• مقدمة
التوحيد أول شيء نادى به النبي المرسل (ص) في عهد الجاهلية و هو من المباحث الأساسية و العناصر الرئيسية في الإسلام وفي سائر الأديان السماوية ولكن الشرك جرثومة و أصل لإيجاد المغادرة في فكر الإنسان و إستمرار سنن الجاهلية.
والملاحظ أن المراد من التوحيد في الإسلام اولاً هو التوحيد في العبادة ، لأن بعض المشركين يعتقدون بأن الله سبحانه تعالى خالق الأشياء بلا ند، كما في قوله تعالى : ( ولئن سَألتَهم من خلقهم ليقولن الله )(1) ، و أيضا يعتقدون بأن عبادتهم بسبب للأوثان إنما هي لأجل أن يقربهم كما حكى الله تعالى عنهم بقوله : ( ما نَعبُدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) (2) ثم الصراع مع الوثنية .
وقد جرت السيرة المطردة منذ صدر الإسلام ، من عصر الصحابة الأولين و التابعين لهم بإحسان ، على زيارة قبور ضمت في بطونها نبياً مرسلاً، أو إماماً طاهراً أو ولياً صالحاً او عظيماً من عظماء الدين و في مقدمها قبر النبي الأقدس (ص) وكانت الصلاة لديها، والدعاء عندها، والتبرك والتوسل بها، و التقرب إلى الله و ابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد ، من المتسالم عليه بين فرق المسلمين من دون أي نكير من آحادهم و أي غميزة من أحد من على اختلاف مذاهبهم.
• التوسل لغة واصطلاحا
الوسيلة في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء و يتقرب به (3) و قال الفيومي:
وسلت: إلى الله بالمل " أسِل " رغبت و تقربت و منه اشتقاق " الوسيلة " وهي ما يتقرب به إلى الشيء... و " توسل" إلى ربه بوسيلة تقرب إليه بعملٍ.(4)
ومعناه الأصطلاحي ليس بعيداً من معناه اللغوي و هو جعل الوسيلة للوصول إلى المطلوب .
• المبحث الأول : أنواع التوسل
التوسل يتقسم إلى ثلاثة اقسام :
1- التوسل الجائز بإجماع المسلمين حتى الوهابية
2- التوسل غير الجائر بإجماع المسلمين حتى الشيعة
3- التوسل الذي فيه اختلاف بين المسلمين و بين السلفية
الف ) التوسل الجائز بإجماع المسلمين حتى الوهابية (5)
• هذا القسم ايضاً يتقسم إلى اقسام :
1- التوسل بأسماء الله و صفاته : ودليه قوله سبحانه : ( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمئه سيجزون ما كانوا يعملون ) ( 6 ) واخرج الترمذي عن عبدالله بن بريدة عن ابيه ان رسول الله (ص) سمع رجلا يقول :
اللهم اني اسألك بأني اشهد انك انت الله لا اله الا انت الاحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد . فقال النبي : " لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي اذا دعي به أجاب و اذا سئل به أعطى " (7)
والأحاديث في ذلك كثيرة .
2- التوسل بالقرآن الكريم : وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه روى الإمام احمد عن عمران بن الحصين :
انه مر على رجل يقص ، فقال عمران : إنا لله و انا اليه راجعون سمعت رسول الله يقول : اقرءوا القرآن و اسألوا الله تبارك وتعالى به قبل ان يحييء قوم يسألون به الناس (8)
و ورد عن أئمة اهل البيت (ع) انه يستحب في ليلة القدر ان يفتح القرآن امامه فيقول : اللهم أني اسألك بكتابك المنزل ومافيه و فيه اسمك الأكبر و أسماؤك الحسنى و ما يخاف و يرجى ان تجعلني من عتقائك من النار . (9)
3- التوسل بالأعمال الصالحة : حيث يتقرب الإنسان إلى ربه بأحسن عمل عمله و قد تظافرت الأحاديث عن الرسول (ص) في ذكر هذا التوسل ، أهمها حديث النفر الذي انطبق عليهم الغار فاتفقوا على أن يدعو كل واحد منهم بأحسن عمل عمله، فلما فعلوا ذلك فرج الله عنهم و نجاهم .
