الدرس السادس: الفرقة الإسماعيلية وعقائدها

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الدرس السادس: الفرقة الإسماعيلية وعقائدها

من الفرق الثلاثة الشيعية المشهورة هي الفرقة الإسماعيلية التي لازال لها أتباع خاصة في الحجاز وسورية ولبنان وأفغانستان والهند وغيرها من البلدان، وجاء الدور لکي نتعرف علی هذه الفرقة و تاريخها وعقائدها وإنشعاباتها.

تاريخ الفرقة الإسماعيلية وعقائدها
إنَّ الدعوة الإسماعيلية، ليست سوى استمراراً لتلك الحركة الباطنية التي تزعّمها أبو زينب محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الأسدي وزملاؤه، نظير: المغيرة بن سعيد، وبشار الشُعيري وغيرهم، وقد اشتهروا بالخطَّابية، وکان ذلک في زمن الإمام الصادق(ع) وقد تبرّأ منهم الإمام(ع) على رؤوس الأشهاد،لأنَّهم قد أغروا جماعة من شيعة أئمّة أهل البيت(ع). وأتباع أبي الخطّاب كانوا يقولون: ينبغي أن يكون في كلّ وقت إمام ناطق وآخر صامت فكان النبي(ص) ناطقاً، ثمّ صار علي بعده ناطقاً. وهكذا يقولون في الأئمة، وكان أبو الخطّاب في وقته إماماً صامتاً وصار بعده ناطقاً، وكانت الخطّابية تؤوّل الآيات إلى مفاهيم غير مفهومة من ظواهر الآيات والروايات، حتى أنّه أوّل الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنّها رجال([1]).

و الخطّابية بعد قتل زعيمهم أبي الخطّاب وحَرقه علی يد عيسى بن موسى العباسي على شاطئ الفرات، توجهوا إلى محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق(ع) فقالوا بإمامته وأقاموا عليها، وقد استغلوا إمامة محمد بن إسماعيل لبثِّ آرائهم، فتحولت الخطّابية إلى الإسماعيلية، واستمروا بالتأويل والغلوا في أئمتهم حتَّی أصبح التأويل من أرکان عقيدتهم ولذا اشتهروا بالباطنية، وقد لُقِّبوا بالملاحدة، واُطلق عليهم إسم السبعية أيضاً: قال المحقّق الطوسي: إنّما سُمُّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، والباطنية لقولهم: كلّ ظاهر فله باطن، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّاما هو مثل السراب، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له، ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الأحوال ([2]). وأمّا تسميتهم بالسبعية، لأنّهم قالوا: إنّما الأئمّة تدور على سبعة سبعة، كأيام الأُسبوع، والسماوات السبع، والكواكب السبع([3]).

فِرَق الإسماعيلية وأئمتهم ([4]).
إنَّ الإسماعيلية في بداية نشأتها كانت فرقة واحدة، فانشقَّت إلى أربعة فِرَق: قرامطة، ودروز، ومستعلية المعروفون بالبُهرة بقسميها (الداودية وسليمانية)، ونزارية بقسميها (المؤمنية والقاسمية المعروفة بالآغاخانية) وسيوافيك تفصيلها:

1- فرقة القرامطة:
فرقة القرامطة قائلة بإمامة محمد بن إسماعيل ابن الإمام الصادق و غيبته، ثمّ دخلت الإمامة في كهف الاستتارعندهم ،وهؤلاء کانوا يعيشون ويحکمون في جنوب العراق والبحرين والقطيف والأحساء، وکانت نشأتهم في بداية القرن الثالث ونهايتهم في نهاية القرن الخامس. ويقول مؤلّف «البحرين عِبر التاريخ»: إنّ حمدان قرمط ابن الأشعث، هو مؤسّس حركة القرمطيين في واسط بين الكوفة والبصرة- حيث أنشأ داراً للهجرة، وجعلها مركزاً لبث الدّعوة، ثمّ كلّف دعاته بإنشاء فروع للحركة، أهمّها على الإطلاق فرعُ البحرين الذي أقامه أبو سعيد الجنابي.

