ولد أبو عبد الله الحسين(ع) في الثالث من شعبان، وقيل في الخامس من السنة الرابعة للهجرة، أبوه أمير المؤمنين ومصباح المتقين ونور العارفين، علي بن أبي طالب(ع) ، وأمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليهاالسلام.
لما بُشّر جده الرسول الأعظم (ص) ، خفّ مسرعاً إلى بيت بضعته فاطمة الزهراء، وهو مثقل الخطا، قد ساد عليه الحزن والأسى، فنادى بصوت خافت وحزين: هلّموا ولدي. فلما ناولته الزهراء الوليد، احتضنه، وجعل يوسعه تقبيلاً، ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب، وهو يبكي ويقول: لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني. قالها (ص) ، ثلاثاً، فقالت صفية: فداك أبي وأمي، ومن يقتله؟ قال (ص) ، : تقتله الفئة الباغية من بني أمية([1]).
وقد سمّاه حسيناً كما سمّى أخاه حسناً([2])، ويقول المؤرخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الإسمين حتى تسمّي أبناءها بهما، وإنّما سماهما النبي(ص) ، بهما بوحي من السماء([3]).
وكان رسول الله (ص) ، يشرف بنفسه على رعاية الحسين، وقد اهتم به اهتماماً بليغاً، وكان يضع إبهامه في فيه. وروي أنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريقه المبارك، وجعل يقول: «إيهاً حسين، إيهاً حسين، أبى الله إلا ما يريد هو» أي من جعل الإمامة فيك وفي ولدك([4]).
لقب(ع) بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة، أحد الكاظمين، التابع لمرضاة الله، الدليل على ذات الله، المطهّر، الشهيد، وسيد الشهداء، وكان يكنّى بأبي عبد الله، وقيل بأبي علي أيضاً، وكنّاه الناس من بعد شهادته بأبي الشهداء، وأبي الأحرار([5]).
إستلم الإمامة بعد شهادة أخيه الحسن المجتبى(ع) سنة 50 للهجرة، واستمرت إلى سنة 61 هجرية، فكانت لمدة 10 سنوات وأشهر، وقد نص على إمامته وإمامة أخيه الحسن الرسول(ص) ، بقوله: «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»([6]).
عاش الإمام الحسين(ع) برفقة جدّه المصطفى ما يزيد عن خمس سنوات، ومع أمه فاطمة قرابة الست سنوات، وقضى ما يزيد على (35 سنة) مع أبيه الإمام علي(ع) وقد اشترك في حروبه الثلاثة، الجمل وصفين والنهروان، وبعد أبيه رافق أخاه الحسن عشر سنوات.
عاصر الإمام الحسين(ع) خليفتين من الخلفاء الأمويين: معاوية بن أبي سفيان، ودامت 10 سنوات، ويزيد بن معاوية، ودامت ست أشهر.
الظروف السياسية في عهد الإمام الحسين(ع)
بلغ الانحراف عن مبادئ الإسلام إلى ذروته في عصر الإمام الحسين(ع) حيث كان معاوية يستولي باسم خليفة المسلمين على مقدّرات الأمة ويعبث بمصيرها، وكان قد سلّط العصابة من آل أمية على المسلمين، وشكل حكومة ملكية قسرية مستبدة، شوّه من خلالها وجه الإسلام.
وقد قام بكل ذلك تحت وطأة تخدير الرأي العام بوضع الأحاديث، وتفسير الآيات وتأويلها بما يخدم مصالحه، ويسبغ القداسة والشرعية لحكمه وشخصيته.
لقد كان الكثير من المسلمين البسطاء يرون في معاوية الحاكم الإسلامي الذي يجب طاعته، ويلزم احترامه، إثر تلك الأحاديث التي حشّدها بعض الصحابة والتابعين لبيان موقعية معاوية والتصاقه بالإسلام، وقربه الشرعي من نبيه الكريم، وإنه خال المؤمنين وهكذا كانت ترى الناس معاوية من زاوية هؤلاء الرواة، وما يضعونه من فضائل في حقه.
وللأسف لقد أضلت هذه الروايات بعض البسطاء ممن يدّعون الدراية والعلم، فأخذ بهذه المرويات وهضمها، واعتقد بها دون تفحص وتدبر، فخلط وضيّع الحق.
