شواهد على ميل بني إسرائيل إلى التجسيم و التشبيه
نزلت الشرائع السماوية على تنزيه الله سبحانه عن كونه جسماً او جسمانياً مشابهاً لمخلوقاته إلى غير ذلك مما يعد من آثار المادة .
غير أن احتاك اقوام ممن نزلت عليهم الشرائع بالوثنيين صار سبباً للميل إلى التجسيم و التشبيه، وعلى رأسهم قوم بني اسرائيل ويدل على ذلك شواهد نسردها ذيلاً :
1. طلبهم من موسى (ع) الإله المجسم
أنّ نبي الله موسى (ع) بعد ما عبر ببني إسرائيل البحر و نزلوا إلى الضفة الأخرى منه رأوا أن أقواماً يعبدون أصناماً فطلبوا من موسى (ع) أن يجعل لهم إلهاً مثل ما لهم آلهة هؤلاء لكي يعبدونها، فكأنهم فكروا أ، عبادة الإلة غير المرئي أمر غير مفيد فيجيب أن يعبد الله سبحانه بصورة موجود مجسم و هذا ما يحكيه قوله سبحانه :
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾(1)
فالآية تحكي أنّ النزوع إلى الوثنية كان راسخاً في نفوسهم حتى غفلوا عن النعمة الكبرى التي شملتهم وهي نجاتهم من فرعون فطلبوا من موسى ما يضاد شريعته و عقيدته .
2.طلبهم رؤية الله تعالى
الشاهد الثاني على رسوخ فكرة التجسيم عندهم أنهم طلبوا من موسى (ع) رؤية الله سبحانه بالعين، ولو لاها لم يؤمنوا به، وهذا ما يحكيه الذكر الحكيم في قوله سبحانه : ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴾(2)
3. عبادتهم العجل في غياب موسى (ع) عنهم
الشاهد الثالث على رسوخ فكرة التجسيم في أذهانهم و آنهم كانوا يميلون إلى الإله المجسم اكثر من ميلهم لما دعاهم إليه موسى (ع) اغترارهم بما صنع السامري حيث صنع لهم عجلاً جسداً له خوار و دعا هم لعبادتهم فعكف القوم إلا القليل منهم - على عبادته دون أن يدور في خلد أحدهم أن هذا يخالف ما دعاهم إليه نبيهم موسى (ع) عبر السنوات الطوال وهذا مايحكيه الذكر الحكيم عنهم قال سبحانه:
﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾(3)
وفي آية آخرى يتضح بصراحة أنهم اتخذوا ها العجل إنها لهم، قال سبحانه: ﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ﴾(4)
وهذه الحوادث التاريخية المريرة على قلب موسى (ع) التي يذكرها القرآن الكريم تحكي عن انحراف بني اسرائيل عن خط التنزية إلى خط التجسيم.
* تطرق فكرة التجسيم إلى النصرانية
لما بعث المسيح (ع) الى بني إسرائيل ذكر بأنه بعث بنفس ما بعث به الكليم فقال : ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾(5)
ولكن نطرقت فكرة التجسيم إلى النصرانية بعد مارفع الله المسيح (ع) وكان المبدأ لذلك هو الديانة البرهانية التي رفعت على التثليث و قالت بالآلهة الثلاثة : أعني:
1. برهما : الخالق
2.فيشنو: الواقي
3. سيفا: الهادم
فالإله عند البراهمة يشبه مثلثاً ذا أضلاع ثلاث و كانت تلك الفكرة منتشرة بين الروم القاطنين في سوريا و فلسطين و ما جاورها حيث بعث المسيح (ع) فأخذ أتباعه في القرن الثاني نفس الفكرة فصبغوها بشكل آخر فصار التثليث بالنحو الثاني : الأب ، الأبن، روح القدس ، وهي التي يسمونها الأقانيم الثلاثة، ينقل الاستاذ محمد فريد و جدي عن دائرة معارف ، لاروس ، مايلي :
إن تلاميذ السيح الأوليين الذي عرفوا شخصه و سمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه احد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق، وما كان بطرس - أحد حوارييه - يعتبره إلا رجلاً موحى اليه من عندالله، أما بولس فإنه خالف عقيدة التلاميذة الأقربين لعيسى و قال : إن المسيح ارقى من إنسان وهو نموذج انسان جديد أي عقل سام متولد من الله.(6)
ثم أن القرآن الحكيم يحكي عن أن النصارى قد اقتبسوا هذه الفكرة من الذين كفروا من قبل ، قال سبحانه :
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّـهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّـهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾(7)
* دور الأحبار و الرهبان في نشر فكرة التجسيم
بعث النبي الخاتم (ص) على تنزيهه سبحانه و رفع مقامه تعالى عن مشابهة المخلوقات ، ملهماً من قوله سبحانه : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾(8) غير أن قسماً من الاحبار و الرهبان الذين استسلموا ظاهراً - ولكن بقوا على ما كانوا عليه من الديانة الموسوية أو العيسوية باطناً - أشاعوا بين المسلمين نفس الفكرة بواسطة الأحاديث و القصص التي كانوا يحكونها عن كتبهم فأخذهم السذج من المحدثين كحقايق صادقة واقعية ، محتجبين بما نسب إلى النبي (ص) من قوله : " حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
وقد اغتر بهذه الإسرائيليات او المسيحيات محدثان معروفان هما: ابن خزيمة وابن مندة، فقد حشدا في كتابيهما كل ما يدل على تلك الفكرة الموروثة .
