، كالعقائد و المبادئ الإسلامية الفكرية و الأخلاق الواجبة و المستحبةو ... و الأحكام الشرعية مباح محرم و واحب...
ثانياً أهم العقائد الدينية الإسلامية
يشترك جميع المسلمين في اصول العقيدة الإسلامية ما يجعلهم جميعاً داخل دائرة الإسلام وهم مشتركون بالتالي على بعض الفروع التي تترشح من هذه الأصول أو الجذور ( المراعاة اختلاف مصلطح اصول الدين العقائد ، و فروعه - أمهات الاحكام ) ومن الجدير الالتفات إلى هذه النقطة لأنها مدخل للنزاعات التي نشهدها اليوم في البحرين... على الرغم من أن دوائر الاشتراك اوسع و اكبر من زوايا الاختلاف وهي :
التوحيد - النبوة - المعاد
هذه هي الأصول الثلاثة الرئيسة في عقيدة المسلمين وهي تترشح على مبادئ و اعتقادات في ظلها وهي مشتركة بدورها : العدالة الإلهية، الرحمة واللطف و المدد والعون و النصرة و المغفرة و الرحمة و القضاء و القدر و الاختيار و عدم الاجبار ... و الطاعة و الالتزام و المراقبة ...
النبوة و القيادة الاسلامية و العصمة و الرسالة و القرآن الكريم و الخلافة و وجود النظام الإسلامي و التحكيم الاسلامي و احياء الشريعة و القضاء و الحكم و الدستور و النظم و الولاء...
القيامة و الحساب و الجنة و النار و الموت و البعث و النشر و الملائكة و عالم الآخرة و القبر و الصراط و الميزان...
كل أصل يتفرع منه مجموعة اعتقادات تشكل عناصره و نلاحظ ان مجرد تعداده يأخذنا إلى ميدان العمل والتطبيق لأنها تحمل معها وجهاً تنفيذياً إجرائياً واضحاً .
يتوافق المسلمون على هذه العناوين و يختلفون في درجاتها و تفاصيلها احياناً لكن ينفرد الشيعو الإمامية بالإعتقاد بالإمامة وهو متفرع من الايمان بالنبوة استناداً على ما بينه العلماء في الأدلة .(6)
وليس هنا محل مناقضة الاختلاف، بقدر إبراز الإشتراك بين المسلمين ، و ماهو مؤثر على دور المرأة المسلمة في نهضة الصحوة الحديثة، رغم ذلك ، فإن هذا الاصل الاعتقادي يخبئ سراً عظيماً على مستوى التأثير، ولا يمكن غض النظر عنه، عند دراسة العقائد الدينية المؤثرة في الصحوة، فكلما حاولت ذلك - كباحثة - فأجاتني الوقائع الملموسة مثلاً : كيف خاطب قادة الصحوة الاسلامية المرأة في مجتمعهم ؟ نحتاج إلى دراسة تجربة ناجحة .
