سيرة جناب "عائشة"

قيم هذا المقال
(9 صوت)

هي السيدة عائشة بنت الخليفة الاول ابي بكر بن ابي قحافة،الذي ينحدر من سلالة عامر بن كعب من بطن (تيم) و من قبيلة قريش. واُمها كانت تدعى ام رومان بنت عامر وكنيتها ام عبدالله. وقد وُلدت السيدة عائشة خمس سنوات بعد البعثة النبوية الشريفة في مكة المكرمة. وما ان رحلت السيدة خديجة اكثر زوجات الرسول وفاء،(حوالي عامين قبل الهجرة)، عقد الرسول الاكرم قرانه مع الآنسة عائشة، وظلت في ذمته عاما ونصف العام بعد الهجرة. الى ان طلب ابوها ابي بكر من النبي الاعظم(ص) ان يصطحبها الى داره وكان ذلك في شهر شوال بعيد غزوة بدر. ومكثت مع الرسول في حياة زوجية مشتركةاستمرت لثماني سنوات وخمسة اشهر.

• عائشة في بيت النبي(ص):

كباقي النساء كانت السيدة عائشة لاتحتمل تواصل النبي الاكرم مع أي امرأة اخرى، او ان يُكّنَ لها الود والاحترام. فقد كانت تُبرز مشاعرها وحساسياتها ازاء كل ذلك امام النبي(ص)، كما كانت تدافع دفاعا قويا عن الرسول الاكرم(ص)، وتتحرى اخباره اذا غاب عنها في اليوم أوالليلة. حتى عندما كان الرسول يذهب الى دور العبادة في بعض الليالي والايام، كانت تبرز مشاعرها تجاهه وتتحرى اخباره. حتى انها في ذكرياتها تتطرق الى تحرياتها عن الرسول الاكرم(ص) واليكم جانبا منها:-

- ذات ليلة شعرتُ ان النبي الاكرم(ص) لم يكن في فراشه، فساورتني الوساوس والاوهام، حتى ظننتُ انه قد ذهب الى احدى زوجاته الاخريات، فقمتُ وبدأتُ بالبحث عنه، حتى وجدته في باحة المسجد ساجدا لله(1).-

- ذات ليلة لما عرفتُ ان الرسول الاعظم لم يكن في فراشه، قلت في نفسي لاشك انه قد غادر الى واحدة من ازواجه، فحاولت التنصت على أي حركة، وبحثت عنه، حتى وجدته راكعا في محرابه(2). -

- ذات ليلة كان النبي(ص)في منزلي. فخلع عباءته ووضعها جانبا، ثم خلع خفَيه، ووضعهما الى جانب فراشه، ثم سحب إزاره على نفسه وغطى نفسه به، وبقي على هذه الحال لفترة، حتى ظن اني قد غلب عليَّ النوم. ثم قام وحمل عباءته بكل هدوء، وانتعل خفيه ثانية، وفتح الباب وخرج من الدار واغلق الباب بهدوء. فما كانت الا لحظات حتى انتفظت من مكاني وارتديت ملابسي، واتبعته بسرعة خارج الدار، حتى وجدته يدخل مقبرة جنة البقيع الغرقد. ثم وقف طويلا هناك، وشاهدته يرفع يديه ثلاثه مرات الى السماء، ثم عاد وعُدتُ قبله، فكلما كان يُسرع في العودة، كنتُ اسبقه بذلك حتى انه(ص) اخذيهرول، فهرولت قبله، حتى تمكنتُ من الدخول الى الدار قبله، واستلقيتُ في الفراش وكأني لم اتركه، لكنَّ انفاسي كانت متسارعة، فلمادخل رسول الله وشاهدني في تلك الحالة، سألني قائلا:لماذا تتنفسين بهذه السرعة يا عائشة؟فأجبته، لاشيئ يا رسول الله،فرد علي، تقولين، او ان الله العالم بالاسرار يخبرني بالأمر؟فقلت له بأبي انت وأمي، الأمر كذا وكذا... فقال، إذا تلك السوادة التي كنت اراها امامي، هي أنت؟فقلت: نعم، ثم ربت على ظهري بشكل شعرت بأنها ضربة موجعة، ثم قال لي: ظننتِ ان الله ورسول يظلموك؟(3)-

- كما ان السيدة عائشة تروي قصة اخرى وتقول: ان رسول الله(ص) خرج من عندي، فثارت حفيظتي وجاشت مشاعري، وتغيرت احوالي، حتى تأثرتُ كثيرا، وما ان عاد النبي الى الدار، حتى شاهدني في تلك الحالة ....

- فقال:- يا عائشة ما بك؟ وهل عاودت الغيرة والقلق؟-

- فقلت له وهل يمكن لمثلي ان لاتغار عليك ولا تحسد الاخريات من مصاحبتك؟-

- فأجابني وهل غلبَت عليكِ شياطينِك ثانية؟(4)•

 

• عائشة وباقي ازواج النبي(ص):

ذات يوم كان الرسول الاعظم في دار السيدة عائشة، حتى أن ام سلمة بعثت له إناء فيه شيئ من الطعام، فما كان من عائشة التي كانت مرتدية عباءتها، الا ان تناولت حجارة وضربتها بذلك الاناء ليتهشم. فلما شاهد النبي تلك الحركة التي صدرت من عائشة، أحضر إناء آخر يشبه ذلك الإناء وبعثه الى ام سلمة(5). وقد تكرر الموقف مع السيدة حفصة بفارق ضئيل في التفاصيل.(6)

- وعن الطعام الذي ارسلته السيدة صفية للنبي الأكرم(ص) تقول عائشة: ما ان وصلت الوصيفة الحاملة للغذاء ارتعدت فرائصي، وفقدت صوابي حتى اخذت الإناء ورميته بعيدا. وما ان وقع نظر الرسول الاكرم (ص) عليَّ، حتى شاهدت عيناه تمتلآن بالغضب، فما كان مني الا ان اُبادره بالقول:

- اعوذ بالله من غضب رسوله، واتمنى ان لاتدعو علي،

- فقال لها الرسول الاكرم: توبي الى الله.

- فقلت وكيف اجبر تلك الفعلة؟

- فقال، جهزي إناء مثله وإملئيه بطعام مثله وارسليه اليها(7).

 

• حادثة الافك، والآراء المتضاربة حولها:

قبل الدخول في تفاصيل حادثة الافك، علينا ان نعرف اولا معنى كلمة الافك في الآية الكريمة من سورة النور حيث تقول:"(ان الذین جاءواْ بالأفک عصبة منکم...).

فيما يخص تفسير هذه الاية الكريمة يقول الامام محمد بن فخر الرازي: ان الافك هو اعظم درجة من الكذب والافتراء، ويبلغ درجة البهتان. اي انه يظهر بشكل فجائي ويقلب الاحوال، ومن اجل ذلك قيل ان الافك بمعنى "القلب"، اي إظهار الشيئ عكس ما يكون على حقيقته، حيث ان اصحاب الكلام يعتبرون الافك اسوأ احوال الكذب والبهتان. ولم يختلف الفمسرون في ذلك، بل ويجمعون على انهم ثبُتَ لهم، ان هذا البهتان والافتراء، الذي حدث في البيت النبوي، وعن طريق احدى زوجاته ، كان نتيجة سعي جماعة ارادت من خلال طرح فكرة هذا الافك، المساس بشخصية النبي(ص). لان اتهام ازواج النبي،يدل على ان النبي نفسه لم يكن بإمكانه السيطرة على ازواجه وضبطهن، او عندما تكون احدى ازواج النبي، ترتكب مثل هذا العمل، فمن الاحرى ان تذهب الاخريات الى ابعد من ذلك. ومن اجل ذلك، تعتبر كل الفرق والمذاهب الاسلامية ان ازواج النبي(ص)، ارقى وارفع من ان يرتكبن مثل هذا العمل، الذي اسماه الله بـ "الإفك". وانهن بريئات منه، كبرائة الذئب من دم يوسف.

اذا فما هو سبب الاختلاف على تفسير الآية الشريفة؟ وهل ان الاختلاف في سبب نزول الآية؟ والى اي من ازواج الرسول الاكرم(ص) يمكن توجيه مثل تلك التهمة؟

فقد راح البعض ليتهم ام المؤمنين مارية القبطية"ام ابراهيم" بذلك، فيما وجّه آخرون الامر الى السيدة عائشة!! اما الامام الفخر الرازي يقول في كتابه في ذيل تفسير الاية ذاتها، ان سبب نزول هذه الآيه هو ان الزهري نقل عن سعيد بن مُسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبدالله بن عبدالله بن عقبة بن مسعود، وكلهم يروون عن السيدة عائشة، بانها كانت تقول:

كان النبي(ص) اذا اراد السفر يحتكم الى القرعة في اصطحاب احدى ازواجه، وفي تلك المرة حالفني الحظ لمصاحبة الرسول(ص) حيث كانت غزوة بني المصطلق. وتحرك الركب بصحبة النبي(ص). فلما نزلنا في احد المنازل، ابتعدتُ عن قافلة المسلمين لقضاء حاجة ما، لكني عندما رجعتُ افتقدتُ عقداً كان معي حصلت عليه من بني ظفار، وكانت فقراته من الخرز اليمانية الثمينة، فاضطررت للرجوع والبحث عنه، لكن عندما رجعتُ لم ار احداً من قافلة المسلمين، فقررتُ المكوث في نفس المكان، ليعرفوااني قد تخلفت عنهم ويرجعوا للبحث عني. وفي تلك الاثناء رأيت صفوان بن المعطل الذي كان يتأخر في اتباع القافلة، ويلملم ما يتبقى منها. فعرفني وأركبني على راحلته حتى أوصلني الى القافلة، لكنّ الناس تكلموا بما لايجب ان يتكلموا من كلام رخيص، واتهموني بتلك التهمة وكان على رأسهم عبدالله بن اُبَيّ. فاستنادا الى هذه الرواية فان السيدة عائشة هي تلك الزوجة التي ابتُليت بتهمة تلك العصبة، وقد دفع الله سبحانه وتعالى عنها تلك التهمة. حتى ان النبي(ص) بعد تلك الحادثة قال:"الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت".

ويروي البيضاوي في كتابه "تاريخ الاسلام" والذهبي في كتابه "الصافي"، رواية قريبة من هذه الرواية.كما ان عامة المفسرين ورواة الحديث المتقدمين منهم والمتأخرين يؤكدون نفس الرواية. غير ان صاحب "السيرة الحلبية" عندما يتطرق الى قصة رحيل ابراهيم ابن الرسول الاعظم(ص)، يشير الى ان البعض ظنوا ان المتهمة بالافك هي مارية القبطية، لكنه في نهاية الحديث يقول: ذات يوم ذهب النبي الاكرم(ص) الى منزل مارية فوجد عندها رجلا، فاستغاظ وخرج من الدار، وما ان شاهد عمربن الخطاب سخط النبي من الرجل، حتى حمل سيفه وتبعه ليقتله، لكنه وجد الرجل عقيما ولا اصل له في الذكورة.وعندما رجع الى الرسول الاعظم(ص) قال له النبي، ياعمر ان جبرائيل هبط علي وقال: ان مارية مبرئة من الموقف، كما بشرني بأنها حامل بولد واسمه ابراهيم، ومنها اصبحت كنية النبي "ابو ابراهيم". كل هذه الاحداث تؤكد بالرغم من وجود بعض الاحاديث حول اتهام ام المؤمنين مارية القبطية بشأن نزول آية الافك، الا أن كافة علماء الجمهور، يُجمعون على ان المرأة التي نزلت آية الافك بشأنها هي السيدة عائشة، والأهم من ذلك كله، عرفنا ان أيا كانت محل اتهام، فان كل ازواج النبي(ص) مبرئآت من تلك التهمة. كما يؤكد كافة علماء الجمهور ان النبي(ص) لم يُرزق من عائشة بأي مولود، الاانه كان يتردد على دارها كباقي امهات المؤمنين، حتى انه في مرضه الاخير كان في دارها وتوفي فيها وصارت دارها مدفنا له.

