بعد الوقوف على مظاهر الفساد والانحراف التي عمّت ميادين الحياة في عصر الإمام الصادق(ع)، نستطيع أن ندرك عمق المأساة التي كان الإمام (ع) قد واكبها منذُ نشأته حتى هذا التاريخ .
وفي هذا الظرف الذي خفّت فيه المراقبة بسبب ضعف الدولة الاُموية، وجد الإمام (ع) إنّ جانباً كبيراً من الإسلام قد أُقصي عن واقع الحياة، وأنّ قيم الجاهلية قد عادت تظهر للوجود ، وأنّ الصيغ الغريبة عن الدين أخذت تدخل في فهم القرآن والسنة الشريفة، وتسبّبت في تغيير مضمون الرسالة وجوهرها ، لاحظ أنّ الأمر أخذ يزداد تفاقماً في أواخر العهد الاُموي، الذي نمت فيه مدارسٌ فكريةٌ وتياراتٌ سياسيةٌ بعيدةٌ عن الإسلام ، وكان يرى(ع) أنّ الأكثرية الساحقة من الاُمة قد ركنت الى الطمع، بسبب ما شاهدته من صور الظلم والتعسف، الذي قد ارتكب بحقِّ كلِّ من كان يعترض على سياسة الحكّام المنحرفين عن الدين، كلّ هذه الاُمور قد لاحظها الإمام(ع) بدقّة، وبدأ يعالجها بكلِّ أناة. لنقرأ معاً حوار سدير الصيرفي مع الإمام (ع) :
قال سدير الصيرفيُّ: دخلت على أبي عبدالله (ع) فقلت له : والله ما يسعك القعود . فقال ولِمَ يا سدير ؟ قلت : لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك ، والله لو كان لأمير المؤمنين (ع) مالك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيمٌ ولا عديٌّ.
فقال يا سدير : وكم عسى أن يكونوا ؟ قلت: مائة ألف . قال : مائة الف! قلت: نعم، ومائتي ألف فقال: ومائتي ألف ؟ قلت: نعم، ونصف الدنيا . قال : فسكت عني ثم قال : يخفُّ عليك أن تبلغ معنا الى ينبع(1)؟ قلت : نعم. فأمر بحمار وبغل أن يُسرَجا، فبادرت ، فركبت الحمار فقال : يا سدير ، أترى ، إنزل بنا نصلّي، ثم قال : هذه أرضٌ سبخةٌ لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا الى أرض حمراءَ، ونظر الى غلام يرعى جداء(2).
فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعةٌ بعدد هذه الجداءَ ما وسعني القعود. ونزلنا وصلّينا فلما فرغنا من الصلاةَ عطفتُ على الجداء، فعددتها فاذا هي سبعة عشر!(3).
فالإمام(ع) إزاء هذا الواقع المملوء بالفساد والضياع، قد وجد أنّ الأمر أحوج ما يكون الى إيجاد تيّار إسلامي أصيل يحمل قيم الرسالة التي جاء بها الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ، ولابدّ أيضاً أن يتمَّ عزل الأمة عن الحكومات الظالمة، لئلا تكون مرتعاً لمظالمها ، فعن طريق غرس القيم الإسلامية، وإيجاد تيار فاعل يساهم في إجتثاث المظالم أو تقليلها يمكن التحرّك لإصلاح الواقع الفاسد، حيث إنّه قد يرغم الولاة على العدل استجابةً لإرادة قطّاع كبير من الاُمة حينما يرفض هذا القطّاع الكبير الاستبداد، ويدعو الى العدل بوعيٍّ إسلاميٍّ عميق.
لقد تخلّى الإمام الصادق (ع) عن ممارسة العمل المسلح ضد الحكّام المنحرفين بشكل مباشر، وكان موقفه هذا تعبيراً واقعياً عن اختلاف صِيَغِ العمل السياسيّ التي تحددها الظروف الموضوعية، وإدراكاً عميقاً منه لطبيعة العمل التغييريّ.
فالإمام (ع) حاول أن ينشر قيمه ومفاهيمه ودعوته بعيداً عن التصريحات السياسية الثورية، واتّجه نحو بناء تيار شعبيٍّ عامٍّ في الاُمة، كما ركّز على بناء الجماعة الصالحة الممثلة لخط أهل البيت ((عليهم السلام))، والإشراف عليها، وتنظيم أساليب عملها في مواجهة الانحراف المستشري في الأُمّة أيضاً، بحيث يجعلها كتلة مترابطةً في العمل والتغيير وإعداد أرضية صالحة تؤدي الى قلب الواقع الفاسد، على المدى القريب أو البعيد.
وقد استهدف الإمام (ع) في نشاطه الرساليِّ لونين من الانحراف.
اللون الأوّل: الانحراف السياسي المتمثل في زعامة الدولة (السلطة الحاكمة).
اللون الثاني: الانحراف العقائدي والفكري والأخلاقي ثم الانحراف السياسي عند الاُمة.
كما إتّجه الإمام(ع) في حركته التغييرية الشاملة الى حقلين مهمين:
أحدهما: الانفتاح العام والشامل على طوائف الاُمة واتجاهاتها السياسية والفكرية.
ثانيهما: مواصلة بناء جامعة أهل البيت ((عليهم السلام)) العلمية .
وكلا الحقلين يُعتبران من حقول النشاط العامَ وسنبحثهما في هذا الفصل من هذا الباب.
وأما حقل النشاط الخاص بمحاوره المتعددة، فيتلخّص في إكمال بناء الجماعة الصالحة. وهذا ما سنبحثه في الفصف الثالث من هذا الباب بإذن الله تعالى.
الانفتاح على الاتجاهات الفكرية والسياسية
ويقع البحث في هذا الحقل ضمن عدّة محاور:
1 ـ المحور العقائدي السياسي :
وفي هذا المحور ركّز الإمام على نشاطين هامّين:
النشاط الأوّل : التثقيف على عدم شرعيّة الحكومات الجائرة، ورتّب على ذلك تحريم الرجوع إليها لحل النزاع والخصومات كما ورد عنه : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً الى أهل الجّور، ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(4).
وقال أيضاً: «إيّما مؤمن قدّم مؤمناً في خصومة الى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم»(5).
وعن أبي بصير عنه (ع) قال: « أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراتٌ في حقّ فدعاه الى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه الى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عزّ وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُروا بِهِ)(6).
وعن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبدالله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعةٌ في دَين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاءَ أيحل ذلك ؟ فقال: «من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم الى طاغوت وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُروا بِهِ)»(7).
وفي توجيه آخر، حرّم أيضاً التعاون مع الأنظمة الجائرة، فمن توصياته بهذا الخصوص ، قوله (ع): «إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد»(8).
وقال (ع) : «لا تُعِنْهم ـ أي حكّام الجّور ـ على بناء مسجد»(9).
وقال (ع) لبعض أصحابه: «يا عذافر نُبئت أنّك تعامل أبا أيوب والربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ؟ ! ! »(10).
وعن عليّ بن حمزة، قال كان لي صديقٌ من كتّاب بني اُمية فقال لي: استأذن لي على أبي عبدالله (ع) فاستأذنت له، فلما دخل سلّم وجلس، ثم قال: جُعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً، وأغمضت في مطالبه.
فقال أبو عبدالله (ع): «لو أنّ بني اُمية لم يجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم الفيء(11) ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم، ما وجدوا شيئاً إلاّ وقع في أيديهم». فقال الفتى : جُعلت فداك فهل لي من مخرج منه ؟
قال: إن قلت لك تفعل ؟ قال: أفعل، قال: «اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومَن لم تعرف تصدّقت به»(12).
النشاط الثاني: مارس فيه التثقيف على الصيغة السياسية السليمة، من خلال تبيان موقع الولاية المغتصب واستخدم الخطاب القرآنيّ في هذا المجال، الذي حاولت فيه المدارس الفكرية الأُخرى، تجميد النصّ بحدود الظاهر. فقد علّق(ع) على قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(13).
بأنّ الله عزّ وجلّ اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيّاً، وأنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً، وأنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وأنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً).