ثالثاً ما هي العقائد الدينية التي برزت في الخطاب الصحوي ؟ لنقل كنموذج بارز على الخطاب الإسلامي من خلال إحدى أبرز مصاديق الصحوة الاسلامية : المرأة في ظل الثورة الاسلامية المباركة كانت محط انظار و اهتمام السيد الإمام الخميني ( قده) فما هي المواضيع التي خصصها للمرأة، و تدخل ضمن الإطار الفكري و العقدي ؟ بمعنى آخر: ما هي العناوين العقدية التي تكررت و برزت في كلمات مفجر الثورة الإسلامية ، خاصة في المناسبات و المحافل التي يخاطب فيها المرأة الإيرانية التي شاركت في هذه الصحوة ؟
في جولة سريعة على معظم خطابات الإمام ( قده )(7) تبرز العناوين التالية :
اهمية الاعتقاد بالرقابة الإلهية الإخلاص و اليقين بلله و التوكل عليه و الطاعة و الحرص على نيل الرضا الإلهي مرجعية الإسلام و كفايته: كم يحمل هذا الخطاب الإلهي في القرآن من مسؤولية... مسؤولية الاكتفاء بالاسلام يكفينا نبي الاسلام تكفينا احكام الإسلام و أهدافه ... نحن مكلفون بالحفاظ على دين الله ... بالمحافظة على الاهداف الإلهية، و إنكن أيتها المخدرات المؤمنات أولى من غيركن بهذا... لقد من الله تبارك و تعالى علينا بهذا اللطف بان نحافظ مع الله عزوجل على الدين الاسلامي في قوله:( حسبك الله و من اتبعك من المسلمين ) .(8)
اهمية الاعتقاد بكرامة السيدة الزهراء (ع) و أبعاد شخصيتها، كونها النموذج الاعلى للمرأة اليوم: هذا المعتقد تكرر في معظم كلمات الامام في المحافل النسائية، وقد سن يوم المرأة العالمي بتاريخ ذكرى ولادتها الميمونة ولم يطرح معلومات تاريخية فقط بل كان يركز على البعد الامامي و المعصوم و التربية المطهرة، و الدروس المستفادة من شخصية امرأة تملك بعداً روحياً خاصاً في واقع و ظروف قاسية شخصتها بيتها تربيتها فلسفة الامامة من وجهة نظرها في خطبة فدك الشهيرة، تسبيها و عبادتها، موافقها الباسلة و الجريئة، إرادتها في المواجهة و تحدي الظلم ، اخلاقها... والعناوين كثيرة و متعددة يضيق البحث عن عرضها بالفعل لم تكن الزهراء امرأة عادية كانت امرأة روحانية... امرأة ملكوتية ... كانت انسانا بتمام معنى الكلمة... نسخة انسانية متكاملة امرأة حقيقية كاملة ... حقيقة الانسان الكامل بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة انسان ... بل كائن الهي جبروتي ظهر على هيئة امراة .(9)
الاعتقاد بالأئمة و عصمتهم و توطيد العلاقة الروحية بهم:وهو عنوان تكرر كثيراً في خطاباته: نحن نفخر أن تكون الادعية الحياتية صادرة عن أئمتنا المعصومين نحن نفخر ان تكون منا المناجاة الشعبانية للائمة ودعاء عرفات للحسين(ع) بن علي ، و الصحيفة السجادية زبور آل محمد و الصحيفة الفاطمية وهي الكتاب الملهم من قبل الله تعالى إلى الزهراء المرضية.(10)
ترسيخ الاعتقاد بالإمام الغائب (عج) و أهمية التمهيد له، إن بياني لعاجز عن وصف المقاومة الشاملة و الباهرة التي يبديها ملايين المسلمين المولعين بالإيثار و التضحية و الشهادة في بلد صاحب الزمان ارواحنا فداه وإني لأعجز عن تناول ملاحم و بطولات و بركات الابناء المعنويين للكوثر الزهراء (ع) .(11)
الاعتاقد بكرامة المرأة و أهمية دورها إلى جانب الرجل في الإسلام لا خلفه المرأة مبدأ جميع الخيرات و قد رأيناكيف كان دور المرأة في هذه النهضة إننا نعتبر أن نهضتنا مدينة للنساء فالرجل كانوا ينزلون إلى الشوارع اقتداء بالنساء فهن شجعن الرجال و كن دائما في مقدمة الصفوف .(12)
ترسيخ القدوة شجاعة زينب (ع) - مساهمة السيدة خديجة (ع) في نشر الإسلام - كرامة السيدة مريم العذراء ...