و قال النوبختي: إنّما سُمّيت بهذا لرئيس لهم من أهل السواد (العراق) من أهل الأنباط كان يلقب «قرمطويه» وكانوا في الأصل على‏ مقالة المباركيّة، ثمّ خالفوهم، فقالوا لا يكون بعد محمد النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلّا سبعة أئمّة، علي بن أبي طالب وهو إمامٌ رسولٌ، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر، وهو الإمام القائم المهدي، وهو رسولٌ ([5]).

2- فرقة الدَروز:
 الدَروز هي جمع الدَرزي، والعامة تتكلّم بضم الدال، والصحيح هو فتحها. والظاهر انّ الكلمة فارسية بمعنى الخياط، وهؤلاء يسوقون الإمامة إلى الإمام الحادي عشر الحاكم بأمر اللَّه، ثمّ يقولون بغيبته وينتظرون ظهوره، ويبالغون فيه حيث يعتقدون بتجلي الله فيه، وهم فرقة من الباطنية لهم عقائد سرية متفرقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب. ولم يكتب عن الدروز شي‏ء يصح الاعتماد عليه ولا هم من الطوائف التي تنشر عقائدها حتى يجد الباحث ما يعتمد عليه من الوثائق، وبحسب ماجاء في دائرة المعارف لبطرس البستاني فهم ينقسمون باعتبار الطريقة المذهبية إلى قسمين:

القسم الأول: الطائعون ويعرفون بالعُقَّال، وهم السالكون بمقتضى الطريقة المذهبية، كالامتناع عن التدخين وسائر المشروبات الروحية والابتعاد عن التأنّق في المأكولات والملبوسات وسائر اللذات الدنيوية والاقتصار على التقشف في المعيشة.

القسم الثاني: الشرَّاحون ويعرفون بالجُهَّال، وهم المخالفون للعُقَّال في الامتناع عن التدخين والمشروبات الروحية وعن الترفّه في المعيشة والتنعّم باللذات الدنيوية، ولذلك لا يسوغ لهم مطالعة القرآن الشريف، ولا متون الحكمة خلافاً للعقال، لأنّ عندهم كتباً مقدسة لا يمسّها إلّا الطاهرون. والطهارة عندهم الامتناع عن سائر المحرمات والممنوعات، وإنّما يسوغ لهم تلاوة بعض شروح كتب دينية، ولهذا يقال لهم شراحون. و يمتاز العقال عن الجهلاء بكونهم يتعمّمون بعمامة بيضاء ويلبسون الملابس البسيطة كالقباء والعباءة، ونسبة هؤلاء العقال إلى الجهال عدداً أكثر من ثلاثة أرباع([6]).

ويکتب محمد فريد وجدي عن عقائدهم: وقد قام مذهب الدروز على فكرة أنّ اللَّه قد تجسد في الإنسان في جميع الأزمان. فالخليفة الحاكم وفقاً لهذه العقيدة يمثل اللَّه في وحدانيته وهذا هو السبب في أنّ حمزة بن علي(375- 433  ه) قد أطلق على مذهبه اسم مذهب «التوحيد» وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه «ربنا» ويفسرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزياً، فهو آخر من تجسد فيهم اللَّه. وهم ينكرون وفاته ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر في يوم ما وفقاً للعقيدة المهدوية([7]).

وأمّا عقيدة الدروز في الفروع فالصلاة عندهم ساقطة، والمقصود بها هي الصلة للقلوب مع مولاهم الحاكم.وأمّا الزكاة فتعني توحيد المولى الحاكم وتزكية القلوب وتطهيرها. وأمّا الصوم فباطنه الصمت لقوله لمريم: «فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً» ([8])، والصوم الحقيقي هو صيانة القلوب بتوحيد المولى الحاكم. أمّا الحج فهو معرفة المولى الحاكم والبيت هو توحيد المولى. كما أنّهم من القائلين بجواز الزواج من المحارم كالأُخت وبتعدّد الزوجات وحلية الخمر([9]).

