حين تولّى الحكم أبو جعفر المنصور بعد أخيه أبي العباس السفّاح سنة (136 هـ ) عبّر عن مكنون حقده على الإمام الصادق (ع) وصحبه من العلويين وغيرهم، وقال عنه المؤرّخون: وكان المنصور خدّاعاً لا يتردّد في سفك الدماء وكان سادراً في بطشه مستهتراً في فتكه(1).
ووصفه ابن هبيرة وهو أحد معاصريه بقوله: مارأيت رجلا في حرب أو سلم أمكر ولا أنكر ولا أشدّ تيقّظاً من المنصور(2).
لقد بادر المنصور إلى قتل أبي مسلم الخراساني الذي كان يبغضه، وأبو مسلم هو القائد الأوّل للإنقلاب العبّاسي، وذلك بعد أن أعدّ له المنصور مكيدة وأغراه بالمجيء إلى بغداد . وجرّده من جميع مناصبه العسكرية.
ولمّا دخل أبو مسلم الخراساني على المنصور قابله بقساوة بالغة وأخذ يعدّد عليه أعماله وأبو مسلم يعتذر عن ذلك .
ثمّ صفّق المنصور عالياً حسب الاتّفاق مع حرّاسه لتكون الصفقة بمثابة ساعة الصفر ، فدخل الحرّاس وبأيديهم السيوف فقال : أبو مسلم للمنصور متوسّلا استبقني لعدوّك. فصاح به: وأيّ عدو أعدى لي منك ؟!
وبمثل هذا الاُسلوب أيضاً قد غدر بعمّه عبد الله بن عليّ حيث أرسل عليه بعد أن أعطاه الأمان ثم قتله بعد ذلك(3) .
أما مخطّطه الخبيث ضدّ الإمام الصادق(ع) ونهضته الإسلاميّة بشكل عامٍّ فقد أخذ ثلاثة اتّجاهات:
الإتّجاه الأوّل :
اتّخذ المنصور في هذا الاتّجاه اُسلوباً مرناً محاولا فيه الاستفادة من جهد الإمام (ع) واحتوائه ضمن سياسة الخلافة العبّاسية فقد كتب إليه: «لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟
فأجابه الإمام (ع): «ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة مانرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّـئك بها ولا تراها نقمةً فنعزّيك بها ، فما نصنع عنك !؟»
فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا .
فأجابه (ع): «من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك».
قال : المنصور : والله لقد ميّز عندي منازل الناس ، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة وإنه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا(4).
ومن أساليب المنصور مع الإمام(ع) في هذا الاتّجاه ما جاء عن عبد الوهّاب عن أبيه حيث قال :
بعث أبو جعفر المنصور إلى أبي عبد الله جعفر بن محمّد(ع) وأمر بفرش فطرحت له إلى جانبه ، فأجلسه عليها ثم قال عليَّ بمحمّد، عليَّ بالمهديّ. فأقبل المنصور على جعفر (ع) فقال : يا أبا عبد الله حديث حدّثتنيه في صلة الرحم ، اذكره، يسمعه المهدي .
قال : نعم ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ (ع) قال، قال رسول الله((صلى الله عليه وآله وسلم)) : «إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيرها الله عزّ وجّل ثلاثين سنة ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة ، فيصيرها الله ثلاث سنين» ثم تلا(ع): (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(5) .
قال : هذا حسن يا أبا عبد الله ، وليس إيّاه أردت، قال أبو عبد الله (ع): نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ(ع) قال : قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «صلة الرحم تعمّر الديار وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها غير أخيار».
قال هذا حسن يا أبا عبد الله ، وليس هذا أردت .
فقال أبو عبد الله (ع): «نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ (ع) قال، قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): صلة الرحم تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء ».
قال المنصور : نعم إيّاه أردت(6) .
إنّ السلاطين يخافون الموت ، فالإمام (ع) ركّز على هذه الناحية وربطها بصلة الرحم لتعالج الحقد والكيد الذي يشغل ذهن المنصور ضدّ الإمام والعلويين من أهل بيته ، لذا أكّد (ع) عن طريق الأحاديث بأن طول العمر يرتبط بصلة الرحم .
الإتّجاه الثاني:
كما تحرّك المنصور بقوة نحو الإمام (ع) عن طريق نشر عيونه وجواسيسه التي كانت تراقب حركة الإمام الصادق وترصد نشاطاته لتزوّده بآخر المعلومات، ليتّخذ منها مسوّغاً للنيل من الإمام(ع) والتضييق على حركته التي كان يرى فيها المنصور خطراً حقيقياً على سلطانه وبالتالي تمهّد له تلك التقارير أن يصوغ ما يريده من الإتّهامات لأجل أن يتخذها ذريعة في قتله. وقد تضمّن هذا الاتّجاه جملةً من الأساليب .
الأُسلوب الأوّل : عن رزّام بن مسلم مولى خالد القسري قال : بعثني أبو جعفر المنصور إلى المدينة ، وأمرني إذا دخلت المدينة أن أفضّ الكتاب الّذي دفعه إليّ وأعمل بما فيه ; قال : فما شعرت إلاّ بركب قد طلعوا عليَّ حين قربت من المدينة ، وإذا رجلٌ قد صار إلى جانبي ، فقال : يا رزّام اتقِ الله ، ولا تشرك في دم آل محمّد قال : فأنكرت ذلك فقال لي : دعاك صاحبك نصف الليل ، وخاط رقعةً في جانب قباك ، وأمرك إذا صرت إلى المدينة ، تفضّها وتعمل بما فيها .
قال : فرميت بنفسي من المحمل ، وقبّلت رجليه ، وقلت : ظننت أنّ ذلك صاحبي وأنت يا سيّدي صاحبي ، فما أصنع ؟ قال : ارجع إليه ، واذهب بين يديه وتعال ، فإنّه رجلٌ نسّاء ، وقد أُنسي ذلك ، فليس يسألك عنه، قال : فرجعت إليه ، فلم يسألني عن شيء، فقلت صدق مولاي(7) .
وعن مهاجر بن عمار الخزاعي ، قال : بعثني أبو الدوانيق إلى المدينة ، وبعث معي مالاً كثيراً، وأمرني أن أتضرّع لأهل هذا البيت ، وأتحفّظ مقالتهم،، قال : فلزمت الزاوية التي مما يلي القبلة ، فلم أكن أتنحّى منها في وقت الصلاة ، لا في ليل ولا في نهار.
قال : وأقبلت أطرح إلى السؤال ـ الذين حول القبر ـ الدراهم ـ ومن هو فوقهم ـ الشيء بعد الشيء حتى ناولت شباباً من بني الحسن ومشيخة ]منهم [حتى ألفوني وألفتهم في السّر .