فعن الاول يقول الرازي في تفسيره الكبير عند تفسير قوله سبحانه : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾
احتج علماء التوحيد قيدماً و حديثاً بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسماً مركباً من الأعضاء والاجزاء، وحاصلاً في المكان و الجهة وقالوا: لو كان جسماً لكان مثلاً لسائر الأجسام فيلزم وجود الأمثال و الاشباه له، و ذلك باطل بصريح قوله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾.(9)
وأعلم ان محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال اصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بـ"التوحيد " وهو في الحقيقة كتاب الشرك ثم وصفه بقوله: إنه مضطرب الكلام قليل الفهم ناقص العقل .(10)
ولكلامه صلة، من أراد فليرجع إليه.
وكفى في حق الثاني ( ابن مندة ) ما سنذكره عنه من قوله : إن الله سبحانه عرشاً يجلس عليه وهو يتط أطيط الرحل.
* نصوص من ابن تيمية على التجسيم
إذا عرفت هذه المقدمة الموجزة فلندخل إلى المقصود من هذه المحاضرة، و هو أنّ أحمد بن محمد بن تيمية المولود(661-728 ق)، قد اقتفى تلك الفكرة إما كناية وأخرى صريحاً و ها نحن ننقل نصوصه من كتبه، حتى يقف من اغتر بآرائه انه كان مخطئاً في تلك العقيدة ومخالفاً لما عليه علماء الإسلام عبر القرون و ائمة اهل البيت كلهم .
النصل الاول: يقول في تفسير قوله سبحانه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (11)وتفسير قوله: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾(12) ما هذا نصّه:
فإنه لا يدلّ على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولاعلى نفي ما يسميه اهل الاصطلاح جسماً بوجه من الوجوه.(13)
ومراده من الصفات في قوله " نفي الصفات " ، الصفات الخبرية التي أخبر عنها سبحانه كاليد و الوجه و غيرهما ، فهو يعتقد أنّ الجميع يوصف به سبحانه من غير تأويل ولا تعطيل بل بنفس المعنى اللغوي .
النص الثاني : وقال أيضاً:
وأما ذكر التجسيم و ذم المجسمة ، فهذا لا يعرف في كلام أحد من السلف و الأئمة، كما لا يعرف في كلامهم ايضاً القول بأن الله جسم أو ليس بجسم .(14)
النص الثالث : و يقول في كتاب آخر له :
وأما ما ذكره ( العلامة الحلي ) من لفظ الجسم و ما يتبع ذلك بأن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات الله لاكتاب و لاسنة لا نفياً ولا إثباتاً ولا تكلم به أحد من الصحابة و التابعين وتابعيهم لا أهل البيت ولا غيرهم .(15)
النص الرابع : إلى هنا يتضح انه اخفى التصريح بأنه تعالى جسم ، ولكن ذكر ان تلك القضيتين ليستا من كلام السلف يعني أن الله جسم أو ليس بجسم ، ولكنه في موضع من كتابه منهاج السنة أظهر عقيدته و هذا ما نلاحظه في النص التالي.
وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات والله تعالى يرى في الآخرة و تقوم به الصفات و يشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم و قلوبهم و وجوههم و أعينهم فإن اراد بقوله: ليس بجسم هذا المعنى قيل له هذا المعنى - الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصريح المنقول و صريح المعقول وانت لم تقم دليلاً على نفيه .(16)
فقد عرف إلهه الذي يعبده بالأمور التالية :
1. أنه يشار اليه
2. أنه يرى
3. أنه يقوم به الصفات فيكون مركباً
4. أن له مكاناً ، بدليل رفع الناس أيديهم عند الدماء إلى الأعلى .