• السيدة عائشة على عهد الشيخين:

أولى الشيخان اهمية قصوى لأم المؤمنين عائشة اهتماما خاصا دون غيرها من امهات المؤمنين من ازواج النبي(ص)، حتى اضحت محط اهتمام المسلمين وغير المسلمين من بين كل اهل بيت الرسول الاكرم(ص). بحيث انها وبعد رحيل النبي الى جوار ربه اضحت تأمر وتُصدر الفتاوى ويتم الرجوع اليها في الكثير من المهام. حتى قال المحقق والباحث الاسلامي المعاصر العلامة السيد مرتضى العسكري(رض)انها كانت تُصدر الفتاوى، ودليلنا على ذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات عن قاسم بن محمد بن ابي بكر، حيث كان يقول: ان السيدة عائشة كانت على عهد ابي بكر وعمر وعثمان وحتى آخر حياتها، المرأة الوحيدة التي تُصدرالفتاوى(8). اضف الى ذلك ان الخليفة الثاني عندما كان يحدد مبلغا كمرتب شهري لأزواج الرسول، كان يدفع لها اكثر من الاخريات. ويؤكد ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى هذا الامر عن الصحابي مصعب بن سعد حيث يقول: كان عمر يُعطي لكل واحدة من ازواج الرسول عشرة ألاف(درهم)، فيما كان يدفع لعائشة اثني عشر ألف(درهم). وكان يستدل على ذلك بأنها كانت محط اهتمام النبي الاكرم اكثر من غيرها(9).

• السيدة عائشة في عهد عمر بن الخطاب:

كان عمر بن الخطاب يهتم بالسيدة عائشة اكثر من باقي نساء النبي. حتى ان الذهبي يروي في كتابه، بعد فتح العراق غنم المسلمون جوهرة ثمينة، فاستأذن عمر الحاضرين، وارسلها الى عائشة. كما ان ابن الاثير يذكر في كتابه "الكامل في التاريخ" ان عمر بن الخطاب في اواخر عمره كان قد استأذن من عائشة لتسمح بدفن جثمانه في دارها الى جانب قبر النبي وابي بكر، فطمأنته بموافقتها على ذلك. وما يلفت انتباه الجميع على عهد الشيخين، الاحترام المتبادل بين عائشة والخليفتين، حتى ان البخاري يذكر في كتابه "الصحيح" باب فضائل اصحاب النبي(ص)، ان ابن سعد يروي حديثا طويلا فيطبقاته ويقول فيه: ان عمر بن الخطاب، أمر ابنه عبدالله ليذهب الى ام المؤمنين عائشة، ويقول لها:"ان عمر يُبلغك السلام ويطلب منك ان تُوافقي على دفن جنازته الى جانب قبر رسول الله(ص) وابي بكر". فلما بلغه أنها وافقت على ذلك فرح فرحا شديدا.

• السيدة عائشة في عهد خلافة عثمان:

في بداية خلافة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حج الخليفة وام المؤمنين عائشة معا. لكن سرعان ما اقدم الخليفة الثالث على حذف الالفي دينار الاضافية، التي اضافها الخليفة الثاني على مُرتّب ام المؤمنين عائشة، مقارنة بباقي امهات المؤمنين اللواتي كن يقبضن عشرة ألاف درهم فقط. وفي هذا المجال يقول اليعقوبي في تاريخه:"لقد حدث بين ام المؤمنين عائشة والخليفة عثمان بن عفان سجال، انتهى بقطع الالفي درهم الاضافية، التي كانت في مُرتّب ام المؤمنين عائشة من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حتى اصبح مُرتّب السيدة عائشة، يُساوي باقي مُرتّب باقي امهات المؤمنين". اما العلامة الراحل السيد مرتضى العسكري يقول في هذا المجال:" نحن نعرف ان الخلاف بينهما ظهر اواسط فترة خلافة عثمان، وان الخلاف حدث بعد وقوع حدث ما، ولم يقع ذلك الحدث فجأة، بل ان احداثاً تراكمت بين الجانبين، حتى ضاقت الامور وتأزمت، ما أدى الى وقوع شرخ بين ام المؤمنين عائشة وعثمان بن عفانن وتضاعفت الهوة بينهما مع مضي الزمان. كما يعتقد المؤرخون ان من بين الامور التي تسببت في ظهور تلك الاختلافات، كانت قضية الوليد بن عقبة، الاخ غير الشقيق للخليفة عثمان بن عفان. حتى ان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الذي يشهد التاريخ لنزاهة روايته يقول:"في عهدالخليفة عثمان، حصل الفاسق - حسب تاكيد القرآن الكريم- "الوليد بن عقبة" على منصب في منظومة الخلافة، ما مكّنه من ارتكاب الذنوب بكل حرية سرا وجهارا، حتى انه خصص لنديمته المسيحية مُرتّبا من الخزانة الاسلامية، بل وخصص لها اموالا من بيت المال، لشراء مسكراتها ولحوم الخنازير التي تتناولها.(10)

ولما ولي الوليد بن عقبة أمارة الكوفة التحق به الشاعر المسيحي "ابو زبيد" ما حمل الوليد ليهب له دار عقيل ابن ابي طالب. والأنكى من ذلك كله، ان ابو زبيد النصراني هذا، كان اذا اراد الذهاب الى دار الامارة ليلتقي الوليد بن عقبة، كان يمر من داخل مسجد الكوفة ومنه يعبر الى دار الامير، ليقضيا معا ليلة ماجنة بالسكر والسمر. ثم يقوم الوليد بن عقبة وهو على اشد حالة السكر، باجتياز مسجد الكوفة ليعود الى منزله. كما ان احدى اقبح الاعمال التي ارتكبها الوليد بن عقبة، هو انه دَنّس اجواء المسجد الروحانية، بأعمال السحر والشعوذة. ولما قيل للوليد بن عقبة، ان رجلا يهوديا يُدعى "زُرارة" يمارس السحر والشعوذة، في قرية من القرى القريبة من جسر بابل، امر بنقله الى الكوفة، ليشاهد عن كثب شعوذته ويلهو بألاعيبه، ثم امر بأن يدخل الرجل اليهودي باحة مسجد الكوفة، ويمارس اعمال الشعوذة داخل ذلك المكان المقدس، على مر العصور ليلهو بها حاكم المسلمين وحاشيته.

القضية الاخرى التي اثارت الخلافات اكثر من ذي قبل، تمادي الوليد بن عقبة في شرب الخمر، وظهوره ثملاً امام المسلمين. الامر الذي يقتضي اجراء الحد عليه. وقد تمكن عدد من المسلمين الذين شهدوا سكر الوليد، وتماديه في تعاطي الخمور، من الوصول الى بلاط الخلافة في المدينة المنورة، واخبروا الخليفة بتفاصيل الامور وقدموا له الوثائق والشهود، ثم طلبوا من الامام علي بن ابيطالب التدخل في الامر. وفي هذا المجال يروي المؤرخ الاسلامي الشهير ابوالفرج الاصفهاني في كتابه "الاغاني": ان عثمان قال لتلك الجماعة، اذا كان القرار، كل من انزعج من اميره يقوم باتهامه، فلن نتمكن بعد اليوم من ضبط الامور، ومن اجل ذلك سأُصدر قرارا بتوبيخكم جميعا صباح الغد. فما كان من تلك الجماعة، الا ان يلجأوا الى منزل ام المؤمنين عائشة، فلما طلع الصبح، سمع الخليفة كلاما من جانب حجرة ام المؤمنين عائشة، تعلوه صيحات العنف والتذمُر منه، فما كان منه الا ان يصرخ بأعلى صوته قائلا: وهل ان جبابرة وفسقة العراق لم يحصلوا على ملجئ سوى دار عائشة؟!!!... ولما سمعت السيدة عائشة هذا الكلام، اخذت خِفَيّ الرسول الاكرم(ص) ورفعتهما فوق رأسها وهي تصيح: "ما اسرعكم في اجتياز سنة وسيرة صاحب هذين الخفين".

استغاثة السيدة عائشة هذه، سرت بين الناس كالبرق الخاطف، وملأت اسماع المسلمين. حتى اقبل الناس الى المسجد النبوي، ليدور الكلام حول تصرفات الاثنين(الخليفة عثمان والسيدة عائشة)، وثارت حفيظة الجمهور، حتى اتسعت الخلافات بين الناس. فمنهم من استحسن عمل السيدة عائشة، ومنهم من راح يساند عمل الخليفة. ومما يثير الاسف ان الاحداث تطورت، حتى بلغت الاشتباك بالايدي، وضرب الناس بعضهم البعض. وفي هذا السياق يقول العلامة البلاذري: "ان عثمان لم يصمُت امام احتجاج ام المؤمنين عائشة، بل قابلها بنبرة عنيفة في الكلام وصرخ بوجهها قائلا:

وهل يحق لك التدخل في الشؤون؟ لقد اُمِرتِ ان تَقري في بيتك!!."ويذكر كل من اليعقوبي في تاريخه وابن عبدالبر في كتابه "الاستيعاب"، بنفس هذه الكلمات ويوضحان نشوب هذه الخلافات بينها والخليفة بشكل جلي. وبدوره اشار الامام علي بن ابي طالب(ع) على عثمان بعزل الوليد بن عقبة، واذا ما اكد الشهود في حضرته ارتكابه شرب الخمر، أقم الحد الشرعي عليه. فاستجاب عثمان لاقتراح علي بن ابيطالب(ع) وعزل الوليد واستدعاه الى المدينة. اما الوليد كان يحاول الافلات من الواقع في بادئ الامر، لكنه في النهاية اضطر للتخلي عن الإمارة، وسلمها الى سعيد بن العاص الوالي الجديد للكوفة. وما ان استلم إمارة الكوفة، امر سعيد بن العاص بتطهير مسجد الكوفة وقال، لن ارتقي منبره حتى يتم تطهير كل المسجد. في حين ان كافة زعماء بني امية كانوا يحاولون منعه من ذلك، لانهم كانوا يعرفونمدى خباثة وقبح العمل الذي ارتكبه الوليد الذي هو من نفس قبيلتهم(قبيلة بني امية) وان سعيد بن العاص هو من قبيلة اخرى. لكن سعيد لم يستسلم للضغوط وظل يصر على ضرورة تطهير المسجد والمنبر.(11)

وما ان عاد الوليد الى المدينة، واكد الشهود شربه الخمر وتماديه في الفسق والفجور امام الخليفة عثمان، حتى اصدر الاخير امرا لإقامة الحد الشرعي عليه. الا ان كل من اراد الدخول على الوليد لإقامة الحد عليه، اصطدم بكلام الوليد، الذي كان يُخاطبه فيه قائلا: "انظر الى نفسك وعشيرتك، ولاتقطع رحمك مني، ولا تقم الحد عليّ، فإن الخليفة سيغضب من عملك".!!!.

هذه الكلمات كانت تسلب إرادة كل من يتقدم لإقامة الحد على الوليد. فلما رأى الامام علي بن ابيطالب(ع) الامر بلغ الى هذه الدرجة، اخذ السوط ودخل على الوليد مع ابنه الامام الحسن(ع)، فلما رآهما الوليد استأنف كلامهالسابق، الا ان علي بن ابيطالب(ع) أجابه: لوعملتُ بما تقول، لم أكن آمنت بالله، ثم عمد الى عباءته فسحبها من على منكبيه، وخلع جبته عنه ثم ضربه بسوط ذي ذؤابتين اربعين ضربة، ليتحقق إقامة الحد عليه ثمانين جلدة. وشاءت الاقدار ان يكون الامام علي بن ابي طالب(ع) هو الذي قتل عقبة والد الوليد بأمر من رسول الله(ص) في احدى غزواته. ولولا متابعة الامر من قبل السيدة عائشة، ومعارضتها لإمارة الوليد وتحشيد معارضيه ضد ولايته، لما كان الوليد يتخلى عن الحكم، وما تم تطبيق حكم الله عليه.

• الاحداث التي تلت هذه الواقعة:

يقول العلامة البلاذري، الذي يحظي بمكانة مرموقة لدى علماء مدرسة الخلافة، يقول في كتابه "أنساب الاشراف": ان بني تيم ثاروا ضد عثمان لصالح محمد بن ابي بكر وابن عمه طلحة. وقد بدأت حركة محمد بن ابي بكر، شقيق السيدة عائشة بدعم من بني تيم حين كان واليا على مصر، لان محمد بن ابي بكر ومحمد بن ابي حذيفة عندما كانا في مصر ثارا ضد واليها(عبدالله بن ابي سرح)، الذي عينه الخليفة عثمان بن عفان حاكما لها، وانتهى الامر الى سيطرتهما عليها(12).