قال : وكنت كلما دنوت من أبي عبد الله (ع) يُلاطفني ويكرمني حتى إذا كان يوماً من الأيّام ـ بعد ما نلت حاجتي ممن كنت أريد من بني الحسن وغيرهم ـ دنوت من أبي عبد الله(ع) وهو يُصلّي ، فلما قضى صلاته ، التفت إليّ وقال :
تعال يا مهاجر ! ـ ولم أكن أتسمّى ] با سمي [ ولا أتكنّى بكنيتي ـ فقال : قل لصاحبك : يقول لك جعفر : «كان أهل بيتك إلى غير هذا منك أحوج منهم إلى هذا ، تجيء إلى قوم شباب محتاجين فتدسّ إليهم ، فلعلّ أحدهم يتكلّم بكلمة تستحلُّ بها سفك دمه ، فلو بررتهم ووصلتهم ] وأنلتهم [ وأغنيتهم ، كانوا إلى هذا أحوج مما تريد منهم ».
قال : فلما أتيت أبا الدوانيق ، قلت له : جئتك من عند ساحر، كذّاب كاهن كان من أمره كذا وكذا فقال : صدق والله لقد كانوا إلى غير هذا أحوج ، وإيّاك أن يسمع هذا الكلام منك إنسان(8) .
ويذكر مهاجر أيضاً إنّي أتيت جعفر بن محمّد وهو يصلّي في مسجد الرسول((صلى الله عليه وآله)) فجلست خلفه وقلتُ ينصرف واذكر له فعجّل وانصرف فالتفت إليَّ فقال: «يا هذا! اتّقِ الله ولا تغرَّ أهل بيت محمّد وقل لصاحبك اتّقِ الله ولا تحز آل بيت محمّد فإنّهم قريبو العهد بدولةِ بني مروان وكلّهم محتاجٌ» فقلت: وماذاك أصلحك الله؟ فقال: «اُدنُ منّي فدنوتُ فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك (يعني الدوانيقي) حتّى كأنّه ثالثنا، فقال له: يا مهاجر إنّه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ محدّثٌ وأن جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم(9).
الاُسلوب الثاني: ومن أساليبه باتّجاه سياسة التضييق التي فرضها على الإمام (ع) محاولة تسليط الضوء على بعض الشخصيّات ليجعل منها بدائل علميّةً تغطّي على الإمام وتؤيّد سياسته وتساهم من جانب آخر في تضعيف القدسية والإنجذاب الجماهيريّ نحو الإمام وتؤدّي بالنتيجة إلى شق وحدة التيار الإسلامي الذي يقرّ بزعامة الإمام(ع) وأعلميته وإيجاد الفرقة والاختلاف .
وقد نجح المنصور بهذه الخطوة فكسب البعض من طلاّب الإمام(ع) حين أحاطهم بهالة من الاحترام والتقدير وخلق منهم وجوداً قبال مذهب الإمام ونهجه الإسلامي الاصيل .
ذكر أبو القاسم البغّار في مسند أبي حنيفة فقال: قال الحسن بن زياد سمعت أبا حنيفة وقد سئل : من أفقه من رأيت ؟ قال جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال يا أبا حنيفة ! إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّء له من مسائلك الشداد .
فهيّأت له أربعين مسألةً، ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته .
فدخلت عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر مالم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت عليه ، فأومأ إليّ فجلست ، ثم التفت إليه ، فقال :
يا أبا عبد الله : هذا أبو حنيفة ، قال: نعم أعرفه . ثم التفت إليّ فقال : يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله (ع) من مسائلك .
فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : « أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا » فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً . حتى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخلّ منها بشيء ثم قال أبو حنيفة : أليس إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟!(10) .
الاُسلوب الثالث: لقد كانت سياسة الإمام (ع) أزاء حكومة المنصور ذات طابع غير ثوريٍّ، وإنما سلك الإمام نفس نهجه السابق في التغيير والإصلاح ، وقد أوحى للمنصور في وقت سابق بأنّه لم يكن بصدد التخطيط للثورة ضدّه بل صرّح له في أكثر من مرة بذلك، إلاّ أنّ المنصور لم يطمئن لعدم تحرك الإمام وثورته التغييرية وذلك بسبب ما كان يشاهده من كثرة مؤيديه.
يحدثنا الإمام الصادق(ع) عن الشكوك والتساؤلات التي أثارها المنصور بوجه الإمام عند لقائه به كما في النصّ التالي:
عن حمران قال : «قال أبو عبد الله (ع) وبعد ذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال : «إنّي سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه ، وهو على فرس وبين يديه خيلٌ ومن خلفه خيلٌ، وأنا على حمار إلى جانبه»، فقال لي :
يا أبا عبد الله ! قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوّة وفتح لنا من العزّ ، ولا تخبر الناس أنك أحقُّ بهذا الأمر منا وأهل بيتك ، فتغرينا بك وبهم .
قال : فقلت: «ومن رفع هذا إليك عنّي فقد كذب». فقال: أتحلف على ما تقول؟
قال : فقلت: «إنّ الناس سحرة يحبّون أن يفسدوا قلبك عليّ ، فلا تمكنّهم من سمعك، فأنا إليك أحوج منك إلينا».
فقال لي : تذكر يوم سألتك هل لنا ملك ؟ فقلت : «نعم طويلٌ عريضٌ شديدٌ ، فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة في دنياكم حتى تصيبوا منّا دماً حراماً في شهر حرام في بلد حرام !
فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعلّ الله ( عزّ وجّل ) أن يكفيك ، فإني لم أخصك بهذا ، وإنما هو حديثٌ رويته، ثم لعلّ غيرك من أهل بيتك يتولّى ذلك ، فسكت عنيّ»(11).
الإتّجاه الثالث:
واستخدم المنصور مع الإمام (ع) أيضاً سياسة الاستدعاء والمقابلة المصحوبة بالتهم والافتراءات ، أو الاستدعاءات الفارغة من أيّ سؤال، محاولا عن طريق هذه السياسة شلّ حركة الإمام وجعله تحت ضوء رقابة أجهزته ليطمئنّ المنصور من خطر الإمام ، كما استخدم بعض الأساليب التي من شأنها أن تنال من كرامة الإمام (ع)، فمن أساليبه بهذا الاتّجاه :
1 ـ ما جاء عن بشير النبّال أنه قال : كنت على الصفا وأبو عبد الله (ع) قائم عليها إذ انحدر وانحدرت معه ، وأقبل أبو الدوانيق على حمارته ، ومعه جنده على خيل وعلى إبل، فزاحموا أبا عبد الله (ع) حتى خفت عليه من خيلهم وأقبلت أقيه بنفسي وأكون بينهم وبينه ، قال : فقلت في نفسي : يا ربِّ عبدك وخير خلقك في أرضك ، وهؤلاء شرٌّ من الكلاب قد كانوا يفتنونه !
قال : فالتفت إليّ وقال: «يا بشير ! قلت : لبيك. قال : «ارفع طرفك لتنظر».
قال : فإذا ـ والله ـ واقيةٌ من الله أعظم مما عسيت أن أصفه .
قال فقال : «يا بشير ! إنا اُعطينا ما ترى ، ولكنّا اُمرنا أن نصبر ، فصبرنا»(12) .
