مناقشة نقد الولاية لروايات فضائل النبي (ص)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

مناقشة نقد الولاية لروايات فضائل النبي (ص)

 

المقدمة

لم يقتصر نقد الوهابية على المذاهب الإسلامية الأخرى فحسب، بل تعدي ذلك إلى إنكار أغلب فضائل النبي محمد(ص) و مزاياه العظيمة التي نطق بها صريح القرآن الكريم و السنة الشريفة والتي هي من المسلمات عند كافة المسلمين و المتفق عليها بين جميع أهل المذاهب الإسلامية ، بذريعة أنه شخص عادي لا يتميز على غيره من البشر و أنّ إثبات الكثير من تلك الفضائل له يستلزم الشرك بالله تعالى !

و مسألة الطعن من فضائل و مناقب النبي (ص) من المسائل الخطيرة التي واجهت المسلمين في التاريخ المعاصر، لأنها حالة يمكن أن تتنامي و تتطور لتتحول إلى حالة فكرية ثابتة و عقيدة متسالم عليها لا تقبل النقاش ، فيحصل المحذور في الاستهانة بالدين و مقدساته ، مالم يتصد جميع المسلمين لهذه الحالة الخطيرة بمسؤولية و حزم، فالرسول (ص) هو أقدس مخلوق خلقه الله تعالى على الإطلاق، وهو طريق الوحي الإلهي و أمين الله و حجته على الناس اجمعين قال تعالى ( وما أرسلنك إلا كافة للناس بشيراً و نذيراً و لكن أكثر الناس لا يعلمون ) ،(1) وقال أيضاً ( وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحى يوحى ) (2) فكل ما يمس النبي (ص) بسوء سوف يلقي بتبعاته على المسلمين انفسهم قبل غيرهم.

فالوهابيون يرفضون بشكل تام أي شكل من أشكال القدرة لأي احد من الخلق، و الحال ان القرآن الكريم مشحون بالآيات الناطقة بفضائل الأنبياء و الأولياء من الخوارق و القدرات و الهبات الإلهية حيث إن هناك الكثر من الآيات ما يقتضي ظاهرها صدور الفعل من العباد بما فيهم الأنبياء ينقي ما ذهبوا إليه جملة و تفصيلاً كقوله تعالى : ( وأرزقوهم فيها و اكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) (3) وقوله سبحانه : وما نقموا إلا أن أغنهم الله ورسوله من فضله ) (4) وقوله أيضاً ( ولو أنهم رضوا ما ءاتهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون ) (5) اضف إلى ذلك إجماع المسلمين على فضائل النبي (ص) والأولياء الصالحين ، مما يشير إلى سيطحية هذه الفرقة و مخالفتها لاتفاق المسلمين أجمع .

أشرنا في هذا البحث إلى بعض انتقادات الوهابية لروايات فضائل النبي (ص) مع رد لما وقعوا فيه من أخطاء، و قسّمنا انتقاداتهم إلى جوانب ثلاثة: الجانب المعرفي و الجانب الشخصي و الجانب الغيبي .

* نقد روايات الفضائل في الجانب المعرفي

إن من أسس اختيار الرسول او الممثل عن المرسل كونه - بعد الوثوق به - عالماً واعياً بما أرسل به و أن يمتلك صفات معرفية تمكنه من إيصال الرسالة بالشكل المطلوب .

ونلمس هذا واضحاً في التعامل الإلهي مع العظماء من انبيائه (ع) فنرى أن الأمر يتم وفق شروط و قوانين صارمة و يتم طبق علمه و حكمته تعالى، و إلا فسيفضي الأمر إلى لزوم اللهو و اللعب او الغفلة وهو ممنوع في أفعال الحكيم عقلاً، و وردت الإشارة إلى ذلك في الشرع كثيراً ، كقوله تعالى : ( لو أردنا ان نتخذ لهوا لأتخذنه من لدنا إن كنا فعلين)(6) و ذمّه تعالى للذين اتخذوا دينهم لهواً و لعباً، حيث قال جل جلاله: ( الذين اتخذوا دينهم لهواً و لعبا و غرتهم الحيوة الدنيا فاليوم ننسهم كما نسوا لقاء يومهم هذا و ما كانوا بآيتنا يجحدون ) (7) وقال سبحانه في نفي الغفلة عنه بقوله : ( وما كنا عن الخلق غفلين ) (8) ومن جانب آخر، فإن الاختيار الإلهي لشخص معين لا يمكن قياسه بأفعال الناس الشوبة غالباً بالأخطاء الكثيرة و المخالفة للمصلحة فالنبي (ص) ليس شخصاً عادياً بل هو محل الفيض و العلم الإلهي قال تعالى في النبي (ص) ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى ) (9) و قال تعالى أيضاً (سبحن الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بركنا حوله لنريه من ءايتنا )(10)

ومن جانب ثالث ، فإن طبيعة الرسالة - الدين الإسلامي - تحتم اختيار مبلغ معصوم لا يتطرق الخطأ إلى أقواله و أفعاله لئلا يتطرق الفساد إلى التبليغ فيسرى النقص إلى التعاليم الإسلامية حينئذ، لأنها رسالة عالمية و خاتمة للشرائع السابقة و باقية ما بقي الدهر . قال تعالى: ( إن الدين عند الله الإسلم ) (11)وقال سبحانه أيضاً : ( ومن يبتغ غير الإسلم دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخسرين ) ( 12)

* نفي الوهابية عصمة النبي (ص)

فمن تلك الفضائل التي أنكرتها الوهابية في الجانب المعرفي للنبي (ص) عصمته .