ومن هنا باتت الثورة التي يريدها الحسين(ع) في زمن معاوية غير مثمرة، ولا مقنعة لهؤلاء البسطاء - وهم يشكلون الغالبية الساحقة في المجتمع الإسلامي -، ولا بد من توضيح للأسباب القيّمة التي لأجلها ثار الحسين(ع) كما أن هناك معوّقات أخرى يمكن اختصارها:
المعاهدة التي أبرمها هو وأخوه الإمام الحسن(ع) على السكوت والتسليم إلى معاوية ما دام حياً، فلو ثار الحسين(ع) في زمن معاوية لأمكن لمعاوية أن يصوّره بصورة منتهز ناقض لعهده وميثاقه، والإمام (ع) كان يرى أنه قد عاهد وعليه أن يفي، و إن كان معاوية قد نقض العهد، وهذه سيرة الأئمة عليهم السلام في معاهداتهم حتى مع ظالميهم، فأمير المؤمنين، عندما طالبه الخوارج بقتال معاوية، بعد إجباره على التحكيم والرضوخ إلى حكمهما أبى عليهم لأجل العهد الذي قطعه بالالتزام بالتحكيم، ولو كان مقهوراً عليه، وهكذا الإمام الرضا(ع) عندما جاء قواد جيش المأمون شاكين له ظلم المأمون بحقهم، والخوف من وقيعته بهم بعدما شاهدوا قتله لهرثمة قائد الجيوش، وكان بإمكانه (ع) أن يستغل الموقف بإعلان الثورة عليه بواسطتهم، غير أنه أجابهم بأنه كان قد قال للمأمون عند تنصيبه القسري لولاية العهد بأن لا يتدخل بشيء قط، وقد وفّى بقوله. فهذه سيرة الأئمة في قطع العهود والوعود على أنفسهم.
وكان معاوية يتظاهر بالدين، حيث أنّه كان يدرك جيداً أنه ليس ينبغي له وهو يحكم الناس بسلطان الدين أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدياً للدين وخروجاً عنه، بل عليه أن يضفي على أعماله طابعاً دينياً لتنسجم مع ما يتمتع به من المنصب، وأما ما لا يمكن تغطيته وتمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر.
فأمام هذا كله لا تجد ثورة الحسين المناخ المناسب في عهد معاوية لانطلاقها وإظهار مبادئها الأصيلة، ولهذا لم يكن الحسين ليفكر في الثورة عليه أبداً.
مواجهة الإمام الحسين(ع) لمعاوية
هب أن الظروف السياسية لم تتح لإعلان الإمام الحسين الثورة في عهد معاوية، ولكن لا يعني ذلك أن يسكت الإمام الحسين(ع) عن ممارسات معاوية المخالفة للإسلام، بل كان يبذل قصارى جهده في الوقوف ضد كل تصرفاته الظالمة، فلقد رد الحسين(ع) على مواقفه رداً عنيفاً عرف معاوية أن هناك رقيب على أمة محمد (ص) ، ، وأنه يواجه الرد اللاّذع كلما بدر من معاوية أعمال غير إسلامية، وإليك نماذج من ذلك:
1- الرد عليه من أخذ البيعة لابنه يزيد([7]).
2- الرد عليه في قتله لحجر بن عدي الكندي وأصحابه، وعمرو بن الحمق، والحضرمي، وقتل كل من كان على دين علي(ع) ([8]).
3- الرد عليه في ادعائه زياد بن أبيه، وبسطه يده على رقاب المسلمين يقتلهم، وبقطع أيديهم وأرجلهم([9]).
4- إظهار فسق معاوية ومخالفاته العظيمة للإسلام أمام الملأ، وخصوصاً في مواسم الحج([10]).
5- الاستيلاء على بعض الأموال الحكومية التي تزف إلى معاوية من البلاد، والتي هي حقوق الناس والتي كان يوزعها معاوية على آل أمية، خدمة لمجونهم وشياطينهم، فكان الحسين(ع) يستولي عليها ويوزعها على المحتاجين([11]).
إعلان الثورة في عهد يزيد:
كان يزيد الذي اعتلى سلطان الأمة شاباً غير ناضج، شهوانياً أنانياً، ومن أبعد الناس عن الحيطة والتروي، وكان صغير العقل متهوّراً ماجناً، لا يهم بشيء إلا ركبه، ولم يأل جهداً في استخدامه أية وسيلة لإرضاء رغباته وشهواته، وكان معلناً بشرب الخمر ومتظاهراً بالفسق واقتراف المعاصي، وكان مستهتراً في الدين، ينشد أشعار الاستخفاف به على سكره في لياليه الحمراء، وقد كان ينشد تهوراً:
معشـر النّدمان قوموا |
|
واسمعوا صوت الأغاني |
وقد أوضح ما في مكنون نفسه من عدائه للإسلام ورموزه بعد قتله للحسين، فكان يتغنى بقوله:
ليت أشياخي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
لقد تحوّل بلاط يزيد إلى مركز يشكّل أنواع الفساد وارتكاب المحرمات، وقد اتسعت رقعة الفساد والانحراف مدة حكومته حتى تلوّثت مدن مقدسة كمكة والمدينة([14]).
