کان العربُ فی الجاهليّة و قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وآله نموذجاً لعبوديّة الشيطان، فكانوا يتسابقون في القتل والغارة على بعضهم البعض، ويفتخرون بوأد بناتهم،و بکثرة الأموال و الأولاد، بل تفاخروا بكثرة أمواتهم في قبورهم. وكان الشيطان يزيّن لهم تلك الأعمال المنكرة، ويحتبل عقولهم بأحابيله، ويضلّهم بأضليله، ويبعدهم عن فطرتهم ـبوساوسه ومكره لکیلا تدلهم الفطرة الإلهیة الی الحقیقة و یبقون غافلین عن عظمة مقام الخلافة الإلهیة ، وكي لا تدعوهم إلى عبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له ولا وزير.
وكان ذلك زماناً قبع فيه الإنسان ( خليفة الله ) في قعر الظلمات، وتخبّط في مستنقعات الضلالة بعيداً عن ربّه، لا يُقيم وزناً لعِلمٍ ولا لمعرفة، ولا يستنكف عن تلويث نفسه فأحسنَ وَصْفَه ـ أميرُ المؤمنين عليه السّلام، في قوله:
«... وأنتم ـ معشرَ العرب ـ على شرِّ دِين، وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشنٍ، وحيّاتٍ صُمّ، تَشربون الكَدِرَ، وتأكُلون الجَشِب، وتَسفِكون دماءكم، وتَقطعون أرحامَكم؛ الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثامُ بكم مَعصوبة » (1).
وعاش في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ أُناس تصدّوا للشرک و الضلالة كالجبل الراسخ المنيع، ولم يلوّثوا فطرتهم التوحيدية السّليمة بعبادةِ أصنام من الحجارة والخشب، ولم يُودعوا قلوبهم غير الله الواحد الأحد، أُناس لم تترك عليهم البيئة لوثها و صِبغتها، إذ أنِفوا لأنفسهم أن يتشرّبوا بآثارها وينطبعوا بنهجها، فبقيت قلوبهم طافحة بحبّ الله تعالى، عامرةً بالإيمان به سبحانه.
وكان من بين هؤلاء الموحّدين فتىً شريف لم ينزّه فطرته عن عبادة الأصنام والتفاخر الباطل والحروب والغارات والآثام فحسب، بل كان فوق ذلك ، يدعو ربّه الواحد الأحد في خلوته من أجل نجاة قومه من أعمال السفهاء، ويأخذ بأيديهم إلى سبل الهداية والرشاد.
وكان هذا الشاب من أحفاد إبراهيم الخليل عليه السّلام، وكان يقتفي أثر جدّه الخليل، ويجهد نفسه على صعيد الفِكر والعمل في اللَّحاق بخُطى جدّه الكبير.
كان هذا الشاب يُدعى « أسد »، واسم أبيه الجليل « هاشم ». ولم يَغِب عن بال «أسد» بفكره ودرايته أنّ أفضل سُبل طمأنينة الروح والجسد بالنسبة إلى شاب في مُقتبل العُمر هو الزواج، ولذلك اغتنم ذات يوم فرصةً مناسبة فأخبر والديه برغبته في الزواج، فاستحسن أبوه رأيه و وعداه أن يساعداه على تحقيق ما أراد.
وشرع الأبوان يبحثان عن فتاة شريفة من أسرة كريمة تكون زوجة صالحة لابنهما، فعثرا على بُغيتهما في فتاة تُدعَى « فاطمة » تنحدر من نسب عريق أصيل، ويشترك أجدادها من الأب والأم مع أجداد النبيّ صلّى الله عليه وآله في جدّه الأكبر «فِهْر» (2).
الخِطبة
ثمّ إنّ أبا أسد فاتَحَ أبا فاطمة وخطب منه ابنته فاطمة لابنه أسد، وتزوّج أسد من فاطمة قبل هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يقرب من 60عاماً، فرُزق من هذه الزوجة الطاهرة ابنة وسيمةً سمّاها فاطمة أيضاً.
كان أسد يُحِبُ ابنته فاطمة كثيراً على الرغم من أنّ العرب كانوا في ذلك الوقت إذا بُشِّرَ أحدُهُم بالأُنثى ظَلَّ وجهُهُ مُسْوَدّاً وهو كظيم * يَتوارى من القَومِ مِن سُوءِ ما بُشِّرَ به: أيُمْسِكُهُ على هُونٍ أم يَدُسُّهُ في التراب (3). وكان من العرب من يئد بناته الصغار خوفاً من أن يلحقهم بسببهنّ العار إذا ما سُبين. وكان أوّل من سنّ ذلك فيهم: قبيلة «بنو تميم»، فقد أرسل إليهم النعمان بن المنذر ـ حاكم العراق ـ جيشاً كبيراً فأغار عليهم ونهب أموالهم وسبى نساءهم، فأرسل إليه كبار بني تميم وفداً وسألوه أن يُطلق سراح بناتهم ـ وكان بعضهنّ قد تزوّج في الأسر ـ فخيّرهن النعمان بين العودة أو البقاء، فاختارت ابنة « قيس بن عاصم » أن تبقى مع زوجها، فصدم ذلك هذا الشيخَ الكبير ـ وكان مقدّماً في قومه ـ فعاهد نفسه أن يَئد كلّ فتاة تولَد له بعد ذاك، ثمّ انتشرت هذه السنّة والطريقة بين قبائل العرب الأخرى (4).
المرأة قبل الإسلام
كانت المرأة يومذاك تُباع وتُشترى، شأنها شأن البضاعة، كائناً محروماً من جميع الحقوق الفرديّة والاجتماعية، حتّى من حقّ الإرث. وكان رجالات العرب يعتبرون المرأة في عداد الحيوانات، ويجعلونها في عداد لوازم المعيشة ومتطلّباتها. وكانت المرأة إذا طلّقها زوجها، لا يحقّ لها الزواج من غيره إلاّ بإذن منه، وإذنهُ مرهون في الغالب ـباسترجاعِه المَهر الذي دفعه إليها. وكانت المرأة فوق ذلکـ تنتقل وتُورث كما يُورث أثات البيت ولوازمه.
وعلى الرغم من هذا الجوّ الحاكم على محيط بلاد الحجاز، خالَفَ أسد کل هذه التقالید و الأفکار و المُمارسات، مدفوعاً بفطرته وإيمانه وتوحيده ـ وكان يغرس في قلب « فاطمة » الصغيرة عقائدَ التوحيد، حتّى نشأت امرأةً كاملة مؤمنة . فكانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإيمان، وكانت امرأة طيّبة السيرة، لبيبة عاقلة، بصيرة بأمور آخرتها، ذكيّة، عفيفة، طاهرة. وكانت على (الحنيفيّة) دين النبيّ إبراهيم الخليل عليه السّلام، فلم تسجد حتّى قبل الإسلام لصنمٍ قطّ (5). ويكفي في جلالة قدرها ما قيل في حقّها:
كانت فاطمة بنت أسد من فُضلَيات الهاشميّات، بَزَغتْ في عصرها شمساً في سماء الكمال تتنقّل في أبراجه. شَرَفُ حَسَبٍ، فكَرَمُ مَحتِدٍ، فمكارمُ أخلاقٍ، فذكاءُ قلبٍ، فرجاحة حِجى، فطهارةُ نفسٍ، فجمالُ ذاتٍ، ففضيلةُ صفات. تلك حِلية هذه السيّدة الجليلة، ولذا اختارها سيّد قريش ولم يستبدل بها سواها مدّة حياته (6).
العلقة الأبدیة ما بین زوجین فی منتهی العبودیّة
مرّت على فاطمة بنت أسد في أحد أيّام مكّة الحارّة لحظات حسّاسة لا تُنسى، لحظات تمرّ بها جميع الفتيات في مثل هذه المرحلة من العمر، فقد تقدّم لخطبتها شابّ مؤمن موحّد يُدعى « أبو طالب »، شاب ينحدر من سلالة كريمة ومَحتِد أصيل، وقيل لها بأنّ جدّه هو « عبدالمطّلب »، ومَن مِن فتيات مكّة فضلاً عن رجالها،لم يَقرَع سمعها اسمُ عبدالمطّلب، ومَن منهنّ لم تبلغها جلالةُ قدره وكرم نسبه.
وجرت مراسم العقد، فدعا أسدٌ الناسَ ليحضروا، فلمّا التأم عقد المجلس نهض فيهم أبو طالب، فالتفت إلى أسد وقال:
الحمدُ للهِ ربّ العالَمين، ربِّ العرشِ العظيم، والمقامِ الكريم، والمَشْعَرِ والحَطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنَةً وعُرَفاءَ خُلَصاءَ، وحَجَبةً بَهاليلَ، أطهاراً من الخَنى والرَّيْب، والأذى والعَيْب، وأقام لنا المشاعرَ، وفضَّلنا على العشائر، نُخَبَ آل إبراهيم وصفوته، وزَرعَ إسماعيل... وقد تزوّجتُ فاطمةَ بنت أسد، وسُقْتُ المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهَدوا، فقال أسد: زوّجناكَ ورَضِينا بك، ثمّ أطعَمَ الناس (7).