أولوية التربية الإسلامية و كونها وظيفة المرأة بالاصالة : تحفل كلماته بتثبيت هذا المبدأ و دور الإسلام في كونه مرجعية تربوية فتناول اكثر من مرة موضوع الحضانة و خطورتها على الطفل صبر الأم اهمية الأسرة أهمية الاخلاف و حسن التعامل ارتباط صلاح المجتمع بالتربية الصالحة: بإمكان الانسان الصالح أن يهدي عالماً ، و الفاسد قد يجر العالم إلى الفساد، فالسفاد و الصلاح يبدأ من احضانكن و من تربيتكن و من بيوتكن والمدارس اللاتي تعملن فيها (13) وغيرها من الأمور التي أراد الإمام ترسيخها في عقل النساء الايرانيات و وجدانهن ليضمن سلامة مسيرته الاسلامية لكن لم تكررت بشكل بارز في كلامه للمرأة شخصية السيدة الزهرا (ع) ؟ ثم الاسرة و صلاح المجتمع ؟ مع ملاحظة أن هذه الكلمات جميعها استهلت بتثبيت قاعدة المرجعية الإلهية في الحياة كعقيدة راسخة
رابعاً: دور مبدأ الإمامة و الولاية في التنمذج
لن نتناول مبدأ التوحيد و النبوة بقدر الولاية - رغم اختلاف المسلمين بالاعتقاد بها - وربما كان هذا سبباً وجيهاً لدراسة تأثيرها في ميدان الواقع اكثر لكن لن نتناولها بعيداً عنهما أيضاً .
لا شك ان مبدأ الايمان بالتوحيد و العدالة الإلهية و التزاماً بالطاعة مع مصاحبة الرضا أثناء الالتزام . و يؤمن جميع المسلمين بأن حق جل اسمه، قد تلطف بهم إذ أرسل من لدنه انبياء ورسل معصومين منزهين يقومون بدور التعليم و البيان و الدعوة إلى عبادته و التبشير و الإنذار وهو ما يؤثر فينا أيضا بلزوم طاعتهم و الايمان برسالتهم و البحث في قصصهم لأخذ العبرة و الموعظة لكن اين يمكن السر ؟ سر الالتزام الحقيقي عقلا و قلبا و عملا؟ ان يلتزم الانسان و هو راضي محب؟
إضافة إلى سؤال آخر : العلوم تكسب بالتعليم لكن الاخلاق كيف تكتسب؟ الا نحتاج إلى نماذج من الانسان الكامل نفسه لكن بظروف متنوعة مختلفة ملونة متقدمة زمنياً في السلم و في الحرب في الغنى و الفقر، في الحرية و الأسر، في النعمة و الشدة في الصحة و المرض ... أعني ألا يحتاج الإنسان لنموذج كامل يعمله كيف يواجه الظلم دون الاعتداء؟ كيف يبني مجتمعه؟ كيف يساعد غيره ؟ كيف يربي أبناءه و يروض نفسه ؟ المرأة و الرجل و الطفل؟ الا يحتاج إلى برنامج تربوي يطبق امامه ما كلفه به الاسلام ؟ الظاهر والباطن ؟ الروح و الجوهر ؟
من المعروف أن الأخلاق و لا تكسب لذلك نحتاج إلى قدوة عاشت أكبر عدد ممكن من الظروف المختلفة يكمن السر هنا تحديداً ولا أظن أن الصدفة كانت سببا لتكرر شخصية الزهراء (ع) في خطاب المرأة بقدر ما كان هذا الاعتقاد حاضراً لدى الامام الخميني في كلماته لأ،ها كانت ملهما للمرأة للتحرك على هذا المستوى، وهذا الالهام مبني على الايمان بأنها من بيت العصمة أي مبدأ الامامة المتفرع عن النبوة التي لا نؤمن بها حتى نكون موحدين بالأصل و ربما يكون هذا تفسيراً لأن الامامية أيضاً يؤمنون بأ، " حب أهل البيت عبادة " لأن الحب هو الطريق الأوحد للذوبان في نموذج القدوة واحتذائه ببصيرة خاصة و علاقة وثيقة .