قال ابن تيمية في معرض كلامه عن النبي (ص) :

وقد قال الله تعالى لنبيه بعد صلح الحديبية و بيعة الرضوان ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صرطاً مستقيما * و ينصرك الله نصرا عزيزا ) فأخبر أنه فعل هذا ليهديه صراطا مستقيماً فإذا كان هذا حاله فكيف بحال غيره . (13)

* الجواب

1- نلاحظ بشكل واضح أن ابن تيمية يطرح رأيه هنا باستهانة كبيرة لمقام النبي (ص) خصوصاً مع قوله: " فإذا كان هذا حاله فكيف بحال غيره "، وهو من المؤاخذات التي لا يمكن فيها المغفرة و الصفح ، فالحديث عن شخصية ليست عادية، بل شخصية اختارها الله طبقاً لعلمه و حكمته لهداية الخلق إلى الطريق المستقيم ، و الإخلال بالأدب في هذا الموضع يساوق الإخلال بالدين .

2- إنه يظن أن النبي (ص) لم يهد للصراط المستقيم و المغفرة إلا حين الفتح ! مستدلاً - خطأً- بقوله تعالى : (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطا مستقيما) (14) حيث إن الآية لا تنفي وجود أصل الاستقامة قبل الفتح، و لم تصرح بوجود معصية للنبي (ص) كيف ! والله تعالى يقول في حقه : ( و إنك لتهدى إلى صراط مستقيم ) ( 15) وهو نظير قوله تعالى في موسى (ع) ( ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون (16) أي: بقتلي رجلاً منهم (17) أي : القصاص بقتل القبطي ، و واضح أن المراد بالذنب هنا الذنب الذي هم يؤاخذون عليه موسى (ع) فاللازم تفسير الذنب بمعنى يناسب مقام النبوة من هداية الناس إلى الطريق المستقيم، قال القرطبي :

وقال عطاء الخراساني : ( ما تقدم من ذنبك ) يعنى من ذنب أبويك آدم و حواء ( وما تأخر ) من ذنوب أمتك. وقيل : من ذنب أبيك إبراهيم . ( وما تأخر ) من ذنوب النبيين ... وقال ابو علي الروذباري :يقول لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه لك . ( 18)

ونسبة المعصية لشخصية كالنبي (ص) تحتاج إلى دليل يذكره ابن تيمية ، ومن أقوال علماء السنة في هذا الشأن :

أ) ابن جرير الطبري : ( ويهديك صراطاً مستقيما) يقول : ويرشدك طريقك من الدين لا اعوجاج فيه، يستقيم بك إلى رضا ربك)(19)

ب) الثعلبي: ( ويهديك صراطاً مستقيما ) ، أي و يثبتك عليه ، وقيل : يهدي بك ).(20)

ج) الرازي : ( ويهديك صراطاً مستقيما ) يحتمل وجوهاً أظهرها : يديمك على الصراط المستقيم حتى لا يبقى من يلتفت إلى قوله من المضلين ، أو ممن يقدر على الإكراه على الكفر ) (21)

د) البيضاوي : ( ويهديك صراطاً مستقيما ) في تبليغ الرسالة و إقامة مراسم الرئاسة . (22)

هـ) ابن كثير : ( ويهديك صراطاً مستقيما ) أي بما يشرعه لك من الشرع العظيم و الدين القويم . (23)

و) الآلوسي : ( ويهديك صراطاً مستقيما) في تبليغ الرسالة و إقامة الحدود، قيل، إن أصل الاستقامة وإن كان حاصلاً قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق و استقامة مناهجه ما لم يكن حاصلاً قبل . (24)

فكلام ابن تيمية هذا في منتهى الخطورة ويدل على الضلال و الانحراف عن الإسلام، ومن هنا يعلم بعض اسباب حكم العلاء البخاري و غيره على ابن تيمية بالكفر ولماذا قال فيه التقي الحصني نقيب أشراف الشام : في قلبه ضغينة لرسول الله (ص).(25)

* انكار تمييز رسول الله (ص) بين أهل الحق و أهل الباطل

قال ابن تيمية في معرض رده على قول النبي (ص) في حق الإمام علي بن أبي طالب (ع) بأنه فاروق هذه الأمة يفرق بين اهل الحق و الباطل وقول ابن عمر : ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي (ص) إلا ببعضهم علياً (ع) متهماً النبي(ص) بعدم التمييز بين أهل الحق و الباطل ، فقال :

يعلم بالدليل انه كذب لا يجوز نسبته إلى النبي (ص) فإنه يقال ما المعنى بكون علي أو غيره فاروق الأمة يفرق بين الحق و الباطل إن عنى بذلك أنه يميز بين أهل الحق و أهل الباطل فيميز بين المؤمنين و المنافقين فهذا امر لا يقدر عليه أحد من البشر لا نبي ولا غيره وقد قال تعالى لنبيه : ( و ممن حولكم من الأعراب منفقون و من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) فإذا كان النبي (ص) لا يعلم عين كل منافق في مدينته وفيما حولها فكيف يعلم ذلك غيره . (26)

* الجواب

1- كلام ابن تيمية هنا واضح في التعريض بالنبي (ص) في القدح بعلمه و قدرته على تمييز أهل الحق عن أهل الباطل - مع استهانته الصريحة بخصوص اميرالمؤمنين مما يشعر أن اتهام النبي (ص) هو لأجل إثباته فضيلة للإمام علي (ع) - مستدلاً بقوله تعالى : ( و ممن حولكم من الأعراب منفقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)(27) وهو استدلال خاطئ لأ، معنى ( لا تعلمهم ) في الآية ليس كما ذهب إليه ابن تيمية ، فلم يقل الله عزوجل أنه لن يعلم النبي (ص) بهم ، وواضح أن الآية بصدد الكلام عن أن علم النبي (ص) مصدره في قبل الله تعالى لا غير .