قال (ع): «فَمِنْ عِظَمِها ـ أي الإمامة ـ في عين إبراهيم (ع) قال: ومن ذرّيتي ؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: لا يكون السفيه إمام التقي»(14).
كما فسّر (ع) قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)(15) بأنّ الصبغة هي الإسلام(16)، وفي قول آخر عنه (ع) بأنّ الصبغة هي صبغ المؤمنين بالولاية ـ يعني الولاية لإمام الحقِّ. أمير المؤمنين(ع) ـ في الميثاق(17).
وعلّق العلاّمة الطباطبائي على ذلك بقوله: وهو من باطن الآية(18).
كما نجده(ع) يتحدث عن الإمام امير المؤمنين، ويذكّر الناس بحديث الغدير، ذلك الحدث السياسيُّ الخطير في حياه الاُمّة، ويذكّرهم به لئلا يتعرّض هذا الحدث للنسيان والإلغاء . قال في حقِّ عليٍّ (ع): «المدعو له بالولاية المثبت له الإمامة يوم غديم خم، بقول الرسول((صلى الله عليه وآله)) عن الله عزّ وجلّ: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلىٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأعن من أعانه(19).
وعندما التقى وفدٌ من المعتزلة في مستوىً رفيع، ضمّ أعلامهم ورؤوسهم فكان من بينهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم، وذلك بعد قتل الوليد واختلاف أهل الشام، وقد أجمع رأي المعتزلة على محمّد ابن الحسن للخلافة الإسلامية، وبعد أن أسندوا أمرهم في الرأي الى زعيمهم الروحي عمرو بن عبيد، ودار حوار طويل بينه وبين الإمام خاطبه الإمام قائلاً: «يا عمرو لو أنّ الاُمة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال، ولا مؤنة فقيل لك: ولِّها من شئت، من كنت تولّي؟»
وبادر عمرو فقال: أجعلها شورى بين المسلمين.
قال: «بين كلهم؟» قال: نعم. قال: «بين فقهائهم وخيارهم؟» قال نعم... قال: «قريش وغيرهم؟» قال: قال له: العرب والعجم؟
قال (ع): أخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر؟ أو تتبرّأ منهما؟ قال: أتولاّهما.
فقال له الإمام (ع): «يا عمرو إن كنت رجلاً تتبرّأ منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما، وإنت كنت تتولاّهما فقد خالفتهما . فقد عهد عمر الى أبي بكر فبايعه ، ولم يشاور أحداً، ثم ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور احداً، ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فأخرج منها الأنصار غير اُولئك الستة من قريش، ثم أوصى الناس فيهم ـ أي في الستة الذين انتخبهم ـ بشيء ما أراك ترضى أنت ولا أصحابك به.
وسأل عمرو الإمام (ع) عما صنع عمر قائلاً: ما صنع ؟
قال الإمام (ع): «أمر صهيباً أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاور أُولئك الستّة ليس فيهم أحد سواهم إلاّ ابن عمر، ويشاورونه ، وليس له من الأمر شيءٌ، وأوصى من كان بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيّام ولم يفرغوا ويبايعوا ، أن تضرب أعناق الستة جميعاً وإن اجتمع أربعةٌ قبل أن يمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين.. أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى بين المسلمين؟»(20).
2 ـ المحور الثقافي والفكري:
أـ مواجهة التيارات الإلحادية :
ومن الخطوات التي خطاها الإمام (ع) هي مواجهة الأفكار الإلحادية سابقة الذكر، حيث ناقشها بعدة أساليب حتى استفرغ محتواها ووقف أمام تحقيقها لأهدافها .
نختار نماذج من تحرّك الإمام ونشاطه في هذا المجال .
1 ـ جرت بين الإمام وأحد أقطاب حركة الكفر والإلحاد (أبو شاكر الديصاني ) عدة مناظرات أفحمه الإمام فيها، وأبطل مزاعمه الواهية وكان من بينها المناظرة التي وجّه فيها أبو شاكر السؤال التالي للإمام (ع) : قائلاً: ما الدليل على أنّ لك صانعاً ؟
فأجابه الإمام (ع) : « وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين : إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري. فإن كنت صنعتها فلا أخلو من أحد معنيين : إمّا أن أكون صنعتها وكانت موجودةً فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومةً فإنك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث: أنّ لي صانعاً وهو ربّ العالمين»(21).
2 ـ دخل الديصاني على الإمام الصادق (ع) فقال له : يا جعفر بن محمّد دُلّني على معبودي . . . وكان الى جانب الإمام غلام بيده بيضة فأخذها منه ، وقال له : « يا ديصاني هذا حصنٌ مكنونٌ له جلدٌ غليظٌ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبةٌ مائعة وفضّةٌ ذائبةٌ فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارجٌ مصلحٌ فيخبر عن صلاحها ، ولا دخل فيها داخلٌ مفسدٌ فيخبر عن فسادها ، لا يُدرى للذكر خُلقت أم للانثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى لها مدبّراً ؟ » .
وأطرق الديصاني مليّاً الى الأرض ، وأعلن التوبة والبراءة ممّا قاله(22).
3 ـ ووفد زنديقٌ آخرُ على الإمام (ع) وهو من الزنادقة البارزين في عصر الإمام الصادق (ع) وقد قدّم للإمام عدة مسائل حسّاسة فأجاب عنها الإمام(ع) نذكر بعضاً منها :
1 ـ سأله : كيف يعبد اللهَ الخلقُ ولم يروه ؟
فأجابه (ع) : « رأته القلوب بنور الإيمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته»(23).
ويتضمّن جواب الإمام (ع) بعض الأدلة الوجدانية على وجود الخالق من خلقه للمجرّات في الفضاء، والتي لا تعتمد على شيء سوى قدرة الله تعالى. ثمّ إنّ العقول الواعية والقلوب المطمئنّة بالإيمان هي التي ترى الله بما تبصره من بدائع مخلوقاته ، إذ الأثر يدلّ على المؤثّر والمعلول يدلّ على علّته.
2 ـ وسأله : من أين أثبت أنبياءَ ورسلاً ؟
فأجاب (ع) : « إنا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً ، صانعاً ، متعالياً عنّا، وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، وعبّاداً يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم. فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أنّ له معبّرين هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقال الرسول ووجود عدالته.
وأضاف الإمام الصادق (ع) قائلاً : « نحن نزعم أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ولا تكون الحجّة إلاّ من عقب الأنبياء وما بعث الله نبياً قطّ من غير نسل الأنبياء ، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقاً منيراً، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيّباً، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم، لأنّ الله عزّوجلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه، فمن كان خازن علم الله ، وأمين غيبه، ومستودع سرّه، وحجّته على خلقه، وترجمانه ولسانه لا يكون إلاّ بهذه الصفة، فالحجّة لا تكون إلاّ من نسلهم، يقوم مقام النبي ((صلى الله عليه وآله)) في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلاً ممّا في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وانّهم إن أقرّوا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقرّ الناس به، ولا يطيعوا له، أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسولٌ ولا نبيٌّ قط لم تختلف اُمّته من بعده»(24).
3 ـ وسأله : ما يصنع بالحجة إذا كان بهذهِ الصفة؟
فأجابه (ع) : «يُقتدى به ، ويخرج عنه الشيء بعد الشيء، مكانه منفعة الخلق، وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم»(25).
وبهذا المستوى من الحوار وعمقه، يستمرّ الإمام(ع) في أجوبته العملاقة حتى تصل الأسئلة والأجوبة الى خمسة وتسعين(26) ، ونظراً لسعتها اقتصرنا على الثلاثة الاُول منها .
ب ـ مواجهة تيار الغلوّ
لقد كان موقف الإمام الصادق(ع) من تيّار الغلوّ وحركة الغلاة حازماً وصارماً، فقال لسدير: «يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براءٌ، برئ الله منهم ورسوله ما هؤلاء على ديني ودين آبائي والله لا يجمعني وإيّاهم يومٌ إلاّ وهو عليهم ساخطٌ»(27).