ربما هذا ما دفع المرأة الايرانية للثبات و الصبر و القوة مع المحافظة على جميع التعاليم الإسلامية تحت هذه المظلة الاعتقادية وما دفع المرأة اللبنانية في تموز 2006 إلى الصبر و النضال و التضحية ايضاً وما يدفع كل امرأة حرة ان تطالب بتحقيق العدالة و رفع الظلم و الاضطهاد عن أبناء شعبها، و هو دافع لتربية أجيال اخرى و المساهمة في نشر هذا الوعي وهذه الرسالة، فتحرك تلك القبضات مرة واحدة مصر ، تونس، ليبيا، البحرين
قيمة مساهمة المرأة في الصحوة
إن المعيار الأصح لقياس مشاركة المرأة أو مدى فاعليتها الاجتماعية او الاقتصادية او سواها هو نتاج ما تعتقد به ليرشح على القيم الاخلاقية او قيم التضحية او قيم المسؤولية التربوية و الرعائية التي تتحملها المرأة التي يدعوها إليها الاسلام او ينيطها بها المجتمع و ثقافته كما يفترض الا تتزلق الهيئات او ينيطها بها المجتمع و ثقافته... كما يفترض الا تتزلق الهيئات و الجمعيات خاصة النسائية منها و معها وسائل الاعلام و الندوات و المحاظرات إلى إهمال قدر المرأة المربية في الاسرة بحيث تطبق تلك القيم والتي في الواقع بعمل لا يقل بأي حال من الاحوال بل يتفوق عمّا تقوم به على سبيل المثال إمرأة تعمل في هيئات اجتماعية دون دراية أو بصيرة بصلاح مجتمعها او فساده .
إن التأكيد على قيمة العمل الاسري و مسؤوليته و جسامته الذي تقوم به المرأة في بيتها بمستوياته التربوية و الرعائية و مساهمته في استقرار الاسرة مقارنة بقيمة بأي عمل آخر فله اهمية كبيرة في التعويض النفسي للمرأة التي قد تشعر في بعض الحالات بإهمال المجتمع لها، أو بسوء تقدير التضحية التي تقوم بها داخل الاسرة... و ما ينبغي الاشارة اليه أيضاً، في إطار ارتباط عمل المرأة بمرجعية الاسرة هو - برأينا - تشجيعها على الانحراف في العمل التطوعي في الهيئات و الجمعيات و الاندية التي تعنى بقضايا المجتمع المختلفة فمثل هذه المشاركة تتيح للمرأة أن تكون على صلة بمشاكل المجتمع الذي تعيش في هو ان تساهم بمقدار استطاعتها في مديد العون لمعالجة تلك المشاكل دون أن ينعكس ذلك سلباً على اسرتها لأنها هي التي ستختار التوقيت و الجهد المناسبين بما لا يتعارض مع حاجة اسرتها و اطفالها إليها، وستشعر في الوقت نفسه، بممارسة دور اجتماعي ، يكسر عنها طوق العزلة التي قد تحاصرها جراء استغراقها المتواصل في الاهتمام بأسرتها و اطفالها .
