ولادة أبي الفضل العباس (ع) (4 / شعبان / السنة 26 هـ)

قيم هذا المقال
(10 صوت)
ولادة أبي الفضل العباس (ع) (4 / شعبان / السنة 26 هـ)

ولد أبو الفضل العباس(ع)  في الرابع من شعبان سنة 26 هجرية - على الظاهر - كما ذكره بعض المحققين([1])، أبوه أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي ابن أبي طالب(ع) ، وأمه السيدة الجليلة، والمرأة العظيمة، فاطمة بنت حزام الكلابية، الملقّبة بـ (أم البنين)([2])..

تزوج بها أمير المؤمنين بإشارة من أخيه عقيل بن أبي طالب الذي كان عالماً بأنساب العرب، فقد قال (ع)  له: «أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً». فأشار عليه بها([3])، وقد ولدت لأمير المؤمنين أربعة أولاد هم: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، وبهم كانت تَكنّى (أم البنين)، وقد استشهدوا جميعاً بين أيدي أخيهم الحسين(ع)  في كربلاء([4]).

عاش العباس مع أبيه علي بن أبي طالب أربعة عشر عاماً، ومع أخيه الحسن(ع)  بعد شهادة أبيه عشر سنوات، ومع أخيه الحسين بعد شهادة الحسن عشر سنوات، فكان عمره يوم استشهد حوالي أربعة وثلاثين سنة([5]).

تزوج من لبابة بنت عبيد الله بن العباس، وولد له منها ولدان هما: عبيد الله، والفضل، وبالأخير كان يكنى([6])، وكان (ع)  عابداً، عالماً، فارساً، طويل القامة، يركب الفرس المطهَّم([7]) ورجلاه تخطان في الأرض، شجاعاً وسيماً([8]).

كُنّي بأبي الفضل، وأبي القاسم، وله ألقاب عظيمة تكشف عن مكنون شخصيته، وطهارة عرقه، وسموه ونبله، وهي:

1- قمر بني هاشم([9]): لقّب به لما كان فيه من روعة البهاء، وجمال الصورة بحيث كان آية من آياتها.

2- السقّاء([10]): لقّب بذلك، لأنه قام مرات عديدة باقتحام الفرات وإحضار الماء للعطاشى في مخيم الحسين(ع) .

3- بطل العلقمي([11]): والعلقمي اسم النهر الذي استشهد(ع) ، على ضفافه.

4- حامل اللواء([12]): إذ كان العباس(ع)  قد دفع إليه أخوه الحسين لواءه في كربلاء.

5- كبش الكتيبة، أظفاه عليه أخوه الحسين(ع) ، عندما استأذنه للبراز، فقال له: أنت كبش كتيبتي، وهو وسام لأعلى قائد في الجيش، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن التدبير.

6- باب الحوائج([13]): لما رأته الشيعة وغيرهم، من استجابة الله تعالى الدعاء تحت قبة قبره المبارك.

أجلسه أمير المؤمنين(ع)  ذات مرة في حجره - وكان صغيراً - فشمّر العباس عن ساعديه، فجعل الإمام يقبلهما وهو غارق في البكاء، فسألته أم البنين: ما يبكيك؟

فقال: نظرت إلى هذين الكفين، وتذكرت ما يجري عليهما.

فقالت: ماذا يجري عليهما؟

قال: إنهما يقطعان من الزند.

فقالت: ولماذا؟

فأخذ أمير المؤمنين يخبرها عما يجري عليه وعلى إخوته في كربلاء([14]).

من فضائل العباس(ع) :

1- قال في حقه أمير المؤمنين(ع) : «إن ولدي العباس قد زقّ العلم زقّاً»([15]).

2- قال فيه الإمام زين العابدين(ع) : «رحم الله عمّي العباس فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين يطير بهما مع الملائكة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة»([16]).

3- قال فيه الإمام الصادق(ع) : «كان عمي العباس بن علي(ع)  نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً»([17]).

4- زيارة الحجة(ع) ، المنسوبة إليه: «السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين(ع) ، المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل»([18]).

