الدرس الثاني: نسبة الشيعة إلی السبئية

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الدرس الثاني: نسبة الشيعة إلی السبئية

الدرس الثاني: نسبة الشيعة إلی السبئية ([1])
إنّ الذي يريد التعرُّف على حقيقة عبدالله بن سبأ، ومن الذي صنعه ونسبه إلی الشيعة سيجد أنّه ولد من روايات الطبري التي تستند في هذا الموضوع على سيف بن عمر والسَري بن يحيى وتقول عنهما كتب التراجم: أنَّهما من الوضاعين والزنادقة و رواياتهما ساقطة، وكل من كتب عن عبدالله بن سبأ فهو عيال على الطبري وعنه أخذ وإليه استند([2]).ولذا للتعرف على هوية عبدالله بن سبأ سنبدأ بالمنبع الأساس وهو تاريخ الطبري ثمَّ باقي المصادر.

 نقل أبو زهرة قول الطبري فيما يتعلَّق بإبن سبأ فقال:« كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء اُمه سوداء فأسلم أيام عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر...» ([3]). وقال فريد وجدي: «السبائية أتباع عبدالله بن سبأ الذي غلا في الإِنتصار لعليٍّ وزعم أنّه كان نبياً ثم غلا فزعم أنّه الله ودعا إلى ذلك قوماً من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعليٍّ فأمر بإحراق قوم منهم، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتقض عليه قوم فنفى ابن سبأ للمدائن،...وكان ابن السوداء في الأصل يهودياً من أهل الحيرة فأظهر الإِسلام... ([4]).

وبين هذين المقتطفتين للطبري ولفريد وجدي ماتری من الفروق وخصائص قد تتضارب،  بهذه المضامين المتضاربة كتب كل من أحمد عطية في کتابه القاموس الإسلامي وأحمد أمين في کتابه فجر الإِسلام، والزركلي في الأعلام ([5]). و هذا الإِضطراب في الصورة المرسومة لعبدالله بن سبأ أيقظ الباحثين ودفعهم لإِلقاء الضوء على هذه الشخصية، وبدأ الواقع ينکشف والأهداف تتضح من وراء اُسطورة ابن سبأ، وحتى تعرف أنّ قصة عبدالله بن سبأ وضعت ضدّ الشيعة و هي جزء من المخططات للنيل من الشيعة سنذكر لك آراء بعض الباحثين في هذه المسألة ثمَّ نذكر الأدلة علی وهمية عبدالله بن سبأ وأنَّه لاحقيقة له ولا وجود له في الخارج ، ثمَّ أنت حکِّم عقلک أيُّها القارئ

آراء الباحثين في قصة عبدالله بن سبأ
استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ ومزقها بعد تحليل دقيق وانتهى إلى أنّ ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالاُمور التالية:

أولاً:إنّ كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبدالله بن سبأ و لم يذكروا عنها شيئاً.

ثانياً:إنّ المصدر الوحيد عنه سيف بن عمر وهو رجل معروف بلكذب .

ثالثاً:إنّ الاُمور التي اُسندت إلى عبدالله بن سبأ تستلزم نسبة معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبدالله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض: في منتهى البلاهة والبساطة.

رابعاً:عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، وعمار وغيرهم.

خامساً:قصة الإحراق وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإِحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر.

سادساً:عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النّهروان.

 وقد انتهى طه حسين إلى القول: بأنّ ابن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج ([6]).ويشترك مع طه حسين كثير من المستشرقين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ منهم: فلهوزن:ذهب إلى أنّ المؤامرة والدعوة والفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين، وقد محص النصوص ودرس الموضوع وقام بتحليل دقيق  ([7]).

وقال محمد كرد علي في خطط الشام:أما ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة علم بتحقيق مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك علم مبلغ هذا القول من الصواب([8]).

وبعد هذه الجولة في الآراء اتضح أنّه لا وجود لابن سبأ وأنّ كل هذه الاُمور تجعل حديث ابن سبأ حديث خرافة، وشخصية وهمية وإنَّما اختُرع ليوصنع منه مصدر لعقائد الشيعة كلها كما جعله مصدراً لعقائد الشيعة كل من محيي الدين عبدالحميد في تعليقته على كتاب مقالات الإِسلاميين وعلى سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي ([9]).

عبدالله بن سبأ شخصية وهمية
إنّ عبدالله بن سبأ لاحقيقة له ولا وجود له في الخارج وإنَّما هوشخصية وهمية مخترعة من قبل أعداء الشيعة وندلل على وهميتها بالاُمور التالية:

 1 ـ إنّ رواية قصة عبدالله بن سبأ رواها الطبري عن الوضاعين و الكذابين أمثال سيف بن عمر والسري بن يحيى كما أسلفنا فيما مرَّ ، ولم تذکرها المصادر الصحيحة  كالبلاذري وابن سعد وغيرهما ممن يعتد بتاريخهم.