فالإله بهذا المعنى عنده ثابت بصحيح المنقول و صريح المعقول .
النص الخامس : وقال أيضاً :
وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول انحد من سلف الأمة و أئمتها أنه ليس بجسم و أن صفاته ليست أجساماً و اعراضاً .(17)
هذه كلماته التي نقلناها بنص من كتبه المشهورة، ودع عنك ما ذكره في الرسائل الكبرى التي سيوافيك شيء منه .
ولكن ما ندري ماذا يريد بقوله : " ثابت بصحيح المنقول " ؟ فهل يعني الذكر الحكيم ؟ فما اختاره يضاده تماماً حيث يقول ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾، فلو كان سبحانه جسماً يلزم ان يكون له طول وعرض و ارتفاع ، وبالتالي يكون مركباً من اجزاء محتاجاً في تحقيقه إلى كل جزء. هذا ما يقوله صحيح المنقول .
وأما ما نسبه إلى صريح المعقول فهو أيضاً يضاد ما ذكره تماماً كذلك إذ لو كان جسماً لا حتاج إلى مكان ، فالمكان إما أن يكون قديماً فيكون الهاً ثانياً وإن كان حادثاً أحدثه سبحانه فأين كان هو قبل إحداث هذا المكان .
وأما رفع الناس أيديهم عند الدعاء فلا يعنى أنه سبحانه في السماء و إنما يريدون إفهام رفعة مقام الله سبحانه برفعهم ايديهم.
وأما ما نسبة إلى السلف - فالسلف برئ منه براءة يوسف مما اتهم به - فيكفينا أن نذكر كلام البيهقي في كتابه الأسماء و الصفات ، قال :
احتج أهل السنة على أنه سبحانه ليس في مكان بالحديث النبوي التالي، قال (ع) " أنت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء" فإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان .(18)
وهناك كلمات كثيرة من أهل الحديث لا يسعها المقام .
* إجابة عن سؤال
ربما نسمع من الكثير من أتباع الرجل قولهم : أنه سبحانه جسم لا كالأجسام ، نظير قولنا : شيء لا كالأشياء ، فكما أن الثاني صحيح، فالأول صحيح أيضاً .
والجواب عنه واضح وهو أن الشيء لا يدل على خصوصية خاصة بل يدل على نفس الوجود و التحقق فلا مانع من أن يقال : أنه شيء لا كالأشياء ، أي له موجود لا كوجود الأشياء المحتفة بالخصوصيات الزائدة على الوجود .
وامّا الجسيم فيدل على خصوصية مقومة له وهو كونه ذا عرض وطول وارتفاع ، فالقول بأنّه جسم ، يلازم ثبوت هذه الصفات. فتعقيبه بـ"لا كالأجسام ينفي هذه الخصوصيات " فيكون الكلام حاملاً للتناقض .
* كلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية
إن ابن تيمية قد بدأ بنشر أفكاره الشاذة لأول مرة في رسالته في العقيدة الواسطية-أعني الرسالة التاسعة من مجموعة الرسائل الكبرى - و وصف فيها الباري سبحانه بالعبارة التالية : " تواتر عن رسوله (ص) و اجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته ، على عرشه ، عليٌ على خلقه " .(19)
ومعنى العبارة أنه سبحانه :
1. فوق السماوات
2. جالس على عرشه
3. في مكان مرتفع عن السماوات والأرض
وليس لهذه الجمل معنى سوى أنه كملك جالس على السرير في مكان مرتفع ينظر إلى العالم تحته . نعم استند هو في كلامه هذا بما نقله ابن مندة في توحيده عن رسول الله (ص) أنه قال : " ويحك أتدري ما الله، إنّ عرشه على سماواته وأرضيه- هكذا بأصابعه - مثل القبة عليها و أنه ليئط أطيط الرحل بالراكب " .(20)
وكأنه سبحانه جسم كبير فوق الكبر له ثقل على العرش و هو يئط كما يئط الرحل حينما يجلس عليه الإنسان الثقيل .
وللأسف فإن هذا الحديث قد ورد كثيراً في كتب الحديث فقد نقله ابو داود في سننه برقم 4726، و ابن خزيمة في توحيده برقم 147، وابن ابي عاصم في السنة ، ص 575، و ابن أبي حاتم في تفسير سورة البقرة برقم 223.
ولا شك أن هذا الحديث و أمثاله من الإسرائيليات التي تطرقت إلى كتب الحديث، هو من الآثار السليبة لمنع كتابة الحديث النبوي في القرن الأول و شيء من الثاني، حتى تداركه الدوانيقي عام 143 ق .