والتأمّل في مضامين هذه الخطبة الغرّاء التي أُلقيت قبل هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يقرب من 60 عاماً يُقرّ في النفس بأنّ قائلها موحّد حكيم لا يُلقي بالاً إلى ما يفتخر به قبائل قومه يومذاك من القتل والغارة والتكاثر بالأموال والأولاد و...
وكان ذلك فضلاً جديداً في حياة فاطمة بنت أسد، فقد انتقلت إلى بيت زوج كريم موحّد هو أبو طالب عليه السّلام. وكان لهذا الزواج المبارك أثره الكبير الذي سيشهده العالم الإسلامي قريباً.
نبذه عن ابی طالب زوج فاطمة بنت اسد رضی الله عنها :
ينحدر أبو طالب من عائلة شريفة ذات نسب عريق، عُرفت باتّباع الحنيفيّة الإبراهيميّة، وبانحدارها من نبيّ الله إبراهيم الخليل عليه السّلام؛ فأبوه « عبدالمطّلب » الذي دانت له قريش بالفضل والسماحة والكرم والسؤدد، وكان لعبد المطّلب عشرة أبناء، منهم أبو طالب ( والد أمير المؤمنين عليه السّلام ) وعبدالله ( والد النبيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله )، وهما لأمّ واحدة تُدعى فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عِمران بن مَخزوم (8) تُوُفیَ عید الله قبل ان یولد ابنه محمد صلی الله علیه و آله فانتقلت ولایته الی جَدِّه عبد المطلب وأحسّ باقتراب أجله، وكان هاجسه وهمّه الذي يشغله أمر كفالة النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ وكان يومذاك في الثامنة من عمره الشريف ـ فجمع أبناءه ذات يوم وسألهم: أيّكم يكفل محمّداً بعدي ؟ فردّوا: هو أعلمُ منّا، فليختَر منّا مَن يشاء! فالتفت عبدالمطّلب إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال له: يا محمّد، إنّ جدّك راحلٌ إلى الآخرة عمّا قريب، فاختَرْ مِن أعمامك أو عمّاتِك مَن يَكفُلك ويقومُ بأمرك بعدي. فتطلّع النبيّ صلّى الله عليه وآله إليهم ثمّ أشار إلى أبي طالب، فقال عبدالمطّلب لأبي طالب: يا أبا طالب، لقد عَهِدتُ فيك دِينَك وأمانتك، فاكفُلْ محمّداً كما كفلتُه، وارعَه كما رَعَيتُه . فلمّا قُبض عبدالمطّلب انتهت الصَّدارة إلى ابنه أبي طالب، فعُرف بشيخ الأبطح، وبشيخ قريش ورئيسها.
وهذه المنزلة کانت من العوامل الأساسیة فی قدرة ابیطالب للدفاع عن ابن اخیه و نصرته و حمایته ، فكان لأبي طالب الدَّور الكبير في رعاية النبيّ صلُّى الله عليه وآله وكفالته صغيراً يافعاً، وفي الدفاع عنه ومؤازرته شاباً، ولمّا بُعث النبی صلی الله علیه و آله اشتد دفاعه وکان هو المحامی الرؤف له فی کل المجالات! ومن الشاهد علی هذا المُدَّعَی تحمل العناء والصعوبات والحیاة المُرّةِ القاسیة طیلة ثلاث سنوات فی شِعب ابیطالب. ويكفي في معرفة دوره الكبير في المحاماة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ أبا طالب لمّا توفّي، هبط جبرئيل عليه السّلام على النبيّ صلّى الله عليه وآله فأمره بالخروج من مكّة قائلاً: يا محمّد! اخرُج عن مكّة فما لكَ بها ناصر بعد أبي طالب (9). وقد قال الصادق المصدّق صلّى الله عليه وآله: لَم تَزَل قريشٌ كاعّةً عنّي حتّى تُوفّي أبو طالب (10).
ومن المؤسف أنّ هذه الشخصيّة العظيمة قد تعرّضت لهجمات ظالمة من قِبل أعداء أمير المؤمنين عليه السّلام الذين وَتَرهم في الدِّين، فأشاع بعضُهم ـ مع صراحةِ أبيات أبي طالب في الإيمان بالنبيّ صلّى الله عليه وآله والإقرار بما جاء به ـ أنّه مات ولم يؤمن!
وقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنّه سئل عن أبي طالب: أكان مؤمناً ؟ فقال: واعَجَباه! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد نهاه الله أن يُقرّ مؤمنةً مع كافر في غير آيةٍ من القرآن (11) ؟!
ولا يشكّ أحد أنّ ( فاطمة ) بنت أسد من المؤمنات السابقات، وأنّها لم تزلْ زوجةً لأبي طالب حتّى مات أبو طالب رضي الله عنه (12)
فکیف یمکن أن لا یؤمن ابو طالب؟!وهل یمکن أن ینال الکافر مقام الشفاعة بإذن الله تعالی ؟!عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أنّه قال: لو شَفَع أبي في كلِّ مُذنبٍ إلى وجه الأرض، لَشَفَّعه اللهُ فيهم (13).
روی ایضاً بأنه اصاب أهلَ مكّة جفافٌ وقحط في إحدى السنين قبل البعثة النبويّة، فلجأوا إلى أبي طالب ليستسقي لهم، فتوسّل إلى الله تعالى بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ـ وكان حينذاك صبيّاً يافعاً فسقاهم الله تعالى (14)..
عناية فاطمة بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله
ولما دخل محمد صلی الله علیه و آله الی بیت عمه كانت فاطمة بنت أسد تُعنى به عناية خاصّة کالأُم الحنون وتُؤثِره على أولادها. وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يناديها بـ أمّي (15) » لم يدّخر أبو طالب وسعاً في الدفاع عن ابن أخيه النبيّ صلّى الله عليه وآله، حتّى بلغ به الحال أن كان يُنهضه من فراشه ليلاً فيُرقِد ابنَه عليّاً في موضعه خشيةَ أن يغتاله أعداؤه وهو نائم وتحمّل أبو طالب من أجل الدفاع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله المشقّة والمعاناة في شِعب أبي طالب، ونافح عنه بأشعاره المُنبئة عن إيمانه وثباته (16).. وعُرف عنها أنّ أبا طالب لمّا أتاها بالنبيّ صلّى الله عليه وآله بعد وفاة عبدالمطّلب وقال لها:
اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي، وإيّاكِ أن يتعرّض عَلَيه أحدٌ فيما يريد.
فتبسّمت فاطمة ( بنت أسد ) من قوله، وكانت تؤثره على سائر أولادها ـ وكان لها عقيل وجعفر ـ فقالت له:
توصيني في وَلدي محمّد، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟!
ففرح أبو طالب بذلك (17).
وعلى الرغم من تصريح هذه الرواية بأنّ فاطمة بنت أسد كانت ذات أولاد عند كفالتها للنبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّ بعض الروايات تدلّ على أنّها لم تكن ذات ولد حينذاك، وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله رأى رغبتها في الولد، فقال لها:
يا أُمّه، قرِّبي قُرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تُشركي معه أحداً، فإنّه يرضاه منكِ ويتقبّله ويُعطيك طلبتَكِ ويُعجّله، فامتثلتْ فاطمة أمره وقَرَّبتْ قرباناً لله تعالى خالصاً، وسألَتْهُ أن يرزقها لداً ذَكَراً، فأجاب الله تعالى دعاءها (18).
ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأنّ كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله قد تقدّم على زمن كفالة أبي طالب له صلّى الله عليه وآله، وينبغي الالتفات إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يَكبُر أميرَ المؤمنين عليه السّلام بثلاثين عاماً، ممّا يستوجب أن يكون عمره مماثلاً لعمر طالب ولد أبي طالب، ولابدّ إذاً أن يكون عقيل وطالب ـ على أقلّ تقدير ـ قد وُلدا في زمن كفالة فاطمة بنت أسد رسولَ الله صلّى الله عليه وآله.
وعلى أيّ حال ـ فقد اعتَنَت فاطمةُ بنت أسد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله عناية فائقة، وأولَتْه رعايتها وحبّها، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس. وقد أشار الإمام الصادق عليه السّلام إلى ذلك بقوله: كانت ( فاطمة بنت أسد ) مِن أبَرِّ الناسِ برسول الله صلّى الله عليه وآله (19).
وكانت تغسّله وتدهن شَعره وتُرجّله، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ أمّي (20).
فلمّا جاءه أميرُ المؤمنين عليه السّلام مضطرباً بعد ذلك بسنين، سأله النبيّ صلّى الله عليه وآله عمّا به، فقال: أمّي ماتت. قال: فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: وأمّي واللهِ، ثمّ بكى وقال: واأمّاه (21).
وينبغي أن لا ننسى أنّ لعلائم النبوّة التي كانت فاطمة بنت أسد تشاهدها في محمّد صلّى الله عليه وآله وهو صبيّ صغير، الأثرَ الكبير في المحبّة الخاصّة التي انطبعت في قلب فاطمة، ممّا جعلها تكثر إكرامه ورعايته. ومن تلك العلامات والكرامات: ما شاهدته في بستان دارها.