• فرض الحصار على الخليفة عثمان:

بعد تطور الاحداث، بدأ المعارضون لحكم الخليفة عثمان بن عفان بفرض حصار عليه داخل داره، ما حمله على ايفاد عبدالله بن الحارث بن نوفل الذي كان من حفدة عبدالمطلب جد النبي(ص)ن الى علي بن ابي طالب(ع) لينقل له الشعر التالي:

فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي وإلا فأدركني ولما أمزق(13)

كلام عثمان هذا كان يحمل رائحة الشؤم والافتراس من قبل المحيطين به، ما حمل الامام علي بن ابي طالب(ع) الذي كان في خيبر حينذاك، للاسراع في العودة الى المدينة والدخول على الخليفة عثمان. وما ان رأى عثمان عليا داخلا عليه، حتى استنجد به واقسم عليه بحق الاسلام والاخوة والقرابة والمصاهرة التي شاركه فيها للرسول الاكرم(ص) ان يساعده. فما كان من الامام علي الا ان يذهب الى طلحة ويطلب منه ان يطلب من المحتشدين حول دار الخليفة ان ينفضوا ويذهبوا الى مساكنهم، الا ان طلحة قال: لا والله لن افعل ذلك حتى يرضخ بنو امية كلهم لحقوق(مطالبات) الناس.فخرج علي(ع) من دار عثمان متجها الى خزانة المال، وامر بكسر بابها وبدأ يُقسِّم الاموال بين الناس الغاضبين على الخليفة.

وما ان رأى طلحة هذه الظاهرة واقتراب الناس من انهاء الحصار الذي فرضوه على دار الخليفة، حتى اقتحم الدار واوصل نفسه الى الخليفة ليقول له: يا امير المؤمنين، أنا نادم من عملي، واطلب من الله العفو والتوبة، ساورتني افكار، لكن الله لم يشأ تطبيقها على ارض الواقع، وحال بيني وبين تطبيقها.الا ان عثمان اجابه بالقول: والله انك لم تدخل علي لتعلن توبتك، بل انك وجدت نفسك مهزوما ومغلوبا، وانا اوكلك وعملك هذا الى الله تعالى. اماعلي بن ابيطالب الذي رأى الجماهير الغاضبة على الخليفة عازمة على قتله، قال لولديه الحسن(ع) والحسين(ع): إحملا سيفيكما وقفا على باب دار عثمان، ولا تسمحا لاحد الوصول الى الخليفة.

وما كان من ابني علي الا ان يطبقا ما امرهما ابوهما به، رغما اشتداد الاشتباكات بينهما والمحتشدين على دار الخليفة، حتى اُثخن وجه الامام الحسن(ع) بالجراح لشدة الصدام والاشتباك مع المحتجين، كما اصيب قنبر غلام علي بن ابيطالب(ع) في رأسه بجروح عميقة ايضا.وتباينت الاقوال حول مقتل الخليفة، لكن المؤكد للجميع ان القاتل او القتلة لم يتمكنوا من اقتحام باب الدار، ونزلوا الى داره من على سطح دار رجل من الانصار، كانت داره بجوار دار الخليفة، لأن بني هاشم والامامين الحسن والحسين عليهما السلام، منعا اي شخص من اقتحام باب دار الخليفة عثمان بن عفان. وقد نقل كل من ابن ابي الحديد المعتزلي ومحمد بن جرير الطبري والعلامة البلاذري، تفاصيل قصة مقتل الخليفة الثالث في كتبهم.

بقي جثمان الخليفة الثالث المقتول لثلاثة ايام دون ان يهم اي طرف لدفنه، ما حمل الامام علي(ع) ان يتدخل بنفسه و يشرع بتجهيزه ودفنه بحضور مروان والبنت الخامسة للخليفة وثلاثة من غلمانه في منطقة "حش الكوكب"(14)، بالقرب من مقبرة البقيع الغرقد في المدينة المنورة. وما ان ولي معاوية ابن ابي سفيان السلطة، أمر بهدم سور مقبرة جنة البقيع لتشمل منطقة "حش الكوكب" ايضا.وبعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، اقبل اصحاب الرسول الاكرم(ص)، على علي بن ابيطالب(ع) وقالوا، يا علي ان الخليفة عثمان قتل، ولا بد للمسلمين، من قائد وزعيم قدير، واليوم هم مضطرون ولا حيلة لهم، ولم نجد غيرك أهلا للخلافة، ولم نعرف احدا يسبقك الى الاسلام، ثم اخذوا يتطرقون الى نضاله وتاريخه المشرف في نصرة الاسلام.

اما المؤرخ محمد بن جرير الطبري يقول، بعد مقتل عثمان اقبل صحابة الرسول الاعظم(ص) الى علي بن ابي طالب وقالوا له: يا علي ان الخليفة عثمان قتل، واليوم لابد للمسلمين من قائد وزعيم مقتدر، وهم مضطرون للجوء اليك، ولم نجد احدا غيرك تليق به الخلافة، ولم نعرف احدا غيرك أهلا لها.ثم اخذوا يتطرقون الى نضال وتاريخ الامام علي ونصرته للاسلام.ويضيف الطبري في تاريخه، بعد مقتل عثمان اخذ الناس يدخلون على علي بن ابيطالب جماعات جماعات ويطلبون منه ان يتصدى للخلافة وإمارة المسلمين، لكنه(ع) كان يُعرِض عن ذلك. ولما اصروا عليه وقالوا له ان استمر امر المسلمين اكثر من هذا على هذه الحال، فان امور المسلمين ستسير من السيئ الى الاسوأ، قاللهم الامام علي(ع): ان بلغ اصراركم الى هذه الدرجة، فاذهبوا الى المسجد النبوي، واني ساتبعكم. ولما دخل الامام علي الى المسجد النبوي، ارتقى منبره والقى فيهم خطبة بدأها بالبسملة والحمد لله والصلاة على رسول الله وآله، ثم قال يا معشر الصحابة، لم اكن ارغب في الجلوس على كرسي الخلافة، لكن اصرار الامة وارادتها تفرض علي ذلك. واذا رضيتُ ببيعتكم سأُطالبكم ببيعة لا غبار عليها، ولا رجعة عنها على مدى ايام خلافتي، وساركز على موضوعين هما:

الاول- الغاء كل انواع التمييز الطبقي، والثاني- هو تساوي الحقوق بين كل المسلمين. فهل توافقوني على ذلك؟ فنادى الجمع بصوت واحد: نعم ياعلي.

وفي هذا المجال يقول العلامة البلاذري: لقد اقبل المسلمون جماعات جماعات، وبكل شوق يحيون الامام علي، هاتفين بأعلى اصواتهم: "علي امير المؤمنين"، وراحوا يبايعونه وامتدت ايديهم اليه، معلنين بذلك بدء مراسم البيعة العامة لخلافته. وكان طلحة والزبير اول من بايع علي. ثم تبعهما اصحاب علي(ع) امثال عمار بن ياسر ومالك بن الاشتر النخعي، اللذين طلبا من الاخرين ان يقبلوا على علي ويبايعوه، الا انه(ع) قال لهم، من لم يستقبلنا برحابة صدر، ولم يبايعنا من صميم قلبه، لا حاجة لنا ببيعته. والجدير بالذكر ان من كانوا يتثاقلون الى مبايعة علي(ع) هم المروان بن الحكم والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص. ويؤكد التاريخ ان هؤلاء هم الذين كانوا يحملون احقادا ضد الامام علي(ع)، لأنه هو الذي قتل آباءهم واجدادهم المشركين، ما دفعهم الى معارضة إمارة الامام علي(ع). وقد اكدوها له اكثر من مرة قائلين له: لقد قتلت آباءنا، فكان يجيبهم(ع) قائلا: لم اقتلهم أنا، بل ان معارضتهم وعداءهم للحق، ودعمهم للشرك والوثنية، هو الذي دفعهم للقتل. وكان علي بن ابي طالب يؤكد ان الذين حصلوا على اموال طائلة من اموال المسلمين دون مقابل، عليهم ان يعيدوها وفي غير ذلك، فانه سيتبع تطبيق العدالة تجاههم.

على صعيد آخر كان طلحة والزبير بايعا الامام علي(ع)، ظنا منهما انهما سيحصلان على مهام في منظومة الخلافة، او ان عليا سيمنحهمامُرتّبات اكثر من الاخرين، لكن عندما شعرا بعدم تحقيق ذلك بدءا يُكثران من النقد والانتقاص، من خلافة علي ويُشكلان عليها، لكنه فضل طريق الحوار معهما، وقد تم جمع حواراته معهما في كتاب نهج البلاغة.

اما اليعقوبي فيتحدث عن مطالبات طلحة والزبير من علي بن ابيطالب ويقول: انهما قالا لعلي(15): يا علي! نحن لم نحصل على اي مسؤولية مذ رحل النبي الاكرم(ص) وبقينا مهمشين في المجتمع. والان قدحان الوقت واصبحت خليفة، نأمل منك ان تُشركنا في خلافتك وترفندنا بالحصة التي حصلت عليها وتمنحنا احدى المهام الهامة في الخلافة.

فأجابهما علي(ع) قائلا: الافضل لكما ان تنصرفا عن هذا الاقتراح، فأي مهمة تنشدون وانتم قوتي وسلطتي في الناس؟ فكونوا اعواني في الصعاب، وشاركوا في ارساء اواصر خلافتي فهل هناك مهاما ارفع من تلك المهام للمسلمين؟ لكن طلحة والزبير لم يشاهدا اي مرونة من الامام علي(ع) في تلك الفترة، كما انهما سمعا ان السيدة عائشة رفعت لواء المطالبة بثأر ودم عثمان في مكة، فقررا شد الرحال اليها، متذرعَين انهما يريدان العمرة. وقصدا الامام علي ليستأذناه. وبالرغم من تحذيرهما من الانحراف لم يعارض الامام مسيرتهما، خاصة وانه كان يعدل بين الرعية ويحاول تقسيم اموال بيت المال بالتساوي بين المسلمين.

• وقوع الفتنة بين ابناء الامة الاسلامية:

بعد التحاق طلحة والزبير بأم المؤمنين عائشة التي كانت تبلغ من العمر خمسة واربعين عاما آنذاك ، انظمت اليها بعض المجموعات والشخصيات المعارضة لخلافة الإمام علي(ع)، وكان جلهم من اصحاب الزعامات والشخصيات المتنفذة، الذين فقدوا مناصبهم التي كانوا يشغلونها إبان حكم الخليفة السابق، وقد طردوا منها اثر سياسة الامام علي التي تعتمد العدل والمساوات. فصار عددهم لايُستهان به. حتى اختلف زعماء القوم بين ان يقصدوا الشام ويطلبوا العون مباشرة من معاوية بن ابي سفيان، وبين مَن كانوا يقولون، علينا الحركة باتجاه العراق ومطالبة العون من اهل الكوفة والبصرة.فرجحت الكفة الثانية على الاولى، وصار القرار ان يتحرك الركب المُجَحفَل باتجاه العراق. حتى قال الطبري في تاريخه، ان هذا الركب قد بلغ عدد اعضائه ثلاثة آلاف شخص.وبهذه الصورة تكوّن هذا الجيش الجرار في مكة، ثم غادرها باتجاه البصرة.

ويؤكد المؤرخون، بمن فيهم الطبري، ان الخلافات بين طلحة والزبير، وانقسامات الجيش المتجحفل، كانت مشهودة على طول الطريق التي قطعوها الى العراق. وكان من اهم تلك الخلافات، الاختلاف على مَن يؤم الجماعة حين الصلاة، كما استمر الخلاف حول مَن سيرأس القوم، وبالتالي الى الجهة التي يقصدها الجيش المتجحفل(لأن الجيش كان منقسما بين الذهاب الى الشام او العراق).

