الحياة السياسية
تدرّجت النصوص الخاصّة الصادرة عن الإمام الرضا عليه السلام حول إمامة ابنه الجواد عليه السلام من قبل أن يولد، واستمرّ صدورها حتّى قبيل استشهاده، وذلك لتمهيد وإيجاد الأرضيّة اللّازمة للإمامة المبكّرة المتمثّلة في إمامة الجواد عليه السلام،
تدرّجت النصوص الخاصّة الصادرة عن الإمام الرضا عليه السلام حول إمامة ابنه الجواد عليه السلام من قبل أن يولد، واستمرّ صدورها حتّى قبيل استشهاده، وذلك لتمهيد وإيجاد الأرضيّة اللّازمة للإمامة المبكّرة المتمثّلة في إمامة الجواد عليه السلام، ولا سيّما إذا لاحظنا أنّها تعتبر ظاهرة فريدة في نوعها لأوّل مرّة في تأريخ أهل البيت عليهم السلام. وبالإمكان أن نصنّف النصوص الّتي ناهزت الأربعين نصّاً إلى أصناف، منها: عشرة نصوص يعود تاريخها إلى ما قبل الولادة، وعدّة نصوص صدرت بعد الولادة، وحوالي 14 نصاً ترتبط بمرحلة الصبا، وعشرة نصوص تختصّ بمرحلة ما قبل استشهاد الإمام الرضا عليه السلام بدءً بإخراجه من المدينة وانتهاءً باستقراره في خراسان وطوس.
فالمهمّ في قضيّة الإمامة هو النصّ، وقد رواه كثير من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام الأجلّاء وفقاً لما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد([1]). وقام الأستاذ عطاردي بجمع هذه النصوص كلّها تقريباً في كتابه (مسند الإمام الجواد عليه السلام )
ومن قبله بادر العلّامة المجلسيّ أيضاً إلى تخصيص فصل من كتاب بحار الأنوار ذكر فيه النصوص الواردة في إمامة محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام. ويتّضح من هذه الروايات أنّ الإمام الرضا عليه السلام أشار عدّة مرّات إلى إمامة ولده، وأطلع أصحابه الأجلّاء على هذا الأمر. وفي الحقيقة إنّ استقامة أكثر الأصحاب وثبوتهم على الانقياد للإمام الجواد عليه السلام ـ وهم الّذين أسندوا تلك الروايات ـ يُعتبر أفضل دليل على أحقّية إمامة الجواد عليه السلام.
الحالة السياسيّة في عصر الإمام الجواد عليه السلام
إنّ معلوماتنا التاريخيّة عن حياة الإمام الجواد عليه السلام قليلة، والسبب في ذلك يعود إلى المضايقات السياسيّة الّتي كان ينتج عنها إخفاء الأخبار المتعلّقة بالأئمّة عليهم السلام ليكونوا في مأمنٍ يقيهم شرّ الأعداء.
والسبب الآخر عدم استمرار حياة الإمام عليه السلام طويلاً، حتّى يمكن الحصول على أخبار بشأنها.
وفي الوقت ذاته فإنّ الدولة العبّاسيّة كان السرّ في نجاحها وانطلاقها في بداية الأمر هو ربطها بأهل البيت عليهم السلام، حيث تحكّم العبّاسيّون، وتسلّطوا على الأمّة بدعوى القربى النسبيّة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وطلب حقّ آل البيت عليهم السلام تحت شعار الرضا لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هنا فإنّه من الطبيعي أن يكون الخطر الحقيقيّ الّذي يهدّد العبّاسيّين وخلافتهم هو من العلويّين الّذين كانوا أقوى منهم حجّةً، وأقرب منهم منزلة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
أمّا المأمون العبّاسيّ فقد واجه تحدّيات كبيرة وخطيرة كانت تهدّد كيان حكمه وتعصف به، وكان بقاؤه في السلطة يحتاج إلى الكثير من الدهاء والمناورات، لأنّه كان يواجه:
1- تحرّك الشيعة العنيف ضدّه، وثورة أبي السرايا الّتي عمّت الكثير من الحواضر الإسلاميّة.
2- تكتّل العائلة العبّاسيّة ضدّه ووقوفها إلى جانب الأمين.
3- وجود المخاطر الخارجيّة من جانب الدول المتربّصة بالدولة الإسلاميّة (كالدولة البيزنطيّة).
وأمام هذه التحدّيات قام المأمون بالأمور التالية:
1- تصفيته لتحرّك أخيه الأمين والقوى المتحرّكة القويّة ضدّه.
2- القيام بلعبة تولية الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد بالإكراه ليصوّر للأمّة أنّه مع القيادة الشرعيّة.
3- محاربة وتصفية ثورات العلويّين.
4- التصفية الجسديّة للإمام الرضا عليه السلام.
5- التوجّه لبغداد للقضاء على معارضة البيت العبّاسيّ.
6- إشاعة فتنة خلق القرآن لإشغال الناس بها عمّا يهمّهم.
7- التوجّه لمحاربة الدولة البيزنطيّة ودفع خطرها.
أمّا الأمّة الإسلاميّة فلا شكّ أنّها كانت تؤيّد قيادة أهل البيت عليهم السلام. وكلّ الوقائع التاريخيّة والشواهد تؤيد ذلك، ومن أهمّها اضطرار السلطة العبّاسيّة للدخول فيما دخلت فيه من تولية الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد والإيحاء بتحويل الخلافة من العبّاسيّين إلى أهل البيت عليهم السلام.
ولكنّ هذا التأييد لقيادة أهل البيت عليهم السلام كان ضمن ثلاثة مستويات، وهي:
1- عموم الأمّة الّتي أصبحت مؤمنة بقيادة أهل البيت عليهم السلام، دون ارتباطها بهم برباط عميق من الوعي.
2- المعارضون للدولة الّذين يعتمدون الكفاح المسلّح لإسقاطها وإقامة الحكم الشرعيّ.
3- المؤمنون الذين وعوا القيادة الشرعيّةّ وهم أصحاب الإمام الرضا عليه السلام وأنصاره.
هذه هي أهمّ ملامح الوضع السياسيّ في مطلع عصر الإمام الجواد عليه السلام.