وقال ميسرة : ذكرت أبا الخطّاب عند أبي عبدالله (ع) وكان متكأً فرفع إصبعه الى السماء ثم قال: «على أبي الخطّاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فأشهد بالله أنّه كافرٌ فاسقٌ مشركٌ، وأنه يحشر مع فرعون في أشدّ العذاب غدواً وعشيّاً، ثم قال : والله والله إنّي لأنفس على أجساد أصيبت معه النار»(28).
وقال عيسى بن أبي منصور : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول ـ وقد ذكر
أبا الخطّاب ـ : «اللّهم العن أبا الخطّاب فإنه خوّفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي اللّهم
أذقه حر الحديد»(29).
وكان موقفه (ع) صلباً أمام هذه الطائفة الخطيرة على الإسلام ، وما كان ليستريح طرفة عين حتى أحبط مؤامرتها وما ضمّته من الحقد اليهودي ودسائسه التاريخية على الإسلام، ولو كان قد تراخى وفتر عنها لحظة لكانت تقصم ظهر التشيع .
ونلمس في الروايتين التاليتين حرقة الإمام وألمه الشديد ومخافته من تأثيرهذه الدعوة الضالّة على الاُمّة وشعارها المزيّف بحبّها لأهل البيت((عليهم السلام))، فعن عنبسةَ بن مصعب قال : قال لي أبو عبدالله (ع): «أي شيء سمعت من أبي الخطاب ؟» قلت: سمعته يقول : إنّك وضعت يدك على صدره وقلت له: عه ولا تنسَ. وأنت تعلم الغيب. وأنك قلت هو عيبة علمنا وموضع سرّنا أمين على أحيائنا وأمواتنا.
فقال الإمام الصادق : «لا والله ما مسّ شيءٌ من جسدي جسده، وأما قوله أني قلت : إني اعلم الغيب فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم الغيب(30) ولا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحبّائي إن كنت قلت له ! وأمّا قوله إني قلت: هو عيبة علمنا وموضع سرّنا وأمين على أحيائنا وأمواتنا فلا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له من هذا شيئاً من هذا قط»(31).
وقال الإمام (ع) لمرازم : «قل للغالية توبوا الى الله فإنكم فسّاقٌ كفّارٌ مشركون».
وقال (ع) له: «إذا قدمت الكوفة فأتِ بشّار الشعيري وقل له: يقول لك جعفر بن محمّد : يا كافر يا فاسق أنا بريءٌ منك . قال : مرازم فلمّا دخلت الكوفة قلت له: يقول لك جعفر بن محمّد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريءٌ منك. قال بشار: وقد ذكرني سيدي؟! قلت: نعم ذكرك بهذا. قال: جزاك الله خيراً»(32).
لاحظ الخبث وطول الأناة وعمق التخطيط، حيث يذهب هذا الخبيث ليلتقي بالامام (ع) بعد كلِّ الذي سمعه. ولما دخل بشار الشعيري على لإمام (ع) قال له: «اُخرج عني لعنك الله والله لا يظلّني وإيّاك سقفٌ أبداً. فلمّا خرج، قال(ع) : ويله ما صغّر الله أحداً تصغير هذا الفاجر ، إنّه شيطانٌ خرج ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه ، وليبلّغ الشاهدُ الغائب إني عبدالله وابن أمته ضمّتني الأصلاب والأرحام وإنّي لميّتٌ ومبعوثٌ ثم مسؤولٌ»(33).
ج ـ طرح المنهج الصحيح لفهم الشريعة:
إنّ الإمام الصادق(ع)، في الوقت الذي كان يواجه هذه التيارات الإلحادية الخطيرة على الاُمّة كان مشغولاً أيضاً بمواجهة التيّارات التي تتبنّى المناهج الفقهية التي تتنافى مع روح التشريع الإسلامي، والتي تكمن خطورتها في كونها تُعرّض الدين الى المحق الداخلي والتغيير في محتواه، من هنا كان الإمام(ع) ينهى أصحابه عن العمل بها حتّى قال لأبان: «يا أبان! إنّ السُنة إذا قيست محق الدين»(34).
وكان للإمام نشاطٌ واسعٌ لإثبات بطلان هذه المناهج وبيان عدم شرعيتها.
لقد كان أبو حنيفة يتبنّى مذهب القياس، ويعمل به كمصدر من مصادر التشريع في استنباط الأحكام ، لكنّ الإمام(ع) كان ينكر عليه ذلك ويبيّن له بطلان مذهبه.
وإليك بعض المحاورات التي جرت بينه وبين الإمام(ع) :
ذكروا أنه وفد ابن شبرمة مع أبي حنيفة على الإمام الصادق (ع) فقال لابن شبرمة: «مَن هذا الذي معك؟»
فأجابه قائلاً : رجلٌ له بصرٌ، ونفاذٌ في أمر الدين.
فقال له (ع) : « لعله الذي يقيس أمر الدين برأيه ؟» فأجابه: نعم.
والتفت الإمام (ع) الى أبي حنيفة قائلاً له: «ما اسمك ؟» فقال: النعمان.
فسأله (ع) : «يا نعمان ! هل قست رأسك ؟»
فأجابه : كيف أقيس رأسي؟.
فقال له (ع) : « ما أراك تحسن شيئاً. هل علمت ما الملوحة في العينين ؟ والمرارة في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين؟» .
فبهر أبو حنيفة وأنكر معرفة ذلك ووجّه الإمام إليه السؤال التالي: « هل علمت كلمة أوّلها كفرٌ، وآخرها إيمانٌ؟» فقال: لا .
والتمس أبو حنيفة من الإمام أن يوضّح له هذه الاُمور فقال له (ع) : «أخبرني أبي عن جدّي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أ نّه قال: إنّ الله تعالى بفضله ومنّه جعل لابن آدم الملوحة في العينين ليلتقطا ما يقع فيهما من القذى ، وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً من الدوابّ فإذا دخلت الرأس دابّةٌ، والتمست الى الدماغ ، فإن ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الله البرودة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لانتن الدماغ ، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد لذة استطعام كلٌّ شيء»(35).
والتفت أبو حنيفة الى الإمام (ع) قائلاً : أخبرني عن الكلمة التي أوّلها كفرٌ وآخرها إيمانٌ؟
فقال له (ع) : «إن العبد إذا قال: لا إله فقد كفر فإذا قال إلاّ الله فهو الإيمان»(36).
وأقبل الإمام على أبي حنيفة ينهاه عن العمل بالقياس حيث قال له: « يا نعمان حدثني أبي عن جدي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إنه قال : أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال له الله تعالى : اسجد لآدم فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين) »(37).
والتقى أبو حنيفة مرّةً اُخرى بالإمام الصادق (ع) فقال له الإمام : « ما تقول في مُحرم كسر رباعية ظبيٍّ؟».
فأجابه أبو حنيفة: ياابن رسول الله ما أعلم ما فيه .
فقال له (ع) : « ألا تعلم أن الظبيَّ لا تكون له رباعيةٌ، وهو ثنيٌ أبداً ؟!»(38).
ثم التقى أبو حنيفة مرّة ثالثة بالإمام الصادق ، وسأله الإمام (ع) عن بعض المسائل ، فلم يجبه عنها.
وكان من بين ما سأله الإمام هو : « أيّهما أعظم عند الله القتل أو الزنا ؟» فأجاب: بل القتل.
فقال (ع) : « كيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرضَ في الزنا إلاّ بأربعة؟»
وهنا لم يمتلك أبو حنيفة جواباً حيث ردّ الإمام قياسه بشكل واضح.
ثم وجّه الإمام (ع) الى أبي حنيفة السؤال التالي : «الصلاة أفضل أم الصيام؟» فقال: بل الصلاة أفضل .
فقال الإمام (ع) : « فيجب ـ على قياس قولك ـ على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله تعالى قضاء الصوم دون الصلاة؟!»(39).
وبهذا أراد الإمام أن يثبت لأبي حنيفة أنّ الدين لا يُدرك بالقياس والاستحسان. ثم أخذ الإمام يركّز على بطلان مسلكه القياسيّ فوجّه له سؤالاً آخر هو : « البول أقذر أم المني ؟» فقال له : البول أقذر .