• النزاع الداخلي للجيش المتجحفل:

في البداية كانت الامور تبدو وكأنها تسير لصالح المعارَضة لخلافة الامام علي(ع)، حيث تمكنت من تجهيز وتحشيد ذلك الجيش الجرار، وانها ستُسيطرعلى البصرة سيطرة تامة. لكن الاختلافات الداخلية كانت اكثر من ان يتمكن احدا من اخفائها،خاصة حين الصلاة ومَن الذي يجب ان يؤُم الجماعة، طلحة او الزبير؟ الامر الذي عجزت عن تذليله حتى السيدة عائشة نفسها. حتى ان ذات مرة، استمرت النزاعات على إمامة الجماعة لوقت متأخر، حتى كاد وقت الصلاة يفوت. ما دعا بعض الصحابة للصراخ(الصلاة... الصلاة... يا اصحاب محمد). وكان الخلاف الرئيسي بين طلحة والزبير يدور حول: مَن الذي يجب ان يُخاطبه الناس بصفة "الامير" ويُسلمون عليه بإمرة المؤمنين والمسلمين؟ وفي هذا المجال يقول ابو مخنف: اختلف المؤرخون في ذلك، حتى ان البعض كانوا يُطلقون لقب "الامير" على الزبير، لانه تم تكليفه من قبل السيدة عائشة ليكون قائدا للجيش. فيما كان البعض الاخر من المؤرخين يعتقد ان الجماعة كانت تنادي الشخصين بـ "الامير".لكن الاهم من كل ذلك، هو ان الخلاف بين زعماء وقادة الجيش، كان مشهودا لا غبار عليه، والكل لم يكن يطمئنا لفعلته، ولا يُمكنه التمييز بين الصواب والخطأ، فظلوا حيارى بين ذلك. حتى ان الطبري يروي ان طلحة كان يقول في هذا المجال:(انا نُبَّصِر ولا نَبصُر) اي اننا نُعرِّف الطريق للآخر ولكننا لا نرى طريقنا الحقيقية!!! وعندما يحتج عليه "ابوعمرة" يقول: حقا لقد تحيرنا في امرنا، ومازلنا مُردَدِين في قرارنا. واقول لك اني على مدى حياتي، كلما كنتاقدم على عمل ما، كنت اُفكر في عواقبه، لكني لم افعل ذلك في هذا الامر، ولا اعلم كيف سيكون مصيرنا ازاءه؟

كما يُروى عن علقمة بن وقاص اذ يقول: كنت في تلك الفترة أرقب ملامح وجه طلحة بدقة متناهية، واراه مثبورا و قلقا، كان ينعزل لوحده، ويضع رأسه بين ركبتيه ويغوص في افكار عميقة. وذات يوم سألته عن سبب قلقه وثبوره وما الذي جعله يغوص بتلك الحالة في افكاره الباطنية؟ واذا كانت الحرب مع علي تُزعجه، فلماذا لم ينصرف عن الجيش ويسلك طريق منزله؟فأجابه ذات مرة قائلا: كنا معاشر المسلين على قلب رجل واحد امام الاعداء، ومع الاسف اليوم، انقسمنا الى مجموعتين متناحرتين، واصبحنا كجبلين شاهقين يدعوان للتناحر دون انحناء.ومجرد وجود حكاية هذين الزعيمين في النصوص والكتب التاريخية المعتبرة، بأنهما كانا مُردَدَين، في المضي قدما لتحقيق الاهداف، يدل على انهما حقا كانا مردَدَين، بل وقلقان من الاستمرار بالموقف، ويخشيان عواقبه الخطيرة. وهذا ما كان يُزيد من خوفهما وترديدهما وقلقهما.

اما في الطرف المقابل، تؤكد النصوص التاريخية ان الامام علي بن ابيطالب(ع) كان يقول: "واني لعلى يقين من امري وفي غير شبهة من ديني، وان معي بصيرة". وكان طالما يؤكد في كلماته وخُطَبه امام اصحابه قائلا:"واني لعلى يقين ان الله سيعينني ويحميني في هذه الحرب، وسينصُرني، لاني واثق بأني لم ارتكب ذنبا فيها، واني لعلى حق، ولا اجد اي ريبة او شبهة في اعمالي، لاني على بصيرة من امري".

• نزوح علي وجيشه من المدينة الى البصرة:

بعد ان اضطر الى رأب الصدع ودفن الفتنة، اضطر الامام علي(ع) ان يتحرك بجيشه باتجاه البصرة. وكان اول منزل نزل فيه ليستريح فيه عسكره، منطقة "الربذة". فوجد فيها عثمان بن حنيف الذي شكا اليه ما تَحمّله من ألآم وايذاء من قِبل جيش المعارضة المُتجَحفِل في البصرة، فدعاه الامام للتحلي بالصبر وواساه بالالم والحزن. ثم كتب كتابا الى والي الكوفة، ليُجهِّز الناس ويُرسل له قوات تدعم جيشه، الا ان ابا موسى الاشعري، لم يعر اهمية لكتاب الامام، بل وعمل خلافا لما امره الامام وحذر اهل الكوفة من نُصرة الامام علي وجيشه. لكن الامام علي واصل مسيرته في العراق حتى وصل الى ذيقار. وكانت ثاني منزل ينزل فيه الامام وجيشه. عندها بعث نجله الامام الحسن المجتبى بكتاب الى الكوفة، ليطلب الدعم والالتحاق بجيشه، ما ادى الى تجييش الكثير من ابناء الكوفة والتحاقهم بجيش الامام علي(ع).

وفي هذا الاطار يقول الطبري في تاريخه، نزل الجيشان في محل سمي فيما بعد بـ " قصر عبيدالله بن زياد"، ومكثا ثلاثة ايام دون ان تحدث اي مواجهات او نزاعات، وكان علي بن ابي طالب هو الذي يُواصل ايفاد الكتب والسفراء الى قادة الجيش الآخر. بل وحتى انه كان يتواصل معهم مباشرة، عسى ولعله يتمكن من التصدي لوقوع اي حرب او اشتباك محتملن لانه لن يُجدي نفعا سوى اثارة الفتنة والفساد.

• حدوث الانقسام في الجيش المعارض للإمام علي(ع):

منذ انطلاقه من مكة، كانت آثار الخلافات والانقسامات تطفو على الجيش المعارض لمعسكر الامام علي(ع)، مروان الذي كان يُعتبر من اعوان معاوية بن ابي سفيان، كان اكثر من غيره يعمل على تشتيت الجيش، وبث الفرقة بين قواته، لأنه في الوقت الذي كان يُكّنُ حقدا للامام علي في قلبه، كان لايتمكن من اخفاء ضغائنه تجاه طلحة والزبير ايضا، حتى ان الكثير من اعوانه كانوا يعلمون بشدة عداوته لهما. وانطلاقا من تلك الاحقاد والضغائن، كان يُثير الفتنة بينهما، خاصة في اوقات الصلاة، حيث كان يعبث بينهما لتقع الفتنة بينهما، وتتصاعد الخلافات. وقد نجح في ذلك عدة مرات، بحيث انه ذات يوم خاطب طلحة والزبير معا وقال: لقد حان وقت الصلاة واصطف الناس لأدائها، وهم ينتظرون من سيؤمهم، فبالرغم من انكما تتوفر فيكما شروط امام الجماعة، لكن اريد ان تُخبراني أيكما احق بالتقدم لأُعلن على الملأ ويتقدم ليؤُم الناس بصلاتهم؟ هذا الكلام احرج طلحة والزبير معا، ولم يتمكنا من الإجابة عليه، وبقيا صامتان ولم يجيبا مروان على تساؤله. لكن عبدالله بن الزبير قال: ان ابي امير، وسيتقدم لإقامة الصلاة وهو اجدر بهذا المقام. فقابله بالمثل محمد بن طلحة بالقول: كلا، ان هذا المقام من شأن ابي، وهو الذي يُليق بهذه المكانة والمرتبة. وبهذه الصورة تمكنمروان من نثر بذور الفتنة بينهما، وأثار الاحقاد والضغائن فيما بينهما. فما ان علمت ام المؤمنين عائشة بالامر، بعثت الى مروان مَن يُوبِّخه ويقول له: ماذا تفعل يا مروان؟ لماذا تشق عصى الجيش؟ فلو قصدت الصلاة حقا، فدونك ابن اختي، عبدالله، وللجمهور ان يقتدوا به ويُصلوا معه، ويحذروا عاقبة النفاق والفرقة. فما كان من مروان الا ان ينصاع الى الامر، ويؤجل طروحاته التخريبية، ويعمل بما لاتشتهيه اهواءه، ويبقى منصاعا كالجندي المطيع الذي يقف خاضعا امام القائد الحربي وينحني له. لكنه سرعان ما عاود الكرة ثانية في البصرة، عندما استولى طلحة والزبير على المدينةوواليها، وراحا يُمهِّدان للانتصارات القادمة، طرح مروان ثانية قضية مَن يَؤُم المصلين حين الصلاة، ما اثار اللغط والكلام بين الجيش، حتى وصل الخبر الى السيدة عائشة، واضطرت للتدخل مباشرة لتحل قضية امامة الجماعة، وتحل تلك العقدة المعقدة التي طرحها مروان والتي كادت ان تجر عواقب لا تُحمد عقباها على الجيش، وقدّمت عبدالله بن الزبير كإمام للمصلين مرة ثانية.النقطة التي يجب الانتباه لها في هذا الخضم، هي ان السيدة عائشة، كانت تحب ابن اختها عبدالله الزبير، اكثر من اي شخص في عشيرتها وقبيلتها، وكأنها لم تكن خالته فحسب، بل كانت تعامله وكأنها ام حنون، وتبادله الحنان والمحبة وكأنه ابنها الوحيد!!! حتى اصبحت كنيتها "ام عبدالله" لشدة علاقتها ومحبتها له.(16) ومن الجدير بالقول ان السيدة عائشة كانت اكدت في وصيتها، بأن تعطى حجرتها ودارها الخاصة بها الى عبدالله بن الزبير(17).

• احداث واقعة الجمل:

يروي حاكم النيسابوري في كتابه "المستدرك على الصحيحين" والمتقي الهندي في كتابه "كنز العمال" عن عم يحيى بن سعيد انه كان يقول:لما كان يوم واقعة الجمل، نادى الامام علي(ع) في عسكره بأعلى صوته: ياقوم، لاتُسددوا سهامكم تجاه العدو، ولا تشدوا على احد بسيوفكم ورماحكم، ولا تتقدموا بالحرب على العدو. بل كلِّموهم بلين وعطف. واستمر الوضع على حاله حتى الظهر، حسب ما امرهم علي بن ابي طالب(ع)، ولم يبدأ اي من مقاتلي علي الحرب ضد الطرف الآخر، في حين ان الجهة الثانية من المعسكر المتجحفل في الساحة، كانت تطغى عليها صيحات "يالثارات عثمان". فما كان من الامام علي(ع)، الا ان يرفع يديه للدعاء ويقول: يارب اسألك ان تهلك قاتلي عثمان، وتقمعهم في هذا اليوم".(18) ولما رأى الامام علي انهم لايميلون الى الأمن والسلم، لجأ الى القرآن الكريم وبدأ يتم حجته عليهم، فأخذ المصحف بيده ونادى بأعلى صوته في معسكره: مَن منكم يأخذه هذا المصحف بيده ليدعو المعسكر الثاني اليه، حتى لو استشهد من اجل ذلك؟ فقام احد الشباب وقال انا ياعلي. فكرر الامام علي(ع) دعوته، فقام ذلك الشاب ايضا، فناوله الامام علي(ع) القرآن وشايعه باتجاه معسكر الطرف الآخر، لكن الجيش المتجحفل، لم يمنحه فرصة الكلام، وحملوا عليه حملة رجل واحد وقطعوا يديه، لكنه كان يُواصل دعوتهم الى القرآن حتى أردوه قتيلا.(19)بعد تلك الواقعة قال الامام علي(ع): الآن قد اتممنا الحجة عليهم، وقد وجب علينا منازَلَتهم وقتالهم(20).