قال ابن الجوزي : " قوله تعالى : ( لا تعلمهم ) فيه وجهان : أحدهما : لا تعلمهم أنت حتى نعلمك بهم . والثاني : لا تعلم عواقبهم " (28)

وفي تفسير الجلالين : ( لا تعلمهم ) بالفضيحة أو القتل في الدنيا و عذاب القبر . (29)

* ردّ قول ابن تيمية في السنة

السنة الشريفة التي ترند قول ابن تيمية :

أ) أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن رسول الله (ص) خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة و ذكر أن قبلها أموراً عظاماً ثم كان من جملة ما قال : " والذي نفس محمد بيده لقد عرضت علي الجنة و النار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم آر كاليوم في الخير و الشر"(30)

ب) وأخرج مسلم أيضاً عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) عن النبي (ص) قال :

عرضت عليّ أعمال امتي حسنها و سيئها فوجدت في محاسن اعمالها الأذي يماط عن الطريق و وجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن . ( 31)

ج) في مسند احمد قال :

عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله (ص) قال : خرج علينا رسول الله و في يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول اله ؟ قال : للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسمائك أهل الجنة و أسماء آبائهم و قبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ثم قال للذي في يساره هذا كتاب أهل النار بأسمائهم و أسماء آبائهم و قبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً.(32)

* نقد روايات الفضائل في الجانب الشخصي

حق احترامه (ص)في ابنته فاطمة الزهراء (س)

وفي تجاوز واضح على النبي (ص) و قرابته ، يكذب ابن تيمية فضائل أهل البيت (ع) ، ويرفض ما آتاهم الله من فضله، يقول في منهاجه رداً على العلامة الحلي .

وأما قوله ورووا جميعاً ان النبي (ص) قال : " يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك " فهذا كذب منه مارووا هذا عن النبي (ص) ولا يعرف هذا في شيء من كتب الحديث المعروفة ولا له إسناد معروف عن النبي (ص) لا صحيح ولا حسن ... (33)

* الجواب

ادّعاء ابن تيمية هذا بأن حديث فاطمة (س) لم تروه كتب الأحاديث المعروفة و ليس له اسناد صحيح ولا حسن، واضح البطلان فقد روته الكثير من الكتب السنية المعتبرة بأساتيد صحاح ، فكيف يدعي كذب مارواه علماء الحديث و تلقوه بالقبول؟! و هاك الأحاديث التي تنقض كلام ابن تميمية حرفاً حرفاً :

اخرج الحديث الحاكم النيسابوري مصرّحاً بصحته فقال :

( حدثنا ) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ( و أخبرنا ) محمد بن علي بن دحيم بالكوفة ثنا أحمد بن حاتم بن أبي غرزة ( قالا ) ثنا عبدالله محمد بن سالم ثنا حسين بن زيد بن علي عن عمر بن علي عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (ع) قال رسول الله (ص) لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (34)

وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد قائلاً: وعن علي قال : قال رسول الله (ص) إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك . رواه الطبراني و اسناده حسن .(35)

وأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم في الآحاد و المثاني ، (36) والطبراني في الكبير (37)

وهو يوافق مارواه البخاري و مسلم في أكثر من موضع عن المسور بن مخرمة عن النبي ( ص ) انه قال في حديث : فإنما هي ( أي : فاطمة ) بضعة مني ، يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها( 38) كما رواه غيرهما .

* حق احترامه (س) في ابنيه سيدي شباب اهل الجنة (ع)

وف مسلسل تنقيص ابن تيمية النبي (ص) في أهل بيته (ع) ، قال في منهاجه :

وأما سائر الإثني عشر فهم اصناف منهم من هو من الصحابة المشهود لهم بالجنة كالحسن و الحسين وقد شركهم في ذلك من الصحابة المشهود لهم بالجنة خلق كثير و في السابقين الأولين من هو أفضل منهما مثل أهل بدر و هما (رضي الله عنهما ) وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة فأبوبكر و عمر سيدا كهول أهل الجنة و هذا الصنف أكمل من ذلك الصنف ، و إذا قال القائل هما ولد بنت رسول الله قيل : وعلي بن ابي طالب افضل منهما باتفاق أهل السنة و الشيعة وليس هو ولد بنت رسول الله (ص) و ابراهيم ابن النبي (ص) اقرب إليه منهما وليس هو أفضل من السابقين الأولين.(39)

* الجواب

إن ههنا ملاحظات :

1. عدم تأدب ابن تيمية في الحديث عن اصحاب الرسول من ولده المشهود لهم بالفضل ، وفي هذا إشارة واضحة إلى حقيقة بغض ابن تيمية تجاه ابني الرسول (ص) الحسن و الحسين (ع) اللذين شهدلهما القاصي و الداني بالفضل و سمو المنزلة عندالله ورسوله (ص) وفيه الانتقاص من حكم الله ورسوله (ص) في فصل الحسن والحسين (ص) وهو قول النبي (ص) وهو قول النبي (ص) " الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة " و أقر ابن تيمية بصحة هذا الحديث كما ورد في قوله أعلاه .