قال المسعودي: سار يزيد في الناس بسيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه([15]). هذا بالإضافة إلى أنه نشأ نشأة مسيحية، أو أنه كان يميل إليها على أقل التقادير، والشواهد على ذلك كثيرة منها:
1- تحريضه للأخطل الشاعر المسيحي ليهجوا الأنصار([16]).
2- عهد بابنه معاوية الصغير إلى مسيحي ليربيه ويعلمه([17]).
3- كان مستشاره الخاص سرجون بن منصور الرومي، وهو الذي أشار عليه بتولية عبيد الله بن زياد الكوفة([18]).
4- كان يقول في سكره:
فإن حرمت على دين أحمد |
|
فخذها على دين المسيح بن مريم([19]) |
والآن وقد اتضحت حقيقة يزيد الوضيعة وعداوته للإسلام، نفهم جيداً دوافع ثورة الحسين(ع) ، وحيث أن موانع الثورة كانت قد زالت بموت معاوية كان عليه أن يخوض الثورة، ولو كان يبايع يزيداً لكانت بيعته هذه أكبر حجة على شرعية سلطانه.
أسباب الثورة على حكومة يزيد:
لم تكن ثورة الحسين حالة افتعالية دون أن تكون لها أهداف وأسباب ويمكن تلخيصها بما يلي:
رفض البيعة ليزيد، فبعد موت معاوية طلب يزيد من عامله على المدينة أن يأخذ البيعة من الحسين أو يضرب عنقه، ويرسل برأسه إلى الشام، لكن الحسين(ع) رفضها وقال له: «إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد»([20]).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: انطلق الحسين(ع) من المدينة وشعاره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمر يؤكد في خطابه بأصحابه، وأصحاب الحر في منطقة بيضة([21]). ورسالته التي بعثها إلى قبائل البصرة بعد دخوله مكة([22]). وخطابه بأصحابه في ذي حسم([23])، فمن خطابه عندما خرج من المدينة: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي، وأريد أن آمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبـر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين»([24]).
أنّ السكوت على حكومة يزيد الفاجرة لا يغفر لأحد قادر على القيام والثورة.
فقال (ع) عندما خطب في أصحابه وأصحاب الحر: «أيها الناس إن رسول الله(ص) ، قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله»([25]).
ولهذا ثار الحسين(ع) وكان كل هدفه بعد مرضاة الله وصول صرخته إلى كل مكان وفي جميع العصور ليكسر المسلمون حاجز الخوف، وليهبّوا بالثورة على الجائرين.
([3]) تاريخ الخلفاء:188، والمناقب 3: 50.
([4]) أنساب الأشراف للبلاذري 1: ق1.
([5]) الإرشاد: 103، والفصول المهمة:176، والمناقب 4: 717. ودلائل الإمامة:73.
([7]) راجع خطبته في ذلك، الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 184.
([8]) راجع رسالته إلى معاوية يقرعه على هذه الجرائم، والإمامة والسياسة 1: 180، والإحتجاج للطبرسي 2: 161.
([10]) كتاب سليم بن قيس الهلالي:206، والاحتجاج: 161، وتحف العقول: 237- 239.
([11]) حياة الإمام الحسين للقرشي 2: 231.
([13]) تتمة المنتهى في وقائع أيام الخلفاء، للشيخ عباس القمي: 44.
([16]) سمو المعنى في سمو الذات، عبد الله العلائي: 58.
([17]) سمو المعنى في سمو الذات، عبد الله العلائي: 58.
([18]) الكامل في التاريخ 4: 23.
([19]) تتمة المنتهى في وقائع أيام الخلفاء: 43.
([20]) اللهوف إلى قتلى الطفوف: 11.
([24]) بحار الأنوار 44: 329. عن مناقب آل أبي طالب للحلبي الساروي: أن ذلك كان خطاباً لأخيه محمد بن الحنفية.
([25]) تاريخ الطبري 6: 200، عن الكلبي عن أبي مخنف، وانظر وقعة الطف لأبي مخنف.