قالت: كان في بستان دارنا نَخلات، وكان أوّل إدراك الرُّطَب، وكان أربعون صبيّاً من أتراب محمّد صلّى الله عليه وآله يدخلون علينا كلّ يوم في البستان ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً أخذ رُطبةً من يدِ صبيّ سَبَقَ إليها، والآخرون يختلس بعضُهم من بعض. وكنتُ كلّ يوم ألتقط لمحمّد صلّى الله عليه وآله حَفنةً فما فوقَها، وكذلك جاريتي. فاتّفق يوماً أن نَسيتُ أن ألتقط له شيئاً ونَسِيَتْ جاريتي، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله نائماً، فدخل الصِّبيان وأخذوا كلّ ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمتُ ووضعتُ الكُمّ على وجهي حياءً من محمّد إذا انتبه.
قالت: فانتبه محمّد ودخل البستان، فلم يَرَ رطبةً على الأرض فانصرف، فقالت له الجارية: إنّا نَسِينا أن نلتقط شيئاً، والصِّبيان دخلوا وأكلوا جميع ما سقط.
قالت: فانصرف محمّد صلّى الله عليه وآله إلى البُستان، وأشار إلى نخلة وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع. قالت: فرأيتُ الشجرة قد وَضَعتْ أغصانَها التي عليها الرُّطب حتّى أكل منها محمّد صلّى الله عليه وآله ما أراد، ثمّ ارتفعتْ إلى موضعها (22).
الرؤیا الصادقة
بعد كفالتها لرسول الله صلّى الله عليه وآله رأت فاطمة بنت أسد ذات ليلة رؤيا عجيبة صادقة قالت: «... رأيتُ في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلَتْ تَدِبّ وعليها جَلابيبُ الحديد. وهي تصيح من صدورها بصوتٍ مهيب، فأسرَعَتْ نحوها جبالُ مكّة وأجابَتْها بمِثل صياحها وأهْوَل، وهي تتهيّج كالشَّرر المحمرّ، وأبو قُبيَس ينتفض كالفَرَس، وفصاله ( أي قِطَعه ) تسقط عن يمينه وشماله، والناس ) يلتقطون ذلك، فلقطتُ معهم أربعة أسياف وبيضةَ حديدٍ مُذَهّبة، فأوّل ما دخلتُ مكّة سقط منها سيفٌ في ماء فغيّر وطار، و( طار ) الثاني في الجوّ فاستمرّ، وسقط الثالث إلى الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً. فبينا أنا به أصول، إذ صار السيف شِبلاً الشبل: ابن الأسد، فتبيّنته فصار ليثاً مَهُولاً، فخرج عن يدي ومرّ نحو الجبال يَجوب بلاطمها، ويخرق صلاطحها (23)، والناس منه مُشفِقون ومِن خوفه حَذِرون، إذ أتى محمّدٌ فقبض على رقبته، فانقادَ له كالظَّبية الألُوف. فانتبهتُ وقد راعَني الزمع والفزع، فالتمستُ المفسّرين وطلبتُ القائفين والمُخبِرين، فوجدتُ كاهناً زَجَر لي بحالي وأخبرني بمنامي، وقال لي: أنتِ تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتاً بعدهم، وإنّ أحد البَنين يَغرَق (24)، والآخر يُقتَل في الحرب (25)، والآخر يموت بعد أن يُعمّر، ويبقى له عَقِب (26)، والرابع يكون إماماً للخلق صاحب سيفٍ وحق (27)، ذا فضلٍ وبراعة، يُطيع النبيَّ المبعوثَ خير طاعة (28)».
وقد تحققت هذه الرؤيا الصادقة، وأثمرت هذه الشجرة الطيّبة ـ التي قوامها رجلٌ مؤمن موحّد وامرأة مؤمنة موحّدة ـ ثمارها، فقد رزقهما الله تعالى أربعة أولاد، هم: طالب، ثمّ عقيل، ثمّ جعفر، ثمّ عليّ عليه السّلام؛ وابنتَين هما فاختة وتلقّب بـ « أمّ هانئ » (29) وجُمانة.
وأم هانئ هي زوجة أبي وهب هبيرة بن عمرو بن عامر المخزومي، وكانت لها منزلة كبيرة عند النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقد شَفَعت عام الفتح لجماعة، فشفّعها النبيّ صلّى الله عليه وآله فيهم (30)؛ أمّا جُمانة ـ أو أسماء، أو رَيطة ـ فهي زوجة سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب (31).
ونتعرّض في هذا المجال ـ وباختصار ـ إلى ذكر أبناء فاطمة بنت أسد، لنتعرّف ـ من خلال مقاماتهم الشامخة ـ على الذروة الرفيعة التي رَقَت إليها هذه المرأة العظيمة.
ابناء فاطمة بنت أسد رضی الله عنها:
1- عقیل ابن ابیطالب: وُلِدَ عقيل وهو الابن الثاني لفاطمة في حدود 40 عاماً قبل هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله، وكان يحظى بمحبّةٍ خاصة من قِبل النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا رسول الله، إنّك لَتُحبُّ عقيلاً ؟ قال: إي والله، إنّي لأحبّه حُبَّين: حبّاً له وحباً لحبّ أبي طالب، وإنّ وَلَده لَمقتولٌ في محبّة وَلَدِك، فتدمع عليه عيونُ المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون. ثمّ بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى جَرَتْ دموعُه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عِترتي مِن بعدي (32).
وكان عقيل من الذين لم تَغرَّهم الدنيا فيتنكّروا للحقّ الذي عرفوه واتّبعوه، وقد ذكر لنا التاريخ أنّ معاوية أرسل إليه عدّة صِلات وهدايا مالية، لكنّه دوّن ـ وبأحرفٍ من نور ـ صلابة إيمان عقيل وجهره بالحقّ أمام معاوية رغم عَوَزه وشدة حاجته.
ومن مواقفه المحمودة: رسالته التي أرسلها لأخيه أمير المؤمنين عليه السّلام بعد غارة الضحّاك بن قيس على الحيرة في جيشٍ أمّره عليه معاوية، فقد روى ابن أبي الحديد أنّه قال في رسالته تلك: «.. وقد تَوَهّمتُ ـ حيث بَلَغني ذلك ( يُشير إلى غارة الضحّاك وعودته سالماً لم يتعرّض له أحد بسوء ) أنّ شيعتَك وأنصارك خَذلوك، فاكتُبْ إليّ يا بن أمّي برأيك، فإن كنتَ الموتَ تريد، تحمّلتُ إليك ببني أخيك وولد أبيك، فَعِشنا معاً ما عِشتَ، ومِتنا معاً إذا مِتَّ، فواللهِ ما أُحبّ أن أبقى في الدنيا بعدكَ فُوَاقاً ( أي مقدار ما بين الحلبتين للناقة ). وأقسم بالأعزّ الأجَلّ، إنّ عيشاً نَعيشُه بعدك في الحياة لَغيرُ هنيء ولا مريء ولا نجيع، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته (33).
وخلّد التاريخ لعقيل موقفه من معاوية، فقد أمر له بمائة ألف، ثمّ قال له يوماً بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام وصُلح الإمام الحسن عليه السّلام مع معاوية : يا أبا يزيد، أخبِرني عن عسكري وعسكر أخيك، فقد وَردتَ عليهما!
قال: أُخبرك، مَرَرتُ واللهِ بعسكرِ أخي، فإذا ليلٌ كلَيْلِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ونهارٌ كنهارِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلاّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ليس في القَوم: ما رأيتُ إلاّ مُصلّياً، ولا سمِعتُ إلاّ قارئاً. ومررتُ بعسكركَ، فاستقبلني قومٌ من المنافقين ممّن نَفَرَ برسول الله ليلةَ العَقَبة (34) ـ الحديث، وفيه أنّه فضح معاوية وفضح قادته وذكر لهم من سوء أنسابهم ما أزرى بهم.
2-جعفربن ابیطالب: هو الولید الثانی الذی أنعم الله به علی فاطمة و ابوطالب، وكَفَله عمُّه العبّاس في ضائقة حلّت بأبي طالب. ورَأسَ جعفرٌ وفد المهاجرين الذين هاجروا إلى الحبشة فراراً من ظُلم قريش وأذاها، وكان له مع ملكها النجاشيّ ذلک الموقف المشهورالّذی اثّر فیه حتی رَحَّب بالمهاجرین و اتاح لهم الفرصة للعیش الرغید فی ظلّ حکومة عادلة ، و بالرغم من کل التحدیات و التهدیدات التی قام بها المشرکون و الإتهامات التی اتهموا بها المسلمین لم یستطیعو من تغییر رأی النجاشی و هذا دلیل علی قدرة جعفر فی بیان حقیقة الدعوة المحمدیه صلوات الله علیه و آله، فلمّا عادوا بعد 15 عاماً إلى المدينة ( في السنة السابعة من الهجرة )، استقبلهم النبيّ صلّى الله عليه وآله، فاعتنق جعفراً وقبّل جبينه، فقال ودموعه تتقاطر من شدّة سروره:
واللهِ لا أدري بأيِّهما أنا أشدّ سروراً: بِقُدومِكَ يا جعفر، أم بفتحِ الله على أخيك خيبر ؟ (35)
ثمّ إنّه صلّى الله عليه وآله أهدى إليه هدية معنوية نفيسة، إذ علّمه الصلاة المعروفة بـ « صلاة جعفر » أو « صلاة التسبيح ». ومن مفاخر جعفر أنّه ثالثُ مَن أسلم وآمن بالنبيّ صلّى الله عليه وآله واتّبع دعوته (36).