3- فرقة المستعلية:
الفرقة المستعلية من الإسماعيلية يسوقون الإمامة إلى الإمام الثالث عشر المستنصر باللَّه الإمام الثالث عشر من أئمة الإسماعيلين، ويقولون بإمامة ابنه المستعلى باللَّه بعده، وهم المعروفون بالبُهرة، وقد انقسمت المستعلية سنة 999 هـ إلى فرقتين: داودية وسليمانية،  والظاهر من التتبّع في كتب الإسماعيلية انّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّ‏وعقائد جمهور المسلمين من‏ الدرزية و النزارية، فالفرقة المستعلية متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم، وهم الآغاخانية فإنّهم يواجهون الأحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة وتغييرها أو عدم الإلتزام بأحکامها ([10]).

4- فرقة النزارية:

وهؤلاء يسوقون الإمامة إلى المستنصر باللَّه، ثمّ يقولون بإمامة ابنه الآخر نزار بن معد، وقد انقسمت النزارية إلى: مؤمنية وقاسمية المعروفة بالآغاخانية.

الأئمّة المتّفق عليهم بين الفرق الإسماعيلية
کما تقدَّم يرجع نشوء الإسماعيلية وتكوّنهم، إلى القول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق (ع) واستمرارها في عقبه، فکانوا ثلاثة عشر أئمّة آخرهم المستنصربالله، وهؤلاء هم الأئمّة المتّفق عليهم بين الفرق الإسماعيلية الثلاث: المستعلية، والنزارية المؤمنية، والنزارية القاسمية (الآغاخانية)، وأسماؤهم کمايلي:

1- إسماعيل بن الإمام جعفرالصادق.

2- محمد بن إسماعيل الملقّب بالحبيب (إمام مستور والقرامطة توقفوا عليه).

3- عبد اللَّه بن محمد الملقب بالرضي(إمام مستور).

4- أحمد بن عبد اللَّه الملقب بالوفي(إمام مستور).

5- الحسين بن أحمد الملقب بالتقي(إمام مستور).

6- عبيد اللَّه المهدي بن الحسين (مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب).

7- محمد القائم(المهدي الموعود)

8- إسماعيل بن محمد المنصور.

9- معد بن إسماعيل «المعز».

10- نزار بن معد «العزيز».

11- الحسن بن نزار «الحاكم بأمر اللَّه »(والدَروز توقَّفوا عليه).

12- علي بن الحسن «الظاهر».

13- معد بن علي المستنصربالله.

الأئمة المستورون عند الإسماعيلية
کان إسماعيل هو الإمام الأوّل وهو أكبر الإخوة من أبناء الإمام الصادق(ع)، مات في حياة أبيه (ع) «بالعُريض»، سنة ثلاث وثلاثين و مئة(133هـ ) ودفن بالبقيع‏ ولمّا توفي إسماعيل حزن الإمام الصادق(ع) عليه وتقدّم سريرَه بغير حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سريره على الأرض قبلَ دفنه مراراً، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، ليشهد الناس علی موته حيث كان الإمام الصادق(ع) حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكْتب لإسماعيل، ولکن مع هذا روَّج بعض الشيعة بأنَّ الإمامة انتقلت من الإمام الصادق(ع) إلى ولده إسماعيل ومنه إلی ابنه محمَّد وهو أوَّل الأئمة المستورين وهکذا استمروا إلی أربعة أئمة، فالأئمّة المستورون عند الإسماعيلية هم الأئمّة الأربعة الأوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل، ونشروا الدعوة سرا ًوكتماناً، وهم:

1- محمد بن إسماعيل الملقّب ب «الحبيب»: ولد سنة 132 هـ في المدينة المنورة، وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء، ولقّب بالإمام المكتوم، لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية، وتوفي عام 193 هـ.

2- عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل الملقّب ب «الوفي»: ولد عام 179هـ  في مدينة محمودآباد، وتولّى الإمامة عام 193 ه بعد وفاة أبيه، وسكن السلْمية عام 194 هـ  مصطحباً عدداً من أتباعه، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً، توفي عام 212 هـ.

3- أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل الملقب ب «التقي»: ولد عام‏ 198، وتولّى الإمامة عام 212 هـ سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة، توفي فيها عام 265 هـ.