2 ـ ما جاء عن المفضل بن عمر(13) أنه قال: إنّ المنصور قد كان هَمّ بقتل أبي عبد الله (ع) غير مرّة ، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود للناس ، واستقصى عليه أشدّ الاستقصاء حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه ، في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه ، فيعتزل الرجل أهله .
فشقّ ذلك على شيعته وصعب عليهم ، حتى ألقى الله عزّ وجلّ في روع المنصور أن يسأل الصادق(ع) ليتحفه بشيء من عنده ، لا يكون لأحد مثله ، فبعث إليه بمخصرة(14) كانت للنبي(ع) طولها ذراع ، ففرح بها فرحاً شديداً ، وأمر أن تشق له أربعة أرباع، وقسّمها في أربعة مواضع.
ثم قال له: ماجزاؤك عندي إلاّ أن اُطلق لك ، وتفشي علمك لشيعتك ، ولا أتعرّض لك ، ولا لهم ، فاقعد غير مُحتشم، وافتِ الناس ، ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشى العلم عن الصادق(ع) (15) .
3 ـ وعن عبد الله بن أبي ليلى ، قال : كنت بالربذة مع المنصور ، وكان قد وجّه إلى أبي عبد الله (ع) فاُتي به ، وبعث إليّ المنصور فدعاني ، فلما انتهيت إلى الباب سمعته يقول : عجلّوا عليّ به قتلني الله إن لم أقتله ، سقى الله الأرض من دمي إن لم أسقِ الأرض من دمه.
فسألت الحاجب من يعني ؟ قال : جعفر بن محمّد (ع). فإذا هو قد اُتي به مع عدّة جلاوزة(16)، فلما انتهى إلى باب ـ قبل أن يرفع الستر ـ رأيته قد تململت شفتاه عند رفع الستر ، فدخل.
فلما نظر إليه المنصور قال : مرحبا يابن عمّ ، مرحباً يابن رسول الله . فما زال يرفعه حتى أجلسه على وسادته ، ثم دعا بالطعام ، فرفعت رأسي ، وأقبلت أنظر إليه ، وجعل يلقمه جيّداً بارداً، وقضى حوائجه ، وأمره بالانصراف .
فلما خرج ، قلت له: قد عرفت موالاتي لك ، وما قد ابتليت به في دخولي عليهم ، وقد سمعت كلام الرجل وما كان يقول ، فلما صرت إلى الباب رأيتك قد تململت شفتاك ، وما أشك أنه شيء قلته ، ورأيت ما صنع بك ، فإن رأيت أن تعلّمني ذلك ، فأقوله إذا دخلت عليه .
قال : نعم، قلت : « ما شاء الله ، ما شاء الله ، لا يأتي بالخير إلاّ الله ، ما شاء الله ، ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلاّ الله ...»(17).
تحرّك العلويين نحو الثورة
بعد أن تأكّد المنصور عن طريق المعلومات التي كانت تصله من جواسيسه بأنّ السادة الحسنيين يخططون للثورة عليه، انتظر المنصور موسم الحجّ فلمّا حان الموسم سافر هو وحاشيته إلى بيت الله الحرام، وبعد انتهائه من مناسك الحجّ رجع إلى يثرب وقد صحب معه عقبة بن مسلم الجاسوس الذي عيّنه المنصور لمراقبة تحرّك آل الحسن وكان قد أوصاه قبل سفره فقال له : إذا لقيني بنو الحسن وفيهم عبد الله فأنا مكرمه ورافع محمله وداع بالغذاء فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامتثل بين يديه فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر حتى ترمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك .
ولمّا انتهى المنصور إلى يثرب استقبله السادة الحسنيّون وفيهم عبد الله ابن الحسن ، فأجلسه المنصور إلى جانبه ودعا بالغذاء فأصابوا منه فقام عقبة ، ونفّذ ما عهد إليه المنصور ، وجلس أمامه ففزع منه عبد الله وقال للمنصور: أقلني أقالك الله ...
فصاح به: لا، أقالني الله إن أقلتك(18).
وأمر أن يكبّل بالحديد ويزجّ في السجن فكبّل مع جماعة من العلويين وحبس في بيت مروان .
وأرادوا من عبد الله أن يخبر بمكان ولديه: محمّد ذي النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم وإن لم يخبر بمكانهما فسوف يتعرّض للانتقام والقتل.
وقد عبّر عبد الله عن عمق هذه المأساة للحسن بن زيد قائلا: يابن أخي، والله لبليّتي أعظم من بليّة إبراهيم (ع); إنّ الله عزّوجلّ أمر إبراهيم أن يذبّح ابنه ، وهو لله طاعةٌ ، فقال إبراهيم : (إِنَّ هذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ)(19). وإنكم جئتموني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما وهو لله جِّلٌ وعزٌّ معصية ...(20).
وبقي السادة الحسنيّون في السجن لمدة ثلاث سنين، وفي سنة (142 هـ) سافر المنصور مرّة أخرى إلى الحجّ لغرض تدارك الوضع في المدينة والوقوف أمام التصعيد الثوريّ هناك، وبعد أن أنهى مناسكه اتّجه نحو الربذة التي تبعد ثلاثة أميال عن المدينة وبعد وصوله إليها أمر بإشخاص السادة الحسنيين ومن معهم من العلويين إليه وقد تكفّل عقبة بن مسلم بعملية إخراجهم من السجن والسير بهم نحو الربذة.
وبعد إخراجهم من السجن وضع الحديد في أيديهم وجيء بهم إلى مسجد رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حيث إزدحم الناس عليهم وهم بين باك ومتأسّف والشرطة تشتمهم وقد طلبت من الناس أن يشتموهم .
لكن الذي حدث كان على العكس من ذلك إذ أخذ الناس يسبّون عقبة ابن مسلم والمنصور ويترحمون على العلويين ...(21).
موقف الإمام (ع) من آل الحسن
وكتب الإمام الصادق (ع) إلى عبد الله بن الحسن رسالة يعزّيه فيها ويُصبّرهُ على المصاب الذي جرى عليه وعلى أصحابه .
عن إسحاق بن عمّار الصيرفي أنّه قال : إن أبا عبد الله جعفر بن محمّد(ع) كتب إلى عبد الله بن الحسن حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى الخلف الصالح ، والذريّة الطيّبة من ولد أخيه وابن عمّه : أما بعد : فلئن كنت قد تفرّدت أنت وأهل بيتك ـ ممّن حُمل معك ـ بما أصابكم ، ما انفردت ـ بالحزن والغيظ والكآبة ، وأليم وجع القلب ـ دوني ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق ، وحرّ المصيبة مثل ما نالك ولكن رجعت الى ما أمر الله ـ جلّ جلاله ـ به المتقين من الصبر ، وحُسن العزاء ، حين يقول لنبيّه ((صلى الله عليه وآله)): (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)(22) . وحين يقول : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ)(23) إلى أن قال: (واعلم أي عمّ وابن عمّ إنّ الله ـ جل جلاله ـ لم يُبال بضرّ الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحبّ إليه من الضرر والجهد والأذى مع الصبر . وأنّه تعالى لم يُبال بنعم الدنيا لعدوّه ساعة قط ولو لا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخوفونهم ويمنعونهم وأعداؤه آمنون مطمئنّون عالون ظاهرون ولولا ذلك لما قتل زكريا واحتجب يحيى ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا . ولو لا ذلك لما قتل جدّك عليّ بن أبي طالب (ع) لمّا قام بأمر الله ـ جلّ وعزّ ـ ظلماً ، وعمّك الحسين بن فاطمة اضطهاداً وعدواناً»(24) .
واعترف المنصور بسياسته الغاشمة ضد العلويين القائمة على القتل والإبادة لذريّة رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حيث يقول : قتلت من ذرية فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمّد(25) .
ثورة محمّد بن عبد الله ( ذي النفس الزكية )
إنّ محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ الملقّب بذي النفس الزكية قد رُشّح باتّفاق الهاشميين للخلافة، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه ثيابه ويمسك له دابته تقرّباً إليه، وقد بايعه مع أخيه السفّاح مرّتين. وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمّد فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم، وقد انتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمّد هذا.
ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد الله وسائر السادة الذين كانوا معه الى محمّد ; أعلن محمّدٌ ثورته في المدينة وبايعه الناس وحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته، وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكة إلى بيعته وقام خطيباً فيهم فقال :
أما بعد : أيها الناس فإنّه كان من أمر هذا الطاغية عدوّ الله أبي جعفر مالم يخفَ عليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناها معانداً لله في ملكه تصغيراً للكعبة الحرام ، وإنما اُخذ فرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، وإنّ أحقّ الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين .
اللّهم إنهم قد أحلّوا حرامك وحرّموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ، اللّهم فاحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً(26).
ولمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشاً يقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بن موسى، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقين ـ خارج المدينة ـ رغبةً من محمّد وحفاظاً على سكّانها من عبث جيش المنصور واُصيب محمّد بن عبد الله بجراح خطيرة بسبب تفرّق جنده، وبرك إلى الأرض، فبادر الأثيم حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه الشريف(27) .
موقف الإمام (ع) من الثورة :
لقد حذّر الإمام الصادق (ع) عبد الله بن الحسن من الترويج لابنه محمّد على أساس أنه المهدي لهذه الاُمة، وأخبر (ع) بمستقبل الأحداث ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمّد وأخيه إبراهيم، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور العبّاسي.
وحينما سئل (ع) عن محمّد بن عبد الله ودعوته قبل أن يعلن محمّد ثورته أجاب (ع) : «إنّ عندي كتابين فيها اسم كلِّ نبي وكلِّ ملك يملك، لا والله ما محمّد بن عبد الله في أحدهما »(28) .
ولما ثار محمّد بن عبد الله ( ذي النفس الزكية ) ترك الإمام الصادق (ع) المدينة، وذهب إلى أرض له بالفُرع، فلم يزل هناك مقيماً حتى قتل محمّد فلما قتل واطمأنّ الناس وأمنوا رجع إلى المدينة(29).
الإمام الصادق يهيّء الخط الشيعي للمواصلة
لقد كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادق (ع) مع حكومة المنصور فترة تشدّد ومراقبة لحركة الإمام، تخللتها محاولات اغتيال عديدةٌ، لكنّ الإمام(ع) علم أن المنصور قد صمّم على قتله، ولهذا مارس جملة من الأنشطة ليهيّء فيها الخط الشيعيّ لمواصلة الطريق من بعده.
النشاط الأوّل : حاول الإمام الصادق (ع) أن يجعل من الصفِّ الشيعيِّ صفّاً متماسكاً في عمله و نشاطه ، وركّز على قيادة الإمام الكاظم (ع) من بعده فيما لو تعرّض لعملية قتل من قبل المنصور. وقد قطع الطريق أمام المنتفعين والأدعياء الذين كانوا يتربّصون الفرص ; لأنّ إسماعيل ابن الإمام الصادق(ع) الذي كان قد توفّي في هذه الفترة كان يصلح كفكرة لتفتيت الصفّ الشيعي باعتباره الابن التقي الأكبر للإمام (ع) .
والغريب أنّا نجد ـ رغم التأكيدات المتكرّرة ـ والحزن الذي أبداه الإمام(ع) والتصريح الذي أبداه أمام حشد كبير من أعيان الشيعة بأنّ إسماعيل قد توفّي ودفن استغلال بعضهم لقضية إسماعيل وزعمهم بأنّ الإمامة تقع في إسماعيل وأنّه حيٌّ وقد خرج في البصرة وشاهده بعض الناس.
وهنا يقوم الإمام الصادق(ع) بجملة من الخطوات لمعالجة هذه المشكلة التي سوف تُفتّت الصفّ الشيعيَّ من بعده.
1 ـ قال زرارة بن أعين: دعا الإمام الصادق (ع) داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين ، وأبا بصير ، ودخل عليه المفضّل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال: « يا داود اكشف عن وجه إسماعيل »، فكشف عن وجهه ، فقال : «تأمّله يا داود ، فانظره أحيٌّ هو أم ميّتٌ؟» فقال: بل هو ميّتٌ . فجعل يعرّضه على رجل رجل حتى أتى على أخرهم فقال : «اللّهم اشهد» . ثم أمر بغسله وتجهيزه .
ثم قال : «يا مفضّل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه»، فقال: «أحيّ هو أم ميّتٌ؟» انظروه أجمعكم» فقال : بل هو يا سيدنا ميّتٌ.
فقال : «شهدتم بذلك وتحققتموه»؟ قالوا : نعم، وقد تعجبوا من فعله .
فقال : «اللّهم أشهد عليهم». ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده ، قال :
«يا مفضل ، اكشف عن وجهه» فكشف ، فقال للجماعة: «انظروا أحيٌّ هو أم ميتّ؟» فقالوا : بل ميّتٌ، يا وليّ الله .
فقال: «اللّهم اشهد فإنه سيرتاب المبطلون (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ) » ـ ثم أومى إلى موسى (ع) وقال: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(30) .
ثم حثّوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول فقال: «الميّت المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو ؟» قلنا : إسماعيل ولدك .
فقال: «اللّهم أشهد». ثم أخذ بيد موسى فقال : «هو حقّ، والحقُّ معه ومنه ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها »(31) .
2 ـ قال عنبسة العابد : لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمّد ((عليهما السلام)) وفرغنا من جنازته ، جلس الصادق (ع) وجلسنا حوله وهو مطرقٌ، ثم رفع رأسه فقال :
«أيها الناس : إنّ هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء لا دار استواء ، على أنّ فراق المألوف حرقةٌ لا تدفع ، ولوعةٌ لا تردّ، وإنّما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر ، فمن لم يشكل أخاه شكله أخوه ، ومن لم يقدم ولداً هو المقدم دون الولد» ، ثم تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه .
ولا تحسبي أني تناسَيتُ عهدَهُ *** ولكنّ صبري يا أُميمُ جميلُ(32)
3 ـ قال إسحاق بن عمار: وصف إسماعيل أخي لأبي عبد الله (ع) دينه واعتقاده فقال : إني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله وانكم ـ ووصفهم يعني الأئمة ـ واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبي عبد الله .ثم قال : وإسماعيل من بعدك ! قال : «أما إسماعيل فلا»(33) .
النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت بين المنصور والإمام الصادق(ع) نلاحظ أنّ الإمام قد مارس بعض الأدوار مع السلطة لغرض الحفاظ على الاُمة وسلامة مسيرتها وابقاء روح الرفض قائمةً في نفوسها ، مخافة أن تسبب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة لمخططاته .
1 ـ قال أبو جعفر المنصور للإمام الصادق (ع) : إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدعُ فيها نافخ ضرمة.
فقال: «يا أمير المؤمنين ! لا أجد بداً من النصاحة لك ، فاقبلها إن شئت أو لا» .
ثم قال (ع): «إنّه قد مضى لك ثلاثة أسلاف: أيوب (ع) ابتلي فصبر ، وسليمان(ع) اُعطي فشكر، ويوسف (ع) قدر فغفر . فاقتدِ بأيهم شئت». قال: قد عفوت(34) .
2 ـ قال عبد الله بن سليمان التميمي: لما قتل محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن صار إلى المدينة رجلٌ يقال له شبّة عقال، ولاّه المنصور على أهلها، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار الى المسجد فرقى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أمّا بعد فإن عليّ بن أبي طالب شقّ عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الأمر لنفسه، ومنعه أهله فحرّمه الله عليه وأماته بغصّته . وهؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد وطلب الأمر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الأرض مقتولون ، وبالدماء مضرّجون.
قال: فعظم هذا الكلام منه على الناس ، ولم يجسر أحدٌ منهم أن ينطق بحرف . فقام إليه رجلٌ عليه إزارٌ قومسيٌّ سخينٌ فقال : «ونحن نحمد الله ونصلي على محمّد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى رسل الله وأنبيائه أجمعين. أمّا ما قلت من خير فنحن أهله ، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى وأحرى. يا من ركب غير راحلته وأكل غير زاده ، ارجع مأزوراً .
ثم أقبل على الناس ، فقال : ألا آتينّكم بأخفّ الناس ميزاناً يوم القيامة ، وأبينهم خسراناً ؟ : من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق».
فأسكت الناس ، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف.
فسألت عن الرجل: فقيل لي : هذا جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب ((عليهم السلام))(35) .
النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادق (ع) الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم.
وقد ذكرنا في البحوث السابقة أنّ الإمام قد ركّز على مبادئ إسلامية وممارسات إصلاحية في نفوس شيعته ، مثل التقيّة ، وكتمان السر ، والعلاقة بالثورة الحسينية لتحافظ هذه المبادئ والممارسات على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات والمخططات الخارجية .
والرواية التالية تصوّر لنا نشاط الإمام السرّي مع صحبه في هذهِ الفترة .
روي أنّ الوليد بن صبيح قال : كنا عند أبي عبد الله (ع) في ليلة إذ طرق الباب طارقٌ، فقال للجارية : انظري من هذا ؟
فخرجت ثم دخلت فقالت : هذا عمّك عبد الله بن عليّ (ع) فقال : أدخليه . وقال لنا : ادخلوا البيت فدخلنا بيتاً ، فسمعنا منه حسّاً ، ظننّا أن الداخل بعض نسائه ، فلصق بعضنا ببعض ، فلما دخل أقبل على أبي عبدالله(ع) فلم يدع شيئاً من القبيح إلاّ قاله في أبي عبد الله (ع) ثم خرج وخرجنا ، فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه .
فقال بعضنا : لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننّا أنّ أحداً يستقبل به أحداً، حتى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به .
فقال (ع): «مه، لا تدخلوا فيما بيننا».
فلمّا مضى من الليل ما مضى ، طرق الباب طارقٌ فقال للجارية : انظري من هذا ؟ فخرجت ، ثم عادت ، فقالت : هذا عمّك عبد الله بن عليّ (ع) فقال لنا : عودوا إلى مواضعكم، ثم أذن له.
فدخل بشهيق ونحيب وبكاء وهو يقول : يابن أخي ، اغفر لي غفر الله لك ، اصفح عني صفح الله عنك .
فقال : «غفر الله لك يا عمِّ ، ما الّذي أحوجك إلى هذا؟».
قال : إنّي لما آويتُ إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ، ثم قال أحدهما للآخر : انطلق به إلى النار : فانطلق بي ، فمررت برسول الله فقلت : يا رسول الله ، لا أعود . فأمره فخلّى عنّي ، وأني لأجد ألم الوثاق .
فقال أبو عبد الله (ع): أوصِ.
قال : بِمَ أوصي ؟ ما لي مالٌ، وأنّ لي عيالاً كثيرةً وعليّ دينٌ.
فقال أبو عبد الله (ع) : «دينك عليّ ، وعيالك عيالي، فأوصِ».
فما خرجنا من المدينة حتى مات ، وضمّ أبو عبد الله (ع) عياله إليه ، وقضى دينه ، وزوّج ابنه ابنته(36) .
وأغلب الظن أنّ نشاط الإمام الصادق (ع) من هذا النوع قد تركّز أيام المنصور لكثرة الجواسيس والعيون التي كانت ترصد حركة الإمام(ع) ممّا دفع بالإمام الى أن يلجأ إلى عقد الاجتماعات في بيته سرّاً لغرض مواصلة دوره الإلهي مع الاُمة عن طريق توجيه النخبة الصالحة التي وفقت لهذا الدور.
محاصرة الإمام(ع) قبيل استشهاده
صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادق(ع)، ومهّد لقتله.
فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إنّ جعفر بن محمّد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهّر ولبس ثياباً جدداً .
فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله .
فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي .
فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :
سلني حاجتك ، فقال(ع): «أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم، فتأمر لهم به».
قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! إئتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج، فيه غاليةٌ ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت:
يابن رسول الله ! أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟
قال قلت : «اللّهم احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وانت رجائي ...»(37) .
ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قبل المنصور هو الاستدعاء الأوّل من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كلّ منها أراد قتله(38) .
لقد صوَّر لنا الإمام الصادق (ع) عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والأذى الّذي كان المنصور يصبه عليه، حتى قال (ع) ـ كما ينقله لنا عنبسة ـ قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدموا(39) وأراكم أسرّ بكم، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصراً في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروهٌ أبداً»(40) .
الإمام الصادق(ع) في ذمّة الخلود
وتتابعت المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادق(ع) ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء، وما كابده هو بالذات من صنوف الإرهاق والتنكيل، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ولم يحترم مركزه العلمي، وشيخوخته، وانصرافه عن الدنيا الى العبادة، وإشاعة العلم، ولم يحفل الطاغيه بذلك كلّه، فقد كان الإمام شبحاً مخيفاً له... ولما أيقن الإمام(ع) بدنوِ الأجل المحتوم منه وأنّ لقاءه بربّه لقريبٌ، أعلن الإمام الصادق(ع) للناس ذلك.
وسنعرض إليكم بأيجاز الشؤون الأخيرة من حياة الإمام ووفاته من خلال بعض ما أخبرَ به :
أـ قال شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبدالله(ع): «كيف بك إذا نعاني إليك محمّد بن سليمان؟» قال: فلا والله ما عرفت محمّد بن سليمان من هو. فكنت يوماً بالبصرة عند محمّد بن سليمان، وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً، وقال لي: يا شهاب، عظّم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمّد. قال: فذكرت الكلام فخنقتني العبرة(41).
ب ـ أخبر الإمام(ع) المنصور بدنوّ أجله لمّا أراد الطاغية أن يقتله فقد قال له: «ارفق فوالله لقلّ ما أصحبك». ثم انصرف عنه، فقال المنصور لعيسى بن عليّ: قم اسأله، أبي أم به؟ ـ وكان يعني الوفاة ـ .
فلحقه عيسى ، وأخبره بمقالة المنصور، فقال(ع): لا بل بي(42).
وتحقّق ما تنبّأ به الإمام(ع) فلم تمضِ فترةٌ يسيرةٌ من الزمن حتى وافته المنية.
كان الإمام الصادق(ع) شجىً يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي، فقد ضاق ذرعاً منه، وقد حكى ذلك لصديقه وصاحب سرّه محمّد بن عبدالله الإسكندريّ.
يقول محمّد: دخلت على المنصور فرأيته مغتمّاً، فقلت له: ما هذه الفكرة؟
فقال: يا محمّد لقد هلك من أولاد فاطمة((عليها السلام)) مقدار مائة ويزيدون ـ وهؤلاء كلهم كانوا قد قتلهم المنصور ـ وبقي سيّدهم وإمامهم.
فقلت: من ذلك؟
فقال: جعفر بن محمّد الصادق.
وحاول محمّد أن يصرفه عنه، فقال له: إنّه رجلٌ أنحلته العبادة، واشتغل بالله عن طلب الملاك والخلافة.
ولم يرتض المنصور مقالته فردّ عليه: يا محمّد قد علمتُ أنك تقول به، وبإمامته ولكنّ المُلْكَ عقيمٌ(43).
وأخذ الطاغية يضيّق على الإمام، وأحاط داره بالعيون وهم يسجّلون كلّ بادرة تصدر من الإمام، ويرفعونها له، وقد حكى الإمام(ع) ما كان يعانيه من الضيق، حتى قال: «عزّت السلامة، حتى لقد خفي مطلبها، فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول، فإن طَلبتْ في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، والسعيد من وجد في نفسه خلوةً يشتغل بها»(44).
لقد صمّم على اغتياله(45) غير حافل بالعار والنار، فدسّ إليه سمّاً فاتكاً على يد عامله فسقاه به، ولمّا تناوله الإمام(ع) تقطّعت أمعاؤه وأخذ يعاني آلاماً قاسيةً، وأيقن بأنّ النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه.
ولمّا شعر الإمام(ع) بدنوّ الأجل المحتوم منه أوصى بعدّة وصايا كان من بينها ما يلي:
أ ـ إنه أوصى للحسن بن عليّ المعروف بالأفطس بسبعين ديناراً، فقال له شخص: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة؟ فقال(ع) له: ويحك ما تقرأ القرآن؟! (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)(46)(47).
لقد أخلص الإمام(ع) كأعظم ما يكون الإخلاص للدين العظيم، وآمن بجميع قيمه وأهدافه، وابتعد عن العواطف والأهواء، فقد أوصى بالبرّ لهذا الرجل الذي رام قتله لأنّ في الإحسان إليه صلة للرحم التي أوصى الله بها.
ب ـ إنه أوصى بوصاياه الخاصّة، وعهد بأمره أمام الناس الى خمسة أشخاص: وهم المنصور الدوانيقي، ومحمّد بن سليمان، وعبدالله، وولده الإمام موسى، وحميدة زوجته.
وإنما أوصى بذلك خوفاً على ولده الإمام الكاظم(ع) من السلطة الجائرة، وقد تبيّن ذلك بوضوح بعد وفاته، فقد كتب المنصور الى عامله على يثرب، بقتل وصي الإمام ، فكتب إليه: إنه أوصى الى خمسة، وهو أحدهم ، فأجابه المنصور: ليس الى قتل هؤلاء من سبيل(48).
ج ـ إنّه أوصى بجميع وصاياه الى ولده الإمام الكاظم(ع) وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه، والصلاة عليه، كما نصبه إماماً من بعده، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته.
د ـ إنه دعا السيّدة حميدة زوجته، وأمرها باحضار جماعة من جيرانه، ومواليه، فلمّا حضروا عنده قال لهم: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة...»(49).
وأخذ الموت يدنو سريعاً من سليل النبوة، ورائد النهضة الفكرية في الإسلام، وفي اللحظات الأخيرة من حياته أخذ يوصي أهل بيته بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، ويحذّرهم من مخالفة أوامر الله وأحكامه، كما أخذ يقرأ سوراً وآيات من القرآن الكريم، ثم ألقى النظرة الأخيرة على ولده الإمام موسى الكاظم(ع) ، وفاضت روحه الزكية الى بارئها.
لقد كان استشهاد الإمام من الأحداث الخطيرة التي مُني بها العالم الإسلاميُّ في ذلك العصر، فقد اهتزّت لهوله جميع أرجائه، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين وغيرهم وهرعت الناس نحو دار الإمام وهم ما بين واجم ونائح على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذاً ومفزعاً لجميع المسلمين.
وقام الإمام موسى الكاظم(ع)، وهو مكلوم القلب، فأخذ في تجهيز جثمان أبيه، فغسّل الجسد الطاهر، وكفّنه بثوبين شطويين(50) كان يحرم فيهما، وفي قميص وعمامة كانت لجدّه الإمام زين العابدين(ع)، ولفّه ببرد اشتراه الإمام موسى(ع) بأربعين ديناراً وبعد الفراغ من تجهيزه صلّى عليه الإمام موسى الكاظم(ع) وقد ائتمَّ به مئات المسلمين.
وحُمل الجثمان المقدّس على أطراف الأنامل تحت هالة من التكبير، وقد غرق الناس بالبكاء وهم يذكرون فضل الإمام وعائدته على هذه الاُمة بما بثّه من الطاقات العلمية التي شملت جميع أنواع العلم. وجيء بالجثمان العظيم الى البقيع المقدّس، فدفن في مقرّه الأخير بجوار جدّه الإمام زين العابدين وأبيه الإمام محمّد الباقر((عليهما السلام)) وقد وارَوا معه العلم والحلم، وكلّ ما يسمو به هذا الكائن الحيُّ من بني الإنسان(51).