2. ليس في الجنة كهول وشيوخ وما إليها ، فالجنة لا يدخلها العجائز ، بل إن أهل الجنة جرد مرد مكحلون كما ورد عن النبي (ص)(40) هذا من جانب ومن جانب آخر إن الكهولة و كبر السن و ما إليهما أمر محصور في الحياة الدنيوية، ووصف أهل الجنة بذلك ينافي كونها دار نعيم لا تعب فيها ولا نصب ، خصوصاً و أن اهل الجنة لهم ما يشاؤون عند ربهم . قال تعالى ( والذين ءامنوا وعملوا الصلحت في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير)(41) فلهم أ، يطلبوا من الله تعالى أن يكونوا شباباً كما هو رغبة كل إنسان ، قال الإسكافي : " قوله : " سيدا شباب أهل الجنة " أدل على التفضيل و أوفى بالعموم مما يدخله الطعن عند القياس ، و احتجتم في تصحيحه إلى استعمال التأويل . (42)

نعم، هما سيدا شباب أهل الجنة إلا النبي (ص) سيد الخلق اجمعين و أميرالمؤمنين (ع) كما هو واضح ، قال النبي (ص) الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة و أبوهما خير منهما . (43) فكل من لم يأت فيه نص من النبي (ص) بأفضليته عيلهما فالحسن و الحسين سيدان له شاءابن تيمية أم أبي . قال في المعيار و الموازنة في الحديث الشريف أعلاه : " و استثناؤه أباهما- أي : علياً - يوجب أن الخبر عام و لو أراد به الخصوص لم يكن للاستثناء معنى ".(44)

ومنه يظهر فساد قوله : " وفي السابقين الأولين من هو أفضل منهما مثل أهل بدر ". فلا دليل عليه إلا ما ورد في أن أهل بدر مغفور لهم ، وعلى فرض صحته، فلا يدل على المدعى ، فكونهم مغفوراً لهم لا يدل على كونهم أفضل من سيدي شباب أهل الجنة ، فالمغفرة شيء و الأفضلية شيء آخر ، و الحكم بالأفضلية يحتاج إلى دليل عجز ابن تيمية عن الإتيان به كعادته .

* التنقيص من شأن النبي (ص) بالقدح في طهارة أهل البيت

قال ابن تيمية في منهاجه :

إن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع اهل البيت و أذهب عنهم الرجس فإن هذا كذب على الله كيف و نحن نعلم أن في بني هاشم من ليس بمطهر من الذنوب و لا أذهب عنهم الرجس . ( 45)

* الجواب

1. إنّ منطق ابن تيمية و أسلوبه هذا لم يسبقه إليه أحد من السابقين ، فلم يقل أحد بطهارة جميع بني هاشم! حيث يستفاد من آية التطهير و من القرائن الحافة بها أنّ المراد بأهل البيت (ع) خصوص جماعة معيّنة من قرابة النبي (ص) لا جميع بني هاشم ، فإن أهل البيت مطهرون بنص الآية الكريمة : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)(46) و اكتفى بمجرد الادعاء العاري عن دليل يعضده سوى التعريض بجميع المسلمين.

وقد خلط في كلامة بين مفهومين، أهل البيت (ع) وبني هاشم ، فليس كل هاشمي هو من أهل البيت (ع) حتى نقول بما أن ليس كل هاشمي مطهر من الذنوب، إذن، ليس كل أهل البيت مطهرون!

2. يتضح من قول ابن تيمية تجاهل سيرة وآداب جميع علماء الأمة الذين كانوا يفتتحون كتبهم و يختمونها بقولهم بعد صلاتهم على النبي (ص) : وعلى أهل بيته الطاهرين، أو الأطهار، أو الذين طهرهم الله تطهيرا، وهذه الصيغة موجودة بكثرة في كتب العلماء قديماً و حديثاً، وهو واضح لمن لديه أدنى إلمام في كتب العلماء و من أحب أهل البيت (ع) و تأسى بالنبي(ص) . و نقول بعد كل هذا هل يصدق على ابن تيمية أنه محب لأهل البيت ؟! أم يصدق عليه أنه مبغض لهم و حاقد عليهم ؟!(47)

3. أدعى ابن تيمية أن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت و أذهب عنهم الرجس و أن هذا كذب! في حال أن العلماء رووا ما يدحض قول ابن تيمية ، ومنهم : روى الطبراني في المعجم الكبير:

حدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا و هب بن بقية أنا خالد عن حصين عن أبي جميلة أن الحسن بن علي (ع) حين قتل علي (ع) استخلف فبينما هو يصلى بالناس ، إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهراً ثم قام على المنبر يخطب فقال : يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم و ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله عزوجل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) فما زال يومئذ يتكلم حتى ما يرى في المسجد إلا باكيا . (48)

قال الهيثمي: " ورجاله ثقات " (49)

وعن أبي الطفيل في حديث طويل قال :

خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب فحمدالله و أثنى عليه ... ثم قال : أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، و أنا ابن النبي، أنا ابن الداعي إلى الله باذنه، و أنا ابن السرانج المنير ، و انا ابن الذي ارسل رحمة للعالمين، و أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا . (50)

وحسن الهيثمي في المجمع بعض طرقه . (51)

و رواه و الحاكم و الدولابي في الذرية الطاهرة عن الإمام علي بن الحسين (ع) (52)

وفي الحديث الذي صححه ابن حبان ، وروى نحوه الذهبي و حسنه (53) أن النبي (ص) أجلس فاطمة عن يمينه و علياً عن يساره و حسناً و حسيناً بين يديه وقال ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) اللهم هؤلاء أهلي (54)

4. إن دعاء النبي (ص) مستجاب بلا ريب فيكون دعاءه في حق أهل بيته مستجاباً أخرج أحمد بن حنبل في مسنده قال:

ثنا عبدالله بن نمير قال ثنا عبدالملك يعنى ابن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح قال حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي (ص) كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت لها عليه . فقال لها : ادعى زوجك و ابنيك ، قالت : فجاء علي و الحسين و الحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري قالت : و أنا أصلي في الحجرة ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال: اللهم هؤالاء أهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ! اللهم هؤلاء أهل بيتي و خاصتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا!(55)