وقد رواه البخاري في صحيحه وهو حديث مشهور. ( 10)
4- التوسل بدعاء الرسول (ص) في حياته الدنيوية : وهو من اعظم الوسائل و أخصها ، لأن الرسول الأكرم مستاب الدعوة مقبول عند ربه و مرسله . وقد أشار القرآن إلى هذه الخاصية . يقول سبحانه وتعالى : ( ولو انهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.(11)
5- التوسل بدعاء المؤمنين بشرط حياتهم: وقد ورد في القرآن ان الملائكة يستغفرون للمؤمنين (12) و في الأحاديث حثّ على دعاء المؤمن لأخيه، بل أن ذلك من اسباب تعجيل الإجابة.(13)
ب) التوسل غير الجائز بإجماع المسلمين حتى الشيعة اهل البيت (ع )
التوسل بالنبي (ص) و آله (ع) و الاستعانة بهم بها انهم مستقلون باستجابة الدعاء و إنجاح الحاجة و رفع الحوائج و لكن الشيعة متوسلون بهم لأن المتوسل جعلهم وسائط و وسيلة لإجابة الله دعاءة
ج) التوسل الذي فيه اختلاف بين المسلمين و بين السلفية
وهو التوسل بالنبي و آله (ع) في غير زمن حياتهم الدنيوية وهو جائز عند المسلمين سيما الشيعة المعتقدين ان هذا التوسل احد المصاديق المبينة للوسيلة المذكورة في كلام الله تعالى : ( يا ايها الذين ءامنوا اتقوا الله و ابتغوا اليه الوسيلة ) (14) و ابتغاء الوسيلة – كما رأينا هنا – مطلق فيشمل جميع الموارد و الأزمنة سواء كانت في حياة النبي (ص) و المعصومين (ع) أم في غير حياتهم الظاهرية كما ينقل احمد بن حنبل عن عائشة ان المسروق قال لها:
سألتك بحق هذا القبر، ما الذي سمعت من رسول الله في حق الخوارج ؟ قالت سمعته يقول: إنهم شر الخلق و الخليقة و يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أقربهم عندالله وسيلة. (15)
أما عند السلفية فإنهم يعتقدون بأن لا ضرورة في قضاء الحاجات و إنجاح الحوائج عنده تعالى إلى التوسل . فلهذا نفاه الوهابيون به و استدلوا على ذلك بوجهين:
أ) البدعة : فإن هذا العمل لم يكن موجوداً في عهد رسول الله (ص) و الصحابة و لهذا كان التوسل بدعة واضحة.
ب) الشرك: لأن التوسل من أقسام الطاعة و عبادة غير الله و هو شرك بلا ريب . (16)
و أما الذي يلتفت النظر في هذا المجال هو تطورات الفكرية للوهابية حول مسألة التوسل :
المرحلة الأولى : في هذه المرحلة ينكرون التوسل و الاعتقاد به لما انه لا منشأ في عهد الرسول (ص) و الصحابة.
المرحلة الثانية : اما إذا تحرش به في تلك الزمان وعمل الأصحاب والمسلمين عدلوا عن كلامهم وقالوا: إنما كان التوسل في زمن الصحابة بالأحياء فقط دون الأموات و يحتجون لذلك تارة كما عن ابن عبدالوهاب و ابن تيمية بأنه خطاب لمعدوم، وذلك قبيح عقلاً، لعدم قدرة الميت على الإجابة و أخرى كما عن ابن تيمية: بأنه شرك. (17)
وهذا الاعتقاد مبني على القول بموت الانبياء و انقطاع صلتهم بالدنيا تماما و لكن بالبداية الجواب المختصر عن هذه الشبهة هو أن التوسل بالنبي (ص) و المعصومين(ع) بعد رحيلهم من الدنيا توسل بالاحياء لأنهم بالموت في الحقيقة انتقلوا من حياة الدنيوية إلى حياتهم البرزخية و مَثَل الموت القنطرة اللتي ينتقل من خلالها من مكان إلى مكان و قد أجاد الغزالي الشافعي حيث قال في إحياء علوم الدين :
ظن بعضهم أن الموت هو العدم و هذا رأي الملحدين و كل من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر و هذا معنى ما يقال: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.(18)
ومن حسن الحظ انّ المسلمين اتفقوا على انه حيّ وعلى الرغم من الخلافات المذهبية بينهم في فروع الدين، فإنهم يسلمون على رسول الله (ص) في تشهدهم في الصلاة، و يقولون : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله و بركاته "
وقد أفتى الإمام الشافعي و آخرون بوجوب هذا السلام بعد التشهد و أفتى الآخرون باستحبابه، لكن الجميع متفقون على أن النبي (ص) علمهم السلام و ان سنة النبي (ص) ثابتة في حياته وبعد وفاته فلو اتقطعت صلتنا بالنبي (ص) بوفاته فما معنى مخاطبته والسلام عليه يوميا ؟!(19 )
• اما الجواب عن دعوى ان التوسل الشرك
فهو ان التوسل بدعاء الرسول بعد رحيله لا يمكن ان يصبح شركا و إلا يكون التوسل بدعائه في حياته شركا ايضاً، لأن الحياة والموت ليسا مدار التوحيد و الشرك بل هما مدار كون الفعل ( الدعاء ) مفيداً او غير مفيد، فلو كان نبي الشهداء و رسولهم ، كنفس الشهداء حياً، فيكون طلب الدعاء منه كطلبه في حياته الدنيوية، فإذا كان النبي (ص) يسمع كلام المتوسل، يصبح التوسل مفيداً لا لغواً و موافقاً لأصول التوحيد لا شركا، مع أن الكلام في الصاق تهمة الشرك بالمتوسل بدعاء النبي بعد رحيله لا في كونه مفيداً أو غير مفيد .
