ولد الامام محمد الجواد ابن الامام علي الرضا عليهما السلام في 10 رجب سنة ( 195) ه بالمدينة المنورة في کنف ابيه الذي کان يتخلق باخلاق الامامة ويتمتع بعلو المقام وموقع القيادة وطول الباع في علوم الشريعة واحکامها.
وقد ولد الامام الجواد عليه السلام في فترة حافلة بالحوادث والظروف السياسية في مرحلة الصراع وتوتر العلاقات في الخلافة العباسية بين الامين والمأمون.
ولم تکن الحوادث السياسية، وظروف الصراع لتنتهي دون ان تنعکس آثارها علی حياة الامام الرضا، وبالتالي علی حياة الامام الجواد عليهما السلام، فلقد توجه نظر المامون الی الرضا عليه السلام واستدعاه الی عاصمة خلافته "مرو" فاضطر الامام الی القبول بعد رفض وامتناع.
وقبل ان يتوجه الامام الرضا عليه السلام الی مرو اصطحب معه ولده الجواد وانطلق من المدينة الی مکة ليزور البيت الحرام ويودعه لانه کان يعلم بانه لارجعة له بعد هذه ابدا.
لقد طاف الامام علي الرضا (ع) حول البيت طواف الوداع، وطاف معه ولده الجواد الذي کان عمره الشريف نحو اربع سنوات يحمله الخادم علی کتفه لصغر سنه.
و احس الجواد عليه السلام بقلبه الکبير وروحه اليقظ لوعة الفراق، ومرارة البعد عن ابيه، وادرك ان اللقاء هو الاخير بعد اليوم بينهما ، لذا اطال الوقوف عند الحجر متعلقا به يلم به غم فراق والده وامامه، وقد شق عليه ان يعود وحيدا الی المدينة ويفارق اباه الذي قرأ في رسالة وداعه للبيت الحرام انه لن يعود.
أنتهت لحظات الوداع وحانت ساعة الفراق ويا لها من ساعة .. وعاد الامام الصبي الی المدينة يحمل اشواق الحب وتوجه ابوه الی "مرو" وقلبه يتلفت نحو المدينة ويتابع رکب الجواد الحبيب والالم يعتصر قلبه الکبير.
وصل الامام الرضا عليه السلام "مرو" وحل في عاصمة الخلافة العباسية يومذاك وقلبه متعلق بولده الجواد وامل الامة من بعده، ومن هناك راح يراسله ويخاطبه ويواصل الاهتمام به واسداء النصيحة والارشاد له. وقد ذکر المؤرخون ان الرضا عليه السلام کان يخاطب ابنه الجواد -وهو يکاتبه- بالتعظيم والاجلال ويکنيه بابي جعفر.
أحاطت بفترة انتقال الامامة الی الامام الجواد عليه السلام مشکلة خطيرة، فقد اثير الجدل حول شخصية الامام، بسبب صغر سنه وعدم بلوغه يوم توفي ابوه، وقد سجلت لنا کتب التاريخ جانبا من تلك المناظرات حول شخصية الامام الجواد عليه السلام واهليته في هذه السن للامامة.
وبعد مناظرات عدة اقر العلماء والفقهاء بالامام رغم صغر سنه ليستمر في مواصلة خط آبائة ومسيرته الرسالية ويتحمل اعباء الامامة العلمية والسياسية.
وساهم الامام الجواد عليه السلام طيلة فترة امامته التي دامت نحو سبعة عشر عاما في أغناء مدرسة اهل البيت العلمية وحفظ تراثها والتي امتازت في تلك المرحلة بالاعتماد علی النص والرواية عن رسول الله صلی الله عليه واله وسلم وعلی الفهم والاستنباط من الکتاب والسنة بالاضافة الی اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية التي ساهم الائمة وتلامذتهم في انمائها واثرائها وتوسيع مداراتها حتی غدت صرحا شامخا وحصنا منيعا للفکر الاسلامي وللشريعة الاسلامية.
لقد أعتمد الامام الجواد (ع) مثل ابائه في منهجه العلمي علی عدة اساليب منها:
1- اسلوب التدريس وتعليم التلاميذ والعلماء وحثهم علی الکتابة والتدوين وحفظ مايصدر عن ائمة اهل البيت عليهم السلام وامرهم بالتاليف والتصنيف.