وأقر بهذا ابن تيمية نفسه في محل آخر من منهاجه فقال :

فإن قيل : فهب أن القرآن لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير و إذهاب الرجس لكن دعاء النبي (ص) لهم بذلك يدل على وقوعه فإن دعاءه مستجاب قبل : المقصود إن القرآن لا يدل ما ادعناه من ثبوت الطهارة و إذهاب الرجس فضلاً عن ان يدل على العصمة و الإمامة .(56)

ولازم كلام ابن تيمية هذا أن يقبل بدعاء النبي (ص) في حق أهل بيته بالطهارة و إذهاب الرجس، و إن لم يقبل بشهادة القرآن و أنكرها ،كما أن المعروف عن ابن تيمية أنه لم يترك حديثاً في مناقب أهل البيت (ع) إلا وعلق عليه بتضعيف او تشكيك فيه ، إلا أننا لم نقف على ذلك بخصوص هذا الحديث ، و هذا يشير إلى عدم وجود ما يضعفه أو يسمح له في التشكيك فيه، مضافاً إلى أن هذا الحديث مروي عند أهل السنة و قد صححوه، كما ورد أعلاه .

* ادعاء أن قرابة النبي (ص) ونسبه لا يفيد و لا ينفع

قال ابن تيمية في منهاجه :

ولهذا كان أفضل ا لخلق او لياؤه المتقون ، و أما أقاربه ففيهم المؤمن و الكافر و البر و الفاجر، فإن كان فاضلاً منهم كعلي (ع) و جعفر و الحسن و الحسين فتفضيلهم بما فيهم من الإيمان و التقوى وهم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب فأولياؤه أعظم درجة من آله . (57)

* الجواب

1. نلاحظ أن ابن تيمية جاء بمفهوم الإيمان في مقابل آل محمد (ص) وهي مغالطة واضحة لأن آله كلهم أولياء الله تعالى ، و هل فيهم غير ذلك ؟! فالسيدة فاطمة بضعة النبي (ص) و سيدة نساء أهل الجنة ، و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما ، وكل ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة و الجماعة ، كما سبق ذكره .

2. صرح القرآن الكريم بجدوى قرابة الرسول (ص) ومدى الاهتمام الذي أولاه الله تعالى لآل النبي و قرابته بجعل أجر النبوة مودتهم و أداء حقهم ، كما هو واضح من قوله تعالى : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) (58)

ومن النصوص التي لا تقبل التأويل ماورد في صحيح البخاري أن النبي (ص) أوصى بكيفية الصلاة عليه و على آل البيت(ع) بقوله :

قولوا اللهم صل على محمد و على آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل ابراهيم إنك حميد مجيد.(59)

وفي الحديث الصحيح أيضاً أن رسول اله (ص) قال : " كل نسب و سبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سبب و نسبي " . قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " . (60)

وعن عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول : كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي"(61) قال الهيثمي : " رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " ( 62)

* الطعن في مؤاخاة النبي (ص) لعلي (ع)

قال ابن تيمية في منهاجه :

إن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة و النبي (ص) لم يؤاخ أحداً ولا آخى بين مهاجر و مهاجر ولا بين أبي بكر و عمر ولا بين أنصاري ، و أنصاري ، ولكن آخى بين المهاجرين و الأنصار في أول قدومه المدينة . ( 63)

* الجواب

إن قضية مؤاخاة النبي (ص) للإمام علي (ع) هي من الثوابت التاريخية التي لا يمكن الطعن فيها بوجه من الوجوه، و هو ما رواه أهل السنة أنفسهم، ويبدو أن ابن تيمية قد اعتاد تكذيب كل شيء لا يناسب ذوقه و ميوله صحيحاً كان أم غير ذلك.

وقد روى أحمد بن حنبل إمام ابن تيمية في مسنده عن ابن عباس ان النبي (ص) قال لأمير المؤمنين(ع) في حديث : "أنت أخي و صاحبي " (64) و روى أيضاً أنً الرسول (ص) قال لعلي (ع) " أنت أخي و أنا أخوك " (65) وروى حديث المؤاخاة جمع كثير ( 66)

وكيف يقطع بأن أحاديث المؤاخاة كلها موضوعة، في حال أن ابن حنبل قد روى حديث المؤاخاة في مسنده و قد أقر ابن تيمية نفسه بأن احمد بن حنبل لا يروي الموضوع!

قال ابن تيمية

وكان أحمد ( رحمة الله ) على ما تدل عليه طريقته في المسند إذا رأى أن الحديث موضوع، او قريب من الموضوع لم يحدث به ، و لذلك ضرب على أحاديث الرجال فلم يحدث بها في المسند، لأن النبي (ص) قال : من حدّث عنّي بحديث وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين . ( 67)

* نقد روايات الفضائل في الجانب الغيبي نبوّته

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي :

ولهذا يغلط كثير من الناس في قول النبي (ص) في الحديث الصحيح الذي رواه ميسرة قال : قلت : يا رسول الله متى كنت نبياً ؟ وفي رواية متى كتبت نبياً ؟ قال : و آدم بين الروح و الجسد ، فيظنون أن ذاته و نبوته وجدت حينئذ وهذا جهل ، فإن الله إنما نبأه على رأس اربعين من عمره وقد قال له ( أوحينا إليك هذا القرءأن و إن كنت من قبله لمن الغفلين ) (68) وقال ( ووجدك ضالا فهدى ) وفي الصحيحين : أن الملك قال له - حين جاءه - اقرأ فقال ، لست بقارئ ثلاث مرات (69)