• الزبير اول ضحية في قيادة معسكر الجمل:

وعندما تقابل الجيشان، وضع الامام علي(ع) سلاحه على الارض، وركب الفرس الخاص بالنبي الاكرم(ص) ومشى الى جيش الجمل، ودعا الزبير اليه ليُحاوره، اما الزبير فقد جاء اليه بكامل سلاحه، وما ان وصل نبأ هذا اللقاء الى السيدة عائشة، حتى ارتعدت فرائصُها وراحت تصيح: "واحرباه بأسماء" اي انها ستفقد زوجها...!!!. لكن عندما قيل لها ان عليا لايحمل اي سلاح، هدأت واستقرت. وقد وصف المؤرخون لحظة لقاء الزبير والامام علي(ع) واليكم جانبا منها:

عندما وصل الزبير الى الامام علي(ع) تعانقا وقَبَّل بعضهما البعض، ثم قال علي(ع) للزبير: ويحك! لماذا جئت بهذه القوات المتجحفلة الى هذه الارض؟ ولماذا حرَّضت الناس عليّ، وحملت لواء معارضتي؟

فأجابه الزبير: ان سبب تجييش هذه القوات هو الثأر لعثمان، فاجابه الامام علي(ع) قتل الله من قتل عثمان أو ساهم في قتله. ثم ذكّره بقول الرسول الاكرم(ص) الذي قال له ذات يوم: "يازبير كيف بك وانت تُقاتل عليا وانت على باطل؟"فلما سمع الزبير مقولة الرسول(ص)، تذكرها في اعماق قلبه، فاسترجع واستغفر الله، ونَدَم على فِعلته، لكنه قال: لقد جئنا الى هنا ونحن جاهزون للحرب، وقد مضى وقت الفرار، لاننا اغلقنا كل طرق الرجعة، ولم نُبق اي طريق للعودة. فأجابه الامام علي(ع) بالقول: ان تحملت عبئ وعار هزيمة اليوم، افضل من ان تتحملها غداً مع عذاب النار الحريق. فتأثر الزبير من كلام علي(ع)، وراح يسلك طريق التخلي عن الحرب والتراجع عنها. لكن ابنه عبدالله بن الزبير، عندما عرف نوايا اباه، تبعه وقال له: كيف تتركنا ونحن على هذه الحال؟...

يقول المسعودي في تاريخه ان الزبيراجاب ابنه كالآتي: يا عبدالله، لا لم يكن الامر كما تتصور، فهل تعقل ان الخوف منعني من الحرب، إعلم اني قد تذّكرت اليوم قضية نبهتني من غفلتي، وحالت بيني وبين منازلة علي(ع) وجيشه، وهذا ما دفعني للتخلي عن الحرب وقبول عارها، بدلا من اتحمل نار جهنم يوم القيامة. لكنك يا ولدي تظن أني خائف جبان، فأعلم أني سأُزيل هذه الوصمة عني بسيفي ورمحي.بعد هذا الحوارحمل الزبير على ميمنة معسكر الإمام علي(ع) حملة قاتلة، لكن الامام علي(ع) عندما شاهده غضبانٌ موتور، نادى في اصحابه: دعوه، وامهلوه، ولا تلحقوا به اذى، لانه موتور، وقد فقد صوابه. ثم حمل الزبير ثانية على ميسرة معسكر الامام علي(ع) وصاح بأعلى صوته: ايُّ خائف او جبان يُمكن ان يُبرز مثل هذه الشجاعة؟ ثم انسحب جانبا واتخذ سبيل البيداء.قيل ان الزبير عندما وصل الى منزل، نزل من فرسه ليؤدي الصلاة، حمل عليه رجل يدعى "عمرو بن جرموز" وقتله شرقتلة.(21)

• ضحية معسكر واقعة الجمل:

يقول ابن عساكر الدمشقي في كتابه "تاريخ دمشق": ان الامام علي(ع) فعل مع طلحة، كما فعل مع الزبير قبل انطلاق معركة الجمل، اي انه دعا طلحة للحوار وجلس معه وقال له: اسألك بالله عليك هل سمعت حديث رسول الله(ص) حولي حين قال: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"؟ فقال نعم سمعته واتذكره جيدا، فقال علي بن ابي طالب(ع) عجبا لك، فكيف تُريد ان تُقاتلني؟

يقول الطبري في تاريخه ان عليا قال لطلحة: يا طلحة انت قد تركت زوجتك في الدار آمنة هادئة، وجئت بزوجة النبي الى ساحة القتال ونكثت بيعتي!!!... يقول ابن عساكر والذهبي في كتابيهما:ان طلحة كان يصرخ ويصيح في معسكره، ويطلب منهم ان يصمتوا ويسكتوا الا انهم لم يعيروا له اهمية، ما اثار حفيظته حتى قال: اف لمثل هؤلاء القوم الذئاب الذين اصبحوا كفراشات(حطب) نار جهنم.

ويروي كبار المؤرخين كيفية مقتل طلحة في واقعة الجمل(بمن فيهم اليعقوبي وابن عساكر وابن عبدربه وابن عبدالبر في "الاستيعاب" وابن حجر العسقلاني وابن كثير في كامله) كالتالي:ان جيشا الامام علي(ع) وطلحة كانا منهمكين في القتال، وكان مروان احد قادة جيش طلحة فقال: ان لم اغتنم اليوم الفرصة، وانتقم من قاتل عثمان، فمتى احصل على مثل هذه الفرصة؟ ثم اخرج سهما ووضعه في قوسه ورماه باتجاه قائده طلحة، فأصابه. وكان موته اثر النزف الشديد من ذلك الجرح الذي اودى بحياته.

اما ابن سعد يقول في كتابه "الطبقات الكبرى": لما كان طلحة في آخر لحظات حياته قال: والله ان السهم الذي اصابني وانهكني، لم يأتني من معسكر علي بن ابيطالب(ع).

كما ان المؤرخين يؤكدون بأن مقتل طلحة لم يؤثر ادنى تأثير على جيش الجمل، بالرغم من انه كان القائد الثاني للجيش. لأن الراية والقيادة كانت مع الناقة التي تحمل هودج السيدة عائشة، ومع مقتل كبار القادة لم يتأثرالجيشان بل توجه قادته الباقون الى الجمل الذي كان يحمل السيدة عائشة، واستمرت الحرب على اشد ضراوتها.(22) وما ان رأى الامام علي الاوضاع على تلك الحال، حتى تعمم بعمامته السوداء، وجهَّز الجيش، وسلَّم لواءه لمحمد بن الحنفية، ليخوض معركة مصيرية. فاشتد اوار الحرب، واختلط الجيشان، ما ادى لفرار الكثيرين. والذين بقوا وكانوا يشعرون بالخطر والهزيمة الحتمية، استبدلوا ارجوزاتهم التي اعتادوا عليها بالحروب، بشعارات "يالثارات عثمان".

اما معسكر علي فقد كانوا يصرخون "يامحمداه". ثم امرهم الامام علي ان يُرددوا نفس الشعار الذي كان يردده النبي(ص) وينادوا:"يامنصور الامة".(23)وبعد انهيار صفوف الميمنة والميسرة للجيشين واختلاط الحابل بالنابل، بلغت المعركة اشرس اوقاتها، وتمت محاصرة الجمل، وصار ازدحام عجيب حوله. حتى ان الجمل اصبح مرمى للسهام وكاد يكون كالقنفذ، الا انه كان مدجج بالأغطية التي منعت وصول السهام الى بدنه. ثم تم تكليف "يجير" احد اصحاب الامام علي(ع) ليأخذ على عاتقه معالجة امر الجمل، فاصطاد يجير اللحظة المناسبة، ليُعملَ السيف في فخذ الجمل، ويُجبره على البرك، ومن ثم السقوط على الارض، ومع سقوط الجمل، نفر الجمع من حوله، وراح كل من الحاضرين يتجه لجهة، يبتعد فيها عن الجمل، فنادى الامام علي(ع): ياقوم اقطعواحبال الهودج، وابعدوه عن الجمل. فما كان من مقاتلي الامام علي، الا ان يُنفِّذوا اوامره، ويُبعدوا الهودج الذي كانت فيه السيدة عائشة عنالجمل وساحة المعركة. ثم امر الامام بقتل الجمل، و زاد اصحابه في حرقه وذر رماده في البيداء. حيث خاطب الامام علي اصحابه وقال: ان هذا الجمل كان نذير شؤم، وما اشبهه ببقرة بني اسرائيل. لانه اوقع الخلاف وسوء العاقبة بين المسلمين. تحمَّل معسكر الجمل هزيمة نكراء كانت نتيجتها انتهاء واقعة الجمل الدموية. فقال الامام علي(ع) لمحمد بن ابي بكر، (شقيق السيدة عائشة) اذهب الى اختك وادخل خيمتها وتفقد احوالها، وإسألها ان كانت اصيبت بسهم او خدش في المعركة او.... فذهب محمد بن ابي بكر الى اخته، فلما ادخل رأسه في هودجها، سألته عائشة مَن أنت؟ فأجابها محمد: اقرب القريبين اليك، وفي نفس الوقت اعدى اعداء قومك وعشيرتك...!!!فقالت اخته: وهل انت ابن الخثعمية؟(بني خثعم هم قبيلة ام محمد بن ابي بكر) فأجابها: نعم. فقالت له عائشة: فداك ابي وامي، الحمد لله الذي نجّاك من هذه الحرب. بعد ذلك قال لها، ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب يتفقد احوالك ويسأل عنك، و ان كنت تعرضت لجرح او خدش؟ فقالت له، لا انا بخير ولم أتألم كثيرا، سوى اني تعرضت لإصابة خفيفية ولا اُعاني منها.ثم تقدّم الامام علي الى السيدة عائشة وقال لها: ياحميراء، وهل امرك رسول الله ان تخرجي الى هذه الحرب ضدي؟ الم يأمرك زوجك رسول الله(ص) بأن تقري في بيتك؟... هؤلاء جاؤوا بك الى المعركة وجحدوا رسول الله، لانهم تركوا نساءهم في منازلهم آمنة هانئة، وجاءوا بك، انت التي تمثلين عِرض رسول الله وحَرَمه، الى ساحة المعركة. يا عائشة لم حرضت الناس علي وقذفتي ضغينتي في قلوبهم، ليتسببوا بكل هذا العبث والدمار!!!... فما كان من السيدة عائشة، الا ان تتخذ الصمت ازاء الامام، واكتفت بالقول: ياعلى انك قد ظفرت بنا ولك الامر والسلطان، فأنت اجدر بالعفو في مثل هذا الوقت، وبعبارة واحدة قالت له:"ملكت فاسجح".وبعد انتهاء معركة الجمل، جمع الامام علي معسكره واكد لهم ضرورة احترام الطرف الآخر وقال:« نحن نَمُنّ علیهم بشهادة ان لا اله الا الله» اي اننا سنواصل احترامهم، ما داموا ينطقون بشهادة لا اله الا الله.

• إعادة السيدة عائشة الى المدينة المنورة باحترام:

وما ان وضعت حرب الجمل اوزارها واستقرت الاوضاع، طلب الامام علي(ع) من ابن عمه عبدالله بن عباس، ان يذهب الى السيدة عائشة ويُقنعها بالعودة الى المدينة. إلا انها لم تُعر له اهمية، ولم تُقرر العودة الى المدينة المنورة.ثم عمد الامام علي للذهاب بنفسه الى خيمة السيدة عائشة، ليطلب منها العودة الى المدينة المنورة ثانية، لكنه فوجئ بوجود نسوة يندُبن قتلاهن في خيمة عائشة، وكانت بينهن صفية بنت الحارث الثقفي، التي عُرفت بشدة حقدها الدفين للامام علي(ع). فما كان من الامام الا ان يقول لها، انا لا اُوجه لك الملامة على هذا الحقد والعداوة، لاني قتلتُ جدك في معركة بدر، وعمك في معركة احد، وها أنا قد قتلت زوجك في هذه المعركة. فلو اني كنت قاتل اعزتك واحبتك، لكنت قتلت اليوم كل من لجأ الى هذه الخيمة(وكان(ع) يقصد عبدالله بن الزبير ومروان، اللذين لجئا واختفيا فيالمكان الآمن، الذي خصصه الامام نفسه للسيدة عائشة، حتى تعود الى المدينة المنورة). وفي صبيحة اليوم التالي، ارسل الامام علي(ع) ابنه الحسن المجتبى للسيدة عائشة، ليقول لها ان ابي يقول: "قسما بالذي فلق الحبة وبرئ النسمة، قسما بالله الذي خلق الانسان، لو لم تعتزمي الرحيل الى المدينة حالا، سأُنفذ ما خوَّلنيه رسول الله تجاهك". فما ان سمعت عائشة هذا الكلام، حتى نهضت معلنة استعدادها للرحيل الى المدينة. احدى الحاضرات في خيمتها، لما شاهدت ذلك منها تساءلت قائلة: لماذا لم تهتمي بطلب عبدالله بن عباس وحتى بطلب علي نفسه، ولم تقصدي الرحيل الى المدينة؟فماذا حمل لك هذا الشاب من ابيه، حتى قبلتي كلامه وقمتي مسرعة؟!!!. فقالت السيدة عائشة: ان هذا الشاب، هو بقية رسول الله، ويُجسد كل اخلاقه وسماته. فالنظرُ اليه يُذكرني برسول الله (ص)، وكل من اراد ان ينظر الى وجه رسول الله، فلينظر الى هذا الشاب. ومن ناحية اخرى فإن هذا الشاب حمل لي رسالة من ابيه، أرهبني منها، ودفعتني بقبول الحركة فورا. فتمادت تلك المرأة بالسؤال وقالت، فما الذي حمله هذا الشاب من ابيه علي(ع) لك؟ وحالفتها بالقسم لتنقل لها ما كان كما هو؟ فذكرت لها السيدة عائشة، تلك الواقعة التي حدثت في احدى غزوات الرسول(ص)، حيث اوكل النبي الاكرم، امر ازواجه وتطليقهن فيها الى الامام علي(ع)، و شرحتها لها بالتفصيل.(24)

ويقول مؤلف كتاب "العقد الفريد": فلما وافقت عائشة على العودة، جهَّز لها الامام علي متاع العودة، وارسل معها اربعين، وعلى قول سبعين امرأة ترافقها الى المدينة المنورة.كما يقول الطبري في تاريخه: ان علي بن ابيطالب اعطى السيدة عائشة اثني عشر الف درهما، وارسل معها عددا من النسوة والرجال، ليواكبوها في رحلة عودتها الى المدينة المنورة.