هذا و أما المباحث التفصيلية في هذا المجال اعني التوسل بهم في حياتهم البرزخية من المباحث التي ما نحن بصدده.
• المبحث الثاني :
الإجابة الحلية: انسجام التوسل مع التوحيد
وههنا سؤال أساسي : فهو أنه لماذا يتصور الوهابيون أن التوسل نوه من الشرك؟ و كيف يتقاطع التوسل مع أحد مراتب التوحيد ؟ وهل أن التوسل يتنافي مع توحيد الذات او مع توحيد الصفات ؟
لا ريب أن التوسل لا يتنافى مع التوحيد الذات و الصفات ولكن هل يوجب التوسل مشكلة في دائرة العبادات و التوحيد الأفعالي ؟
لقد اعتقد السلفية ذلك وبنوا عليه كلامهم في هذه المسألة و لكن الصواب خلاف ذلك كما سنيين.
• الانسجام بين التوسل و التوحيد الأفعالي
لابد اولاً من تنقيح شبهة عدم تلائم التوسل مع التوحيد الأفعالي . الظاهر أن مقصود الوهابيين من أن التوسل شرك هو أنه يتنافي مع التوحيد الأفعالي لأن الشخص الذي يتوسل بالنبي (ص) او الإمام (ع) و يطلب منه حاجته، يرى أن غير الله تعالى له تأثير في عالم الخلق ، ونعلم أن التأثير منحصر بالله تعالى و لو أن الإنسان اعتقد بأن غير الله يمكنه أن يؤثر في عالم الوجود فهذا الاعتقاد نحو من أنحاء الشرك .
و الجواب على هذا الكلام ، أن الشيعة لا يرون للنبي (ص) و الإمام (ع) و القرآن تأثيرا مستقلا في عالم الخلق في عرض الله تعالى، بل يعتقدون بان قدرتهم في طول القدرة الإلهية ، ولا تكون قدرتهم مؤثرة إلا بإذن الله و مشيئته و هذا المعنى لا يتنافى إطلاقاً مع التوحيد الأفعالي نعم إذا قلنا إن النبي (ص) او الإمام (ع) يؤثر في عالم الخلق بالإستقلال – نعوذ بالله – فهذا هو الشرك و لكن لا أحد من المسلمين يقول بهذا مطلقا.
• الانسجام بين التوسل و التوحيد العبادي
أما تنقيح شبهة عدم تلائم التوسل مع التوحيد العبادي ، فإن الوهابية تعترف بنوعين من التوحيد و هما توحيد الربوبية و توحيد الألوهية. (20) ثم يذكرون أن توحيد الربوبية و الاعتقاد بوحدانية الخالق لا يكفي بمجرده في تحقق التوحيد، (21) بل يجب- مضافة على توحيد الربوبية- أن يفرد الله بالعبادة و لا يشرك به أحداً ، لأن مشركي العرب مع أنهم كانوا يوحدون خالق الكون و يعتقدون بأنه واحد لا أكثر فإن القرآن كان يعتبرهم مشركين إذ يقول : ( و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون ) (22) و أما إذا كان التوسل خضوعاً و تذللاً لغير الله فهو شرك أكبر . ( 23 )
• مفهوم العبادة
والسلفيون قد زلوا و أخطئوا خطا فاحشاً في مفهوم العبادة و كان ذلك سببا لمغادرتهم و اتهامهم المسلمين بالشرك .