فقال الإمام (ع) : « يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول; لأنه أقذر، دون المنيّ ، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول»(40).
ثم استأنف الإمام (ع) حديثه في الردّ عليه قائلاً: « ما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج ، وزوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بأمرأتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا وجعلا إمرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتلت المرأتان ، وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك ؟ وأيّهما المملوك وأيّهما الوارث ؟ وأيّهما الموروث؟»(41).
وهنا أيضاً صرح أبو حنيفة بعجزه قائلاً : إنما أنا صاحب حدود .
وهنا وجّه اليه الإمام السؤال التالي : « ما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، وقطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ ؟».
واعترف مرةً اُخرى بعجزه فقال: أنا رجلٌ عالمٌ بمباعث الأنبياء...
وهنا وجّه له الإمام السؤال التالي: « أخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما الى فرعون (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(42) ـ ولعلّ منك شكّ ؟) فقال: نعم. فقال له الإمام (ع) : « وكذلك من الله شكّ إذ قال : لعله ؟ ! » فقال : لا علم لي(43).
وأخذ الإمام باستفراغ كل ما في ذهن أبي حنيفة من القياس قائلاً له : « تزعم أنك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس، وأوّل من قاس إبليس لعنه الله ولم يُبنَ دينُ الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأيٍّ، وكان الرأي من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) صواباً ومن دونه خطأً، لأنّ الله تعالى قال: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَرَاكَ اللّهُ)(44) ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدود، ومن أُنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء، وخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك .
لولا أن يقال دخل على إبن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء. فقس إن كنت مقيساً.
وهنا قال أبو حنيفة للإمام (ع) : لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
وأجابه الإمام (ع) : كلاّ إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك »(45).
وهكذا وقف الإمام (ع) موقفاً لا هوادة فيه ضدّ هذه التوجّهات الخطيرة على الإسلام، فكثّف من نشاطه حولها، ولاحق العناصر التي كانت تتبنّى هذه الأفكار الدخيلة ليغيّر من قناعاتها .
ونجد للإمام (ع) موقفاً مع ابن أبي ليلى وهو القاضي الرسمي للحكومة الاُموية وكان يُفتي بالرأي قبل أبي حنيفة وقد قابل الإمام الصادق (ع) وكان معه سعيد بن أبي الخضيب فقال (ع) : « من هذا الذي معك ؟» قال سعيد : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين(46).
فسأله الإمام (ع) قائلاً : «تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتفرّق بين المرء وزوجه ولا تخاف في هذا أحداً ؟!» قال: نعم .
قال : «بأيّ شيء تقضي ؟» قال: بما بلغني عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعن أبي بكر وعمر.
قال: فبلغك أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قال: « أقضاكم عليّ بعدي؟» قال : نعم قال: « كيف تقضي بغير قضاء عليّ ، وقد بلغك هذا ؟»
وهكذا عرف ابن أبي ليلى أنه قد جانب الحقّ فيما حكم وأفتى به.
ثم قال له الإمام (ع) : « التمس مثلاً لنفسك ، فوالله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً»(47).
وقال نوح بن درّاج(48) لابن أبي ليلى : أكنت تاركاً قولاً قلته أو قضاء قضيته لقول أحد؟ قال: لا ، إلاّ رجلٌ واحدٌ، قلت : مَنْ هو ؟ قال: جعفر بن محمّد (ع)(49).
د ـ مواجهة التحريف والاستغلال السياسي للقرآن ومفاهيمه:
قام الإمام الصادق(ع) بحماية القرآن وصيانته من عملية التوظيف السياسيّ التي تجعل النصّ القرآنيّ خادماً لأغراض سياسيّة مشبوهة تحاول إسباغ طابع شرعيٍّ على الحكم الظالم، وشلِّ روح الثورة، وإطفاء روح المقاومة في نفوس الاُمّة، وبالتالي اسقاط شرعيّة القوى الرافضة لهذهِ النظم الظالمة، حتى قيل في تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ)(50).
أنّها قد نزلت في عليّ بن أبي طالب(ع)(51).
كما زيّف الإمام(ع) النظرة الجامدة للنصّ القرآنيِّ والتي تحاول تعطيله عن المواكبة للواقع المتغيّر والمتطور وحبسه في حدود الظاهر، ولم يسمح بالتأويل الباطنيّ الفاسد . كما قاوم بعنف التفسير الذي يعتمد الرأي بعيداً عن الأحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته المعصومين ((عليهم السلام)).
قال (ع) : « من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه»(52).
قال(ع): « الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمة من بعده »(53). وقال أيضاً: «نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله »(54) وجاء عن زيد بن معاوية عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قول الله عزّوجلّ : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(55)، «فرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أفضل الراسخين في العلم قد علّمه الله عزّوجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه»(56).
وجاء عنه (ع) في تفسير قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(57)، «أ نّهم هم الأئمة »(58) .
ودخل عليه الحسن بن صالح بن حيّ فقال له : يابن رسول الله ! ما تقول في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(59)؟ من اُولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ؟ قال: «العلماء».
فلما خرجوا قال الحسن : ما صنعنا ! ألا سألناه من هؤلاء العلماء ؟!
فرجعوا إليه، فسألوه فقال: « الأئمة منّا أهل البيت »(60).
لقد ثبّت (ع) بأن فهم القرآن لا يتمّ إلاّ بالرجوع الى ما جاء عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته ((عليهم السلام)) لأنه يضمن الفهم الصحيح لنصوص القرآن الكريم.
كما أنّه فتح آفاقاً جديدةً لفهم القرآن وعلومه، وأحكامه، فحدّد المحكم والمتشابه، والتأويل والتفسير، والمطلق والمقيّد والجري والانطباق ... الى غيرها من شؤون القرآن الكريم.
3 ـ المحور الروحي والأخلاقي:
لاحظ الإمام الصادق (ع) تأثير موجات الانحراف الفكريّ والسياسيّ على الاُمّة ومدى إفسادها لعقول الناس، وما لعبته سياسة الاُمويين من خلق أجواء ملائمة لطغيان النزعات الإلحادية والقبلية حتى عمّ الانفلات الأخلاقي، كما كثر في زمانه (ع) رفع شعار الورع والتقوى. كل ذلك أفقد الاُمّة قيمها وأبعدها عن الأخلاق التي أمر بها الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأرادها لاُمّته .
من هنا كان دور الإمام (ع) وتوجّهه الروحي والأخلاقي مع الاُمة في عدّة أبعاد:
البعد الأوّل : كونه (ع) القدوة الصالحة والمثال الواقعيّ الذي تتجسّد في شخصه أخلاق الرسالة; مما يكون موقعاً لإشعاع الفضيلة ونموّها، ويكشف من جانب آخر زيف الأنانيّة ونزعات الذات.
البعد الثاني : تقديم مجموعة من الوصايا والرسائل والتوجيهات التربويّة والأخلاقيّة التي عالج من خلالها الخواء الروحيّ والانحراف الأخلاقيّ الذي نما في سنوات الانحراف .
أما في البعد الأوّل فنجد الإمام(ع) كان يدعو الناس الى الفضيلة برفق ولين، ويجادلهم بالتي هي أحسن، وكان يسمح للسائلين بطرح أسئلتهم مهما كانت، وكان يوضّح لهم ما كان غامضاً عليهم.
كما كان لا يقبل من مقرّبيه أن يتشدّدوا بدعوتهم، حيث كان يقول لهم: « لأحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون، وما يدخل به الأذى علينا، أن تأتوه فتؤنّبوه وتُعذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً » فقال له بعض أصحابه إذاً لا يقبلون منّا، قال: «اهجروهم واجتنبوا مجالسهم»(61).
فالإمام هنا يوصي العالم من أصحابه أن لا يتخلى عن رسالته في إرشاد الإنسان الجاهل المنتمي الى مدرسة أهل البيت ((عليهم السلام)) بحجة تماديه وجرأته بارتكاب المخالفات، مما يعكس الوجه السلبيَّ لاتّباع الإمام فيؤذي دعاة الإصلاح.
ففي نظر الإمام (ع)، لا يجوز تركه وإهماله، إلاّ بعد اليأس من إصلاحه وازالة الشك من ذهنه .
البعد الثالث: وكان يحرص على شدّ أواصر المجتمع الإسلامي وإشاعة الفضيلة بين الناس، ليقضي على العداوة والبغضاء، فكان (ع) يدفع الى بعض أصحابه من ماله ليصلح بين المتخاصمين على شيء من حطام الدنيا من أجل القضاء على المقاطعة والهجران، لئلاّ يدفعهم التخاصم الى الترافع لحكّام الجور، والذي كان قد نهى (ع) عنه .
قال سعيد بن بيان: مرّ بنا المفضّل بن عمر وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا: تعالوا الى المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى اذا استوثق كل واحد منّا من صاحبه قال المفضّل: أما إنها ليست من مالي، ولكنّ أبا عبدالله (ع) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من مال أبي عبدالله (ع)(62).
وهذا الاُسلوب يأتي كخطوة عمليّة ترفد ذاك التوجيه الذي تضمّن حرمة الترافع إلى حكّام الجور .
وكان (ع) يحثّهم على صلة الرحم، ومن حسن سيرته ومكارم أخلاقه أنّه كان يصل من قطعه ويعفو عمّن أساء إليه ، كما ورد أنه وقع بينه وبين عبدالله بن الحسن كلام ، فأغلظ عبدالله في القول ثم افترقا وذهبا الى المسجد فالتقيا على الباب فقال الصادق (ع) لعبد الله بن الحسن : كيف أمسيت يا أبامحمّد ؟ فقال عبدالله: ـ بخير ( كما يقول المغضب ) ـ . قال الصادق (ع): «يا أبا محمّد أما علمت أنّ صلة الرحم تخفّف الحساب؟» ! ثمّ تلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)(63). فقال عبدالله : فلا تراني بعدها قاطعاً رحماً(64). فكان يصل رحمه ويبذل لهم النصح، كما كان يصل الفقراء في اللّيل سرّاً وهم لا يعرفونه.
قال هشام بن الحكم ((رحمه الله)) كان أبو عبدالله إذا أعتم وذهب الليل شطره ، أخذ جراباً فيه خبزٌ ولحمٌ ودراهمٌ فحمله على عنقه ثمّ ذهب الى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم، وهم لا يعرفونه وما عرفوه حتى مضى الى الله تعالى(65).
وقال مصادف : كنت مع أبي عبدالله (ع) ما بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة، وقد ألقى بنفسه ، فقال (ع) : «مِلْ بنا الى هذا الرجل فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه العطش». فملنا إليه فإذا هو رجلٌ من النصارى طويل الشعر، فسأله الإمام (ع): أعطشان أنت ؟ فقال: نعم، فقال الإمام (ع): «انزل يا مصادف فاسقه». فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا . فقلت له : هذا نصرانيٌّ، أفنتصدق على نصرانيٍّ؟ فقال : «نعم إذا كانوا بمثل هذه الحالة»(66).
وكان يرى (ع) أن الإعراض عن المؤمن المحتاج للمساعدة استخفاف به، والاستخفاف بالمؤمن استخفافٌ بهم ((عليهم السلام))، فقد كان عنده جماعةٌ من أصحابه فقال لهم : «ما لكم تستخفّون بنا؟!» فقام إليه رجلٌ من أهل خراسان فقال : معاذ الله أن نستخفّ بك أو شيء من أمرك ! فقال (ع) : «إنّك أحد من استخفّ بي».
فقال الرجل : معاذ الله أن أستخفّ بك!! فقال له (ع) : «ويحك ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك : إحملني قدر ميل فقد والله أعييت . فوالله ما رفعتَ له رأساً ، لقد إستخففت به ومن استخفّ بمؤمن فينا استخفّ وضيّع حرمة الله عزّوجلّ»(67).
أما البعد الثاني: فكما قلنا كان يتمثّل في مجموعة الوصايا والرسائل والمناظرات والتوجيهات التي عالج الإمام(ع) من خلالها الإخفاق الروحيَّ الذي كانت الاُمّة قد تعرّضت لإيصالها الى المستوى الإيمانيِّ الذي كانت تريده الرسالة.
فقد خاطب(ع) شيعته وأصحابه قائلاً: «فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفريٌّ، فيسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه، وعاره وقيل: هذا أدب جعفر...»(68).
وأراد الإمام(ع) أن يعزّز في نفوسهم صحة مذهبهم باعتباره يمثّل الخطَّ الإلهيَّ، فانتقد من جانب الاتّجاهات المنحرفة عن خطّ الرسالة وفتح أمامَ شيعته آفاقاً توجيهيّةً قائلاً: «أما والله ما أحدٌ من الناس أحبّ اليّ منكم وأن الناس قد سلكوا سُبلاً شتّى فمنهم من أخذ برأيه، ومنهم من اتّبع هواه، ومنهم من اتّبع الرواية، وأنكم أخذتم بأمر له أصلٌ فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة، أما يستحي الرجل أن يعرف جاره حقه، ولا يعرف حقّ جاره»(69).
كما أوصى أحد أصحابه بأن لا ينتقدوا من هو ضعيف الإيمان من بينهم، بل يجب شدّ أزره، وتقويم ضعفه، مادام قد اختار طريق الحقّ وذلك كما في قوله(ع) : «يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلاّ خيراً، واستكينوا الى الله في توفيقهم، وسلوا التوبة لهم، فكلُّ من قصدنا ووالانا، ولم يوال عدوّنا، وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة»(70) وتجد الإمام يغرس في أصحابه صفة التواضع التي من علاماتها السلام على كل من يلقاه، فإنّ ذلك يَنِّمُ عن سلامة النفس، واعتبر من التواضع ترك المناقشة العقيمة خصوصاً في المسائل العلمية، فيما إذا كانت تنطلق من الشعور بالتفوّق، واعتبر أيضاً من علامات التواضع أن لا يحب الشخص بأن يمتدح على ما يتمتع به من علم وأدب وتقوى، فإنّ حبّه لذلك حبٌّ للظهور والعظمة وليس من التواضع في شيء.
قال(ع): «من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلّم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقّاً، ولا تحبُّ أن تحمد على التقوى»(71).
وكان (ع) يوصي أصحابه بالتسليم للحق في الحوار أو النقد وعدم التأثر بالعصبية للقوم أو العشيرة أو المذهب، فيكون الإنحياز حائلاً دون سماع الحقيقة التي هي شعار أهل البيت((عليهم السلام)) فقال: «المُسلّمُ للحقّ أوّلُ ما يصل الى الله...»(72).
البعد الرابع: ومن الاُمور التربوية التي أكّدها الإمام (ع) في نفوس أصحابه ـ ليكونوا بالمستوى المطلوب من النضج والسلامة في التفكير
ولئلاّ تكون مشاريعهم وتخطيطاتهم عرضةً للفساد ـ هي الدعوة الى
التثبّت في الاُمور.
قال (ع) : « مع التثبّت تكون السلامة ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه»(73).
مواصلة بناء جامعة أهل البيت الإسلامية
لقد واصل الإمام الصادق (ع) تطويره للمدرسة التي أسّسها الأئمة ((عليهم السلام)) من قبله، وانتقل بها إلى آفاق أرحب، فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية ، لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الاُمّة آنذاك.
خصائص جامعة أهل البيت((عليهم السلام))
ومن خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع) واختلافها عن باقي المدارس ما يلي:
1 ـ أنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر الموالية فحسب، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات.
فهذا أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام (ع) حيث سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه(74) وعلى أصحابه وهو الذي أطلق على مؤمن الطاق اسم شيطان الطاق كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق(ع)، ويسأله عن كثير من المسائل، وقد روى عن الإمام الصادق(ع) وحدّث عنه واتّصل به في المدينة مدّة من الزمن، وناصر زيد ابن عليّ وساهم في الدعوة الى الخروج معه وكان يقول ضاهى خروج زيد خروج رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يوم بدر(75).
2 ـ انفتحت مدرسة الإمام (ع) على مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية، فاهتمّت بالقرآن والسنة والفقه والتاريخ والاُصول والعقيدة والكلام والفلسفة الإسلامية، كما اهتمّت بعلوم اُخرى مثل علم الفلك، والطبّ، والحيوان، والنبات، والكيمياء ، والفيزياء .
3 ـ لم تتّخذ مدرسة الإمام سلام الله عليه طابع الإنتماء الى الدولة الاُموية أو العبّاسية، ولم تتلوّث بسياسة الحاكمين، ولم تكن أداة لخدمة الحكّام، بل رأت الاُمة أنّ هذه المدرسة هي التي تحقّق لها تطلّعاتها; إذ كانت ترى على رأسها وريث النبوة وعملاق الفكر المحمّديّ الإمام أباعبدالله الصادق (ع) المعروف بمواقفه واستقامته، حتى لُقّب بالصادق لسموّ أخلاقه وعدم مساومته وخضوعه لسياسة الحكّام المنحرفين .
من هنا شكّلت مدرسته حصناً سياسياً وفكريّاً يلوذ به طلاّب الحقيقة ومَن كان يشعر بالمسؤولية ويريد التخلّص من التّيه الذي خلّفته التيارات الفكرية والسياسية المتضاربة في أهدافها ومساراتها .
4 ـ وتميّزت أيضاً جامعة الإمام الصادق (ع) بمنهجها السليم وعمقها الفكريّ ولم تكن اُطروحتها في الإعداد العلميّ مبتنيةً على حشو الذهن ، وإنّما كانت تعتمد الفكر والتعمّق والأصالة، ونموّ الكفاءات العلمية، وتعتبرها اُسساً مهمّة في المنهج العلمي والتربوي .
5 ـ انتجت هذه الجامعة رموزاً للعلم والتقوى والاستقامة، وعرفت بالعطاء العلميّ والدينيّ للاُمة، وبما أبدعته في تخصّصاتها العلمية، وما حققته من إنجازات على صعيد الدعوة والإصلاح بين الناس ، وأصبح الانتساب الى مدرسة الإمام (ع) مفخرةً للمنتسب، كما ناهز عدد طلاّبها الأربعة آلاف طالب.
6 ـ واتّسعت هذه المدرسة فيما بعد، وشكّلت عدّة فروع لها في الكوفة والبصرة، وقم، ومصر.
7 ـ إنّ الإمام (ع) لم يجعل من جامعته العلمية والجهد المبذول فيها نشاطاً منفصلاً عن حركته التغييرية وأنشطته الاُخرى، بل كانت جزءاً من برنامجه الإصلاحي ، لأنها كانت تساهم بحقٍّ في خلق المُناخ المناسب لبناء الفرد الصالح، وكانت إمتداداً واعياً ومؤثّراً في المسيرة العامّة للاُمّة فضلاً عن النتائج السياسية الإيجابية الخاصّة حيث نجد الكادر العلميّ الحاضر في مدرسة الإمام (ع) هو نفسه الذي يحضر في نشاطات الإمام الخاصّة .
8 ـ تميّزت مدرسة الإمام الصادق (ع) بالارتباط المباشر بمصدَرَي التشريع والمعرفة وهما (الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة) بنحو
لا مثيل له.
ومن هنا حرص الإمام الصادق (ع) على أن يحقّق من خلال مدرسته إنجازاً بخصوص تدوين الحديث والحفاظ على مضمونه، بعد أن كان الحديث قد تعرّض في وقت سابق للضّياع والتحريف والتوظيف السياسيّ المنحرف ، بسبب المنع من تدوينه. ولم يستجب الأئمّة المعصومون((عليهم السلام)) لقرار المنع بالرُّغم من كلّ الشعارات التي رفعت لتجعل الهدف من حظر تدوين الحديث هو الحفاظ على القرآن وسلامته من التحريف .
بينما كان الهدف البعيد من منع تدوين الحديث هو تغييب الحديث النبوي الذي كان يؤكّد ربط الاُمّة بأهل البيت ((عليهم السلام))، فاستهدف الحكّام صرف الناس عن أهل البيت ((عليهم السلام)); لأنّ الحديث حين كان يؤكّد الارتباط بهم، كان يحول بينهم وبين الإنسياق وراء كلّ ناعق سياسيٍّ أو حاكم جائر.
يقول الإمام الصادق (ع) : «... أما والله إنّ عندنا ما لا نحتاج الى أحد والناس يحتاجون إلينا . إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وخطَّه عليٌّ بيده صحيفةً طولها سبعون ذراعاً فيها كلّ حلال وحرام»(76).
وجاء عنه (ع) أنه قال : « علمنا غابرٌ، ومزبورٌ ونكت في القلوب ونقر في الأسماع وأن عندنا الجفر الأحمر، والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة ((عليها السلام)) وأنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه»(77).
9 ـ وتميزت أيضاً مدرسة الإمام (ع) بالاهتمام بالتدوين بشكل عامٍّ بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه .
فكان (ع) يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكد لهم ضرورة التدوين والكتابة، كما تجد ذلك في قوله (ع) : « إحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها»(78).
وكان يَشيدُ بنشاط زرارة الحديثيّ إذ كان يقول : «رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي»(79).
وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمّد بن مسلم، وبُريد العجلي: «لولا هؤلاء ما كان أحدٌ يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي(ع) على حلاله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والآخرة»(80).
وكان يأمر طلاّبه أيضاً بالتدارس والمباحثة، فقد قال للمفضّل بن عمر : «أكتب وبث علمك في إخوانك ، فإنْ متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم»(81).
وعلى هذا الأساس اهتمّ أصحابه بكتابة الأحاديث وتدوينها حتى تألّفت واجتمعت الاُصول الأربعمائة المعروفة(82)، والتي شكّلت المجاميع الحديثية الاُولى عند الشيعة الإمامية .
10 ـ وممّا تميزّت به مدرسة الإمام الصادق(ع)، هو إنماء الفكر الإسلامي وتطويره من خلال التخصص العلميّ في مختلف فروع المعرفة الإسلامية، وسوف نشير الى هذه الميزة بالتفصيل .
التخصّص العلمي في مدرسة الإمام (ع)
والتفت الإمام في تلك المرحلة لأهمّية الاختصاص ودوره في إنماء الفكر الإسلامي وتطويره ، وقدرته في استيعاب الطاقات الكثيرة الوافدة على مدرسته ، وبالتخصّص تتنوّع عطاءاته ، فيكون الإبداعُ أعمقَ نتاج وأكثر احتواء، لذا وجّه الإمام (ع) طلاّبه نحو التخصّصات العلمية، وتصدى بنفسه للإشراف فكان يعالج الإشكالات التي تُستجدُّ ، ويدفع مسيرة الحركة العلمية الى الأمام . ولا يمكن في هذا البحث أن نستوعب كلَّ هذه التخصّصات وإنّما نقتصر على ذكر بعض النماذج فيما يأتي :
أ ـ في الطب : سئل الإمام عن جسم الإنسان فقال (ع) : « إنّ الله خلق الإنسان على إثني عشر وصلاً وعلى مائتين وثمانية وأربعين عظماً، وعلى ثلاثمائة وستين عرقاً، فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه، والعظام تمسكه واللحم يمسك العظام والعصب تمسك اللحم، وجعل في يديه اثنين وثمانين عظماً في كل يد أحد وأربعون عظماً، منها في كفه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساعده إثنان، وفي عضده واحد، وفي كتفه ثلاثة، فذلك أحد وأربعون، وكذلك في الاُخرى، وفي رجله ثلاثة وأربعون عظماً، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساقه إثنان، وفي ركبتيه ثلاثة، وفي فخذه واحد وفي وركه إثنان وكذلك في الاُخرى، وفي صلبه ثماني عشرة فقارة وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع وفي وقصته ثمانية وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً وفي فيه ثمانية وعشرون عظماً أو اثنان وثلاثون عظماً »(83).