ويناسب أن نختم الكلام عن الإمام الصادق(ع) برثائه على لسان أحد أصحابه وهو أبو هريرة العجلي بقوله:
أقولُ وقد راحوا به يَحملونَهُ *** على كاهل من حامليهِ وعاتقِ
أتدرونَ ماذا تحملونَ الى الثرى *** ثبيراً ثوى من رأسِ علياءَ شاهق
غداةً حثى الحاثونَ فوقَ ضريحِهِ *** تراباً، وأوّل كان فوق المفارق(52)
* * *
نماذج من فقه الإمام الصادق(ع):
1 ـ عن ابن اُذينة، عن أبي عبدالله(ع)، قال: قال: «ما تروى هذه الناصبة؟ فقلت: جعلت فداك في ماذا؟ فقال: في أذانهم وركوعهم وسجودهم، فقلت: إنهم يقولون: إنّ اُبيّ بن كعب رآه في النوم، فقال: كذبوا، فإنّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم»(53).
2 ـ عن عيص بن القاسم، عن أبي عبدالله(ع) قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافراً أفطر، وقال: إنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) خرج من المدينة الى مكّة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة، فلما انتهى الى كراع الغميم(54) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر، فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتمّ ناس على صومهم، فسمّاهم العصاة وإنّما يؤخذ بآخر أمر رسول الله((صلى الله عليه وآله))»(55).
3 ـ قال الصادق(ع): «خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شيءٌ إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه»(56).
4 ـ قال الصادق(ع): «إذا كان الماء قدر كرٍّ، لم ينجّسه شيءٌ».(57)
5 ـ قال(ع): «اغسل ثوبك من بول كلِّ ما لا يؤكل لحمه»(58).
6 ـ قال الصادق(ع): «إذا نامت العين والاُذن والقلب وجب الوضوء»، قيل: فإن حُرِّكَ الى جنبه شيءٌ ولم يعلم به، قال: «لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمرٌ بيّن، وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه، ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنّما تنقضه بيقين آخر»(59).
7 ـ وقال(ع): «لا ينقض الوضوء إلاّ حَدَثٌ والنوم حَدَثٌ»(60).
8 ـ قال أبو عبدالله(ع): «إن سمعت الأذان وأنت على الخلا، فقل مثل ما يقول المؤذّن ولا تَدَع ذكر الله في تلك الحال، لأنّ ذكر الله حسنٌ على كلِّ حال»(61).
9 ـ وقال(ع): «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء، إنّما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»(62).
10 ـ وسُئل أبو عبدالله(ع) عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال: «لا ، ولكن يمرّ فيها كلّها، إلاّ المسجد الحرام ومسجد النبي((صلى الله عليه وآله))»(63).
11 ـ قال الصادق(ع): «صلِّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله»(64).
12 ـ قال الصّادق(ع): «كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر(65) فهو ثقل على الميّت»(66).
13 ـ قال رجلٌ للصادق(ع) : إنّي اُعير الذمي ثوبيَّ وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ فاغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(ع): «صلّ فيه ولا تغسله، من أجل انّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه قد نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه»(67).
14 ـ وقال الصادق(ع): «لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقت أفضلهما»(68).
15 ـ قال الصادق(ع): «إنّما النافلة بمنزلة الهدية، متى ما أتا بها قُبلتْ»(69).
16 ـ قال(ع): «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لُبس»(70).
17 ـ وقال(ع): «من صلّى الصلوات الخمس جماعة، فظُنوا به كلّ خير»(71).
18 ـ سئل الصادق(ع) عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه إنّما يضمن القراءة»(72).
19 ـ وقال الصادق(ع): «ما فرض الله على هذه الاُمّة شيئاً أشدّ عليهم من الزكاة وفيها تهلك عامّتهم»(73).
20 ـ وقال الصادق(ع): «ما ضاع مال في برّ ولا بحر إلاّ بتضييع الزكاة ولا يصاد من الطير إلاّ ما ضيّع تسبيحه»(74).
21 ـ وقال(ع): «إنّما فرض الله الصيام ليستوي به الغنيُّ والفقير»(75).
22 ـ قال(ع): «لا صيام فى السفر إلاّ الثلاثة أيام التي قال الله في الحجّ»(76).
23 ـ وقال الصادق(ع): «إذا جئت بصوم شهر رمضان لم تسئل عن صوم»(77).
24 ـ وقال(ع): «إنّ صوم شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الاُمم قبلنا»(78).
25 ـ وسئل عن قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)(79)؟ قال: «إنّما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الاُمم ففضّل به هذه الاُمّة فجعل صيامه فرضاً على رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعلى اُمّته»(80).
26 ـ وقيل للصادق(ع): ليلة القدر كانت أو تكون في كلّ عام؟ فقال: «لو رفعت ليلة القدر، لرفع القرآن»(81).
27 ـ قال الصادق(ع): «لو ترك الناس الحجّ لما نوظروا العذاب»(82).
28 ـ وقال(ع): «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(83).
29 ـ وقال الصادق(ع): «لو أنّ الناس تركوا الحجّ لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، ولو تركوا زيارة النبي((صلى الله عليه وآله)) كان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، فإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين»(84).
30 ـ وقال الصادق(ع): «المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة، وأفضل العمرة عمرة رجب»(85).
31 ـ قال الصادق(ع): «كان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يستلم الحجر في كلّ طواف فريضة، ونافلة»(86).
نماذج من مواعظ الإمام الصادق(ع):
1 ـ قال(ع): «ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وفيهم من هو أورع منه»(87).
2 ـ قال الصادق(ع): «أيّما أهلُ بيت أعطوا حظّهم من الرفق فقد وسّع الله عليهم في الرزق، والرفق في تقدير المعيشة خيرٌ من السعة في المال، والرفق لا يعجز عنه شيء، والتبذير لا يبقى معه شيء، إنّ الله عزّ وجل رفيقٌ يحب الرفق»(88).
3 ـ قال الصادق(ع) لرجل: «أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه وإن يك غيّاً فانته عنه»(89).
4 ـ وقال الصادق(ع): «ليس من عِرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلاّ بذنب وما يعفو الله أكثر»(90).
5 ـ وقال(ع): «إنّ الذنب يحرم العبد الرزق»(91).
وقال الصادق(ع): «لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرةٌ مع الاستغفار»(92).
6 ـ قال الصادق(ع): «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ولم يخف
الهوامش:
(1) الكامل في التاريخ : 4 / 355 .
(2) تاريخ اليعقوبي : 2 / 399، تاريخ الطبري: 6/321، والكامل في التاريخ، ابن الأثير: 6/31 .
(3) تاريخ اليعقوبي: 2/369 وتاريخ الاُمم والملوك، الطبري : 6 / 266 .
(4) كشف الغمّة، الإربلي: 2/420 عن تذكرة ابن حمدون، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 184 .
(5) الرعد (13): 39 .
(6) أمالي الشيخ الطوسي: 480 ح1049 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 163 ، والبرهان : 2 / 299 .
(7) دلائل الإمامة : 129 ، ومدينة المعاجز : 364 ، وإثبات الهُداة : 5 / 456 .
(8) الخرائج والجرائح : 2 / 646 ، وبحار الأنوار : 47 / 172 .
(9) المناقب لابن شهر آشوب: 2/302 .
(10) سير اعلام النبلاء، الذهبي : 6 / 258 ومناقب آل أبي طالب: 3/379 طبعة (1375 هـ / 1956 م) المطبعة الحيدرية، النجف، عن مسند أبي حنيفة لأبي القاسم البغار .