جاءت في المعاجم العربية تعاريف لكلمة العبادة فابن منظور يفسرها " بالخضوع و التذلل"(24) أما الراغب في المفردات فيقول : " العبودية إظهار التذلل و العبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل " (25 ) و الطريحي في مجمع البحرين : " العبادة هي غاية الخضوع و التذلل " (26)
ولكن جميع هذه التعاريف ماهي إلا نوع من التعريف بالمعنى الأعلم لأن الطاعة و الخضوع و اظهار التذلل ليست – على وجه الإطلاق – عبادة لأن خضوع الولد امام والده و التلميذ أمام استاذه و الجندي امام قائده لا يعد عبادة مطلقا مهما بالغوا في الخضوع و التذلل . (27)
وهنا آيات متعددة تصف هذا الخضوع و لا تعتبره عبادة مثل : ( و إذ قلنا للملئكة اسجدوا لأدم ) ( 28) فكان سجودهم له تعظيما و تكريما ولم يكن عبادة له أو جعله شريكا لله .
وقوله تعالى في قصة يوسف (ع) ( ورفع ابويه على العرش و خروا له سجدا وقال يآبت هذا تأويل رؤيى من قبل قد جعلها ربي حقا ) (29)
وكذا تذلل المؤمنين بعضهم بعضا، فإذن لا يكون الخضوع – بجميع مراتبه – عبادة إلا إذا دخل فيه عنصر قلبي خاص يميزه عن نظائرة وهذا العنصر عبارة عن أحد الأمور التالية :
1- الاعتقاد بألوهية المعبود
2- الاعتقاد بربوبيته
3- الاعتقاد باستقلاله في الفعل من دون أن يستعين بمعين او يعتمد على معاضد .(30 )
و يتضح من ذلك أن مقوم العبادة ليس هو نفس العمل أو الفعل الظاهري ولكنه الاعتقاد القلبي الباطني فالمشركون على عهد الرسول (ص) وقبله كان منهم من يعتقد بألوهية معبوده كأحد الآلهة الصغيرة إلى جنب الإله الكبير . لذلك قال المشركون للرسول (ص) كما حكى عنهم القرآن : ( أجعل الألهة إلها واحداً إن هذا لشىء عجاب ) (31) ومنهم من كان يعتقد بأن لمعبوده تدبيراً فعلياً مستقلاً فلذلك عبده و طلب منه ورجاه ومنهم من كان يعلم بأن معبوده مخلوق لله، لكنه مستقل في فعله يمكنه أن يرزق أو يضر و ينفع من أجل ذلك توجه له بالعبادة و اتخذه معبودا له .
فينبغي القول بأن الوهابيين وقعوا في التباس كبير، لأن الشيعة عندما يتوسلون بالنبي (ص) أو الأئمة المعصومين (ع) او القرآن الكريم لا يرون أن ذلك عبادة لهؤلاء إطلاقاً كما هو الحال في عبادة المشركين للأصنام و الأوثان و تصورهم أنها شفعاء لهم عند الله، بل نحن نطلب من هؤلاء الأولياء أن يتوسطوا لنا بما لديهم من جاه و مقام عند الله تعالى لحل مشاكلنا و استجابة دعائنا و هكذا نرى ان المسيح (ع) يقول بأنني أصنع لكم طيراً من طين ثم انفخ فيه الحياة والروح فيتحول هذا التمثال الطيني إلى طائر حي بإذن الله ، اي إنني لا استطيع التأثير في هذه الأشياء في عرض قدرة الله و مشيئته بل إن قدرتي و تأثيري إنما هي بإذن الله : ( أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطي فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله).(32)
وعلى هذا الاساس فإن الفرق بين التوسل وبين عبادة المشركين واضح جداً و الشخص الذي يتصور أن توسل الشيعة إنما هو مثل عبادة المشركين للأوثان في الحقيقة هو إنسان بعيد عن الإنصاف و جادة العلم و الصواب .
• المبحث الثالث: الإجابة النقضية الوجيزة
الأول : التوسل بشيء معدوم حده الأقصى امر عبث لا شرك
إذ قلنا و سلمنا بأن التوسل بالنبي (ص) وآله (ع) بعد حياتهم الدنيوية خطاب لمعدوم – كما يقول السلفية – فلماذا يكون التوسل بهم شركا؟! لأن التوسل بشيء معدوم حده الأقصى انه أمر عبث لا شرك و لكننا علمنا بأنهم أحياء بحياة برزخية فإذن ليس التوسل امرا عبثا و نجد لهذا امر مصاديق وشواهد كثيرة في روايات إخواننا السنة فيه:
1- توسل آدم (ع) بأهل البيت (ع) : قرائد السمطين بإسناده عن أبي هريرة حول قصة آدم ، أنه تعالى قال:
يا آدم هؤلاء صفوتي ... فإذا كان لك لي حاجة فبهؤلاء توسل ، فقال النبي : نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا و من حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسألنا أهل البيت .(33 )
ونقل سيوطى استغاثة آدم (ع) بالله تعالى :
اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله الا انت عملت سوء، و ظلمت نفسي فاغفر لي إنك انت الغفور الرحيم . فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم .( 34 )
2- توسل الصحابة بالنبي (ص) بعد حياته : روى ابن أبي شيبة من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر قال :
أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل ( 35 ) إلى قبر النبي (ص) فقال : يا رسول الله هلك الناس ، استسق لأمتك ، فأتاه رسول الله (ص) في المنام ، فقال : إئت عمر فاقرأه مني السلام ، و أخبره أنهم مسقون مستقيون ، وقل له عليك الكيس ! عليك الكيس ! قال : فأني الرجل عمر فأخبره فبكى عمر ن و قال : يارب ما آلو إلا ما عجزت عنه.(36)
لا يقال أن هذه الرواية لا يعتنى بها لأنها ضعيفة سنداً فإنا نقول إن الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى(37) و ابن كثير(38) ذهبا إلى صحتها .
فإذن " لو كان طلب الاستسقاء منه جهلا و ضلالا و شركا لمنعه عمر ... و هو من الأمور المشهورة " ( 39 )
قال الحصني دمشقي الشافعي في بيان زيغ ابن تيمية و حزبه في جواب الفتوى التي زعم انه سئل عنها :
من استغاث بميّت او غائب من البشر ، بحيث يدعوه في الشدائد و الكربات ، و يطلب منه قضاء الحاجات ... فإن هذا ظالم ، ضالّ، مشرك. هذا شىء تقشعرّ منه الأبدان ولم نسمع أحداً فاه، بل و لا رمز إليه في زمن من الأزمان ولابلد من البلدان، قبل زنديق حران- قاتله الله عزوجل – وقد جعل الزنديق الجاهل الجامد، قصة عمر دعامة للتوصل بها إلى خبث طويته في الإزدراء بسيد الأولين و الآخرين و أكرم السابقين و اللاحقين و حط رتبته في حياته و أن جاهه و حرمته ورسالته و غير ذلك زال بموته و ذلك منه كفر بيقين و زندقة محققة . (40 )
الثاني : التوسل مسألة فقهية لا اعتقادية
فقد كانت مسألة التوسل و الاستشفاع و الاستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية و كان فقهاء المذاهب الأربعة يبحثونها في باب الحج و الزيارة و غيرهما، فيذكرون صورها ، و يفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها و حرمة بعضها ، أو التوقف فيه حتى جاء عالم حراني فكفر مسلمي عصره و العصور المتقدمة ، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت ! فإذن جل علماء السنة يعتقدون أن التوسل مسألة فقهية كما قال محمود سعيد ممدوح من علماء السنة المعاصرين :
التوسل من موضوعات الفروع لأن حقيقة اتخاذ الوسيلة اي قربة إلى الله تعالى، قال الله عزوجل : ( يآيها الذين ءامنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة ) (41) والتوسل على انواع و امره يدور بين الجواز و الندب و الحرمة و ما كان امره كذلك فهو من أحكام الشريعة التي موضوعها علم الفقه و إقحام موضوعات الفقه في التوحيد و العقائد خطأ يجب مجانبته و السادة الفقهاء يذكرون استحباب التوسل او جوازه في باب الاستسقاء في كتاب الصلاة و عند زيارة قبر النبي (ص) في كتاب الحج اما سلك بحث التوسل في العقائد و جعله وسيلة من وسائل الشرك فبدعة قد حلت بالمسلمين و مسلكا قد زرع عداوة بينهم ... و ينبغي على العقلاء كشف اوزار و اخطار هؤلاء الجهلة . ( 42 )
المبحث الرابع : في حكاية بعض التوسلات الصادرة من أهل السنة و علمائهم و نقتصر هنا على إيراد نبذة منها في الدلالة على جواز التوسل بعد الممات :
1- قال ابن الجوزي :
أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا المبارك بن عبدالجبار قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد العتيقي قال : سمعت أبابكر محمد بن الحسن بن عبدان الصيرفي يقول : سمعت جعفر الخلدي : كان في جرب عظيم كثير قال : فمسحت بتراب قبر الحسين قال فغفوت فانتبهت ، وليس علي منه شيء . (43)
2- قال الحافظ الخطيب البغدادي : (44 )
أنبأنا احمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال سمعت الحسن بن ابراهيم ... يقول : ما همني أمرٌ فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالى لي ما احب . ( 45 )
3- قال ابن حبان :
على بن موسى الرضا و هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ابو الحسن ، من سادات أهل البيت و عقلائهم و جلة الهاشميين و نبلائهم ... ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته ....