وقال ابن القيم :

ومحمد (ص) لم يكن يعلم قبل الوحي شيئاً البتة كما قال تعالى ( كذلك أوحينا إليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتب و لا الإيمن ) وقال تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرءان وان كنت من قبله لمن الغفلين ) (70)

* الجواب

ان كلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية هذا يشير إلى نفي العلم و الإيمان عن النبي (ص) قبل الوحي في حال أن النبي (ص) كان يعلم بأنه نبي وهو في سن قبل البعثة وكان يسمع كلام الأحجار و هي تسلم عليه بالنبوة و الأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة ، ومنها :

في صحيح مسلم عن أنس بن مالك :

أن رسول الله (ص) اتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لامه ثم أعاده في مكانه و جاء الغلمان يسعون إلى امه يعني ظئره فقالوا: إن محمداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس، وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره . ( 71)

و أخرج مسلم في صحيحه أيضاً وغيره عن جابر بن سمرة، قال : " قال رسول الله (ص) إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " (72)

* ذكره في العبادات و الأدعية

قال ابن تيمية في منهاجه : " و الفقهاء متنازعون في وجوب الصلاة على النبي (ص) في الصلاة و جمهورهم لا يوجبها ومن أوجبها يوجب الصلاة عليه دون آله " (73) و أكد ذلك بقوله : " بل منهم من لا يوجب إلا الصلاة عليه دون آله كما هو معروف في مذهب الشافعي و أحمد ، فعلى هذا لا تجب الصلاة على آله" (74)

* الجواب

ادّعاؤه أن جمهور الفقهاء لا يوجبون الصلاة على النبي (ص) و آله (ع) ، ادعاء باطل لا وجه له، حيث إن مذهب الشافعي و أحمد وبعض المالكية الوجوب . ومن أقوالهم :

قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني :

مسألة : قال : ويتشهد بالتشهد الاول ويصلي على النبي (ص) فيقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. و جملته أنه إذا جلس في آخر صلاته، فإنه يتشهد بالتشهد الذي ذكرناه ثم يصلي على النبي (ص) كما ذكر الخرقي . وهي واجبة في صحيح المذهب ( يعني المذهب الحنبلي ، وهو مذهب ابن تيمية في الظاهر ) وهو قول الشافعي و إسحاق ... و ظاهر مذهب أحمد وجوبه فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد أنه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا (75)

قال ابن مفلح الحنبلي تلميذ ابن تيمية في المبدع :

والصلاة على النبي (ص) في رواية اختارها الخرقي وفي المغني وهي ظاهر المذهب و صححها في الشرح وجزم بها في الوجيز لقوله تعالى : ( يآيها الذين ءأمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ) (76) والامر للوجوب. ولا موضع تجب فيه الصلاة أولى من الصلاة المفروضة ، وعنه : ركن قدمها في المحرر و الفروع و صححها في المذهب و الوسيلة . وذكر ابن هبيرة أنها المشهورة و أنها اختيار الأكثر لحديث كعب. وعنه : سنة قال المروزي لابي عبدالله: إن ابن راهويه يقول لو ان رجلاً ترك الصلاة على النبي (ص) في التشهد بطلت صلاته، فقال: ما اجترئ أن أقول مثل هذا. وفي رواية : هذا شذوذ.(77)

وفي الإنصاف للمرداوي الحنبلي :

قوله : " والصلاة على النبي (ص) في موضعها" يعني انها واجبة في التشهد الأخير و هو إحدى الروايات عن الإمام احمد جزم به في العمدة و الهادي والوجيز واختارها الخرقي و المجد في شرحه وابن عبدوس في تذكرته و صححها في النظم والحاوي الكبير. قال في المغني : هذا ظاهر المذهب و قدمه في الفائق. وعنه أنها ركن و هي المذهب وعليه أكثر الأصحاب .(78)

قال ابن كثير تلميذ ابن تيمية -شافعي المذهب - في تفسيره :

فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله (ص) في الصلاة كما هو ظاهر الآية و مفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود و أبو مسعود البدري و جابر بن عبدالله ومن التابعين الشعبي و ابوجعفر الباقر و مقاتل بن حيان و إليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً و إليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به وبه قال إسحاق بن راهويه و الفقيه الإمام محمدب ن ابراهيم المعروف بابن المواز المالكي ( رحمهم الله تعالى ) حتى إن بعض أئمة الحنابلة اوجب أن يقال في الصلاة عليه كما علمهم ان يقولوا لما سألوه و حتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله و ممن حكاه البندنيجي و سليم الرازي و صاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي و نقله إمام الحرمين و صاحبه الغزالي قولا عن الشافعي و الصحيح انه وجه على ان الجمهور على خلافه و حكوا الإجماع على خلافه و للقول بوجوبه ظواهر الحديث والله أعلم والغرض أن الشافعي( رحمه الله ) يقول بوجوب الصلاة على النبي (ص) في الصلاة سلفاً و خلفاً كما تقدم ولله الحمد و المنة فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثاً والله أعلم .(79)

* الشكوى إليه

قال ابن تيمية في منهاجه رداً علی العلامة الحلي :

وكذلك ما ذكره من حلفها أنها لا تكلمه ولا صاحبه حنتى تلقى أباها و تشتكي إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة (س). فإن الشكوى إليه أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى كما قال العبد الصالح : إنما اشكو بثي و حزني إلى الله وفي دعاء موسى (ع): اللهم لك التكلان وقال النبي (ص) لابن عباس : إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن بالله، ولم يقل سلني ولا استعن بي ، وقد قال تعالى: ( فإذا فرغت فأنصب * وإلى ربك فأرغب ) (80)

* الجواب

إن منعه من الشكاية إلى النبي (ص) أمر عجيب ، لأن هذا مما لا ينكره أحد، فإن الأمة و أصحاب النبي (ص) اشتكوا إليه شتى أنواع الشكايا، فمنهم من شكا الفقر و الفاقة و قلة المطر و غير ذلك مما هو متعارف عليه بين جميع الناس.