(11) الكافي، الكليني: 8/37 حديث الصادق مع المنصور في موكبه، وعنه في بحار الأنوار : 52 / 255 ، وإثبات الهُداة : 5 / 351 .
(12) الاُصول الستة عشر، لعدّة من المحدّثين : 100 ، وإثبات الهداة : 5 / 465 .
(13) هو أبو عبدالله المفضل بن عمر الجعفي الكوفي ولد نهاية القرن الأوّل الهجري أيّام الإمام الباقر وتوفي في نهاية القرن الثاني عن عمر يناهز الـ 80 سنة، أدرك أربعة من أئمة أهل البيت وهم: الباقر، الصادق، الكاظم والرضا((عليهم السلام))، ولم يروِ عن الباقر لأنّه كان صغيراً في أيّامه، واتصل بالإمام الصادق اتّصالاً وثيقاً وكان من ثقات أصحابه وكان وكيلاً على أمواله بعد موت عبدالله ابن أبي يعفور.
(14) المخصرة : شيء كالسوط ما يتوكأ عليه كالعصا .
(15) المناقب لابن شهر آشوب : 4/259 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 180 .
(16) الجلاوزة : جمع الجلواز معرّب من الفارسية: گلوبازاى المفتوح الجيب كناية عن الشرطيّ المستعد لتنفيذ الأوامر .
(17) كشف الغمّة : 2/407 عن الدلائل للحميري، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 183 .
(18) الكامل في التاريخ، ابن الأثير : 4/371.
(19) الصافات (37): 106 .
(20) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الإصفهاني : 191 ـ 194 تحقيق السيد أحمد صقر .
(21) المصدر السابق : 219 ـ 220 .
(22) الطور (52): 48 .
(23) القلم (68): 48 .
(24) إقبال الأعمال: 578، بحار الأنوار: 47/298 .
(25) الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي: 208 .
(26) تاريخ الاُمم والملوك، الطبري : 6 / 188 ـ 189 .
(27) اليعقوبي: 2/376 والمسعودي: 3/294 ـ 296 وعن الطبري في الكامل في التاريخ: 5/549 .
(28) بحار الأنوار : 26 / 115 عن بصائر الدرجات : 169 .
(29) كشف الغمّة، الإربلي: 2 / 162 ، عنه في بحار الأنوار : 47 / 5 .
(30) الصف (61) : 8 .
(31) المناقب لابن شهر آشوب : 1/327 عن الصدوق وعنه في بحار الأنوار : 47 / 253
(32) كمال الدين: 72، 73 وأمالي الصدوق : 197 وعنهما في بحار الأنوار : 47 / 245 .
(33) الغيبة للنعماني : 224 ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 261 .
(34) أمالي الطوسي: 50 ح 66 وعنه في بحار الأنوار: 47/184 وانظر مناقب آل أبي طالب: 4/251، كشف الغمّة: 2/420 .
(35) أمالي الشيخ الطوسي : 66 ، وبحار الأنوار : 47 / 165 وحلية الأبرار : 2 / 215 .
(36) الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: 2 / 619 وعنه في بحار الأنوار: 47 / 96 ، وإثبات الهُداة : 5 / 410 ح 143.
(37) سير أعلام النبلاء، الذهبي : 6 / 266 ، ملحقات إحقاق الحقّ : 19 / 513 ، والفرج بعد الشدة : 70 عن التذكرة لابن الجوزي : 308، 309 مسنداً .
(38) الكافي : 2/559 و 6/445 وعنه في الخرائج والجرائح : 2 / 195 وتاريخ مدينة دمشق : 19 / 516.
(39) الموالون لأهل البيت أو خاصة الإمام .
(40) الكافي : 8 / 215 ورجال الكشي : 365 وبحار الأنوار : 47 / 85 .
(41) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 414 ح781 ودلائل الإمامة: 138 وإعلام الورى: 1/522، 523 ومناقب آل أبي طالب: 4/242 .
(42) مهج الدعوات، لابن طاووس: 231.
(43) مهج الدعوات، ابن طاووس: 247.
(44) كشف الغمّة، الإربلي: 2/371 .
(45) نور الأبصار: 133، الإتحاف بحب الاشراف: 54، سبائك الذهب: 72.
(46) الرعد (13): 21 .
(47) الغيبة للطوسي : 197، بحار الأنوار: 47/276.
(48) الكافي: 1 / 310 وانظر مناقب آل أبي طالب: 4/345 .
(49) بحار الأنوار: 47/2 عن عقاب الأعمال للصدوق : 272 ط طهران ـ الصدوق .
(50) شطويين: مفرده شطا إحدى قرى مصر.
(51) عصر الإمام الصادق ، باقر شريف القرشي: 167 ـ 170.
(52) مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر، ابن عيّاش الجوهري: 52 .
(53) الكافي: 3/482، كتاب الصلاة، باب النوادر.
(54) وهي على ثلاثة أميال من المدينة.
(55) الكافي: 4/127، كتاب الصيام، باب كراهية الصوم في السفر، ح 5.
(56) الوسائل، الحر العاملي: 1/135 .
(57) الكافي، الكليني: 3/2 .
(58) المصدر السابق: 3/406 .
(59) تهذيب الأحكام، الطوسي: 1/8 .
(60) المصدر السابق: 1/6 .
(61) علل الشرائع، الصدوق: 1/284 .
(62) تهذيب الأحكام، الطوسي: 1/101 .
(63) المصدر السابق: 1/125 .
(64) المصدر السابق: 3/328 .
(65) وسائل الشيعة: ج2 أبواب الدفن، الباب 36 «باب انّه يكره أن يوضع على القبر من غير ترابه».
(66) من لا يحضره الفقيه، الصدوق: 1/189 .
(67) تهذيب الأحكام، الطوسي: 2/361 .
(68) الكافي، الكليني: 3/274 .
(69) المصدر السابق: 4/454 .
(70) من لا يحضره الفقيه، الصدوق: 1/268 .
(71) المصدر السابق: 1/376 .
(72) المصدر السابق: 1/378 .
(73) الكافي، الكليني: 3/497 .
(74) الكافي، الكليني: 3/505 .
(75) من لا يحضره الفقيه: 2/73 .
(76) تهذيب الأحكام: 4/231 .
(77) من لا يحضره الفقيه: 1/205 .
(78) فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق: 124 .
(79) البقرة (2): 183 .
(80) فضائل الأشهر الثلاثة: 124.
(81) الكافي، الكليني: 4/158.
(82) المصدر السابق: 4/271 .
(83) المصدر السابق .
(84) الكافي، الكليني: 4/272 .
(85) المصدر السابق: 4/536 .
(86) المصدر السابق: 4/405 .
(87) المصدر السابق: 2/78 .
(88) المصدر السابق: 2/119 .
(89) الكافي، الكليني: 8/150 .
(90) المصدر السابق: 2/269 .
(91) الكافي، الكليني: 2/271 .
(92) المصدر السابق: 2/288 .