منذ أن عادت سبايا آل محمد من الشام الي كربلاء عام ۶۱ للهجرة تأسست زيارة الاربعين وصارت معلما من معالم الشعائر الاسلامية لدي اتباع اهل بيت النبوة عليهم السلام ، يحيونها كل عام ليقولوا للطغاة ان الحسين (ع) لم يمت وان صرخته في كربلاء مازالت مدوية علي السن اتباعه ومحبيه .. هيهات من الذلة.
(الاربعين) كلمة دخلت قاموس الثورة واصبحت مصطلحا له معالمه المتميزة ، يقود الذهن فورا من لغة الارقام والحروف الي لغة التضحية والفداء من اجل المبادئ السامية، ويجسد معادلة ملحمة كربلاء بين الاجساد المضرجة بالدماء وبين موكب السبايا الذي حمل رسالة الشهداء واذاع بيان انتصار الدم علي السيف في قصر الطاغية يزيد بالشام.
هكذا هي مسيريات الاربعين ، انها محاكاة لمسرح الملحمة الكربلائية وتجسيد لمواقف بطلة كربلاء زيبنب الكبري التي حملت ثمرة الثورة واتخذت من الدماء التي سالت علي صعيد كربلاء زيتا ينير طريق الاحرار ، وعبأت كل طاقاتها لايصال نتائج الثورة الي ابناء الامة واجيالها القادمة.
وعلي مدي اربعين يوما اثمرت الحملة السجادية الزينبية في فضح المخطط الاموي وبينت حقيقة الثورة الحسينية واوصلت الي الامة معالم واهداف تلك الثورة.
وهكذا فهم اتباع اهل البيت دورهم من رحلة السبايا وراحوا يجددون موكب الاباء كل عام منذ مئات السنين .
ونحن هنا لسنا بحاجة الي استعراض صفحات التاريخ والتنقيب في الماضي، بل يكفينا ان ننظر الي كربلاء اليوم حيث تتجه حشود الاحرار من كل حدب وصوب وتتأجج شعلة الثورة في نفوس المؤمنين وتهفو القلوب نحو الطفوف وكأنها تري زين العابدين ومن معه قد اناخوا ركابهم بين الحرمين ليعيدوا ذكريات ملحمة الشهادة ويبينوا لنا ان هذه الملحمة هي عَبرة وعِبرة ، مأساة وانتصار ، وهي بلوغ المجد والخلود علي اشلاء الضحايا .
نعم .. ان اتباع اهل البيت عليهم السلام اذهلوا العالم هذا العام اكثر من اي وقت مضي ، فمع زيادة الصعوبات والاخطار تزايدت اعداد الزائرين ، لا لمجرد التحدي وحسب بل تعبير عن الاستيعاب الواعي لاهداف الثورة الحسينية ، فمع الظروف الجوية القاسية ومع بعد المسافات ومع التهديد بالقتل والتفجير نري ان الاعداد تضاعفت وانطلق الحسينيون من مسافات ابعد امتدت الي اقصي نقاط العالم .
ولم يقتصر الامر علي شيعة اهل البيت عليهم السلام بل اصبحت القلوب السليمة تتوق للمشاركة معهم، فكلما راي الانسان هذه الحشود تسير يهوي قلبه اليها ويود لو كان بين هؤلاء السائرين نحو الحرية والعدالة خاصة وهو يري الشيخ الكبير والطفل الصغير والمقعد العاجز قد ارتقت بهم هممهم ليكونوا في طليعة الركب الحسيني .
لقد سحر هذا المنظر وفد الفاتيكان الذي كان يزور الناصرية جنوب العراق لاداء قداس في مدينة اور الاثرية ، فانضم الوفد الذي يضم كبار القساوسة الي مواكب المشاة وساروا مئات الامتار ليسجلوا لانفسهم شرف المشاركة في هذا الركب الذي توسموا فيه علائم الطهر والصفاء والتوق الي الحرية والسلام والتعايش في ظل احكام السماء .
وفضلا عن كل ذلك فان هذه الملحمة خلقت نوعا رائعا من التكافل والتعاون والتحابب والمودة بين الناس ، فاضافة الي الملايين التي حزمت امتعتها وتوجهت نحو كربلاء ، هناك ملايين اخري نذرت نفسها وكل ماتملك لخدمة هؤلاء الزوار بشكل تعجز عن وصفه الكلمات ، ولايمكن لاحد تصوره الا ان يحالفه الحظ فيشارك في تلك الملحمة ليري ماهو الانفاق في سبيل الله وماهي روح الكرم والضيافة وماهو السباق نحو الخيرات وماهو حب الحسين الذي تجسد في حب زواره وخدمتهم لا لهدف مادي او مصلحة خاصة بل لوجه الله ، لوجه الحسين ، فسلام علي الحسين وعلي علي بن الحسين وعلي اولاد الحسين وعلي اصحاب الحسين.