لما مات معاوية، وبويع لابنه يزيد بالخلافة كتب إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة يخبره بموت معاوية، كتاباً صغيراً فيه: «أما بعد فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير، بالبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام»([1])، فبعث الوليد إلى مروان يستشيره، فقال: «أرى أن تدعوهم الساعة، وتأمرهم بالبيعة، فإن فعلوا قبلت منهم، وكففت عنهم، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية..».
وسار الحسين إلى الوليد، وبعد ما نعى إليه معاوية واسترجع، قرأ عليه كتاب يزيد، وما أمره فيه من أخذ البيعة منه، فقال له الحسين(ع): إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سراً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس، ولكن نصبح وتصبحون، فقال مروان للوليد: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت من على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، فوثب إليه الحسين(ع): ، وقال: أأنت تقتلني أو هو؟! كذبت والله وأثمت، والله لو رام ذلك أحد لسقيتُ الأرض من دمه قبل ذلك، فإن شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقاً. ثم أقبل الحسين على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب خمر، قاتل النفس، معلن بالفسق، فمثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة([2]).
ووصل خبر تباطؤ الوليد في أمر الحسين(ع): إلى يزيد فعزله وولى مروان ابن الحكم - كما في بعض المصادر -([3]).. وفي بعضها، أن يزيد أرسل إلى الوليد يشدد في أمر الحسين(ع): ويطلب بعث رأسه إن لم يبايع، وتكون للوليد عنده الجائزة العظمى([4]).
فأرسل الوليد الرجال إلى الحسين(ع): ليحضر فيبايع، فقال لهم الحسين: أصبحوا ثم ترون ونرى، فخرج من تحت ليلته، وكانت ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجهاً نحو مكة، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، حيث كلّفه الحسين(ع): بمراقبة الأوضاع في المدينة، وإخباره بها وقد كتب وصيته ودفعها إليه:
هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب، إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية، أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً (ص) عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأنّ الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبـر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين. هذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب([5]).ولما فصل متوجهاً دعا بقرطاس وكتب فيه لسائر بني هاشم:
من الحسين بن علي بن أبي طالب، إلى بني هاشم: أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام([6]). ثم ودّع (ع): قبر جدّه وأمه وأخيه، وسار بركبه تلقاء مكة المكرمة .
([1]) في مقتل الحسين للخوارزمي: فخذ الحسين... بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه والسلام، 262.
([2]) مقتل الحسين لأخطب خوارزم: 267.
([3]) الإرشاد للشيخ المفيد: 183.