2 ـ الإختلاف في أنّه هو ابن السوداء أم لا مع أنّ الذي قام بكل المصائب هو ابن السوداء، وابن طاهر والإِسفرايني يقولان إن ابن السوداء شخص آخر شارك عبدالله بن سبأ بمقالته. والدكتوران علي الوردي وكامل الشيبي قالا: إنَّ هذا اللقب کان لعمَّاربن ياسر حيث کانت اُمّه سوداء ، وقد رمزت له قريش بابن السوداء ولم تصرح باسمه لأنّ له ثقلاً ومركزاً بين الصحابة وكان على رأس الثائرين على عثمان، فلم ترد قريش أن تضعه مقابل عثمان وبجانب عليٍّ لأنّه يرجّح كفة عليٍّ  فرمزوا له وسموه بابن السوداء .

3 ـ الإِختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنّه ظهر أيام عثمان بينما يذهب جماعة آخرون إلى أنّه ظهر أيام عليٍّ (ع) أو بعد موته ومن هؤلاء:سعد بن عبدالله الأشعري في كتابه المقالات والفرق ، وابن طاهر في الفَرق بين الفِرق ،وغيرهما .

4 ـ الإضطراب في الروايات في أصل دعوته بحيث إنّ بعض الروايات ذكرت أنّه كان مقتصراً على الإِشادة بفضل عليٍّ (ع) فقط في حين ذهب آخرون إلى أنه كان يحرِّض على قتل عثمان ويدس الدسائس وهو الذي دفع أبا ذر للثورة إمَّا على معاوية أو على عثمان بروايات اُخرى.

5 ـ لم يعلل لنا واضعوا خرافة ابن سبأ لماذا سكت عنه عثمان وولاته مع أنّهم ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة والقسوة وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم.

لماذا تنسب الشيعة لابن سبأ ؟
هناك سبب مهم دفع إلى خلق عبدالله بن سبأ أشار إليه الدكتور أحمد محمود صبحي في کتاب (نظرية الإمامة ) وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبدالله بن سبأ. قال الدكتور أحمد صبحي:  «ويبدو أنّ مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين، فلقد حدثت في الإِسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوجة الرسول، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، أن يبتلي تاريخ الإِسلام هذه الإِبتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وشاركوا في وضع اُسس الإِسلام، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد، ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء أبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بلاءً حسناً، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ فهو الذي أثار الفتنة التي أدت لقتل عثمان، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الإِلتحام على حين غفلة من عليٍّ وطلحة والزبير، أما في التاريخ الفكري فعلى عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإِسلام بظهور الشيعة»([10]).

هذا هو تفسير مبالغة كتّاب الفرق وأصحاب المذاهب لا سيما السلفيين في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ، ولكن أليس عجيباً  أن يلعب هذا الدور کلَّه عبدالله بن سبأ فيحرِّك تاريخ الإِسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تم عليه وكبار الصحابة شهود ؟.

خلاصة الکلام

 إنّ الهدف الأول من صُنع فرية عبدالله بن سبأ هو تبريرأعمال عثمان وتبرئته ممَّا يقولون في حقِّه وأنّه قتل بتحريض من السبائية لا أنّه صنع أشياء نقم فيها عليه المسلمون واشتركوا في قتله. والهدف الثاني من صُنع اُکذوبة عبدالله بن سبأ تشويه سمعة الشيعة بأنّ عقائدها لا سند لها من الإِسلام والکتاب والسنة، وإنَّما هي من هذا اليهودي العبقري عبدالله بن سبأ . وهذا هو الإفتراء البيِّن الذي ساق المستشرقين وتلاميذهم إلى نسبة الشيعة إلی عبدالله بن سبأ  ولم يکتفوا بذلک فتعال معنا لنبحث إفتراءآخر منهم وهو رميهم التشيُّع بالفارسية والشعوبية! .


الهوامش:

([1])  إقتباس من کتاب (هوية التشيُّع )للدکتور الشيخ الوائلي، وموسوعة «الملل والنحل»  لآية الله السبحاني مع تصرف في العبارات وتلخيص وإضافات .
([2])   راجع تهذيب التهذيب لابن حجر4:295، لسان الميزان3: 12، والغدير للأميني8: 68 ،و9: 218.
([3])  تاريخ المذاهب الإِسلامية1: 32.   
([4])  دائرة معارف القرن العشرين5: 17.
([5])  انظر القاموس الإِسلامي3: 222، فجر الإِسلام: 276 ، التمهيد والبيان: 96، والأعلام للزركلي 4: 220.
([6])  الفتنة الكبرى لطه حسين: فصل ابن سبأ.  
([7])  انظر آراء المستشرقين المذكورة في نظرية الإِمامة لأحمد محمود:37.
([8])  خطط الشام 6: 251.
([9])  نشأة الفكر الفلسفي :28.
([10])  نظرية الإِمامة :39.

قراءة 3481 مرة