وأما استدلاله بالقرآن الكريم، فالصحابة يعلمون أن الشكوى لرسول الله (ص) هي شكوى لله عزوجل و هي من قبيل قوله تعالى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله فيسؤتيه أجراً عظيما ) (81)

ومنها شكاية عمر بن الخطاب للنبي (ص) فقد ذكر ابن كثير في تفسيره :

ان عمر بن الخطاب بعد ما نام و وجب عليه الصوم وقع على أهله ثم جاء إلى النبي (ص) فقال: أشكوا إلى الله و إليك الذي صنعت. قال : وما صنعت ؟ قال إني سولت لي نفسي فوقعت على أهلي بعد ما نمت و أنا أريد الصوم . فزعموا أن النبي (ص) قال : ما كنت خليقاً أن تفعل . فنزل الكتاب ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) (82)

ظاهر مني زوجي اوس بن الصامت فجثت رسول الله (ص) أشكو إليه ورسول الله يجادلني فيه و يقول : " اتقي الله فإنما هو ابن عمك "

فما برحت حتى أنزل القرآن ( قد سمع الله قول التي تجدلك في زوجها ) إلى العرض . فقال رسول الله (ص) : تعتق رقبة ... (83)

فليس معنى ( وتشتكي إلى الله ) أنها لا تشتكي إل رسول الله (ص) ، مما يظهر بوضوح خطأ ابن تيمية و مجانبته الصواب في تفسير الآية .

الخاتمة

لقد اتضح من خلال البحث مدى سطحية ابن تيمية و أتباعه في إصدار الأحكام و التسرع المفرط الذي ينتهجه بمجرد ان هناك بعض الأفكار التي تختلج في نفسه تأبى ما ثبت من كتاب الله و السنة الشريفة وما تلقاه العلماء بالقبول و التسليم كماثبت في البحث من بطلان انتقادات الوهابية لروايات فضائل النبي (ص) في الجانب المعرفي والشخصي و الغيبي . ومن هنا يظهر مدى الانحراف عن جادة الصواب إذا ما حكم الإنسان ميوله الذاتية بعيداً عن الحقائق و العقل السليم فيسوق الأندلة إليه سوقاً قسرياً فتكون تابعة لا متبوعة، فرأينا أن ابن تيمية و بعض تلامذته قد حاولوا جاهدين وبكل ما أوتوا من قوه نفي الكثير من فضائل النبي (ص) و نقدها بشدة، بحجة أنها شرك و كذب و كفر و ماشابه ذلك، ورأينا أنهم قد أصدروا فتاواهم و آراءهم بعيداً عن ملاحظة البراهين و الأدلة الصحيحة حتى أنهم أرادوا إظهار النبي (ص) بلا فضائل و لا مزايا و هبها الله تعالى إليه، ونصوصهم و تعبيراتهم خير برهان على شدة جموحهم و عنادهم و كأنهم في شجار مع رسول الله (ص) و أهل بيته الطاهرين !و أشد عجباً من ذلك أنهم يدعون المسلمين إلى اتباع ما ذهبوا إليه بحجة العودة إلى السلف الصالح وهو منهم براء! فلا يخفى على المتتبع ما دأب عليه المسلمون قديماً و حديثاً من إثبات فضائل و مزايا النبي (ص) و احترامه في اهل بيته مما نطق به الكتاب و السنة الشريفة ، و هذا لعمري أقل ما يمكن أن يقوم به المسلمون تجاه نبيهم العظيم كأجر معنوي في تبليغه الرسالة وما عاناه من أقسى الأمور وأصعبها في هذا الطريق ، فما أوذي نبي كما أوذي . فعلى جميع المسلمين تحري الحذر و الحيطة من هؤلاء ومجابهتهم بالأدلة الساطعة والبراهين الواضحة ، نسأل الله تعالى الثبات على الطريق المستقيم ، إنه مجيب الدعاء .

سيد حكمت موسوي


المصادر

1- سورة سبأ الآية 28

2-سورة النجم الآيات 3-4

3- سورة النساء الآية 5

4- سورة التوبة الآية 74

5- سورة التوبة الآية 59

6-سورة الانبياء الآية 17

7- سورة الاعراف الآية 51

8- سورة المؤمنون الآية 17

9- سورة النجم الآيات 3-4

10- سورة الأسراء الآية 1

11-سورة آل عمران الآية 19

12- سورة آل عمران الآية 85

13-مجموع الفتاوي ، ج 22 ص 401 كما أشار إلى ذلك بإسناد الذنب إلى النبي في منهاج السنة النبوية ج 6 ص 210 و الفتاوي الكبرى ج 2 ص 337 و تبعه ابن القيم في ذلك : شفاء العليل ج 1 ص 223