4- عُرِضَ الأمان عليه فأبى: «لما نادى شمر: أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته، فلم يجبه أحد منهم، فقال لهم الحسين(ع) : أجيبوه وإن كان فاسقاً، فإنه بعض أخوالكم. فقال له العباس: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بنو أختي آمنون. فقال له العباس: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا، وابن رسول الله لا أمان له»([19]).

5- آباؤه ترك الحسين(ع) : لما جمع الحسين(ع)  أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرم، وخطبهم فقال في خطبته: «أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري»..

قام العباس(ع)  وقال: ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك اليوم أبداً([20]).

6- لما وصل العباس الماء: أقحم العباس في هجومه الأخير فرسه الماء، وكان قلبه يتفطّر عطشاً، ولسانه قد يبس، فغرف غرفة من الماء ليشرب تذكر عطش الحسين(ع)  فرمى الماء من يده وقال:

يا نفس من بعد الحسين هوني

 

وبعده لا كنت أو تكوني

هذا حسين وارد المنون

 

وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال دين

 

ولا فعال صادق اليقين([21])

أبى العباس(ع)  أن يرطّب كبده الماء، ويطفئ به حرارة قلبه، قبل إمامه وسيده الحسين(ع) ، والذي يظهر في الشطر الأخير من شعره المتقدم أن هذا الإيثار ليس نابعاً عن الارتباط النسبي بينه وبين الحسين، بل نتاج الروابط الدينية، فدين العباس ويقينه يحتم عليه أن لا يشرب الماء قبل إمامه وإن مات عطشاً.

وهذه نظرية خاصة بالعباس في فهم طاعة الإمام والولاية إليه، فليس إمامة الإمام بنظره الطاعة في الكلمة والموقف فحسب، بل حتى في غرائز الموالي ومشتهياته، وحالاته، ينبغي أن تكون تبع الإمام ومواسية أو متأسية لحالته.

7- الإيمان الواعي: كان أبو الفضل العباس على أعلى مستوى في الوعي الإيماني، فعلى الرغم من أنه يخوض معركة يقودها أخوه ضد أسرة معادية لأسرته، لم يظهر في رجزه ظل العاطفة الشخصية، أو القبلية، وإنّما عبّر عن قيم دينية يجسدها أخوه الحسين لكونه إماماً وقائداً، فقال:

والله إن قطعتم يميني

 

إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

 

نجل النبي الطّاهر الأمين([22])

8- لما جاء الحسين(ع)  إلى مصرعه، قال: الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي([23]).

لقد كان الحسين(ع)  صلب الظهر، كثير الحيلة، لا يتجرّأ عليه أحد ما دام العباس إلى جنبه رغم كل الجراح، رغم كل البلاء، ولكن كل ذلك تغيّر عندما قُُتل العباس(ع).

 

([1]) قمر بني هاشم: 6.

([2]) راجع ما ذكرناه عن حياتها في مناسبات جمادى الثانية.

([3]) عمدة الطالب، نقله عنه في الأعيان 7: 429.

([4]) مقاتل الطالبيين: 84.

([5]) الأعيان 7: 429.

([6]) واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: 110.

([7]) المطهّم: الفرس السمين جداً.

([8]) مقاتل الطالبيين: 84-85.

([9]) المصدر السابق: 84-85.

([10]) المصدر السابق.

([11]) العباس بن علي للقرشي: 28.

([12]) المصدر السابق.

([13]) ذُكرت جميع هذه الألقاب، في تنقيح المقال 2: 128.

([14]) العباس بن علي: 30.

([15]) واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: 110.

([16]) ذخيرة الدارين: 123.

([17]) المصدر السابق.

([18]) زيارة الناحية المنسوبة للإمام الحجة.

([19]) أعيان الشيعة 7: 430.

([20]) المصدر السابق.

([21]) نفس المهموم: 148.

([22]) نفس المهموم: 230

([23]) مقتل الحسين للخوارزمي.

قراءة 9621 مرة