اما المسعودي فيقول: ان الامام علي كلف عبدالرحمن بن ابي بكر، ان يصطحب ثلاثين امرأة اخرى، من قبيلة عبد القيس وهَمْدان، ليُرافق شقيقته السيدة عائشة الى المدينة المنورة.(25)

كما ذكر اليعقوبي وابنُ الاعثم في تاريخيهما الخبر ذاته.وما يهمُنا ويُلفت النظر، ويُلزمنا تعلُّم الدروس منه، هو تعامُل الامام علي(ع) مع السيدة عائشة، وكيفية اعادتها الى المدينة بعز واحترام. فقد امر الامام بإعادة ام المؤمنين مع عدد من النسوة الى المدينة، وهن متوشحات بالخمار، هذه الحالة اثارت حفيظة السيدة عائشة، لكن النسوة بعد ما وصلن المدينة المنورة، كشفن عن وجوههن. فلما رأتهن السيدة عائشة، وان كلهن كنَّ من النساء، عرفت مدى احترام وتكريم الامام علي(ع) لنساء النبي(ص)، وايقنت انه يُكِنُّ احتراما لهن اكثر مما كانت تتصور.

• السيدة عائشة بعد واقعة الجمل:

كانت السيدة عائشة دقيقة وعارفة، حيث تمكنت ومن خلال جملة قصيرة ولكنها عاطفية، تستعطف عِطف رجل رؤوف ليعفو عنها، حيث قالت له: [ياعلى انك قد ظفرت بنا ولك الامر والسلطان، فأنت اجدر بالعفو في مثل هذا الوقت، فالآن "ملکت فاسجح"]. وهذه العبارات، تدل على ان السيدة عائشة، كانت تتمتع بطاقة عالية في فن الخطابة والكلام. ويُروى عن السيدة عائشة انها كانت تقول:«ان یوم الجمل لمعترضٌ فی حلقي». كما ان ابن الاثير يروي ان ذات يوم، ذُكرَت واقعةُ يوم الجمل عندها، فتساءلت: فهل ان الناس مازالوا يتذكّرون ذلك اليوم؟ فقيل: نعم، فقالت: كم كُنتُ اتمنى لم اشارك ذلك اليوم في تلك الواقعة...!!! .

كما يذكر المؤرخون ان رجلا يُدعى "مسروة" كان يقول: عندما كانت السيدة عائشة تقرأ الآية الكريمة: "وقرن في بيوتكن"، كانت تبكي كثيرا حتى يبتلُ الخمار الذي عليها.

• عمرو بن العاص وتعامله مع السيدة عائشة:

ذات يوم كان عمرو بن العاص يتكلم مع السيدة عائشة، فقال لها: كم كنتُ اتمنى ان تُقتَلين يوم الجمل، فسألَته لماذا؟ فقال لها: عندها كنتِ انت تلقين حتفك وتدخُلين الجنة، ونحن كنا نتمكن من اتخاذ مقتلك، اكبر ذريعة لمواجهة ومقارعة حزب الامام علي.(26)هذا الكلام الذي صدر عن عمروبن العاص، يدلُ على عمق النوايا والخفايا، التي كان يُكِّنُّها بنو امية، ويفضح الاهداف التي سيّروا حرب الجمل من اجلها، كما يكشف تباعد آراء واهداف الاحزاب المناهضة للامام علي، والتي قرعت طبول الحرب ضده.

كما ينقل التاريخ تعاملا آخر من عمرو بن العاص للسيدة عائشة، وهو قريب من هذا المقام، حيث يُقال: ان ذات يوم تم التطرق لمقتل ذوالثدية على يد امير المؤمنين عند السيد عائشة، فطلبت من الحاضرين ان يُوقعوا محضر هذه الحادثة ويقدموه لها. فيقول المتحدِّث ومن كان يروي الحديث، عندما جاءوا بالمحضر الى السيدة عائشة، نظرت اليه وقالت: لعن الله عمرو بن العاص، كان يدَّعي انه هو الذي قتل ذو الثدية في مصر(27).

اما المؤرخ ابن كثير عندما يروي هذه القصة، يُضيف: عند ذلك اجهشت السيدة عائشة بالبكاء الشديد، وما ان هدأت قالت:"رحم الله عليا، لم يحِد عن الحق طرفة عين ابدأ،وما حدث بيني وبينه، كان كما يحدث بين النساء واُسَرِ ازواجهن". وما يُثير التساؤل هنا، لماذا كان عمرو بن العاص، يطرح مزاعم، وينسبها لنفسه زورا وبهتانا؟ والجواب واضح: اذا راجعنا الاحاديث المنقولة عن الرسول الاكرم(ص) ستتضح الامور وضح النهار. فالعلماء والمؤرخون ينقلون الكثير من الاحاديث التي تذُم ذوالثدية، وتُمَجِّدُ قاتله، وعمرو بن العاص، كان يُريد ان ينسب مدح النبي(ص) لنفسه.

• السيدة عائشة وعلاقتها بذويها وأقربائها:

كانت السيدة عائشة تربطُها علاقة وثيقة بذويها واقربائها، وكانت تهتم بهم كثيرا. احد اسباب ارتباطها بذويها، التطورات التي طرأت على حياتها وحياة اخيها محمد بن ابي بكر. فقد كانا معاً في معارضة عثمان بن عفان اثناء خلافته، لكنهما اختلفا بعد موته. فمحمد بن ابي بكر وقف الى جانب علي بن ابيطالب(ع)، ورافقه في واقعة الجمل وقاتل ضد شقيقته(السيدة عائشة وجيش الجمل)، ولما امره الامام علي ان يتفقد اخته بعد الواقعة، ذهب اليها وقال: انا اقرب من كل اقربائك اليك، وابغضهم اليك. لكنها عندما اطمأنّت من سلامته، حمدت الله سبحانه وتعالى، وعندما سمعت بمقتله في مصر، تألمت كثيرا، وبكتهطويلا، وتكفّلت حياة زوجته وابنها.(28)

عن القاسم بن محمد بن ابي بكر انه كان يقول: عندما كنا عند السيدة عائشة، لم ار اًمّا او والداً اكثر منها حنانا لنا، فقد كانت تعاملنا بلطف ورحمة، وكانت تضعني دائما في حجرها وتتطلف عليّ(29).

• سلوكيات واخلاق السيدة عائشة:

يقول الذهبي، ان السيدة عائشة كانت إمرأة مرهفة، بليغة، و محنّكة وسخية و... وتمتاز بذهنٍ قوي ومرهف، وكانت تحفظُ الكثير من الأشعار والعلوم الطبية التي عاصرتها.وعن ملبسها ومظاهرها يروي ابن سعد صاحب كتاب الطبقات، عن القاسم ابن اخيها محمد بن ابي بكر: انها كانت تلبس ملابس صفراء، وتتختم بخواتيم ذهبية. كما يروى عن عروة بن الزبير ايضا: ان السيدة عائشة كان لها خمار من حرير، وكانت ترتديه بين الحين والآخر، وبالتالي وهبته لإبن شقيقتها (أسماء)عبدالله بن الزبير. كما ينقل القاسم بن محمد بن ابي بكر، ان السيدة عائشة كانت، تحرم بملابس صفراء، فتلبس الثوب الاصفر وتتزين بحلي من الذهب الاصفر ايضا.(30)

ينقل عبدالرحمن بن القاسم، عن امه حيث كانت تقول: رأيت السيدة عائشة، كانت تلبس الملابس الحمراء الصارخة، وهي في طريقها الى الإحرام للحج(31). كما ان التاريخ سجّل الكثير من أمثال هذه الاخبار والقريبة منها، عن احوال وسلوكيات السيدة عائشة.واما عن سخاء السيدة عائشة، تقول ام ذرة التي كانت تتردد عليها دائما: ذات يوم بعثوا بصُرتين كبيرتين من المال للسيدة عائشة، فقالت: اظنُّ انهما تحتويان على ثمانين الف او مئة الف درهم. ثم دعت بطبق، وكانت ذلك اليوم صائمة، وبدأت بتقسيم الاموال، ولما جنَّ عليها الليل، لم يبق درهما واحدا عندها من ذلك المال، فلما حان وقت الافطار، طلبت من وصيفتها ان تحظر لها الافطار، فجاءت لها بشيئ من الخبز وزيت الزيتون. تقول ام ذرة، قلت لها ألم تتمكني من ابقاء شيئا من تلك الاموال التي وزعتيها على الناس، لتشتري لنا لحما لنُعِدّ به طعام الافطار؟ فأجابتها السيدة عائشة: لاتلوميني لو ذكَّرتيني بذلك، لكنت ابقيتُ منه شيئا(32).

وفي خبر آخر عن عروة بن الزبير انه قال: ذات يوم رأيت السيدة عائشة، قسَّمت سبعين الف درهم بين الناس، في حين انها كانت ترتدي ملابس مرقعة، فاغتاض عبدالله بن الزبير من ذلك السخاء وقال: اني لاعتبرها "حشيرا" بعد اليوم. اي انها لاتعرف كيف تتصرف في اموالها (ومن الضروري ان نسلب خيارها من التصرف بالاموال)، كي لا تفعل ذلك ثانية في اموالها. وعندما وصل هذا الكلام الى السيدة عائشة، قالت نذر عليَّ بأن لا اكلِّمَه حتى الموت. لكن عبدالله بن الزبير، بعث الكثير من الشخصيات، ليتوسطوا بينه وبين خالته، فأبت من ذلك، وكانت تقول: والله لن ارتكب هذا الذنب من اجله(اي لا اترك السخاء و أكنز الثروة والاموال). واستمرت القطيعة بينهما لعامين متتاليين، حتى انه ذات يوم، تنكَّر ودخل عليها مع شخصين، واقسم عليها بالقرابة والرحم الذين بينهما ان تُكلِّمَه، وبعد اصرار كثير، وافقت السيدة عائشة على استئناف الكلام معه.(33)

• وفاة السيدة عائشة:

يروي صاحب كتاب"بلاغات النساء" ان السيدة عائشة، كانت قلقة جدا عندما حضرتها المنية، فقيل لها: لماذا كل هذا القلق والانهيار، الم تكوني احدى امهات المؤمنين؟ فقالت: والله ان یوم الجمل لمعترض فی حلقی.(34)

اما الذهبي فيقول في كتابه ميزان الاعتدال: ان السيدة عائشة لما حضرتها المنية قالت: اذا متُ، ادفنوني الى جانب باقي ازواج الرسول الاكرم(ص). ويضيف الذهبي: ان السيدة عائشة توفيت بعد صلاة ركعة الوتر من صلاة الليل لليلة السابعة عشرة من شهر رمضان المبارك، من عام ثمانية وخمسين للهجرة النبوية الشريفة. وقد دُفنت في نفس الليلة حسب وصيتها. فلما كانت تلك الليلة، اجتمع المهاجرون والانصار، وعدد كبير من المؤمنين، حتى اضطروا لحرق سعف وجذوع النخيل لإنارة الطريق. ويقول الراوي: رأيت نساء المدينة، مجتمعات تلك الليلة في مقبرة جنة البقيع، وكأنه يوم عيد، وقد ازدحمت فيه المقبرة لزيارة قبور الاموات.وحينها كان ابو هريرة واليا على المدينة من قبل مروان بن الحكم، فتولى الصلاة على جنازة ام المؤمنين عائشة، حتى تم دفنها الى جانب باقي ازواج النبي(ص) في مقبرة جنة البقيع الغرقد. وكان عُمر السيدة عائشة حين وفاتها ثلاثة وستون عاما وبضعة اشهر(35).