أمّا شجاعته وتضحيته في سبيل إعلاء كلمة « لا إله إلاّ الله » فقد تجلّت في أروع صورها في غزوة « مُؤتة » التي دارت بين جيش المسلمين وبين الروم، فقد روي أنّه أخذ اللواء فقاتل قتالاً شديداً، فقُطِعتْ يمينُه، فأخذ اللواء بيساره فقُطعتْ يساره، فاحتضنه وقاتل حتّى قُتل. وقد وُجد فيه بضعة وسبعون جرحاً ما بين ضربةٍ بسيف وطعنةٍ برُمح، ليس فيها شيء مِن ظَهرِه، أي أنّه لم يُدبر فارّاً لحظةً واحدة، بل كلّها في حال الإقبال لفرط شجاعته. وكان قد نزل عن فَرَس له شقراء فعَقَرها ثمّ قاتل حتّى قُتل، وفي هذا دليل على عظيم شجاعته (37).
وأمّا خَلْقه وخُلُقه فكانا في الذروة من الكمال، فروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال له: «أشبَهت خَلقي وخُلُقي (38).
وقد أثاب الله تعالى جعفر بن أبي طالب على تضحيته، فعوّضه عن يديه اللتين قُطعتا دفاعاً عن دين الله بجناحَين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: رأيتُ جعفرَ بن أبي طالب مَلَكاً يطير مع الملائكة بجناحَين (39)، وروي أنّه صلّى الله عليه وآله قال: نحن ـ بني عبدالمطّلب ـ سادة أهل الجنّة: أنا وعليّ وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهديّ (40).
3- علی بن ابیطالب: آخر أولاد فاطمة بنت أسد وأفضلهم بل أفضل الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، جَمَع الفضائل والكمالات، ونال درجةً من الإيمان لا تعلوها إلاّ درجة أخيه رسول الله صلّى الله عليه وآله. سبق إلى الإسلام وهو صغير السنّ، فصلّت عليه وعلى أخيه النبيّ صلّى الله عليه وآله الملائكةُ سبع سنوات، لأنّه لم يكن هناك مسلم مصلّ سواهما، وسَبَق إلى الجهاد والفداء، ففدى النبيَّ صلّى الله عليه وآله بنفسه وباتَ على فراشه يقيه خطرَ الاغتيال، حتّى باهى الله تعالى به ملائكته، وكان السابقَ دوماً إلى كلّ فضيلة، حتّى نزل في شأنه باعتراف جميع المسلمين ما لم ينزل في غيره من الآيات الكريمة (41).
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لو أنّ الرياضَ أقلام، والبحرَ مِداد ( أي: حبر )، والجِنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصَوا فضائلَ عليّ بن أبي طالب (42).
وقال صلّى الله عليه وآله: النَّظرُ إلى وجهِ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام عِبادة، وذِكره عبادة؛ لا يَقبَلُ اللهُ إيمانَ عبدٍ إلاّ بولايته والبراءةِ من أعدائه (43) وقال صلّى الله عليه وآله: أُوصي مَن آمن بي وصَدَّقني بولايةِ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، مَن تَوَلاّه فقد تَوَلاّني، ومَن تَوَلاّني فقد تولّى الله عزّوجلّ (44).
وروي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب لتبشّره بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقال أبو طالب: اصبِري سَبْتاً أُبشرّكِ بمثله إلاّ النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثون سنة (78).
4- ام هانی: امرأة جليلة ارتفعت في إيمانها وقدرها حتّى استحقّت أن يكون معراج النبيّ صلّى الله عليه وآله من بيتها (45) وقد أشرنا إلى منزلتها الكبيرة لدى رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتّى أنّها قَدِمتْ عليه وأخبرته أنّ جماعة استجاروا بها، فقال صلّى الله عليه وآله: قد أجَرتُ من أجَرتِ (46).
وروي أنّه صلّى الله عليه وآله قال يوماً مُشِيداً بفضلِ الحسنَين عليهما السّلام: ألا أُخبركم أيّها الناس بخيرِ الناس عمّاً وعمّة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الحسن والحسين عليهما السّلام؛ عمُّهما جعفر بن أبي طالب، وعمّتهما أم هانئ بنت أبي طالب ـ الحديث (47).
ومن مفاخر أم هانی أنّها كانت من رواة الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، ومن الروايات التي روتها عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال:
يأتي على الناس زمانٌ، إذا سمعت باسم رجلٍ خيرٌ من أن تَلقاه، فإذا لَقِيتَهُ خيرٌ من أن تُجرّبه، ولو جَرّبتَه أظهَر لكَ أحوالاً؛ دِينهم دراهمهم، وهمّتهم بُطونهم، وقِبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف ويسجدون للدرهم، حَيارى سُكارى لا مسلمين ولا نصارى (48).
هجرة فاطمة بنت أسد مع علی و فاطمة سلام الله علیهما الی المدینه :
لقد تمت الإرادة الإلهیة علی هجرة النبی صلی الله علیه و آله الی مدینة یثرب، لکی یتسعَ نداء الحق و التوحید! کان من المُقَدَّر ان تحل البرکة فی هذه المدینه، کی یتعلموا و یقتبسوا من هَدیِ محمد صلی الله علیه و آلهو کی یمتحن الله قلوبهم للتقوی وینالو فخر الإتسام بشرف عنوان (الأنصار)ویکونوا ملجأً و ملاذاً للمهاجرین. أجل، إنه کان من المُقدّر آن تکون المدینة المنورةعاصمة الدولة و الحکومة الإسلامیة، و لذا ترک مکّة فی لیل مظلم، خائفاً یترقب، قاصداً یثرِب و ذلک بعدأن خلَّف ابن عمه علی ابی ابیطالب فی فراشه، و بعد ما وصل للمدینة، کتب رسول الله صلّى الله عليه وآله كتاباً إلى الإمام عليّ عليه السّلام، بيد أبي واقِد اللَّيثي ، يأمره فيه بالمسير إليه، فخرج عليّ عليه السّلام بفاطمةَ عليها السّلام بنتِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمِّه فاطمةَ بنت أسد، وفاطمةَ بنتِ الزبير بن عبدالمطّلب، وتَبعَهُم أيمَنُ مولى رسول الله صلّى الله وأبو واقد اللَّيثي، فجعل أبو واقد يسوق بالرَّواحل فأعنَفَ بهم، فقال علي عليه السّلام: ارفُقْ بالنسوة أبا واقد، إنّهن من الضعائف. قال: إنّي أخاف أن يُدرِكَنا الطَّلَب، فقال عليّ عليه السّلام: أربِعْ عليك، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لي: يا عليّ! إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بأمرٍ تكرهه. ثمّ جعل الإمام عليّ عليه السّلام يَسوق بهنّ سَوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:
ليس إلاّ الله فارْفَعْ ظَنَّكا يَكفيكَ ربُّ الناسِ ما أهمَّكا وسار، فلمّا شارف « ضَجْنان » أدركه الطَّلَب: سبعُ فوارس من قريش مُستلئمين بسلاحهم، وثامنهم مولى الحارث بن أميّة يُدعى جَناحاً، فأقبل عليّ عليه السّلام على أيمن وأبي واقد، وقد تراءى القوم فقال لهما: أنِيخا الإبل واعقِلاها! وتقدّم حتّى أنزل النسوة؛ ودنا القوم فاستقبلهم الإمام عليّ عليه السّلام منتفياً سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظَنَنتَ أنّك يا غدّار ناجٍ بالنسوة، ارجع لا أباً لك! قال: فإن لَم أفعل ؟ قالوا: لَترجِعَنّ راغماً، أو لَنَرجِعنّ بأكثرك شَعراً (أي رأسك) وأهوِنْ بكَ مِن هالِك!
ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوّروها، فحال عليّ عليه السّلام بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ عليّ عليه السّلام عن ضربته، وتَخَتّله عليّ عليه السّلام فضربه على عاتِقه، فأسرع السيفُ مُضيّاً فيه حتّى مَسّ كابثة فَرَسِه، فكان عليّ عليه السّلام يشدّ على قدمه شدّ الفَرَس، أو الفارس على فرسه، فشدّ عليهم بسيفه وهو يقول:
خَلُّوا سَبيلَ الجاهدِ المُجاهدْ آلَيْتُ لا أعبدُ إلاّ الواحدْ
فتصدّع القوم عنه، فقالوا له: أغنِ عنّا نفسَك يا ابن أبي طالب، قال: فإنّي مُنطِلقٌ إلى ابن عمّي بيثرب، فمَن سَرَّه أن أفري لحمه وأهريق دمَه، فليتبعني ـ أو: فلْيَدْنُ منّي. ثمّ أقبل على صاحبَيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلِقا مطاياكما!