4- الحسين بن أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل المقلب ب «الرضي»: ولد عام 212 هـ، وتولّى الإمامة عام 265 هـ، توفي عام 289 هـ.([11]).

الأئمة الظاهرون عند الإسماعيلية

المعروف بين الإسماعيلية انّ عبيد اللَّه المهدي- الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية- كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار. واختلف الإسماعيلية بعد المستنصربالله إلى فرقتين، فذهبت المستعلية إلى أنّ الإمام القائم بالأمر عبارة عن كلّ من: أحمد المستعلي، الآمر بأحكام اللَّه، الطيّب بن الآمر، ثمّ جاء دور الستر فلا إمام ظاهر. لكن النزارية بكلا الفرقتين( المؤمنية والقاسمية المعروفة بالآغاخانية) قالوا باستمرار الإمامة بعد المستنصر، وکان أولهم المصطفى باللَّه نزار بن معد المستنصر (توفي عام 490 هـ ) حيث استقر بقلعة «ألموت» ،وعمل مع الحسن بن الصباح(المتوفي سنة 518 هـ )، وهکذا استمرت الإمامة فيهم حتی وصلت إلی شمس الدين. ثمّ افترقت النزارية المؤمنية والنزارية القاسمية (الآغاخانية)،فكلّ ساقوا الإمامة بعد (شمس الدين)، بشكل خاص لا يلتقيان أبداً إلى العصر الحاضر. فعدد الأئمّة عند النزارية المؤمنية بعد المستنصر يبلغ 22 إماماً،ثمَّ توقفوا، وعند الآغاخانية يبلغ 31 إماماً ، واستمروا بالإمامة إلی يومنا هذا وقد وصل عددهم إلی 41 إماماً.

إنّ الفرقة الإسماعيلية النزارية المؤمنية تقطن في عهدنا الحاضر في سورية في بلدتي «القدموس» و «مصياف» وفي مدينة سلمية و بعض قُراها، وأمّا الفرقة القاسمية النزارية الآغاخانية فتقطن في سلمية، وما يتبعها من القرى‏، وفي نهر الخوابي قرب طرطوس، كما تقطن في الهند، وباكستان، وبورما، والصين، وإفريقية الشرقية، و الكونغو ومدغشقر و زنجبار وغيرها([12]).

وإمام الآغاخانية اليوم هو: كريم خان، الإمام التاسع والأربعين وهو من الأغنياء ولديه أموال شرعية يتصرف بها مايشاء ووالد کريم خان هو الأميرعلي خان الذي أُقصي عن مركز الإمامة، وأُمّه هي الأميرة البريطانية (جون بربارايولد) ابنة اللورد تشارستون، تلقّى‏ علومه الأوّلية في مدارس سويسرا، فأتقن الإنگليزية والفرنسية والإسبانية، كما درس اللغة العربية، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى‏ جامعة (هارفرد الأميركية)، وكان كثير الأسفار، ويهتم بالشؤون الاقتصادية، ويتجنّب الخوض في السياسة، كما ويقوم بزيارة لإفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام، لتفقد شؤون أتباعه([13]).

مرجع الإسماعيلية في الأصول والفروع
المذهب الإسماعيلي كغيره من المذاهب الإسلاميّة له أُصول، وفروع، أمّا الفروع فلا يختلف أتباع هذا المذهب مع المسلمين في أُمهاتها، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم «دعائم الإسلام». نعم، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهر وباطن.

إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها، والعثور عليها ودراستها وبحثها على‏ أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة، أمر مشكل لتطورها حسب البيئات والأزمان، وحسب أذواقهم في مجال التأويل. و للتستر علي مصادرعقائدهم وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين من قبل دعاتهم وعلمائهم.

 وممَّا ظهر من کتب العقائد الإسماعيلية  کتابان يمکن الإعتماد عليهما في فهم عقيدتهم ودراستها وهما: «راحة العقل»: تأليف حميد الدين أحمد بن عبد اللَّه الكرماني، الملقّب بحجة العراقين، وكبير دعاة الإسماعيليّة في جزيرة العراق، ألّفه عام (411 هـ )، وقد عاصر الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن سينا (373- 427 هـ )، والکتاب الثاني هو: «تاج العقائد و معدن الفوائد»، تأليف الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق علي بن محمد الوليد (522- 612 هـ ) حقّقه عارف تامر، ونشرته دار المشرق بيروت، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الإسماعيلية.