وقد زرته مرارا كثيرة و ماحلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده و عليه و دعوت الله ازالتها عني إلا استجيب لي و زالت عني تلك الشدة و هذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى و أهل بيته صلى الله عليه و سلم الله عليه و عليهم أجمعين .(46 )
4- قال ابن حجر العسقلاني :
نظم الشافعي أبياتاً في التوسل بأهل البيت (ع ) :
آل النبي ذريعتي وهم اليه وسيلتي
ارجو بهم اعطى غدا بيد اليمنى صحيفتي(47 )
5- قال الحافظ الخطيب البغدادي :
أخبرنا القاضي ابو عبدالله الحسين بن علي بن محمد الصيمري قال أنبأنا عمر بن ابراهيم قال نبأنا علي بن ميمون قال سمعت الشافعي يقول : إني لا تبرك بأبي حنيفة و اجيئ إلى قبره في كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين و جئت إلى قبره و سألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى . (48 )
6- قال المزي في تهذيب الكمال في ترجمة صفوان بن سليم المدني :
قال ابو عبدالله الأردبيلي : سمعت أبابكر بن أبي الخصيب يقول : ذكر صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال: هذا رجل يستسقى بحديثه و ينزل القطر من السماء بذكره . (49 )
7- ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب يقر بأن قبور الانبياء و الأولياء من مظان استجابة الدعاء و عقد لذلك بابا بعنوان، " باب في ذكر ما بحلب و أعمالها من المزارات و قبول الأنبياء و الأولياء و المواطن الشريفة التي بها مظان اجابة الدعاء " . ( 50 )
النتيجة
والنتيجة هي أن التوسل لا يتنافي مع توحيد الذات و لا توحيد الصفات ولا التوحيد في الافعال و العبادة وقد جرت السيرة المطردة منذ صدر الاسلام من عصر الصحابة الأولين و التابعين لهم بإحسان على التوسل بالأنبياء (ع ) و أهل البيت (ع ) وعظماء الدين و في مقدمهم النبي الأقدس (ص ) تقربا إلى الله و ابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد و هو المتسالم عليه بين فرق المسلمين من دون أي نكير من آحادهم ، و أي غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم.