14-سورة الفتح الآية 2

15- سورة الشورى الآية 52

16- سورة الشعراء الآية 14

17- معاني القرآن ج 5 ص 67

18- تفسير القرطبي ج 16 ص 263

19- جامع البيان ج 26 ص 94

20- تفسير الثعلبي ج 9 ص 42 ونحوه في زاد المسير ج 7 ص 159

21- تفسير الرازي ج 28 -78

22- تفسير البيضاوي ج 5 ص 200

23- تفسير ابن كثير ج 4 ص 198

24- تفسير الآلوسي ج 26 ص 91

25- أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله و أهل بيته ص 410

26 - منهاج السنة ج 4 ص 290

27- سورة التوبة الآية 101

28- زاد المسير ج 3 ص 334

29- تفسير الجلالين ص 258

30- صحيح مسلم ج 7 ص 93 صحيح ابن حبان ج 1 ص 310 دلائل النبوة ج 2 ، 680

31-صحيح مسلم ج 2 ص 77 السنن الكبرى ج 2 ص 291

32- مسند ابن حنبل ج 2 ص 167 سنن الترمذي ج 3 ص 304-305

33- منهاج السنة النبوية ج 4 ص 248- 249

34- المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154

35- مجمع الزوايد ج 9 ص 203

36- الآحاد و المثاني ج 5 ص 363

37- المعجم الكبير ج 1 ص 108 ج 22 ص 401

38- صحيح البخاري كتاب النكاح باب ذب الرجل عن ابنته ح 5230 صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة (س) ، ح 2449

39- منهاج السنة النبوية ج 4 ص 168- 169

40- المبسوط ج 30 ص 212 وقال الزيلعي في تخريج الآثار ج 3 ص 407 " رواه الثعلبي و ذكر أن ابن الجوزي رواه في كتاب الوفاء .. و ذكر أن البيهقي روى نحوه في البعث و النشور، و أضاف : ورواه الطبري في معجمه الأوسط وساق الحديث " واستدل به الزمخشري في الكشاف عن حقائق التنزيل و التأويل ، ج 4 ص 54 في تفسير الآية ( إنا أنشأنهن إنشاء ) ( سورة الواقعة الآية 36 ) وقطع به عن الرسول (ص) ابن الجوزي في زاد المسير ج 5 ص 251 في تفسير الآية الكريمة اعلاه و رواه ابن خلكان عن عائشة في وفيات الأعيان ج 3 ص 17

41- سورة الشورى الآية 22

42-المعيار و الموازنة ص 207

43- المعجم الكبير ج 3 ص 39 ، 2617 ونحوه ص 58 و 298 تاريخ مدينة دمشق ج 13، 208 و 209 مجمع الزوائد ج 9 ص 183 و الجامع الصغير ج 1 ص 590

44- المعيار و الموازنة ص 207

45- منهاج السنة النبوية ج 4 ص 259

46- سورة الأحزاب الآية 33

47- انظر أخطأ ابن تيمية في حق رسول الله (ص) واهل بيته ص 146

48- المعجم الكبير ج 3 ص 93 ح 2761

49- مجمع الزوائد ج 9 ص 172

50- نفس المصدر ج 9 ص 146

51 -نفس المصدر

52- المستدرك ج 3 ص 172 الذرية الطاهرة النبوية ص 110

53 - سير اعلام النبلاء ج 3 ص 385

54- صحيح ابن حبان ج 15 ص 432 - 433

55- مسند ابن حنبل ج 6 ص 282 وقال الترمذي في سنته ج 5 ص 361 حدثنا محمود بن غيلان اخبرنا ابو انحمد الزبيري اخبرنا سفيان عن زبيد عن شهر بن حوشب عن ام سلمة ان النبي (ص) جلل على الحسن و الحسين وعلى وفاطمة كساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيت و حامتي ، أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقالت ام سلمة : و أنا معهم يا رسول الله ؟ قال، إنك على خير . هذا حديث حسن صحيح ، و هو أحسن شيء روى في هذا الباب و انظر ايضا المستدرك للحاكم النيسابوري ج 2 ص 416

56- منهاج السنة النبوية ج 7 ص 79

57- نفس المصدر ص 78

58- سورة الشورى الآية 23

59- صحيح البخاري ج 4 ص 119

60- المستدرك ج 3 ص 142

61- مجمع الزوائد ج 4 ص 272

62- نفس المصدر

63- منهاج السنة النبوية ج7 ص 361

64- مسند ابن حنبل ج 1 ص 230

65- فضائل الصحابة ج 2 ص 597 ح 1019 ص 617 ح 1055

66- انظر السنن الكبرى ج 5 ص 125 ح 8451 المعجم الكبير ج 12 ص 420 ح 13549 مجمع الزوائد ج9 ص 121و 122 ، مسند أبي يعلى ج 1 ص 402 ح 528 ، المستدرك ج 3 ص 15 ح 4288 ص 16 ح 4289، سنن الترمذي ج 5 ص 636 ح 3720 و غيرهم

67- اقتضاء الصراط المستقيم ص 326

68-هذا المثبت في المصدر اما الآية الكريمة فهكذا : ( بما أوحينا إليك هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغفلين) سورة يوسف الآية 3

69- مجموع الفتاوي ج 8 ص 282

70- هداية الحياري في اجوبة اليهود و النصارى ج 1 ص 60 و أكد على ذلك في الصواعق المرسلة ج 2 ص 734

71- صحيح مسلم ج 1 ص 101-102 وما في معناه مسند ابن حنبل ج 4 ص 185 مجمع الزوائد ج 8 ص 255

72- صحيح مسلم ج 7 ص 59 سنن الترمذي ج 5 ص 253

73- منهاج السنة ج 5 ص 595

74- منهاج السنة ج 5ص 598

75- المغني ج1 ص 580

76- سورة الاحزاب الآية 56

77- المبدع شرح المقنع ج 1 ص 497 سبل السلام ج 1 ص 193

78- الانصاف ج 2 ص 116

79- تفسير ابن كثير ج 3 ص 509

80- منهاج السنة ج 4 ص 244

81- سورة الفتح الآية 10

82- تفسير ابن كثير ج 1 ص 226

83- مسند ابن راهويه ج 5 ص 103

قراءة 3049 مرة