وبما أنَّه لا يسع المجال ولايمکن الخوض في البحث عن جزئيات عقيدة الإسماعيلية نذکر الخطوط العريضة منها ثمَّ نرکِّز البحث حول اُمَّهاتها.

الخطوط العريضة للعقيدة الإسماعيلية
إنّ للفرقة الإسماعيلية آراءً وعقائد، سنوافيك تفاصيلها في البحوث الآتية ونذكر هنا الخطوط العريضة عندهم:

الأُولى: إنتماؤ الإسماعيلية‏ إلى أهل البيت(ع)
من العوامل التي کان لها رصيد شعبي كبير للإسماعيلين هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة، وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام، وكان المسلمون منذُ عهدِ الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم. ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وآله ‏حتى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم، اشتهروا بالفاطميين.

الثانية: الإسماعيلية وتأويل ظواهرالآيات والأحکام الشريعة
إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطور مع تطور الزمان، ويتكيّف بمكيفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي‏مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشرع أو الضرورة الدينية.

إنّ نظرية المثل والممثول تُعدُّ الحجر الأساس لِعامّة عقائد الإسماعيليّة، التي جعلت لكلِّ ظاهر باطناً، وسمّوا الأوّل مثلًا، والثاني ممثولًا. وعليه تبتني نظرية التأويل الدينيّة الفلسفية، فتذهب إلى أنّ اللَّه تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقةَ الدين، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويل باطني، لا يعلمه إلّا الأئمّة، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم([14]).

الثالثة: التنظيم والتخطيط للدعوة الإسماعيلية
يقول المؤرخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول، أو فرقة من الفرق، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها، كما اهتمّت بها الإسماعيلية، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي، ودور الظهور والبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماًعجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم...، ولقد برعوا براعة لا توصف في تنظيم أجهزة الدعاية- على قِلّة الوسائل في ذلك العصر- واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الإسلامية، ويتنسموا أخبار أتباعهم في الأبعاد المتناهية. وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل- الذي برع في استخدامه دعاة الإسماعيلية- أثره الفعّال في تنظيم نقل الأخبار والمراسلات السرية المهمَّة([15]).

الرابعة: الإسماعيلية و إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم
شعرت الدعوة الإسماعيلية أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلّا إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الإمام، لأنّ الإمامة عندهم تحتل مركزاً مرموقاً ولها درجات ومقامات مختلفة حتى أضحت من أبرز سمات المذهب الإسماعيلي کما سيأتي البحث حولها.

الخامسة: الإسماعيلية وتربية الفدائيين للدفاع عن مذهبهم
إنّ الأقلية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ:

في سنة 500 هجرية فكر فخر الملك ابن نظام الملك الطُّوسي وزير السلطان سنجر، أن يثأر لأبيه وهاجم قلاع الإسماعيلية، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر. وفي سنة 501 هـ حوصرت قلعة «ألموت» من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الإستسلام، ويدعوه لطاعته، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له: ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل، وقال للثاني: اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل، فقال للرسول: اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الأُمناء المخلَصين أمثال هؤلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المُثلى([16]).

السادسة: الإسماعيلية وكتمان الوثائق‏
كانت الدعوة الإسماعيلية محفوفة بالغموض و انّ الإسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلفاتهم وكلّ شي‏ء يعود لهم ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيلية بطوائفها أمراً صعباً إلى أن جاء دور بعض المستشرقين فوقفوا على بعض تلك الوثائق ونشروها، وأوّل من طرق هذا الباب المستشرق الروسي الكبير البروفسور «ايفانوف» عضو جمعية الدراسات الإسلامية في «بومبايي» وبعده البروفسور «لويس ماسينيون» المستشرق الفرنسي الشهير، ثمّ الدكتور «شتروطمان» الألماني عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ، و «مسيو هانري كوربن» أُستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة طهران، والمستشرق الانكليزي «برنارد لويس».وحتى سنة 1922 ميلادية كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الإسماعيلية إلى أن قام المستشرق الألماني «ادوارد براون» بإنشاء مكتبة إسماعيلية ضخمة([17]).