تعد مسألة النظر إلى حضور المرأة و مشاركتها الاجتماعية مسألة مقاييس و مرجعيات قيمية و ثقافية فكل الاحصاءات تشير في معظم دول العالم و في مقدمتها الدول الاسلامية إلى نسبة البطالة المرتفعة وإلى عجز هذه الدول عن توفير فرص العمل للمتخرجين من الجنسين . أصف إلى ذلك نسبة الامية المرتفعة في البلاد العربية ( 70 مليونا ً ) خاصة بين الإناث ما يعني أن الاولوية في هذه البلدان هي تعليم المرأة لأن التعليم عموماً يرفع مستوى الانسان الفرد و مستوى الاسرة و مستوى المجتمع كله فهو قيمة انسانية عظمى ، بها يرتقي الانسان و يسمو .(14)
ماهي مشاركة المرأة الاجتماعية الحقيقية ؟
ليس عمل المرأة ومشاركتها الاجتماعية أو السياسية، كما يفترض الكثيرون، مقياساً للتحول الذي يحصل في المجتمع بالاتجاه الاكثر تطوراً أو تقدماً، وليست أنواع المشاركة التي تحددها المعايير الغربية هي المعايير الصالحة دائماً او الثابتة لقياس حجم المشاركة وأهميتها فهذه المعايير ( الغربية ) تربط عادة بين اعداد النساء في البرلمان او الحكومة او المؤسسات الاقتصادية او سواها، لتستنتج مستوى مشاركة المرأة ومدى فاعليتها و لكن في مقابل ذلك نلاحظ كنموذج آخر، أن المرأة في فلسطين التي قد تغيب عن المؤسسات البرلمانية أو الحكومية ، أو توجد فيها ينسب ضعيفة جداً تشارك بكثافة و فاعلية غير عادية في مواجهة الاحتلال الصهيوني لبلادها من خلال الاعتصام و الإضراب و التظاهر و الصبر على اعتقال الزوج او استشهاد الابن... فهل يمكن القول هنا، إن هذه المرأة الفلسطينية محرومة من المشاركة و معزولة و متخلفة ؟
إن ما يؤكد فرضية عدم التلازم بين مشاركة المرأة و بين تقدم المجتمع و تطوره وارتقائه هو الأمثلة و النماذج التي يقدمها عالم الغرب فقد وصلت المرأة في معظم بلدان هذا الغرب في الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة وحتى إسرائيل، إلى مواقع مهمة في مناصب اساسية في هرمية السلطة في تلك البلدان. من ( كونداليزا رايس ) وزويرة الخارجية الاميركية السابقة مروراً بـ( تسيبي ليفي ) نظيرتها الاسرائيلية إلى ( ميشال اليو ماري ) وزيرة الدفاع الفرنسية ،إضافة إلى أخريات في الخارجية البريطانية و السويدية و المستشارة الالمانية ( انجيلا ميركل ) ... و غيرهن كثيرات. من دون ان ننسى دور المجندات الاميركيات في احتلال العراق ... فما الذي تغير نحو الافضل بعد وصول المرأة إلى كل تلك المناصب الرفيعة في البلدان الغربية ؟ ألم تلتزم تلك النساء سياسات بلادها و تدافع عنها في حصار دول اخرى وفي الدفاع عن الجرائم الإسرائيلية وفي الحرب على " الارهاب " و الاستعلاء على المسلمين ؟ فأين هي مؤشرات التقدم في تجربة وصول المرأة إلى تلك المناصب في التجربة الغربية ، بعد ما فعلته بشعوب العالم الأخرى ؟
الفهرس المصادر
1- يراجع عتريسي طلال (د) : أي نموذج لعمل المرأة؟ مجلة نجاة إسلامية تعنى بقضايا المرأة و المجتمع جامع المصطفى العالمية ع 17 ص 52-55
2- المطهري، مرتضى : التربية و التعليم في الإسلام ط 4 دار الهادي بيروت 2005 م 18/22
3- الطوسي كتاب الآمالي ج 1 ص 145
4- بناء على نظرية علماء الاخلاق المسلمين ، بان النفس تملك ثلاث قوى : الغضبية و الشهوية اللتان تخضعان للقوة الثالثة العقلية
5- سورة الزمر : آية 20
6- يراجع : المفظر: عقائد الإمامية مبحث الإمامة
7- يراجع: الخميني ، روح الله: مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني ( قده ) إعداد مؤسسة تنظيم و نشر تراث الإمام الخميني (قده) ( لا . ط ) سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية دمشق ، ( لا، ت )
8- ( م ن ) ص 188
9- ( م ن ) ص 23
10- ( م ن ) ص 27
11- ( م ن ) ص 26
12- ( م ن ) ص 40
13- ( م ن ) ص 168
14- يراجع : عتريسي ، طلال (د ) ( م . س )