يقول الشيخ ميرزا محمّد الخليلي : ولعمري إنّ هذا الحصر والتعداد هو عين ما ذكره المشرّحون في هذا العصر، لم يُزيدوا ولم يُنقصوا(84).
وشرح الإمام الصادق (ع) كيفية دوران الدم في الجسم ولأوّل مرة في حديثه مع المفضّل بن عمر، وقد سبق بذلك العالم ( هارفي ) الذي عُرِفَ بأنه مكتشف الدورة الدموية .
قال (ع) : « فكّر يا مفضّل في وصول الغذاء الى البدن وما فيه من التدبير ، فإنّ الطعام يصير الى المعدة فتطبخه ، وتبعث بصفوه الى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها، قد جُعلتْ كالمصفى للغذاء ، لكيلا يصل الى الكبد منه شيءٌ فينكأها وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف، ثم إنّ الكبد تقبله فيستحيل فيها بلطف التدبير دماً، فينفذ في البدن كله، في مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تُهيّأ للماء حتى يطّرد في الأرض كلّها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول الى مغايض أعدّت لذلك فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى الى المرارة، وما كان من جنس السوداء جرى الى الطحال وما كان من جنس البلّة والرطوبة جرى الى المثانة فتأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن، ووضع هذه الأعضاء منه موضعها، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير»(85).
ب ـ في الوقاية الصحية: حذّر الإمام من الأمراض المعدية وأوصى بعدم الاختلاط بالمصابين بمثل مرض الجذامَ حيث قال فيه: « لا يكلّم الرجل مجذوماً إلاّ أن يكون بينهما قدر ذراع»(86)، وقد جاء في الطب الحديث أنّ ميكروب الجذام ينتشر في الهواء حول المصاب أكثر من مسافة متر.
وقال (ع) أيضاً : « كُلّ داء من التخمة »(87).
وقال (ع) : « اغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده »(88) فإنّ غسل اليدين قبل الطعام، تعقيمٌ من الجراثيم المحتملة، والغسل بعد الطعام يُعدّ من النظافة .
ج ـ علم الحيوان: قال (ع) في مملكة النمل : « انظر الى النمل واحتشاده في جمع القوت وإعداده فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحبّ الى زُبيتها(89) بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجدِّ والتشمير ما ليس للناس مثله. أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل، ثم يعمدون الى الحَبِّ فيقطعونه لكيلا ينبت فيفسد عليهم(90) فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف ثم لا يتخذ النمل الزُبية إلاّ في نشر من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها، وكلّ هذا منه بلا عقل، ولا روّية بل خَلقة خلق عليها لمصلحة من الله عزّوجلّ(91).
وتكلّم الإمام أيضاً في كلٍّ من علوم: النبات ، والفلك ، والكيمياء ، والفيزياء والعلاجات النباتية(92) كما تكلّم في الفلسفة، والكلام، ومباحث الإمامة،والسياسة، والمعرفة، والفقه، واُصوله والحديث، والتفسير، والتاريخ .
وتخصص من طلاّب الإمام (ع) في مباحث الكلام كلٌّ من: هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، ومؤمن الطاق ، ومحمّد بن عبدالله الطيّار، وقيس الماهر وغيرهم.
وتخصّص في الفقه واُصوله وتفسير القرآن الكريم : زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم، وجميل بن درّاج، وبريد بن معاوية، واسحاق بن عمّار وعبدالله الحلبي، وأبو بصير، وأبان بن تغلب ، والفضيل بن يسار، وأبو حنيفة، ومالك بن أنس، ومحمّد بن الحسن الشيباني، وسفيان بن عيينه، ويحيى بن سعيد، وسفيان الثوري. كما تخصّص في الكيمياء: جابر بن حيان الكوفي .
وتخصّص في حكمة الوجود: المفضّل بن عمر والذي أملى عليه الإمام الصادق (ع) كتابه الشهير المعروف ( بتوحيد المفضّل).
ونشط طلاب الإمام في نتاجاتهم كلاً حسب اختصاصه في التأليف والمناظرة، يدلُّ على ذلك ما جمعه السيد حسن الصدر عن مؤلّفات الشيعة في هذه الفترة وقد ذكر أنها وصلت الى ستة آلاف وستمائة كتاب(93).
وبرز في المناظرة: هشام بن الحكم وكان الإمام الصادق (ع) مسروراً بمناظرات هشامِ وحين استمع مناظراته مع زعيم المعتزلة ـ عمرو بن عبيد ـ وأخبره بانتصاره عليه قال له الإمام (ع): «يا هشام من علّمك هذا قال: يابن رسول الله جرى على لساني قال الإمام (ع): هذا والله مكتوبٌ في صحف إبراهيم وموسى»(94).
ومن الأهداف الكُبرى التي خطّط لها الإمام (ع) في مدرسته الى جانب الاختصاصات الاُخرى، هو تنشيط حركة الاجتهاد الفقهيّ الخاص، الى جانب التفقّه في الدين بشكل عام .
من هنا نجد تأصيل منهج الاجتهاد الفقهيّ، واستنباط أحكام الشريعة، قد تمثّل في الرسائل العلميّة التي دوّنها أصحابه في خصوص أُصول الفقه، وفي الفقه والحديث، والتي تميّزت بالاعتماد على مدرسة أهل بيت الوحي((عليهم السلام))، واتّخاذها أساساً للفقه والإفتاء دون الرأيِّ والاستحسان .
قال (ع) : « حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وحديث رسول الله قول الله عزّوجلّ »(95).
وقال (ع) : « إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا، لكنّا من الهالكين، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وأُصول علم عندنا نتوارثها كابرٌ عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم »(96).
وقد تكفّلت كتب اُصول الفقه بيان قواعد استنباط الأحكام ومناهجها وكيفية التعامل مع الأحاديث المدوّنة في عامة موسوعات الحديث واُصوله.
وعلّم طلاّبه كيفية استنباط الأحكام من مصادر التشريع كما علّمهم كيفية التعامل مع الأحاديث المتعارضة. قال(ع) فيما عارض القرآن: « ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرفٌ»(97) وقال أيضاً : « إنّ على كلِّ حقّ حقيقةً، وعلى كلِّ صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه »(98).
وفي حالة تعارض الأحاديث فيما بينها قال (ع) : « إذا ورد عليكم ديثٌ فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وإلاّ فالّذي جاءكم به أولى به»(99).
وقال (ع) : « إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن تفرّعوا »(100).
وفعلاً كان ذاك وقد ألّف تلاميذه من جمع الأحاديث والدروس التي كانوا يتلونها في مجلسه مجموعة من الكتب تعدّ بمثابة دائرة معارف للمذهب الشيعي أو الجعفري ويبلغ عددها في أيّام الإمام الحسن العسكري(ع) أربعمائة كتاباً(101).
فهشام بن الحكم والطاقي وزرارة وأبو بصير ومحمّد بن مسلم من نوابغ تلاميذ الإمام جعفر الصادق(ع) وهم في الحقيقة المرجع الأصلي لفقه المذهب الجعفري أو مذهب الشيعة وحكمته كان خلفاء الإمام جعفر الصادق يُعدَون مورداً فيّاضاً للإستفادة المذهبية والعلمية للشيعة(102).
الهوامش
(1) يَنبع حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر.
(2) الجدي : من أولاد المعز .
(3) الكافي : 2 / 242 ، وبحار الأنوار : 47/372 .
(4) وسائل الشيعة: 27/13 ح5 عن الكافي والفقيه والتهذيب.
(5) المصدر السابق: 27/11 ح 1 المصادر السابقة.
(6) وسائل الشيعة: 27/12 ح5، والآية (60) من سورة النساء.
(7) وسائل الشيعة: 27/13 ح4 عن الكافي والتهذيب. والآية: 60 من سورة النساء.
(8) وسائل الشيعة: 17/179 ح6 عن الكافيوالتهذيب.