نظام الإمامة عند الإسماعيلية
إنّ الإسماعيلية أعطت للإمامة أهمِّية خاصَّة، وجعلو لها رتباً ودرجات، کالإمام المقيم، والأساس و المتم والمستقر والمستودع، و ربما يضاف إليها رتبتان الإمام القائم بالقوة، و الإمام القائم بالفعل. وزوّدوا الإمامة بصلاحيات واختصاصات واسعة، وصنّفوا الأئمة إلی الأئمة المستورين الداخلين في كهف الاستتار، والأئمة الظاهرين ويملكون جاهاً وسلطاناً في المجتمع کما مرَّ. والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الإمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق(ع) فحسب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وحجتهم انّ الإمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس، فذهبوا إلى بدء الإمامة من عهد آدم إلى يومنا هذا، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالأدوار، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور. فالإسماعيلية يعتقدون بالنطقاء الستة، وانّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمة سبعة:

1- فآدم رسول ناطق تلته أئمة سبعة بعده.

2- فنوح رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

3- فإبراهيم رسول ناطق جاءت بعده أئمة سبعة.

4- فموسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

5- فعيسى‏ رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

6- فمحمّد رسول ناطق تلته أئمة سبعة، وهم: علي بن أبي طالب، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي الباقر، جعفر بن محمد الصادق، إسماعيل بن جعفر، وهو متم الدور، وانّ ابنه محمد بادئ للدور الآخر كالتالي:

1- محمد بن إسماعيل(إمام مستور).

2- عبد اللَّه بن محمد الملقب بالرضي(إمام مستور).

3- أحمد بن عبد اللَّه الملقب بالوفي(إمام مستور).

4- الحسين بن أحمد الملقب بالتقي(إمام مستور).

5- عبيد اللَّه المهدي بن الحسين (إمام ظاهرومؤسس الدولة الفاطمية في المغرب).

6- محمد القائم( المدَّعی بأنَّه المهدي الموعود)

7- المنصور، وبه يتم الدور.

ويرد عليهم أنّ ما ذكروه من الأدوار السبعة للإمامة و انّ كلَّ رسول ناطق تتلوه أئمّة سبعة، على النحو السابق،أمر مبنيٌّ على الظن والأساطير لا على القطع واليقين، بل الثابت في النصوص الدينيية أنَّ عدد أوصياء الأنبياء کان في الغالب إثني عشر وصياً، ومنهم الأئمة الإثنا عشرأوصياء نبيّنا محمَّد (ص)، وثانياً أنَّ هذه الدرجات والرُتب لاتزال مجهولة لدى الباحثين، ومقصورة على الإسماعيلين، وهي ممّا تخالف عقائد جمهور المسلمين([18]).

ملامح الإمامة عند الإسماعيلية
قد تعرفت على نظام الإمامة في مذهب الإسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الإمامة عندهم بصورة عامة، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي بن محمد الوليد في كتابه «تاج العقائد» ونحن ننقل منه بعض ما يبيّن عقيدتهم في الاُمور التالية:

الأمر الأول- أنّ الإمامة في آل بيت رسول اللَّه(ص)‏:
أنّ الإمامة في آل بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله من نسل علي وفاطمة فرض من اللَّه سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلّا به، ولا يصحّ الإيمان باللَّه والرسول إلّا بالإيمان بالإمام والحجّة، ويدل على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلّا بالإمام، وهذا حقّ لأنّه سبحانه لا يترك الخلق‏ سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلّا بها. وأنّ رسول الله(ص) نص على ذلك نصاً تشهد به الأُمة كافة بقوله: «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا، وأبوهما خير منهما»، ولم يحوج الأُمّة إلى اختيارها في تنصيب الإمام، بل نص عليها بهذا لأنّ بالإمامة كمال الدين.فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الأُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه (في) دين اللَّه بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الإمامة عن أن تكون فرضاً على الأُمة، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان، القائمين بأُمور الناس...إلى أن قال: وقد اعترف المخالفون بأنّ إمامة الثلاثة ليست بنص، لأنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الأُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب([19]).