• الشخصية الروائية والفقهية للسيدة عائشة:

هناك الكثير من الاحاديث مروية عن السيدة عائشة، واذا ما راجعنا اهم مصدرين لأتباع مدرسة الخلافة، لوجدنا صحيحي مسلم والبخاري، يزخران بالأحاديث التي تفوق المئتي حديث، منقولة عن الرسول الاكرم(ص) بواسطة السيدة عائشة. حتى ان ابن سعد كان يقول انها كانت تفتي وتُصدر الاراء الفقهية حسب ما تراه من سنة الرسول. كما ان العلامة الراحل السيد مرتضى العسكري، كان يؤكد في كتبه: انها كانت تُذكِّر الصحابة بأخطائهم، وتصحح مساراتهم.وقد ذكر ابن سعد في طبقاته: "ان السيدة عائشة استقلت بالفتوی فی عهد ابی بکر وعمر وعثمان وهلُّم جرا الی ان ماتت".(36) وهذا ان دل على شيئ، فانما يدل على ان السيدة عائشة لم تكن راوية فحسب، بل انها كانت تظهر في مرتبة اصدار الفتوى ايضا.كما ان الروايات والاحاديث المنقولة عنها، تؤكد انها كانت تتطرق الى مواضيع العبادات والمعاملات والقضايا الاجتماعية ايضا. حتى ان بعض الاخبار المنقولة عنها تؤكد انها كانت تتطرق الى القضايا العائلية، ومعايش الاُسَر، اضافة الى تعاملاتها مع باقي ازواج النبي وآله، بمن فيهم فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) واحفاد الرسول الاكرم(ص) وعلي بن ابيطالب(ع). فقد كان كمّاً كبيراً، من الاخبار المنسوبة الى السيدة عائشة، يحتوي على اوصاف واخلاق النبي الاسلام وسجاياه.

• جانب من الاحاديث المنقول عن السيدة عائشة:

الروايات المنقولة عن السيدة عائشة في فضائل ام المؤمنين خديجة الكبرى وعلي بن ابي طالب(ع) وفاطمة الزهراء (س):

1- كانت السيدة عائشة تقول: مازال النبي(ص) يذكر خديجة قبل خروجه من الدار، ولدى عودته اليها يمتدحها، حتى اني ذات يوم وجدته يذكرها ويمتدحها كما في السابق، ولم يألُ جهدا في امتداحها، فساورني الحسد واعترتني الغيرة النسوية، فقلت له: "يارسول الله ما لك مازلت تذكر خديجة؟ الم تكن عجوزا وابدلك الله خيرا منها"؟ فما كان من النبي الا ان ينتفض ويقول:"لا والله، لم يُبدلني بأحسن منها، ولم احصل على افضل منها، فقد آمنت بي حين كفرتم، وصدّقتني حين كذّبتموني، ونصرتني بأموالها وثروتها حين خذلتموني، وولدت لي حين عقمتم". عندها قالت عائشة: "فقطعتُ على نفسي، ان لا اذكر خديجة بسوء بعد ذلك اليوم".

2- ذات يوم قلتُ لرسول الله، ان فاطمة اقبلت، فقمتَ اليها وقبَّلتَها من فمها، وكأنك تريد ان تُلقِمَها شيئاً من العسل؟ فقال(ص): نعم ياعائشة، عندما عرجتُ الى السماء، ادخلني حبيبي جبرائيل الى الجنة، ثم ناولني تُفاحةً من فاكهة الجنة فأكلتُها، فصارت نطفةً في صُلبي، وعندما نزلت الى الارض، اقتربت من خديجة، وان فاطمة من تلك النطفة. فهي حوراءٌ انسية. وكلما اشتقت الى الجنة، قبَّلتُها(37).

3- كان الرسول الاكرم(ص) خارجاً من البيت عند الظهيرة، وعليه كساء(عباءة) صوف من شعر اسود. فجاء الحسن بن علي، فأدخله الرسول تحت كسائه(عباءته)، ثم جاء الحسين(ع) وادخله الرسول ايضا، ثم جاءت فاطمة(س) وضمَّها الرسول اليهما ايضا، ثم جاء علي(ع) فضمه الرسول اليهم ايضا، ثم قال:" إنما یُرید الله لیُذهب عنکم الرجس اهل البیت و یُطهرکم تطهیرا".(38)

4- سألوا السيدة عائشة عن علي(ع)، فقالت: ماذا عساني ان اقول فيه، وهو احبُّ الناس الى رسول الله(ص)؟ فقد رأيتُ رسول الله ضمه وفاطمة والحسن والحسين بعباءته وقال: "ان هؤلاء اهل بيتي، اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". فقيل لها اذا كان كذلك فلماذا خرجت عليه؟ فقالت: انا نادمة من ذلك، وتلك هي قسمتي(39).

5- يروي عبدالله بن موسى، عن زكريا بن ابي فراس عن مسروق عن عائشة انها قالت: والله الذي لا معبود سواه، ان مَشي فاطمة لايختلف عن مشي ابيها ابدا، فكلما كان يراها رسول الله(ص) تمشي، كان يقول: مرحبا بك يا بنيتي، فاطمة، ثم يقول:"الا ترضين بأنك سيدة النساء المؤمنات أو نساء امتي في يوم القيامة؟"

6- ذات يوم قالت السيدة عائشة لفاطمة: "الا يُفرحك بأني سمعت رسول الله(ص) يقول: ان سيدات نساء الجنة اربع نسوة، هنَّ: مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد(ص) وخديجة بنت خويلد، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون."

7- يُروى عن السيدة عائشة انها قالت:"عندما كان يعود رسول الله من السفر، كان يُقبِّل فاطمة ويقول: اني لأشُمُّ منها رائحة الجنة"8

8- روي عن عائشة انها قالت: قال رسول الله(ص) لفاطمة: ان جبرائيل اخبرني بانَّك ستُصابين بمصائب لا تُصيب ايا من نساء العالم. فعليك ان تصبري، ولا يكن صبرُك اقلَّ من اقلهن صبرا".(40)

9- تقول السيدة عائشة:" بالتأكيد لااصدَقَ من فاطمة سوى ابيها."(41)

10- يروى عن السيدة عائشة، انها قالت: لم ارَ احداً اشبه من فاطمة بأبيها في الكلام والحديث. فإذا دخلت فاطمة في محفلٍ ما، قام لها والدها وقبَّل يدها ورحَّب بها. كما انها كانت تُعامل النبي(ص) بنفس الاسلوب.

11- لما مرض النبي الاكرم(ص) مرضه الاخير، كنّا عنده ونُراقبه بدقة، ولما جاءت فاطمة كانت تمشي مثل ابيها، ولايختلف مشيها عن مشيه، ولما رآها رحَّب بها وقال: اهلا بك يا بنيتي، واجلسها الى جانبه. ثم اسرَّها سِرّا، وصارت تبكي، فقلت لها: يافاطمة ان الرسول خصك بهذا السِر، فلماذا تبكين؟ ثم أسرّها مرة اخرى، فاذا بها تبتسم. فقالت عائشة: قلت لفاطمة: اقسم عليك بالحق الذي لي عليك، قولي لي، ماذا قال رسول الله(ص) لك؟ فقالت فاطمة(س) انا لا ابوح بأسرار رسول الله(ص). فقالت عائشة: لما رحل الرسول الاكرم(ص)، سألت فاطمة عن ذلك السر، فقالت فاطمة: الان اُخبرك به. امادليل بكائي ان النبي الاعظم(ص) قال لها ان جبرائيل كان يُنزل القرآن عليه مرة كل عام، لكنه انزله عليه هذا العام مرتين، مايُؤكد قُرب اجله(ص)، وهذا ما ابكاني. ثم قال: اصبري واتقي الله، ألا ترضين انك بصبرك على المصائب ستكوني سيدة نساء امتي؟ فابتسمت لذلك؟

12- وتقول السيدة عائشة: دخلت فاطمة(س) ولاتختلف خطواتها عن خطوات ابيها رسول الله(ص)، حتى قال النبي(ص) اهلا بك يا بنيتي. ثم هَمس في اُذنها، فبكت، ثم ابتسمت. وعندما سؤلت عن سبب بكائها وابتسامتها، قالت: "بكائي كان لرحيل رسول الله(ص)، وابتسامتي كانت، بأنه بشّرني بأني اول من سيلحق به". (42)

13- تروي السيدة عائشة عن النبي(ص)حيث كان يقول: "فاطمة بضعةٌ مني، فمن آذاها فقد آذاني"(43).14

14- قالت عائشة:سمعت من رسول الله(ص) انه قال: يوم القيامة يُنادي المنادي: يا معشر الجن والانس، غضوا ابصاركم، وطأطئوا برؤوسكم، لتجتاز فاطمة(س) بنت محمد(ص) الصراط.(44)

15- روي عن السيدة عائشة: ان فاطمة(س) كانت احبُّ النساء الى رسول الله(ص)، وكان زوجُها علي (ع) احبُّ الرجال اليه ايضا.

16- روت عائشة: ان رسول الله(ص) قال: عليٌ مع الحق والحقُ مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.(45)

17- قالت عائشة: لطالما رأيت ابا بكر يُمعِنُ النظر في وجه عليّ، فقلت: يا أبتاه ما لي اراك تُحدِّقُ في وجه علي كثيراً؟ فقال يابنيتي، سمعتُ من رسول الله(ص) انه قال: النظرُ الى وجه علي عبادة.(46)

18- يروي الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه (الاصابة في معرفة الصحابة ج8، ص 183)ان ليلا الغفاري كانت تقول: كنتُ احضر مع النبي الغزوات والحروب، لاقوم بمعالجة الجرحى. فلما عزم عليٌ بجيشه الى البصرة كنتُ معه ايضا. ثم رأيتُ عائشة، فذهبت اليها وسألتها: وهل سمعتي كلاما من النبي(ص) في فضل علي؟ فقالت نعم، فقد كنتُ ذات يوم جالسة مع النبي، فدخل عليٌ على النبي، وجلس بيني وبين النبي، فقلت له الم تجد مكانا اكثر وسعا لتجلس فيه؟ فقال رسول الله(ص):"اتركي اخي لي، والله انه اول من آمن بي وسيكونُ اول من يلتقي بي يوم القيامة".

19- قالت السيدة عائشة: كنت جالسة مع النبي(ص) اذ دخل علينا علي بن ابي طالب، فقال النبي(ص) يا عائشة ان هذا سيد العرب. فقلت يا رسول الله الم تكن ان سيد العرب؟ فقال(ص): انا سيد وُلد آدم وهذا هو سيد العرب.(47)

20- يروي الصنعاني في كتابه "الفضائل" عن عكرمة، ان السيدة عائشة قالت:"كلما كانت فاطمة تدخل على رسول الله(ص)كان يقوم من مكانه، ويُقبّلها في جبهتها ورأسها، ثم يُجلسها في مكانه، وكلما ذهب اليها ابوها كانت تستقبله ويتعانقان ويُقبل بعضهما البعض، ثم يجلسان معا".

21- قالت السيدة عائشة: قال رسول الله(ص): "افضلُ اخواني علي بن ابيطالب وافضل عمومتي الحمزة بن عبدالمطلب.(48)

22- يروى عن السيدة عائشة، ان الرسول الاكرم(ص) قال: السابقون هم ثلاثة، السابق ليُدرك موسى(ع) وهو يوشع بن نون، والسابق لعيسى(ع) وهو صاحب يس(ياسين) والسابق لمحمد(ص) هو علي بن ابي طالب.(49)

23- قالت عائشة: ذات يوم كنا مع رسول الله(ص)، فسألت فاطمة رسول الله وقالت: روحي فداك يا رسول الله، ماذا ترى في مستقبلي؟ فقال(ص) انت افضل نساء العالم. فقالت يارسول الله وماذا رأيت لابن عمي؟ فقال: انه لايُقاس به مخلوق من عباد الله.(50)

24- روي عن السيدة عائشة انها كانت تقول: "ان علي بن ابي طالب اعلمكم بالسنة".(51)

25- روي عن السيدة عائشة انها قالت: "ان النبي كان يُقبِّلُ فاطمة في (عُرفها) جبهتها كثيرا".(52)

26- يروى عن عائشة انها قالت: ان الله لم يخلُق بشرا، احبُّ من علي بن ابي طالب الى رسوله(53).