* حديث نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا
إن ابن تيمية يعتقد بأن نزوله سبحانه حقيقي واقعي ملموس ، وهذا ما يحكيه الرحالة الطائر الصيت ابن بطوطة، يقول:
حضرت يوم الجمعة مسجداً يعظ فيه ابن تيمية على منبر الجامع و يذكرهم فكان من جملة كلامه إن قال : ان الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا و نزل من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء و أنكر ما تكلم به فقامت العامة إلى هذا الفقيه و ضربوه بالأيدي و النعال ضرباً كبيراً.(21)
* موقف أهل البيت (ع) من فكرة التجسيم
تقدم أن ابن تيمية ذكر في كلماته أنه لم يرد عن أهل البيت (ع) ما يدل على عدم كونه جسماً، ولكنه لبعده عنهم وما يبدو من كلماته من النصب و العداء الذي يكنه لهم فإنه لم يراجع كلماتهم ، فصار يرمى الكلام على عواهنه من غير دليل .
وقد وقف الأصم و الأبكم فضلاً عن العلماء أن التوحيد و التنزيه من شعار أئمة أهل البيت (ع) كما أن التشبيه و الجبر من شعار الأمويين، وها نحن ننقل شيئاً قليلاً من كلمات أهل البيت النبي (ص) يقول الإمام اميرالمؤمنين(ع) في احدى خطبه :
ما وحدّه من كيّفه، ولا حقيقته اصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبّهه، ولا صمده من اشار اليه و توهمه .(22)
روى الصدوق بإسناده إلى أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور قال : خطب اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب(ع) يوماً خطبةً بعد العصر، قال فيها :
الحمدالله الذي لا يموت ، و لا تنقضي عجائبه ، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن ، الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً ، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخرتيه حد و لا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا مكان .(23)
فأي كلمة أوضح في نفي التشبيه والتجسيم من قوله (ع) " لم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً" و أي جملة أوضح في نفي المكان من قوله :" ولم يوصف بأين ولا مكان " .
هذه إلمامة عابرة إلى توحيد ابن تيمية ، و أما الكلام في سائر آرائه و أفكاره الشاذة عن الكتاب و السنة فموكول إلى وقت آخر بإذن الله سبحانه .
( آية الله العظمى جعفر سبحاني )
فهرس المصادر
1- سورة الأعراف ، الآية 138.
2- سورة البقرة الآية 55
3- سورة الأعراف الآية 148
4- سورة طه ، الآية 88
5- سورة الصف ، الآية 6
6- دائرة المعارف القرن العشرين ، مادة ثالوث ، ج 2 ، ص 759
7- سورة التوبة ، الآية 30
8- سورة الشورى ، الآية 11
9- سورة الشورى ، الآية 11
10- التفسير الكبير ، ج 27 ص 150
11- سورة الشورى الآية 11
12- سورة مريم الآية 65
13- درء تعارض العقل و النقل ج 1 ، ص 66
14- همان ، ص 140
15- منهاج السنة ، ج 2 ص 117
16- همان ص 75
17- بيان تلبيس الجهمية ج 1 ص 110
18- الاسماء و الصفات ج 2 ص 289 باب ما جاء في العرش و الكرسي
19- مجموعة الرسائل الكبرى الرسالة التاسعة ج 1 ص 401
20- توحيد ابن مندة ، 429
21- رحلة ابن بطوطة ، ص 95/96
22- نهج البلاغة ، الخطبة 186
23- توحيد الصدوق ، ص 31
المصادر
• القرآن الكريم
1- الأسماء و الصفات ، احمد بن الحسين البيهقي ، جدة : مكتبة السوادي
2- بيان تلبيس الجهمية : ابن تيمية مكة ، مطبعة الحكومة ، 1392 ق
3- التفسير الكبير ( مفاتيح الغيب ) محمد بن عمر فخر رازي ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1420ق
4- توحيد ابن مندة : ابن مندة ، بيروت : طبع مؤسسة المعارف
5- التوحيد : الشيخ الصدوق ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي 1398 ق
6- دائرة المعارف القرن العشرين : محمد فريد و جدى ، بيروت : دار الفكر
7- درء تعارض العقل و النقل : تحقيق : محمد رشاد سالم ، رياض : دار الكنوز الادبية ، 1391 ق
8- رحلة ابن بطوطة : ابن بطوطة دار صادر 1384 ق
9- مجموعة الرسائل الكبرى ، ابن تيمية ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي
10- منهاج السنة النبوية ، ابن تيمية ، تحقيق : محمد رشاد سالم ، قاهره : مؤسسة قرطبة