الأمرالثاني- أنَّ الوصية من بعد النبي(ص) إلى علي بن أبي طالب(ع)‏:
لقول النبي صلّى اللَّه عليه وآله: «لا يحل لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلّا و وصيته مكتوبة عند رأسه».وإجماعنا على أنّ الرسول(ص) استخلف علياً في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لأخيه هارون عند مضيه لميقات ربه، وفي هذا الاستخلاف قال له: «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي». ولحديث الدار والإنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»([20]). ويعتقد انّ كلّ من دفع الإمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت، وهو رئيس الجائرين ‏الحائدين عن أمر الرسول، المعنيّ بالظالم([21]).

الأمر الثالث- أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للَّه:
وهذا الحجَّة إمَّا نبيّ، أو وصي، أو إمام يقوم المسائل، ويقيم الحدود، ويحفظ المراسيم، ويمنع الفساد في الشرع، ويقبل الأعمال،...محفوظ النسب، معروف الولادة، متَّبِع دينَ آبائه، لا يرجع عن أقوالهم، ولا يقدم غيرهم، ... متبوع لا تابع، مقصود لا قاصد، مرغوب في حكمه، وصحّة أفعاله، وتعاليمه، وهدايته، لأنّ الرسول جعله دليلًا للمتعلم، ونجاة للحائر([22]).

ويلاحظ علی کلام صاحب تاج العقائد من أنّ الأرض لا تخلو من حجة للَّه ليس لضرورة إقامة الحدود، وحفظ المراسم، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً، وإنّما الوجه انّه الإنسان الكامل وهو الغاية القصوى‏ في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللَّه سبحانه وإلى ذلك يشير الحديث النبوي: «أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»([23]). وقوله(ص): «إنّي و أحد عشر من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض، بنا أوتد اللَّه الأرض أن تسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»([24]). وقال(ص): «أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون»([25]). وقال الإمام أميرالمؤمنين(ع): «اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً»([26]).


الهوامش:
([1]) راجع فرق الشيعة للنوبختي: 69. وتاريخ الطبري 6: 147.
([2]) كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد: 301.
([3]) الملل والنحل: الشهرستاني 1: 200.
([4]) إقتباس من موسوعة «الملل والنحل»  لآية الله السبحاني مع تصرف في العبارات وتلخيص وإضافات.
([5]) فرق الشيعة للنوبختي:  72.
([6]) دائرة المعارف لبطرس البستاني 7 : 675.
([7]) دائرة المعارف الإسلامية لفريد وجدي 9: 217.
([8]) مريم: 26.
([9]) راجع خطط الشام، لمحمد كرد علي:  265.
([10]) راجع أعيان الشيعة 10: 202.
([11]) راجع موسوعة «الملل والنحل» ، لآية الله السبحاني.
([12]) راجع  الإمامة في الإسلام لعارف تامر: 178-170. وموسوعة «الملل والنحل» ، لآية الله السبحاني.
([13]) راجع الإمامة في الإسلام: 237؛ وتاريخ الدعوة الإسماعيلية: 403.
([14]) مصطفى غالب: في مقدمة الينابيع:.13
([15]) تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب: 37.
([16]) تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب: 263.
([17]) تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب: 22.
([18]) راجع الإمامة في الإسلام: 141، تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب: 37.  و كشف الفوائد: 303.
([19]) تاج العقائد: 65.
([20]) الشعراء: 214.
([21]) تاج العقائد: 64. والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الأُمّة على‏ نقله!
([22]) تاج العقائد: 70.
([23]) الصواعق المحرقة: 233.
([24]) الغيبة: 99، وعنه في بحارالأنوار 36 : 259 ح 79.و زرّ الأرض أي: أوتادها وجبالها.
([25]) الصواعق المحرقة: 150.
([26]) نهج البلاغه:الحكمة رقم 147.

قراءة 4387 مرة