ثمّ سار ظاهراً قاهراً حتّى نزل « ضَجْنان »، فتلوّم ( أي مكث ) بها قَدْر يومه وليلته، ولَحِق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أمّ أيمن مولاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فصلّى ليلته تلك هو والفواطم: أمّه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها، وفاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفاطمة بنت الزبير، يُصلّون لله ليلتهم، ويذكرونه قِياماً وقُعوداً وعلى جُنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر، فصلّى بهم عليّ عليه السّلام صلاة الفجر، ثمّ سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك مَنزِلاً بعد المدينة.
وقد نزل الوحيُ بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِياماً وقُعُوداً وعلى جُنوبِهم ويَتفكّرونَ في خَلْقِ السماواتِ والأرضِ ربَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً إلى قوله: فَاسْتَجَابَ لَهُم رَبُّهُم أنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى : الذَّكَر: عليّ عليه السّلام، والأُنثى فاطمة عليها السّلام، بعَضُكم مِن بعض يقول: عليّ من فاطمة ـ أو قال الفواطم ـ وهنّ من عليّ (49).
وذكروا أنّ مدّة سفرهم هذا دامت 15 يوماً (50).
وقصّ علينا ابن الأثير في تاريخه كيفيّة قدوم أمير المؤمنين عليه السّلام المدينة فقال:
وأمّا علي، فإنّه لمّا فرغ من الذي أمَرَه به رسول الله صلّى الله عليه وآله ( من ردّ الودائع ) هاجر إلى المدينة، وكان يسير الليل ويكمن النهار حتّى قدم المدينة وقد تفطّرت قدماه، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: ادعوا لي عليّاً، قيل: لا يَقدِر أن يمشي. فأتاه النبيّ صلّى الله عليه وآله واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدمَيه من الورم، وتَفَل في يدَيه وأمَرَّهما على قدمَيه فلم يَشتَكِهما قُتِل (51).
ونالت فاطمةُ بنت أسد في هجرتها مزيداً من السؤدد والفَخار، فقد مدحها الله تعالى في كتابه الكريم وذُكرت في المؤمنين الذاكرين الذين استجاب لهم ربّهم وأثابهم على أعمالهم، وتلك صفحة وهّاجة مُشرقة تضاف إلى كتاب مناقب فاطمة بنت أسد.
من الأماني التي تراود ذهن المُسلم، أن يأمَن نارَ جهنّم، ولمّا كان أنبياءُ الله تعالى وأولياؤه هم دون غيرهم ـ الذين يأمنون شرّ هذه النار المستعرة المتأجّجة، فلا غرو أنّ على المسلم أن يستعيذ من عذابها بالله عزّوجلّ ونبيّه وأئمّته الأطهار عليهم السّلام، الذين جعلهم الله أبواب أمانٍ للأمة وسُبُلاً لبُلوغ رحمته والفوز بجِنانه.
ومن الذين آمَنَهُم الله تعالى من نار جهنّم: فاطمة بنت أسد، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله: إنّي حرّمتُ النارَ على صلبٍ أنزَلَك، وبَطنٍ حَمَلَك، وحِجرٍ كَفَلَك، وأهلِ بيتٍ آوَوك، فعبدُ الله بنُ عبدالمطّلب: الصُّلب الذي أخرجه، والبطن الذي حمله آمنة بنت وهب، والحِجر الذي كفله فاطمة بنت أسد، وأمّا أهل البيت الذين آوَوه فأبو طالب (52).
ولقد رَعَت فاطمة بنت أسد رسول الله صلّى الله عليه وآله في صِغره، ورَبَّته، وحَنَت عليه حُنوَّ الأم الشفيق على ولدها، فجزاها الله تعالى عن حُسن صنيعها في نبيّه الكريم بأنْ حرّم عليها النار.
ایمان فاطمة بنت أسد برسالة النبی صلی الله علیه و آله:
ذكر المؤرّخون أنّ فاطمة بنت أسد كانت أوّل امرأة بايَعت النبيَّ صلّى الله عليه وآله بعد خديجة، وذكر بعضهم أنّ فاطمة بنت أسد تعرّضت بسبب بيعتها لملامة رجال قريش ونسائهم، لكنّ إيمان بنت أسد لم يَضعُف وصلابتها لم تتزعزع قيد أنملة رغم مخالفة قريش وتهديداتها.
وروي عن الزبير بن العوّام قال: سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يدعو النساء إلى البيعة لمّا نزلت هذه الآية؛ يقصد قوله تعالى: يا أيّها النبيُّ إذا جاءكَ المؤمناتُ يُبايِعْنَكَ ، فكانت فاطمةُ بنت أسد أُمُّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أوّلَ امرأةِ بايَعَت.
وكانت فاطمة بنت أسد من السابقين في الإسلام والإيمان، والبيعة، والهجرة، وقد خطتْ في هذا النهج بإرادة حديديّة وشوق وعزم راسخ وإيمان عميق، واستقبلتْ ـ صابرةً ـ كلّ أنواع الأخطار والأذى، فكانت حقّاً من مصاديق قوله تعالى: والسابقونَ الأوَّلُونَ مِن المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتّبعوهُم بإحسانٍ رَضِيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه وأعَدَّ لهم جَنّاتٍ تجري تحتَها الأنهارُ خالِدِينَ فيها أبداً ذلكَ الفَوزُ العظيم لا يختلف في هذا أحدٌ من علماء المسلمين و المؤرخین ان فاطمة کانت من السابقات للإسلام و لکنهم اختلفوا فی تعیین الوقت الدقیق لإعتناقها دعوة النبی صلی الله علیه و آله، وقد صرّح بعضهم بأنّها أسلَمتْ بعد عشرة من المسلمين، وكانت الحادية عشرة(53)، وقال عنها أحدهم: « جلالة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها يُعلَم مِن ولادتها أميرَ المؤمنين عليه السّلام في الكعبة، وأنّها كانت من السابقين إلى الإيمان، أسلَمتْ بعد عشرة من المسلمين، فكانت الحادي عشر، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يُكرمها ويُعظّمها ويدعوها: أُمّي (54).
ويعتقد البعض بأنّ فاطمة بنت أسد إنّما كانت الحادية عشرة ممّن يُظهِر إسلامه، ويستبعدون أمر كَونها حادي عشر مَن أسلم (55) وذلك أنّ التأمّل في مناجاتها اللهَ تعالى وقت طَلْقِها بأمير المؤمنين عليه السّلام عند الكعبة يبعث المرء على الاطمئنان بأنّها لم تتدنّس قطّ بعبادة الأصنام، وأنّ وجود النبيّ صلّى الله عليه وآله في بيتها عند طفولته وصباه ومشاهدتها الكرامات المتتالية منه صلّى الله عليه وآله، يجعل من المُستبعد أنّها تأخّرت في إسلامها إلى ما بعد عشرة أشخاص من المسلمين.نعم اذا تمعن المرء فی مناجاة هذه المرأة الجلیلة سیجد فیها عُمق فهم التوحیدفی الخالقیة و التوحیدفی الربوبیة والتوحید الأفعالی! انها لم تکن کالمشرکین الذین اعتقدوا بخالقیة الله دون ربوبیته،ولم تتصور لأی موجودٍ فی العالم ربوبیةً من دون الله !أجل إنها لم تعتقد بأربابٍ متفرقون ، زعمَ العربُ ءانذاک بتدبیرهم للعالم!!
النیل من فاطمة وزوجها نیلٌ من النبی الأکرم (ص) وتنفیذه لِلأَحکام الإلهیة:
تطرّقنا إلى الوضع العام لجزيرة العرب قبل الإسلام، ورأينا فاطمة بنت أسد صُلبةَ الإيمان، لا تتزحزح عن توحيد الله المتعال، ولا تركع لصنمٍ لا يقدر على استجلاب النفع لنفسه ولا الإضرار بها، وشاهدناها مرفوعة الرأس في الامتحان الذي خسر فيه الكثيرون، وعهدناها لا تأكل ممّا ذُبح على الأنصاب،لکن و علی الرغم من کل هذه الأدلة الشاهدة علی ایمان فاطمة و ابو طالب، لم ینجوا کلیهما من انوع الإتهامات و خصوصاً الطعن بهما فی انهما لم یؤمنا برسالة المصطفی صلی الله علیه و آله!ولا عجب لهذه الأکاذیب و الإفتراءات اذ اتهم المنافقین و المشرکین نفس النبی صلی الله علیه و آله بالکذب و الجنون وما شابه ذلک، وقد لاحظنا في حديثٍ سابق أنّ الإمام السجّاد عليه السّلام يصرّح بكَوْن فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، فقد سئل عليه السّلام عن أبي طالب: أكان مؤمناً أم لا، فقال:
« واعجباً! إنّ اللهَ تعالى نهى رسولَه أن يُقِرّ مسلمةً على نِكاحِ كافر، وقد كانت فاطمةُ بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تَزَلْ تحت أبي طالب حتّى ماتفآلَ ذلك إلى طهارة الروح والجسد كليهما، واستحقّت بذلك ـ شرف ولادة مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه السّلام. يقول جابر بن عبدالله الأنصاري:
سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ميلاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فقال: آهٍ آه، لقد سألتَني عن خير مولودٍ وُلِد بعدي على سُنّة المسيح عليه السّلام، إنّ الله تبارك وتعالى خَلَقني وعليّاً من نورٍ واحد قبل أن خَلَقَ الخَلْق بخمسمائة عام. فكنّا نُسبّح الله ونُقدّسه، فلمّا خلق اللهُ تعالى آدمَ قَذَف بنا في صُلبه، واستَقرَرتُ أنا في جنبه الأيمن، وعليّ في الأيسر، ثمّ نُقِلنا من صُلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نَزَل كذلك حتّى أطلَعَني اللهُ تبارك وتعالى من ظَهرٍ طاهر، وهو عبدالله بن عبدالمطّلب، فاستودَعَني خيرَ رَحِمٍ وهي آمنة، ثمّ أطلَعَ اللهُ تبارك وتعالى عليّاً من ظَهرٍ طاهر وهو أبو طالب، واستودعه خيرَ رَحِمٍ وهي فاطمة بنت أسد (56)
إن التدقیق فی هذا الحدیث المروی عن خیر صحابیٍ یدلنا علی المرتبة العالیة فی ایمان ابیطالب و زوجته فاطمة! ولم یبقی ای سبیل لإیراد اتهاماتٍ من هذا القبیل! ولکن للأسف أن بعض السفهاء والجهلاء و آخرین عملاء خبثاء یسعون و بکل جهدهم لطمح و إخفاء ذلک النور الوضاء لعلی علیه السلام، فقاموا بإتهامٍ وخلق أکاذیبٍ، کَکُفر ابیه و التأنی فی ایمان أُمه رضی الله عنهما،لینقصوامن شأنه، غافلین عن وعد الله عزوجل حینما قال: (یریدون لیُطفِؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره و لو کَرِه الکافرون). تُری هل یمکن إطفاء النور الإلهی بأفواه الکفار و المنافقین؟ و هل یمکن آن یربوعلیاً فی رحم عابدة الوثن؟ وهل یضم علیاً فی صلبه رجل من المشرکین؟!کلا و لا حاشا لمثل علیٍ ابوان لا یدینان الإسلام ! "أشهد انکم کنتم نوراً فی الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهرة " و في حديث مرويّ یؤید ایمان هذین الزوجین حتی قبل بعثة نبینا بالرسالة ، تقول بنت أسد: عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال عن ولادته وولادة عليّ عليهما وآلهما السّلام: «... ثمّ نُقِلنا من صُلبه ( أي من صلب آدم ) في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة... »، وعابدُ الوَثَنَ المشرك لا يمكن أن يكون له صُلب طاهر ولا رَحِم طيّب.
وروي أنّ فاطمة بنت أسد رأت النبيّ صلّى الله عليه وآله يأكل تمراً له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المِسك والعنبر، من نخلةٍ لا شَماريخَ لها، فقالت: ناوِلْني أَنَلْ منها، قال: لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ الله وأنّي محمّد رسول الله، فشهدتِ الشهادتَين، فناوَلَها فأكلتْ، فازدادت رغبتها، وطلبتْ أُخرى لأبي طالب، فعاهدها أن لا تُعطيه إلاّ بعد الشهادتَين ـ الحديث، وفيه أنّ أبا طالب شهد الشهادتَين فأطعمه النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأنّ فاطمة عَلِقَت بعليّ عليه السّلام في تِلك الليلة ، ويُلاحظ أنّ فاطمة بنت أسد قد تشهدّت بالشهادتَين قبل النبوّة الظاهرية للنبيّ صلّى الله عليه وآله إضافةً الی شهادتهما بتوحید الله عزوجل لأنهما کانا حنفاء موحدین علی دین جدهما ابراهیم الخلیل(57)
ءایة من ربٍ قدیر فی اظهار مکانةِ اُمٍ و ولیدٍ لیس لهُما نظیر:
شاء الله عزّوجلّ أن يُكرم هذه المرأة الوفيّة المضحية بما لم يُكرم به امرأة من نساء العالَمين، وهو عزّوجلّ يختصّ برحمته مَن يشاء مِن عباده، فقدّرَتْ إرادة المُهيمن الأحد لفاطمة بنت أسد أن تَضعَ حَملَها المقدّس في مكّة المكرّمة أشرف بقاع الأرض يومذاك، وفي المسجد الحرام أشرف بقاع مكّة، وفي بيته الحرام: الكعبة أشرف بقاع المسجد، لم يسبقها في هذا الشرف سابق، ولم يُعقِبها فيه مخلوق.
يقول يزيد بن قُعنب: كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبدالمطّلب وفريق من عبد العُزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبَلَتْ فاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين عليه السّلام، وكانت حاملةً به لتسعة أشهُر، وقد أخذها الطَّلْق، فقالت: ربِّ إنّي مؤمنةٌ بكَ وبما جاء من عندكَ من رُسُل وكُتُب، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السّلام، وأنّه بَنَى البيتَ العتيق، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت، وبحقِّ المولودِ الذي في بطني، لَما يَسَّرْتَ علَيَّ ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودَخَلت فاطمةُ فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرُمنا أن ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ مِن (أمر) الله عزّوجلّ، ثمّ خَرَجتْ بعد اليوم الرابع وبيدها أميرُ المؤمنين عليه السّلام، ثمّ قالت: إنّي فُضِّلتُ على مَن تقدّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مُزاحم عَبَدت اللهَ عزّوجلّ سِرّاً في موضعٍ لا يُحبّ أن يُعبَد الله فيه إلاّ اضطراراً [ أي: بيت فرعون ]، وإنّ مَريمَ بنت عمران هَزّتِ النخلة اليابسة بيدها حتّى أكَلتْ منها رُطباً جَنِيّاً، وإنّي دخلتُ بيتَ الله الحرام، وأكلتُ من ثِمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردتُ أن أخرج هَتَف بي هاتفٌ: يا فاطمة، سَمِّيه عليّاً، فهو عليّ، واللهُ العليّ الأعلى يقول: إنّي شَقَقْتُ اسمَه من اسمي، وأدَّبْتُه بأدبي، ووَقَفْتُهُ على غامض عِلمي، وهو الذي يكسر الأصنامَ في بيَتي، وهو الذي يُؤذّن فوق ظهرِ بيتي ويُقدّسني ويُمجّدني، فطُوبى لِمن أطاعه، ووَيلٌ لمن أبغَضَه وعصاه(58).
وقد ذكر المؤرّخون المسلمون مسألة ولادة أمير المؤمنين عليه السّلام في الكعبة، وأوردوا في صددها طائفة من الأحاديث المستفيضة والمعتبرة، وقد أحصى الشيخ محمد علي الأُردوبادي في كتابه (عليٌّ مولود الكعبة) ما يزيد على مائة مصدر من المصادر التي ذكرت هذه الفضيلة.
ومن الجدیر بالذکر آن المؤرخون الذین ذکروا هذه الواقعة رجال معروفون بالصدق و العلم وحتی من غیر اتباع مذهب اهل البیت علیهم السلام،کبارٌ کالحاکم النیشابوری فی المستدرک ، الحافظ الکنجی الشافعی فی الکفایة، الآلوسی فی شرح القصیدة العینیة، المسعودی فی مروج الذهب و غیرهم ، مما یتم الحجة العقلیه علی جمیع المحققین و الباحثین عن الحقیقة!
شخصیة فاطمة بنت أسد الروائیة:
امتاز صدر الإسلام بأهمیةٍ فائقة للصحابةِ فی حفظهم لما یسمعون عن النبی صلی الله علی و اله و ینقلونه باعتبار السنة النبویة الشریفة، ومن بین الرواة کان هناک نسوة عاصرن الرسول وسمعن و حفظن تراثه و خلَّدنَهُ للأجیال القادمة، فمِنهنَّ فاطمة بنت أسد و ابنتها ام هانی.نقل بعض المورخین أنها روت سته و اربعون حدیت و قد أشرنا الی بعضها فی موارد، فإنها نقلت بعض التصرفات و الأقوال للنبی صلی الله علیه و آله و هو ابن الثامنة من عمره الشریف، و بعض ما روته هذه المرأة الجلیلة حکایاتٌ و إشارات کانت تدل علی نبوته و امتیازه عن ما عداه! وایضا هی کانت من رواة کیفیة کفالة عمه ابوطالب له بعد ارتحل جده عبد المطلب،و نُقِلَ هذا الخبر بالتفصیل فی کتاب " الخرائج والجرائح " للقطب الراوندی. لا شک فی أنَّ فاطمة من مصادیق المرأة الصالحة! ومقام الصالحین مقام رفیع و وصفٌ عظيم لا يرقى إليه إلاّ مَن نال مرضاة الله عزّوجلّ، ويكفي في بيان جلالته أنّ الله تعالى نعتَ به أنبياءه، فقال عن يحيى عليه السّلام : إنّ اللهَ يُبشِّرُكَ بيَحيى مُصدِّقاً بكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وسَيِّداً وحَصُوراً ونَبيّاً مِنَ الصّالِحين (59) وقال تعالی عن إبراهيم الخليل عليه السّلام:
.. إنّهُ في الآخرةَ مِنَ الصّالِحين (60).
و فاطمةُ نالت مقام الصالحین بإیمانها وتقواها،بإستقامتهاو صمودها وبحمایتها و عنایتها لحبیب الله جلَّ وعلی، بهجرتها و تحملها لأنواع الأذی فی جنب الله تبارک وتعالی!
لا شک أن کمالات خاتم الأنبياء محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله ممّا لا يُحصيه العادُون، ولا يُحيط به المحيطون، فهو صلّى الله عليه وآله رحمة للعالمين، وهو الأُسوة الحسنة لجميع البشر الذين فطرهم الخالق على هذه البسيطة، وهو خاتم أولياء الله الخاصّين، وإكليل فخر جميع الخلائق، ولا عَجَب أن باهى سكّانُ الأرض به نظراءهم من سكّان السماوات صفات و کمالات لا یشک فیها ای مسلم! کمالات بینها شخصه الکریم حینما قال : أنَّ لی مع الله حالات لا یسعنی فیها ملک مقرّب و لا نبی مرسل، فهو فخر البشریة جمعاء و افضلهم بلا منازع.
لكنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يعدّ ـ في حديث له مع أمير المؤمنين عليه السّلام ـ أنّه يفتقد مزايا خصّ اللهُ تعالى بها أخاه أمير المؤمنين عليه السّلام، فقد قال له ـ كما في الحديث الشريف:
يا عليّ! لك أشياء ليس لي مِثلها: إنّ لك زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها، ولك وَلَدان من صُلبك وليس لي مثلهما من صُلبي، ولك مِثل خديجة أمُّ أهلك وليس لي مثلها حَماة، ولك صِهر مثلي وليس لي صهر مثلي، ولك أخ في النَّسَب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك أمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة وليس لي مثلها(61)
بلى، من المؤكَّد أنّ کلام النبی صلی الله علیه و آله لا یدل علی تفضیل علی علیه السلا علی شخصه الشریف و لکن من المؤکد أن الروایة تدل علی کرامة وشرافة المنتسبین بعلی ٍعلیه السلام.تزویجه من فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله أمر لا مثیل له إذ لا کفؤ لها غیره!الحسنین فی عداد نورین امتدَّا فی ابد الأبدین، اما انتسابه لخدیجة سلام الله علیها و النبی صلی الله علیه و آله ،فهو بمثابة شق طریق لقمة الرقی والعلو نحو الملکوت،وبنوته لفاطمة، هذه المرأة الجلیلة الطاهرة أدَّی لفخر ولادته فی البیت العتیق الذی بناه جده ابراهیم الخلیل.
ومن الجدير بالتأمّل أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أشار إلى خصلتَين من خِصال فاطمة بنت أسد: أنّها هاشميّة، وأنّها مهاجرة. ممّا يدلّنا على أنّ هذه المرأة حازت ـ فوق شرف النَّسَب ـ شرفاً اكتسبته في ظِلّ الإيمان بالله ورسوله واتّباع نهج الحقّ وامتثال أوامر الله سبحانه. وقد حازت بنت أسد قَصَبَ السَّبق في هذا المضمار على كثير من الرجال والنساء، فاستحقّت الفخر في الدارَين.
امتحان آخر
من المصائب التي ثَقُل وَطؤُها على رسول الله صلّى الله عليه وآله: فراق زوجته الوفيّة خديجة عليها السّلام أمّ المؤمنين، فقد فارقت هذه السيّدةُ المضحّية الحياةَ في العام الذي توفّي فيه أبو طالب، فسمّى النبيُّ صلّى الله عليه وآله ذلك العامَ بـ « عام الحُزن »، وقد فقد النبيّ صلّى الله عليه وآله بوفاة خديجة الصدرَ الحنون الذي كان يُشاطره أفراحه وأحزانه، وفَقَد الرفيقَ الوفيّ الودود الذي وقف إلى جانبه في رسالته الشاقّة، وضحّى من أجل إعلاء الإسلام بكلّ ما يملك.
وكان عمرُ الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السّلام عند وفاة أمّها السيدة خديجة في السنة العاشرة من البعثة النبويّة لا يتجاوز خمس سنوات، وكانت أحوَج في طفولتها الغضّة إلى صدر حنون تأوي إليه، وقلب رحيم ودود يعوّضها بالحبّ الذي يُغدقه عليها عن بعض ما تجده جرّاء فقدها أمّها الحبيبة، ولم يكن ذلك الصدر الحنون والقلب الرحيم الودود سوى صدر فاطمة بنت أسد وقلبها الكبير، الصدر الذي نبض قلبه بحبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وليداً، وأحرى به اليوم أن ينبض كذلك بحبّ فاطمة الزهراء عليها السّلام ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله وبضعته وفلذة كبده.
وهكذا خاضت هذه المرأة المؤمنة امتحاناً آخر في الحبّ والودّ، خَرَجت منه مُكلَّلة بإكليل الفخر والعزّ، فقد فازت دون نساء العالَمين بخدمة سيّدة نساء العالَمين.(62)
الرحیل من دار الفناء بتودیع نبیٍ مثَّل روح الوفاء
لَملَمتْ فاطمة بنت أسد ذات يوم ذكرياتها وخواطرها خلال مسيرة حياتها المفعمة بالفداء والتضحية والثبات على المبدأ، وهُرعت صوبَ خالقها الودود الذي أكرمها في حياتها كما لم يُكرم امرأة قطّ، يحدو بها شوقٌ لا حدّ له لِلقاء ربِّها الكريم، والوفود على بَعلِها العظيم. وقد نقل المؤرّخون أن وفاتها كانت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة النبويّة، ودُفنت في المدينة المنوّرة، وكان لها عند وفاتها 65 عاماً تقريباً.
وروي عن الإمام الصادق عليه السّلام ( ضمن حديث ) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم، إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السّلام وهو يبكي، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما يُبكيك ؟ فقال: ماتت أُمّي فاطمة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأمّي والله. وقام مُسرعاً حتّى دخل ونظر إليها وبكى، ثمّ أمر النساء أن يُغسّلنها، وقال صلّى الله عليه وآله: إذا فَرَغتُنّ فلا تُحدِثْنَ شيئاً حتّى تُعْلِمْنَني. فلمّا فَرَغْنَ أعْلَمْنَه بذلك، فأعطاهنّ أحدَ قميصَيه الذي يلي جَسَدَه، وأمرهنّ أن يُكَفِّنَّها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتُموني قد فعلتُ شيئاً لم أفعله قبلَ ذلك فسَلوني لِمَ فَعَلتُه. فلمّا فَرَغْنَ من غسلها وكفنها دخل صلّى الله عليه وآله فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يَزَل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها على يَدَيه حتّى وَضَعَها في القبر، ثمّ انكبّ عليها طويلاً يُناجيها ويقول لها: ابنكِ ابنكِ.(63) ثمّ خرج وسوّى عليها التراب،ثمّ انكبّ على قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله، اللهمّ إنّي أستَودِعُها إيّاك. ثمّ انصرف، فقال له المسلمون: إنّا رأيناك فعلتَ أشياء لم تفعلها قبلَ اليوم، فقال: اليوم فَقَدت بِرّ أبي طالب، إنْ كانت لَيَكون عندها الشيءُ فتُؤثِرني به على نفسها ووُلدها، وإنّي ذكرتُ القيامة وأنّ الناس يُحشَرون عُراةً، فقالتْ: واسَوْأتاه! فضمنتُ لها أن يبعثها اللهُ كاسيةً، وذكرتُ ضغطةَ القبر، فقالت: واضَعفاه! فضمنتُ لها أن يكفيَها اللهُ ذلك، فكفّنتُها بقميصي واضطجعتُ في قبرها لذلك، وانكببتُ عليها فلقَّنْتُها ما تُسأل عنه، فإنّها سُئلتْ عن ربِّها فقالت، وسئلتْ عن رسولها فأجابت، وسئلتْ عن وليِّها وإمامِها فأُرتِج عليها، فقلتُ: ابنكِ، ابنكِ.
هكذا غَرَبتْ أمُّ الأئمّة وكفيلة النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ورَحَلتْ فاطمة بنت أسد بعد عمر أنفقته في امتثال أمر خالقها وطاعة سيّدها ونبيّها المصطفى صلّى الله عليه وآله، فلم يكن عجباً أن يحزن نبيّ الرحمة صلّى الله عليه وآله لأجلها، ويدعو في حقّها بما دعا، ويلقّنها الولاية لإكمال إيمانها كما فَعَل.
وذُكر في كتاب (علل الشرائع) أنّها دُفنت في « الرَّوحاء » مقابل حمّام أبي قطيفة، وقد اندثرت هذه الآثار فلم يبقَ من معالمها إلاّ أحجار يسيرة تشير إلى موضع قبرها وقبور الأئمّة الأطهار من بَنيها: الحسن المجتبى، وعليّ بن الحسين زَين العابدين، ومحمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين. (64).
زيارتها«: السّلام على نبيّ الله، السّلامُ على رسولِ الله، السّلام على محمّدٍ سيّدِ المرسَلين، السلامُ على محمّدٍ سيّدِ الأوّلين، السّلامُ على محمّدٍ سيّدِ الآخِرين، السّلام على مَن بَعَثهُ اللهُ رحمةً للعالَمين، السّلامُ عليكَ أيّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاته. السّلامُ على فاطمةَ بنتِ أسدٍ الهاشميّة، السّلامُ عليكِ أيّتها الصدّيقةُ المرَضيّة، السّلامُ عليكِ أيتّها التقيّة النقيّة، السّلامُ عليكِ أيتّها الكريمةُ الرضيّة، السّلام عليكِ يا كافلةَ محمّدٍ خاتَمِ النبيّين، السّلامُ عليكِ يا والدةَ سيّدِ الوصيّين، السّلامُ عليكِ يا مَن ظَهَرتْ شَفَقتُها على رسول اللهِ خاتمِ النبيّين، السّلامُ عليكِ يا مَن تَرْبِيَتُها لِوليّ اللهِ الأمين، السلامُ عليكِ وعلى روحِك وبدنِك الطاهر، السلام عليكِ وعلى وَلَدِكِ ورحمةُ اللهِ وبركاته.
أشهد أنّكِ أحسَنتِ الكفالةَ، وأدّيْتِ الأمانة، واجتَهدتِ في مرضاةِ الله، وبالَغْتِ في حِفْظِ رسولِ الله، عارفةً بحقِّه، مؤمنةً بصِدقِه، مُعترفةً بنُبوّتهِ، مُستبصرةً بنِعمتِه، كافلةً بتربيتِه، مُشفِقةً على نَفْسِه، واقفةً على خِدمتِه، مختارةً رِضاه. وأشهدُ أنّكِ مَضَيتِ على الإيمانِ، والتمسّكِ بأشرفِ الإديان، راضيةً مرضيّةً، طاهرةً زكيّة، تقيّةً نقيّة، فرضِيَ اللهُ عنكِ وأرضاكِ، وجَعَلَ الجنّةَ منزلَكِ ومأواكِ.
اللهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمد وانفَعْني بزيارتِها، وثبِّتني على محبّتِها، ولا تَحرِمْني شفاعتَها وشفاعةَ الأئمّةِ مِن ذُرّيتها، وارزُقْني مُرافَقتَها، واحشُرْني معها ومع أولادِها الطاهرين.
اللهُمَّ لا تَجعَلْه آخِرَ العهدِ مِن زيارتي إيّاها، وارزُقني العَوّدَ إليها أبداً ما أبقَيْتَني، وإذا توفَّيتَني فاحشُرني في زُمرتِها، وأدخِلني في شفاعتِها، برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهمَّ بحقِّها عندك ومنزلتِها لَدَيك، اغفِرْ لي ولوالديَّ ولجميع المؤمنينَ والمؤمنات، وآتِنا في الدنيا حَسَنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا برحمتِكَ عذابَ النار(65).
الهوامش
1ـ نهج البلاغة: الخطبة 21
2ـ فاطمة هي بنت هرم بن رَواحة بن حِجر بن عبد بن معيص بن وهب بن تغلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن مُهارب بن فِهر. وأمّها فاطمة بنت أبي همهمة بن عامر بن عمرو بن وديعة بن الحارث بن فِهر. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 6:1، وبحار الأنوار، للمجلسي 182:35.
3ـ النحل: 58 ـ 59
4ـ أُسد الغابة، لابن الأثير ـ ترجمة قيس بن عاصم
5ـ رياحين الشريعة ( بالفارسية ) 6:3
6ـ شيخ الأبطح، للسيّد محمد شرف الموسوي 111
7ـ الحجّة على الذاهب إلى عدم ايمان أبي طالب، للسيّد فخّار بن معد الموسوي 185، بحار الأنوار، للمجلسي 98:35
8ـ إعلام الورى، للطبرسي 282:1، ب 5، ف 2. الحجّة على الذاهب 158
9ـ بحار الأنوار 111:35 ـ 112
10ـ الحجّة على الذاهب 261
11ـ كقوله تعالى: « ولا تُمْسِكوا بِعِصَمِ الكوافِر »
12ـ الحجّة على الذاهب 123 ـ 124
13ـ بحار الأنوار، للمجلسي 110:35
14ـ السيرة الحلبيّة، للحلبي 125:1. الحجّة على الذاهب 313 ـ 315
15ـ الخرائج والجرائح، للقطب الراوندي 138:1
16ـ من أشعار أبي طالب ( الحجّة على الذاهب 241
لِيَـعْلَم خيـارُ الناسِ أنّ مـحمّداً
نبيٌّ كموسى والمسيحِ ابنِ مريم
أتـانـا بهَدْيٍ مِثـلَ ما أَتَيا بهِ
فـكلٌ بـأمـرِ اللهِ يَهدي ويَعصِمِ
17ـ بحار الأنوار، للمجلسي 383:15 ( ضمن حديث
18ـ بحار الأنوار 40:35، حديث 38 ـ الباب الأول ( ضمن حديث
19ـ أصول الكافي، للكليني 453:1، حديث 2
20ـ بحار الأنوار 83:35، حديث 26
21ـ بحار الأنوار 81:35، حديث 23
22ـ الخرائج والجرائح، للراوندي 138:1 ـ 139، حديث 225. بحار الأنوار 83:35 ـ 84، حديث 26
23- مكان سُلاطح: عريض، ومنه قول الساجع: صُلاطح بُلاطح، بلاطح إتباعٌ. لسان العرب 387:7 « صلطح »
24ـ وهو طالب الذي توفّي صغيراً
25ـ وهو جعفر الطيّار الذي استُشهد في وقعة مُؤتة، وأخبر النبيُّ صلّى الله عليه وآله المسلمين بمنزلته، وأنّ الله تعالى عوّضه عن يديه اللتين قُطعتا في الحرب جناحَين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة، فلُقِّب بجعفر الطيّار
26ـ وهو عقيل الذي عمّر وبقي له عَقِب
27ـ وهو أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام
28ـ بحار الأنوار 41:35 ـ 42، حديث 38 ( ضمن حديث
29ـ رياحين الشريعة 3:3. بحار الأنوار 40:35
30ـ الخصائص الفاطميّة، للمولى محمد باقر واعظ الطهراني 216
31ـ الخصائص الفاطميّة، للمولى محمد باقر واعظ الطهراني 216
32ـ أمالي الشيخ الصدوق 111، المجلس 27. بحار الأنوار 287:44 ـ 288. ويقصد صلّى الله عليه وآله بولد عقيل المقتول في محبّة الحسين عليه السّلام: مُسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين إلى الكوفة
33ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 118:2 ـ 119
34ـ شرح نهج البلاغة 124:2 ـ 125
35ـ بحار الأنورا 23:21. المستدرك، للحاكم النيسابوري 233:3، حديث 539
36ـ شرح نهج البلاغة 224:13
37ـ السيرة النبويّة، لأحمد بن زيني دحلان 34:2
38ـ المستدرك، للحاكم 233:3، حديث 537
39ـ المستدرك، للحاكم 231:3، حديث 533
40ـ المستدرك 233:3، حديث 538
41ـ انظر مثلاً: الصواعق المحرقة، لابن حجر 76
42ـ المناقب، للخوارزمي 328، حديث 61. ينابيع المودّة، للقندوزي 246:1، حديث 28
43ـ المناقب، للخوارزمي 32 ـ 33، حديث 2. كفاية الطالب، للگنجي الشافعي 252. فرائد السمطين، للحمويّ 18:1
44ـ الفردوس، للديلمي 429:1، حديث 1751. مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن المغازلي 230، حديث 277
45ـ بحار الأنوار 282:18
46 ـ بحار الأنوار 131:21. سفينة البحار، للقمّي 714:8 مادّة: « هنأ »46-
47ـ بحار الأنوار 302:43. المعجم الأوسط، للطبراني 237:7 ـ 238، حديث 6458. ذخائر العقبى، للمحبّ الطبري 130
48 - بحار الأنورا 166:74. سفينة البحار 494:3 مادة « زمن »
49ـ بحار الأنوار، للمجلسي 64:19 ـ 67
50ـ بحار الأنوار 106:19
51ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير 106:2
52ـ الحجّة على الذاهب 50. بحار الأنوار 109:35
53ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 14:1
54ـ سفينة البحار، للمحدّث القمّي 122:7 مادّة: فطم
55ـ رياحين الشريعة، للمحلاّتي 6:3 بالفارسيّة
56روضة الواعظين، للفتّال النيسابوري 76. بحار الأنوار 10:35، حديث 12
57ـ إ شارة ال ذریة ابراهیم الخلیل الذین کانوا موحدین حتی وصولهم لِفهر
58ـ الأمالي، للصدوق 114 ـ المجلس 27
59ـ آل عمران: 39
60ـ البقرة: 130
61- انظر التفاصيل في70 61- رياحين الشريعة 3:3 ـ
الرَّوَح: السَّعَة، والرَّوَح: انبساط في صدر القدم، وقُصعة روحاء: قريبة القعر، ويبدو أنّ اسم الروحاء يشير إلى فسحة في أرض - 62- البقيع قريبة من المسجد النبويّ، حيث يقع قبر فاطمة بنت أسد
63- بحار الأنوار 298:48
64- مصباح الزائر، لابن طاووس 60.
65- الکافی ج1 ص452-454،100.218. حدیث17