(9) المصدر السابق: 17/180 ح8 عن التهذيب.
(10) المصدر السابق: 17/178 ح3 عن الكافي.
(11) الفيء : الخراج.
(12) الكافي: 5/106، والمناقب لابن شهر آشوب: 3/365، بحار الأنوار: 47/138 .
(13) البقرة (2): 124.
(14) الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: 1/276 .
(15) البقرة (2): 138.
(16) تفسير الصافي : 1/176.
(17) تفسير العياشي : 1/62.
(18) الميزان: 1/315.
(19) عوالم العلوم والمعارف : 15/3 ـ 270 ـ 271) و شواهد التنزيل : 1/187 والدر المنثور : 2/298 وفتح القدير : 3/57 وروح المعاني : 6/168.
وحديث الغدير حديث مروي بطرق شتى سنّية كانت أو شيعية وقد اعتمد المؤرخون على المصادر السنّية أكثر من غيرها. رواه البغوي في مصابيح السنّة 2: 204، وأخرجه الحاكم فى المستدرك 4: 109، وذكره العلاّمة السيد خير الدين أبي البركات نعمان الآلوسي في غالية المواعظ 2: 87 .
(20) بحار الأنوار: 47/213 ـ 216 عن الكافي: 3/554 والاحتجاج: 2/118 ـ 122.
(21) بحار الأنوار: 3/50 عن التوحيد للصدوق.
(22) اُصول الكافي : 1 / 80 ، والاحتجاج : 2 / 71 ـ 72 .
(23) الاحتجاج : 2/77 .
(24) الاحتجاج، الطبرسي: 2/78 .
(25) الاحتجاج للطبرسي : 2/77 ـ 78.
(26) الاحتجاج : 2/77 ـ 100 عن يونس بن ظبيان وعبدالدين سنان، ولم يسمّيا الزنديق ولم يرويا توبته!
(27) اُصول الكافي: 1 / 269 .
(28) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/585 .
(29) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/576 ح509 .
(30) والإمام(ع) هنا في مقام نفي العلم بالغيب الاستقلالي الذي يدّعيه الغلاة، لا العلم بالغيب الممنوح للنبي((صلى الله عليه وآله)) ولهم منه سبحانه .
(31) اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي): 2/580 كما تقدم في المصدر الأوّل .
(32) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/701 ح744.
(33) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/702 ح746 .
(34) بحار الأنوار : 104/405 عن المحاسن للبرقي، اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/702 .
(35) انظر علل الشرائع، الصدوق: 1/87 .
(36) في المصادر إنّ السائل هو الإمام(ع)، انظر علل الشرائع: 1/87، مناقب آل أبي طالب: 3/376، الاحتجاج، الطبرسي: 2/114 .
(37) اُصول الكافي: 1/58 ح 20 وعنه في بحار الأنوار : 47/226 ح 16 .
(38) مرآة الجنان : 1 / 304 ، ونزهة الجليس : 2 / 57، المصايد والمطارد لكشاجم: 202، ووفيات الأعيان 1: 212.
(39) الاحتجاج، الطبرسي: 2/116 .
(40) المصدر السابق .
(41) المصدر السابق.
(42) طه (20) : 44 .
(43) انظر الاحتجاج، الطبرسي: 2/117 .
(44) إشارة الى الآية 48 من سورة المائدة والآية (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ) .
(45) الاحتجاج للطبرسي : 2 / 110 ـ 117 .
(46) هو عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المتوفى سنة (148 هـ ) وليس هو عبدالرحمن بن أبي ليلى الأوسي الكوفي فإنّ الأخير من أصحاب الإمام عليّ(ع)، وهو من التابعين وقد ضربه الحجاج بن يوسف الثقفي بالسياط حتى أسودّت كتفاه حينما أمره بسبِّ عليٍّ وشتمه. راجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة حاشية رقم 1 / ص323 المجلد الثاني.
(47) الاحتجاج : 2 / 102 .
(48) نوح بن درّاج من أصحاب الإمام الصادق (ع) / تنقيح المقال : 3 / 275 وابن أبي ليلى هو محمّد بن عبدالرحمن مفتي الكوفة وقاضيها ، راجع سير اعلام النبلاء : 6 / 310 .
(49) حلية الاولياء : 3 / 193 .
(50) البقرة (2) : 204 ـ 205 .
(51) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 73 عن أبي جعفر الاسكافي : 240 .
(52) تفسير العياشي : 1 / 17 وعنه في تفسير الصافي : 1 / 21 .
(53) اُصول الكافي : 1 / 213 .
(54) المصدر السابق .
(55) آل عمران (3): 7 .
(56) اُصول الكافي لثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني : 1 / 213 .
(57) العنكبوت (29): 49 .
(58) تفسير الصافي : 1 / 12 .
(59) النساء (4) : 59 .
(60) بحار الأنوار : 47/29 .
(61) الكافي: 8/162 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 3 / 291 .
(62) اُصول الكافي : 2 / 209، تهذيب الأحكام: 6/312 ح46.
(63) الرعد (13): 21 .
(64) كشف الغمّة: 2/375 عن الجنابذي ، وعنه في بحار الأنوار : 47/274 .
(65) بحار الأنوار : 47/38 عن فروع الكافي: 4/8 .
(66) وسائل الشيعة : 6 / 285 الحديث 3 .
(67) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 296، الكافي، الكليني: 8/102 .
(68) اُصول الكافي: 2/636 وعنه في وسائل الشيعة: 12/5 ح 2، نهج السعادة: 8/32 .
(69) اُصول الكافي: 8/146 ح 121 .
(70) تحف العقول: 302 من وصيته(ع) .
(71) الكافي، الكليني: 2/123 .
(72) لم نجده في المصادر الروائية وغيرها.
(73) الخصال، الصدوق: 100 .
(74) راجع الفقرة ج (طرح المنهج الصحيح لفهم الشريعة) التابعة للمحور الثقافي والفكري صفحة (117) .
(75) حياة الإمام محمّد الباقر : 1 / 75 .
(76) بصائر الدرجات: 149.
(77) الإرشاد: 2/186 وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/396، والاحتجاج : 2/134، وبحار الأنوار: 47/26 وزادوا فيه : فسئُل عن تفسير هذا الكلام فقال : أما الغابر فالعلم بما يكون .
(78) الكافي : 1 / 52 .
(79) انظر: اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 1/348، والحديث هكذا: «رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي(ع)» .
(80) وسائل الشيعة : 8 / 57 ـ 59 .
(81) اُصول الكافي : 1 / 52 .
(82) وسائل الشيعة : 18 / 57 ـ 59 .
(83) المناقب : 4 / 256 ، وبحار الأنوار : 14 / 480 .
(84) طب الإمام الصادق (ع) : 3 .
(85) بحار الأنوار: 3/57 عن كتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي .
(86) وسائل الشيعة : 2 / 208 .
(87) بحار الأنوار : 63/336.
(88) المصدر السابق: 63/356
(89) الزبية ـ بضم فسكون ـ الزابية لا يعلوها ماء، جمعها زبى .
(90) اذا خشي النمل من الحبة المدخرة أن تنبت في الأرض فلقتها نصفين، وقد تفلق بعض الحبوب كحب الكزبرة الى أربعة أقسام لأن نصف الكزبرة أيضاً ينبت .
(91) التوحيد للمفضل : 66، وبحار الأنوار: 3/ 61 و 62 / 102 .
(92) راجع حياة الإمام الصادق للشيخ باقر شريف القرشي: 2/289 وما بعدها .
(93) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 288 .
(94) راجع الاحتجاج : 2 / 125 ـ 128 .
(95) أُصول الكافي : 1 / 53 ـ 58 .
(96) بصائر الدرجات : 300 .
(97) الوسائل : 18 / 78 .
(98) اصول الكافي : 1 / 69 .
(99) المصدر السابق .
(100) بحار الأنوار : 2/245 ح 53.
(101) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة المجلد الأوّل.
(102) رسالة الإسلام العدد 4 السنة السادسة من مقال الأُستاذ صادق نشأت الأُستاذ بكلية الآداب، القاهرة.