محمود حسين زاده خراسانى
المصادر
1- سورة الزخرف الآية 87
2- سورة الزمر الآية 3
3- لسان العرب ج11 ص 725 مجمع البحرين ج 5 ص 491
4- المصباح المنير ج 2 ص 660
5- كما قال محمد نسيب الرفاعي احد مقلدي مذهب الوهابية في كتابه تحت عنوان التوصل إلى حقيقة التوسل . فقد قسم التوسل في هذا الكتاب إلى نوعين : " المشروع " و " الممنوع " . فالتوسلات المشروعة برأيه هي عبارة عن : 1. التوسل إلى الله و أسمائه و صفاته 2. توسط أي إنسان بأعماله الصالحة التي قام بها طوال حياته 3. التوسل بدعاء الأخر المؤمن في حالة الحياة ( التوصل الى حقيقة التوسل ، ص 350 ) http:/.search.ibnbaz.org اعتقاد الائمة الأربعة ج 1 ص 8 ذكر طلال بن مصطفى اقسام التوسل الجايز في كتابه التوسل في كتاب الله عزوجل ص 20
6- سورة الاعراف الآية 180
7- سنن الترمذي ج 5 ص 515 ح 3475
8- المسند ج 4 ص 445
9- الإقبال بالأعمال الحسنة ج 1 ص 346
10- الصحيح ج 4 ص 173 كتاب الأنبياء
11- سورة النساء الآية 64
12- سورة غافر الآية 7 سورة الشورى الآية 5
13- الكافي ج 2 ص 507 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب
14- سورة المائدة الآية 35
15- المسند ج 5 ص 31 شرح النهج البلاغة ج 2 ص 267 كشف الغمة ج 1 ص 159 / الايضاح ص 372 احقاق الحق ج 15 ص 266
16- كشف الإرتياب ص 302
17- الفتاوي الكبرى ج 1 ص 351 منهاج السنة ج 1 ص 11
18- المناقب ص 375 ح 395 ينابيع المودة ص 346 نقلا من كشف البراهين الجلية ص 31
19- رسائل و مقالات ج 5 ص 349
20- هم يفسرون الاول بالتوحيد في الخالقية و الثاني بالتوحيد في العبادة و كلا الاصطلاحين خطأ أما الأول فالمراد من الربوبية هو تدبير المربوب و ادارته و ان وظيفة الرب الذي هو بمعنى الصاحب ادارة مربوبة كرب الدابة و الدار و البستان بالنسبة إليها ، فالتوحيد في الربوبية غير التوحيد في الخالقية و ان كان ربما تنتهي الربوبية إلى الخالقية و اما الثاني أعنى التوحيد في الألوهية فهو مبنى على ان الإله بمعنى المعبود ولكنه خطأ ولكنه خطأ بل هو ولفظ الجلالة بمعنى واحد غير ان الاول كلي والثاني علم لواحد من مصاديق ذلك الكلي . بحوث في الملل و النحل ج 4 ص 67
21- فتح المجيد ص 12 و يؤكدون على هذين النوعين من التوحيد ثم يتهمون المسلمين بأنهم موحدون ربوبيا ( اي خالقيا ) لا الوهيا ( اي عباديا ) وقد عرفت في الهامش السابقة ان تسمية التوحيد في الخالقية بالتوحيد الربوبي ، و تسمية التوحيد في العبادة بالتوحيد الألهوهي خطأ من حيث اللغة و مصطلح القرآن
22- سورة يوسف الآية 106
23- كشف الإرتياب ص 301
24- لسان العرب ج 3 ص 271
25- مفردات الفاظ القرآن ص 542
26- مجمع البحرين ج 3 ص 92
27- راجع التوحيد والشرك ص 51
28- سورة البقرة الآية 34
29- سورة يوسف الآية 100
30- بحوث في الملل و النحل ج 4 ص 68 – 69
31- سورة ص الآية 5
32- سورة آل عمران الآية 49
33- فرائد السمطين ج1 ص 36 ح 1 الرياض النضرة ج 3 ص 110 كفاية الطالب ص 82-84
34- الدر المنثور في تفسير بالمأثور ج 1 ص 60
35- قال ابن حجر روى سيف بن عمر التميمي في الفتوح الكبير ان الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني احد الصحابة فتح الباري ج 2 ص 412
36- طبقات ابن سعد ج 5 ص 12 تاريخ دمشق ج 44 ص 346
37- فتح الباري ج 2 ص 412
38- البداية و النهاية ج 7 ص 105
39- دفع شبهة من شبه و تمرد ص 372
40- دفع الشبه عن الرسول ص 131 دفع شبهة من شبه و تمرد ص 346
41- سورة المائدة الآية 35
42- رفع النارة ص 38
43- المنتظم ج 5 في حوادث سنة إحدى و ستين
44- هو الذي قيل فيه: ان المؤلفين في كتب الحديث دراية عيال على كتبه
45- تاريخ البغداد ج 1 ص 133
46- الثقات ج 8 الرقم 14411
47- هما بيتان نقلهما ابن حجر الهيثمي عن الإمام الشافعي في كتابه الصواعق الممحرقة 180 التوصل الى حقيقة التوسل ص 329
48- تاريخ البغداد ج 1 ص 135
49- تهذيب الكمال ج 13 ص 186
50- بغية الطلب في تاريخ الحلب ج 1 ص 133