في اليوم الثامن من شهر آذار عام 1977م، أقرت الأمم المتحدة قراراً يدعو دول العالم لتخصيص تاريخ الثامن من آذار (8 مارس) من كل عام يوماً للمرأة([1])،ونغتنم ذکر هذه المناسبة لکي نعرض وجهة نظر الإسلام حول المرأة ودورها الرائد في المجتمع ،وقبله لابدَّ من بيان موجز عن مكانة المرأة قبل الإسلام :
المرأة قبل الإسلام
قد عانت المرأة طوال تاريخها من أشكال مختلفة من الاضطهاد والظلم، حيث لم تعترف الحضارات القديمة في اليونان ومصر وروما بإنسانيتها، إلا بعد ظهور الأديان السماوية، التي أكدت على أن المرأة إنسان كالرجل، ففي اليونان القديم كانت تُعدّ ضمن البضائع والسلع التجارية التي تُباع وتشترى في الأسواق، ولا يحق لها الحياة بعد وفاة زوجها. ولم يكن الحال في روما بأحسن مما كانت عليه في اليونان، فقد كان للأب الحق في بيع بناته، بل والقضاء عليهن، وكان ينتقل هذا الحق إلى الزوج بعد دخولها في حبالته، حيث كان يعتبر مالكاً لها بقانون انتقال الملكية إليه. والأسوأ من ذلك ما كانت عليه الهند، حيث كانت المرأة تحرق مع جثمان زوجها؛ كي تتخلص روح الزوج من العزلة والانفراد، ولم يكن حال المرأة في الجزيرة العربية بأحسن مما كانت عليه في غيرها، فقد شاع في أوساط العرب قانون وأد البنات لأسباب تافهة، كالخوف من وقوعهن بأيدي الأعداء فينجبن لهم من يقاتلونهم بهم، والخوف من الفقر والحاجة، أو من العار، ولو نجا وأفلت بعضهن من هذا القانون الغاشم لواجهت في حياتها احتقار الرجل، وسلبه لوجودها وحقوقها، بل يعتبرها من سائر ما يمتلكه، وتنقل إلى وارثه بعد وفاته، بل كانت في بعض الأوساط ترغم على البغاء لكسب المال.
وهکذا عاشت المرأة محرومة من حقوقها الفردية والاجتماعية، حتى ظهور الإسلام الذي يعتبر الدين الوحيد الذي ضمن للمرأة كافة حقوقها وحافظ على كرامتها، ويتضح ذلك كله من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
مكانة المرأة في الإسلام
إنَّ المرأة في الإسلام مساوية للرجل في الإنسانية ومكملة له، قال تعالى: “يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً....”([2])،وقال تعالى: “هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ...”([3]).
وللمرأة حقوقها الفردية والاجتماعية مصونة قال تعالى: “لاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآءَ كَرْهاً”([4])، “وَلاَ تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنّ”([5])، “وَإِنْ أَرَدْتّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً”([6])، “لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبْنَ”([7])، و للمرأة كامل الحق في المشاركة السياسية والتعبير عن رأيها بحرية:قال تعالى: “يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ”([8]).
وكرامة المرأة محفوظةفي الإسلام، قال تعالى: “وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ”([9])، وقال تعالى: “... وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ...”([10]) وقال رسول الله(ص): “خيركم، خيركم لنسائكم وبناتكم”([11])،و قال الإمام علي(ع): “إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة”([12])،و قال الإمام الصادق(ع): “أكثر الخير في النساء”([13]).
دور المرأة في الحضارة الإسلامية
قدم التاريخ الإسلامي نماذج مشرفة عن دور المرأة المسلمة في مختلف الميادين، فهذه خديجة الکبری دافعت عن الرسالة المحمدية بنفسها ومالها حتی اشتهر أنَّه ما استقام الدين إلاَّ بسةف علي بن أّبي طالب وأموال خديجة ، وهذه ابنتها السيدة فاطمة الزهراء(س)، حينما وقفت في مسجد أبيها رسول الله(ص) تخطب تلك الخطبة البليغة، مدافعة عن حقها وحق زوجها أمير المؤمنين(ع)، في حضور عدد كبير من الصحابة، وكذلك ابنتها السيدة زينب(س) عندما شاركت أخاها الحسين(ع) في الجهاد من خلال تقديم أولادها شهداء في سبيل الله، واستمرت بجهادها بعد واقعة الطَّف حيث هزت بخطبها عرش يزيد مما ساهمت بسقوطه، ويكفينا قول الإمام زين العابدين في مدحها (س): “أنت بحمد الله عالمة غير معلمة فهمة غير مفهمة”([14]).
وقد أعطى التاريخ الإسلامي نماذج لنساء حاكمات كان لهن الدور الأبرز في تدبير شؤون الحكم والإدارة، ومنهن:فاطمة بنت حسن بن محمد علي من اليمن والتي حكمت منطقتي صعدة ونجران، وفي الهند أثناء الحكم الإسلامي كان لسيدتين دور هام في الحكم وهما: (سكندر بيكم، شاه جيهان) ، وفي اندونيسيا حوالي سنة 1641م و1688م أدارت شؤون الحكم عدة نساء منهن (صفية الدين تاج العالم، نقية شاه، عنايت شاه، كمالت شاه)([15]).
وأخيراً:من خلال هذه الإطلالة السريعة تتضح لنا المكانة الرفيعة التي حظيت بها المرأة في الإسلام حيث سبق بأحكامه وتعاليمه جميع القوانين والأديان الأخرى، وفي ذلك رد على كل المشككين والطاعنين من غير علم في هذا الدين العظيم وتشريعاته.
المرأة في فكر الإمام الخميني (ره)
لقد اهتم الإمام (ره) بشأن المرأة حتى جعل لها يوماً خاصاً يتجدد كل عام، لتبقى قضاياها وحقوقها وفعالياتها حاضرةعلى الدوام، ولقد اختار لها يوماً من أشرف أيام الإنسانية وأعز الأيام على قلبه يوم ولادة السيدة فاطمة الزهراء(س) تلك الإنسان الكامل ، ويقول الإمام (ره): “نحن ندعو لأن تحتل المرأة مكانتها الإنسانية السامية”([16])، وبهذا الطرح والفكر الأصيل الإسلامي حول المرأة استطاع الإمام أن يفجر في المرأة إنسانيتها المدفونة ويفعّل طاقاتها، لتعود المرأة إلى دورها الطبيعي الذي أراده الله تعالى لها.
الهوامش:
([1]) أما في الجمهورية الإسلامية، فقد أمر الإمام الخميني(ره) بجعل تاريخ ميلاد السيدة الزهراء(س) المصادف لـ 20 من جمادى الثانية، يوماً للمرأة المسلمة.
([2]) سورة النساء: الآية 1.
([3]) سورة البقرة: الآية 187.
([4]) سورة النساء: الآية 19.
([5]) سورة النساء: الآية 19.
([6]) سورة النساء: الآية 20.
([7]) سورة النساء: الآية 32.
([8]) سورة الممتحنة: الآية 12.
([9]) سورة النساء: الآية 19.
([10]) سورة البقرة: الآية 228.
([11]) مستدرك الوسائل 14: 255.
([12]) نهج البلاغة: 405.
([13]) وسائل الشيعة 20: 24.
([14]) الاحتجاج 2: 305.
([15]) أعلام النساء، عمر رضا كحالة 4: 287.
([16]) من حديث في جمع من نساء قم بتاريخ 6/3/1979م.