27- قالت السيدة عائشة: ذات يوم كان علي بن ابي طالب يدخل علينا فقال(ص): ان هذا سيد ومولى المسلمين. فقلت يا رسول الله الم تكن انت سيد ومولى المسلمين؟ فقال(ص): انا خاتم الانبياء ورسول الله الى العالمين.(54)

 

• واليكم بعض الروايات المنقولة عن السيدة عائشة في المجالات المختلفة:

1- يروي عمرة عن السيدة عائشة انها كانت تقول: سمعت رسول الله يقول: من يزر قبر ابيه وامه او احدهما يوم الجمعة، ويقرأ سورة يس عند القبر، فإن الله سيغفر له بعدد احرف السورة.(رواه الطبراني وابن عدي والديلمي)

2- روت السيدة عائشة عن رسول الله(ص): ذات يوم جاءه رجل مع شخص آخر طاعنٌ في السن، فسأله النبي(ص)، من هذا الذي معك؟ فقال له انه ابي. فقال: اذاً لا تتقدم عليه في المشي، و لا تجلس قبله، ولا تُخاطبه بإسمه، ولاتفعل شيئا يُسبب السب والشتم له.(الهيثمي)

3- روى عمرة عن السيدة عائشة، انها روت عن رسول الله حيث كان يقول: ان صلة الارحام، وحُسن الخلق، والجيرة الحسنة، يعمران الارض ويُطوِّلان العمر.(مسند احمد والبيهقي)

4- روت السيدة عائشة عن الرسول الاكرم(ص) أنها سألته ذات يوم: مَن هو الذي له الحق الاكبر على المرأة؟ فقال(ص): زوجها، فقالت مَن الذي له الحق الاكبر على الرجل؟ فقال(ص): امه (رواهحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين).

5- روى عروة بن الزبير عن السيدة عائشة، ان رسول الله (ص) قال: ياعائشة اذا اقترفت ذنبا، استغفري الله، لأن التوبة من الذنوب، ابداء الندم والاستغفار.(رواه احمد ومسلم والبخاري)

6- روى عبدالله بن الزبير عن السيدة عائشة عن النبي(ص)انه قال: ان الرضاعة مرة او مرتين لاتجلب الحلية،(رواه ابن ماجة ومسلم وابو داوود والنسائي واحمد والدارقطني)

7- روت دلال بنت ابوالمدل، ان الصهباء روت عن السيدة عائشة وقالت لنا: سألت الرسول الاكرم(ص) ماهو حدُ الجيرة؟ فقال اربعين منزلا. (رواه البيهقي)

8- يروي عروة بن الزبير، عن السيدة عائشة عن رسول الله(ص) انه قال: لاينام المؤمن شبعانا، وجاره جائع.(=او من نام شبعانا وجيرانُه جائع فليس بمؤمن، رواه المنذري)

9- يروي الاسود عن السيدة عائشة انها سمع عن رسول الله (ص): لا تُعط للمسكين ما لاتأكل. (رواه احمد في مسنده)

10- تروي السيدة عائشة عن النبي الاكرم(ص) ان قال: الارض لمن احياها، وهو اولى بها من غيره، ولا يملكها سواه.(رواه البخاري والنسائي واحمد)

11- يروي هشام بن عروة عن ابيه الزبير عن السيدة عائشة عن النبي(ص) انه كان يقول: النكاح سنتي(وسبيلي)، فمن رغب عن سنتي فليس مني(فليس من امتي)، فتناكحوا وتناسلوا حتى اُباهي بكم الامم ولو بسقط، وان كنتم ذوي مال وسعة، فتناحكوا وتزاوجوا، وان كنتم في عسرة مالية، فصوموا واتخذوا الصيام درعا داعما لكم(رواه ابن ماجة والدارمي).

12- يروي عروة بن الزبير عن السيدة عائشة عن النبي(ص)انه قال: ان الله ينظر لعباده في ليلة النصف من شعبان، ويغفر للمستغفرين منهم، وينشر رحمته على من يطلبها، ويترك الحاقدين على حالهم(رواه البيهقي).

13- يقول ابن ابي مليكة: قيل للسيدة عائشة أن إمرأة تنتعل خفين، فقالت: ان رسول الله لعن النساء اللواتي يتشبهن بالرجال(رواه ابو داوود في سننه).

14- روت السيدة عائشة عن رسول الله (ص) انه قال: "افضل نساء امتي، احسنهن خلقا و اقلهن مهرا"(رواه بن عدي).

15- روى جابر بن عبدالله الانصاري عن السيدة عائشة عن رسول الله، انه قال: ثلاثة تجلي الانظار وتُقوّي الابصار وهي الماء والخضراء والوجه الحسن.(رواه ابو نعيم)

16- روت السيدة عائشة عن النبي(ص) انه قال: عَفّوا انفسكم، تعفَّ نساءكم، وتزكوا و احترموا آباءكم، كي يحترمكم ابناءكم ويُحسنوا التعامل معكم، وان اعتذر احدكم لاخيه المسلم ازاء خطأ ارتكبه تجاهه، ولم يقبل اخيه اعتذاره، فانه لن يَرد علي الحوض(رواه الطبراني).

17- روى القاسم بن محمد بن ابي بكر عن السيدة عائشة عن رسول الله(ص) انه قال: "احب الاعمال الى الله اكثرها استمرارا مهما صَغُر العمل."

18- روى هشام بن عروة عن ابيه الزبير عن السيدة عائشة عن النبي(ص) ان الله عزوجل يقول: "ان لعبدي عهد علي، فإذا اقام الصلاة في وقتها، لا اُعذِّبه واُدخله الجنة دون حساب". (رواه حاكم النيسابوري)

19- روى هشام عن ابيه عن السيدة عائشة عن النبي(ص) انه قال:" ان الله اوجب على عبده الصلاة في خمس اوقات".(رواه الطبراني)

20- روى سعد بن هشام عن السيدة عائشة ان الرسول الاكرم(ص) كان يقول: "ان ركعتي صلاة الصبح افضل من الدنيا وما فيها."(رواه مسلم والترمذي والنسائي)

---------------------

الهوامش:

1- مسند احمد 6/147

2- مسند احمد 6/151

3- مسند احمد 6/221 حسب رواية قيس بن مخرمة بن الزبير

4- مسند احمد 6/115 حسب رواية عروة بن الزبير

5- راجع صحيح مسلم باب الغيرة(لتجد الكثير من النصوص القريبة من ذلك)

6- مسند احمد 6/111 ، كنزالعمال 3/44 و 4/44

7- مسند احمد (6/277 و144)، النسائي (2/148 و159) وهامش السيرة الحلبية (283-284).

8- الطبقات الكبرى لابن سعد (8/375)

9- طبقات ابن سعد (8/67)، والاصابة في معرفة الصحابة(71 و 75)، وكنز العمال (7/116)، وتاريخ الطبري (4/161)

10- انساب الاشراف للبلاذري (5/29 و 30)

11- اغانيج (4/181)

12- ندعو القراء الاعزاء مراجعة تاريخ الطبري، للوقوف اكثر على احوال واخبار التيارات المصرية وعبدالله بن ابي سرح، وكذلك الكامل لابن اثير وكتاب البلادري وباقي الكتب التاريخية للمذاهب الاسلامية الاربعة، اضافة الى مصادر الامامية في هذا المجال.

13- انساب الاشراف 5/78 ، تاريخ الطبري 5/154، الكامل في التاريخ لابن اثير3/64

14- تاريخ الطبري 5/143، الكامل لابن اثير3/76 ، ابن عثيم 159، الرياض النضره 2/131 – 132

15- تاريخ اليعقوبي باب "بيعة الامام علي" 126

16- الاغاني لابي فرج الاصفهاني 9/142

17- التهذيب لابن عساكر 7/400، وشرح نهج البلاغه 4/482-483

18- المستدرك على الصحيحين لحاكم النيسابوري ج 3/371، وكنزالعمال ج6/85 الحديث 1311

19- كنزالعمال ج 6/85 الحديث 1313، تاريخ الطبري ج 5/205، الكامل لابن اثير ج 2/104

20- تاريخ الطبري ج 5/24 ، ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2/431

21- تاريخ الطبري 5/199 و204 – الاغاني لابي فرج الاصفهاني1/126 – ابو مخنف عن ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة 1/78 – تاريخ الاعثم – مروج الذهب، وتهذيب التاريخ لابن عساكر 364 – المستدرك على الصحيحين لحاكم النيسابوري 3/366 – 367 – سيرة اعلام النبلاء، للذهبي 1/38 – 39 ، والاصابه في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني 1/527

22- تاريخ الطبري 5/204 ، تاريخ اليعقوبي 2/158 ، تاريخ ابن عساكر 7/84 – 87 ، الأصابة في معرفة الصحابة 2/222، العقد الفريد لابن عبدربه 4/321

23- شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد المعتزلي 1/87

24- التفاصيل الوافية للواقعة وجواب السيدة عائشة تجدها في ترجمة الفتوح لابن الاعثم 2/339 – 340 .

25- العقد الفريد 4/328 – 329 ، تاريخ الاعثم 182 ، تاريخ اليعقوبي ج 2/213 ، مروج الذهب 5/197

26- المستدرك على الصحيحين لحاكم النيسابوري 4/13، سيرة اعلام النبلاء 2/141، تاريخ ابن كثير 8/303

27- تاريخ ابن كثير 8/303

28- التمهيد والبيان 209 ، تذكرة خواص الأمة 114

29- الأغاني لابي فرج الاصفهاني 21/10- 9

30- ترجمة السيدة عائشة في الطبقات الكبرى لابن سعد وسيرة اعلام النبلاء.

31- الطبقات الكبرى لابن سعد ترجمة السيدة عائشة

32- سيرة اعلام النبلاء ج 2/131

33- حلية الاولياء ج 2/49 - 47

34- صحیح البخاری ج 3/11، الطبقات الكبرى ج 8/51

35- سیرة اعلام النبلاء ج2/136

36- الطبقات الكبرى لابن سعد ج 8/375

37- كتاب الخطيب بغدادي

38- المستدرك على الصحيحين لحاكم النيشابوري ج 4 ص 1883

39- المحاسن والمساوئ للشيخ ابراهيم بن محمد البيهقي - ص 338 طبعة بيروت

40- فتح الباري في شرح البخاري لابن حجرالعسقلاني الجزء 9 ص 201

41- وثيقة ابويعلي الموصلي الجزء 8 ص 103 طبعة دمشق

42- صحيح البخاري الجزء 4 ص 47 طبعة مصر.

43- ينابيع المودة للحافظ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي المتوفى عام 1294 هـ. ق. ص 260 طبعة اسطنبول.

44- تاريخ الحافظ احمد ابن علي المعروف بـ "الخطيب البغدادي" المجلد 8 ص 141 طبعة بيروت.

45- روایة ابي بکر، احمد بن موسی بن مردویه بتوثيق محمد ابن ابی بکر.

46- الحافظ المغازلی في المناقب ص 210 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزُهری عن عروة بن الزبير

47- تاريخ ابن عساکر الدمشقي ج2، ص261

48- الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني ص124

49- ابن حجر في الصواعق المحرقة عن الدیلمی،(و الطبرانی و ابن مردویه عن ابن عباس)

50- کتاب (الأربعین، ص43) للحافظ محمد بن ابی الفوارس

51- ابن عساکر في ترجمة کتاب (الإمام علی،ج3،ص)

52- العلامه الحافظ علاء الدین في کنز العمال،ج7،ص116، الحدیث18335

53- الحافظ ابو عبد الله محمد بن یوسف الکنجی الشافعی في کفایة الطالب ، ص324

54- ابن عساکر في ترجمة الامام علي باب تاريخ دمشق،ج2، ص263، ويذكر فيه سلسلة الوثائق المنقولة عن ابي جعفر بن ابي مغيرة عن ابن البزي

تم اعداد الموضوع: بمساعدة عدد من باحثي الموقع والشكر الخاص موصول للسيدة مريم حكيم.

قراءة 18952 مرة
المزيد في هذه الفئة: « سيرة جناب "أم سلمة"