2- اسلوب تعين الوکلاء ونشرهم في انحاء مختلفة من العالم الاسلامي ليکونوا دعاة الی الاسلام والعمل به وتبليغ احکامه.
3- اسلوب المناظرة والحوار العلمي.
هذا وامتازت الفترة السياسية التي عاشها الامام الجواد عليه السلام -وهي زمان الخليفتين العباسيين المامون والمعتصم- بانها فترة خف فيها بحسب الظاهر الاضطهاد والارهاب نسبة الی الفترات السابقة وان کان الخط العام للسياسة العباسية امتدادا لما سبق، ولکن هذه السياسة لم تستمر طويلا وسرعان ما لجأ الحکام العباسيون الی اذی اهل البيت عليهم السلام والتضييق عليهم.
ورغم کل هذا فان التاريخ يؤکد لنا من خلال استقراء الوثائق السياسية التي صدرت عن الامام الجواد عليه السلام (الرسائل والاحاديث) والمواقف التي صدرت من السلطة العباسية تجاه الامام ودراستها نستطيع ان ندرك ان الامام کان يمارس نشاطه في الخفاء وکان له مقام قيادي عميق الاثر في وجدان الامة ووعيها.
لذلك نجد المأمون يستقدم الامام الجواد عليه السلام من المدينة سنه (211 )ه ويقوم بتزويجه من ابنته ام الفضل ويدخل في نزاع مع اعمامه بني العباس بسبب ذلك التزويج، في محاولة منه لاستيعاب موقف الامام الجواد عليه السلام وضمه الی حاشيته واحتواء حرکته الجماهيرية في المجالين الفکري والسياسي.
لکن الامام عليه السلام کان علی العکس من ذلك، يرفض البقاء في بغداد ليکون بعيدا عن حصار السلطة ومراقبتها ويعود الی المدينة المنورة ليسقط الخطة ويحقق الاهداف المرتبطة به کامام للامة ورائد من رواد الشريعة.
وبعد موت المأمون جاء المعتصم للسلطة، فکان کاسلافه العباسيين علی خوفه من امامة اهل البيت عليهم السلام ومکانتهم العلمية والسياسية، فاستدعی الامام الجواد عليه السلام من المدينة الی بغداد عام (219)ه خوفا من تألق نجمه واتساع تاثيره، وليکون علی مقربة من مرکز السلطة والرقابة ولعزله عن ممارسة دوره العلمي والسياسي والشعبي.
وفعلا تم استقدام الامام الجواد عليه السلام من المدينة الی بغداد ولم يبق في بغداد الا مدة قصيرة حتی اقترف المعتصم جناية قتل الامام عن طريق دسه السم اليه في اواخر شهر ذي القعدة عام (220 )ه.
بعد هذه الحياة القصيرة في امتدادها الزمني التي دامت نحو خمس وعشرين سنة، المديدة في آثرها العقائدي والتاريخي، المليئة بالمآثر والجهاد العلمي والسياسي انتقل الامام شهيدا مظلوما الی جوار ربه ودفن ببغداد في مقابر قريش مع جده الامام موسی بن جعفر عليهما السلام.
ومن حكمه عليه السلام:
- قال له رجل: أوصني ؟ قال(عليه السلام): وتقبل؟ قال: نعم. قال: توسَّد الصَّبر واعتنق الفقر، وارفض الشَّهوات، وخالف الهوى، واعلم أنَّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون.
- وقال (عليه السلام): من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده.
- وقال (عليه السلام): من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان النّاطق عن الله فقد عبدالله، وإن كان النّاطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس.
- وقال (عليه السلام): تأخير التَّوبة اغترار، وطول التَّسويف حيرةٌ، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذَّنب أمن لمكر الله (ولا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون).
- وقال (عليه السلام): من أطاع هواه أعطى عدوَّه مناه.
- وقال (عليه السلام): اذا نزل القضاء ضاق الفضاء.
- وقال (عليه السلام): لا تكن وليّاً لله في العلانية، عدوّاً له في السّرِّ.
- وقال (عليه السلام): من توكل على الله كفاه الاُمور.
- وعنه (عليه السلام) قال: من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة.
- وقال (عليه السلام): أهل المعروف الى اصطناعه احوج من أهل الحاجة اليه، لأن لهم اجره وفخره وذكره فما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه.