شكلت الطائفة العلوية بإمتدادها وبالتحديد في سوريا وتركيا، ثقلاً أدى يوماً بعد يوم، الى زيادة تأثيرها على الصعيد السياسي في تلك الدول. ولأن دورها في تركيا كان في صف المعارضة أو أحزاب اليسار، كان للطائفة العلوية الأثر الدائم والواضح في مجريات الإنتخابات التركية، لا سيما الأخيرة منها. فكيف يمكن وصف حالة العلويين في تركيا؟ وكيف يُعتبرون من الأطراف الوازنة في الحياة السياسية التركية؟ وما هو موقفهم من الأزمة السورية مؤخراً؟
يشكل العلويون في تركيا نحو 15 إلى 20% من مجموع سكان الجمهورية، وهم أكثر من حيث العدد في تركيا عن سوريا، ويقدرون هناك بحوالي 15 مليون نسمة. يعد العلويون الأتراك أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية، يمثلون مجموعة مذهبية وليس مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية، أبرزها وأكبرها الأكراد. لذلك فإن 30% من أكراد تركيا علويون، إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون اللغات التركية والعربية والكردية والفارسية، فضلاً عن تعدد الفرق العلوية "البكتاشية، الديدقان والشيلبين".
يختلف وضع العلويين في تركيا عن وضعهم في سوريا. فقد وجد العلويون الأتراك في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والإجتماعية. حيث أصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني. ومع الإنفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، إنضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية، وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام 1960، وشاركوا في إعداد دستور 1961 الذي نص على الكثير من الحريات الدينية، ما زاد من نشاطهم الديني والإجتماعي والإعلامي، ونجحوا في إشغال نحو 15 مقعدًا نيابياً في انتخابات العام 1965.
الأثر السياسي للعلويين في تركيا:
من الناحية السياسية لا بد من الإشارة الى أن العلويين الأتراك ينحازون في أي صراع بين الأحزاب اليسارية واليمينية إلى معسكر اليسار. وهم دائماً أعضاء بحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك لضمان العلمانية التي حمت وضعهم بوصفهم أقلية. بينما في المقابل اتخذ اليمين التركي المبادرة في تعبئة المسلمين الآخرين ضد العلويين على أساس معاداة الشيوعية والعلمانية.عام 1980 ألحق انقلاب سبتمبر، بالغ الأذى بأحزاب اليسار العلماني، مما أضَرَّ بالعلويين أيضاً، إذ يشكل العلويون فيها القاعدة الأساسية والعريضة في مقابل دعم الحركة الإنقلابية للإتجاهات الإسلامية الأخرى، وتأكيدها على البعد الديني للهوية السياسية.
وفي الإنتخابات التركية الأخيرة، يمكن القول إن العلويين كانوا الجندي المجهول فيها. فعلى الرغم من أن حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، كانا مقابل حزب العدالة والتنمية، إلا أنهما سعيا لكسب الصوت العلوي لما يشكله من تأثير في النتائج الإنتخابية، وبالتالي إنعكاساً لصالح المعارضة في الداخل السياسي التركي. وهو الأمر الذي تحقق فعلاً، إذ أن نجاح الأحزاب المعارضة في حشد الأقليات، أدى الى زيادة مقاعدها النيابية، وهو الأمر الذي رفع من تمثيل العلويين والأكراد أيضاً. مما جعل حيثية العلويين السياسية أكبر اليوم.
العلويون الأتراك والموقف من الأزمة السورية:
بقي العلويون لفترة طويلة في بداية الأزمة السورية دون إعلان موقفٍ صريحٍ من الأزمة وذلك تماشياً مع مصلحتهم كطائفة، وبالتحديد حين كان موقف بلادهم مؤيداً لإسقاط النظام. ولكن مع تحول المظاهرات السورية من سلمية مطالبة بالديمقراطية إلى معارضة مسلحة، بدأ العلويون يبرزون موقفهم الداعم للنظام السوري ووصفهم للمعارضة المسلحة بالخيانة للوطن والتبعية للمشروع الأمريكي. وهو الأمر الذي ما يزال العلويون يؤمنون به، نتيجة وضوح خيار المعارضة التي تحولت لجماعاتٍ تكفيرية لا مشروع سياسي لها. كما أنها بعيدة كل البُعد عن إحترام الآخر وقبوله، وهو الأمر الذي لم ولن يقبله العلويون، لأنهم لطالما عانوا تاريخياً، من القهر جراءه.
الخلاصة
الطائفة العلوية طائفة لها دور في التركيبة السياسية التركية اليوم أكثر من ذي قبل. وهي تعمل على الحفاظ على وجودها واستمرارها، في ظل نظام سياسي أصبح اليوم بعد الإنتخابات الأخيرة، مضطراً لإحترام خيار الأقليات التي أثبتت دورها وثقلها السياسي، الى جانب تأثيرها في مجريات أي إنتخابات. ولا بد من الإشارة الى أن طابع العمل السياسي للعلويين في تركيا، طابع علماني، مع احترامه للخيارات الدينية الأخرى. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل سيترجم العلويون ثقلهم السياسي في التعاطي مع الشؤون التركية على الصعيد الداخلي والخارجي؟ هذا ما ستجيبنا عنه الأيام المقبلة.