معركة أحد وشهادة حمزة عم النبي (عليهما السلام) (7/ شوال/ السنة 3 هـ )

قيم هذا المقال
(1 Vote)
معركة أحد وشهادة حمزة عم النبي (عليهما السلام) (7/ شوال/ السنة 3 هـ )

كان سبب غزوة أحد أن قريشاً لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، فقد قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون. قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا النساء يبكين على قتلاكم فإنّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا هو وأصحابه([1]).فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها، فجمعوا الجموع والسلاح، وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف، وأخرجوا معهم النساء يذكّرنهم ويحثنّهم على حرب رسول الله(ص)، وخرجت معهم هند بنت عتبة بن ربيعة.فلما بلغ رسول الله(ص)،  ذلك جمع أصحابه وأخبرهم: أن الله قد أخبره: أنّ قريشاً قد تجمعت تريد المدينة([2]). قال الطبرسي: واستشار أصحابه ونزل (ص)،  الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل([3]).

وأصبح رسول الله(ص)،  فتهيأ للقتال، وجعل على راية المهاجرين علياً(عليه السلام) ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة، وقعد رسول الله(ص)،  في راية الأنصار([4]).ووضع (ص)،  عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشِّعب، وقال له ولأصحابه: إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا منازلكم([5]).وقال (ص)،  لهم: اتقوا الله واصبـروا، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبـرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم.وقال (ص)، : لا تبـرحوا مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا، فإنما نُؤتى من موضعكم هذا([6]).

نشوب الحرب

وأوّل من أنشب الحرب هو أبو عامر عبد عمرو إذ طلع في خمسين من قومه، فتراموا فيما بينهم والمسلمين بالحجارة، ثم ولّوا مدبرين([7]).

وتقدّمت نساء المشركين أمام صفوفهم قبل اللقاء يضربن بالدفوف والطبول الكبار، ثم رجعن فكنّ في أواخر الصفوف خلف الرجال وبين أكتافهم يذكرن من أصيب ببدر ويحرّضن بذلك الرجال ويضربن بالدفوف ويقلن:

 

نحن بنات طارقْ
إن تُقبلوا نعانقْ

 

نمشي على النمارقْ
أو تدبروا نفارقْ

فراق غير وامق

بدء البراز بأحد

قال القمي في (تفسيره): كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدوي، فبرز ونادى: يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إليّ.

فبرز إليه أمير المؤمنين(عليه السلام)  يقول:

يا طلح إن كنت كما تقول
فاثبت لننظر أيّنا المقتول 
فقد أتاك الأسد الصؤول

 

لنا خيول ولكم نصول
وأيّنا أولى بما تقول
بصارم ليس به فلول

ينصره القاهر والرسول

 

فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال طلحة: قد علمت أنه لا يجسر عليّ أحد غيرك.

فشدّ عليه طلحة فاتقاه أمير المؤمنين(عليه السلام)  بالترس، ثم ضربه أمير المؤمنين(عليه السلام)  على فخذيه فقطعهما جميعاً، فسقط على ظهره وسقطت الراية، فذهب علي(عليه السلام)  ليجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف عنه، فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟ قال: قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً.

وأخذ الراية أبو سعيد فقتله علي(عليه السلام)  وسقطت الراية إلى الأرض، فأخذها مسافع فقتله علي(عليه السلام)  فسقطت الراية إلى الأرض، إلى أن قتل أمير المؤمنين(عليه السلام)  التاسع من بني عبد الدار أرطاة فسقطت الراية إلى الأرض.

 

معصية الرُّماة

فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، ووقع أصحاب رسول الله(ص)،  في سوادهم، وانحطّ خالد بن الوليد في مئتي فارس فلقي عبد الله بن جبير وأصحابه فوق الجبل فاستقبلوهم بالسهام فردّوا.

ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله(ص)،  ينهبون سواد القوم، فقالوا لعبد الله: تقيمنا ههنا وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟! فقال لهم عبد الله: اتقوا الله فإنّ رسول الله(ص)،  قد تقدم إلينا أن لا نبرح.

فلم يقبلوا منه وأقبل ينسلّ رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، وبقي عبد الله بن جبير في إثني عشر رجلاً([8]).

وانحطّ خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فرّ أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلوهم على باب الشعب، واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف([9]).

ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت، فلاذوا بها.

 

هزيمة المسلمين ووقوف علي وبعض الصحابة

وانهزم أصحاب رسول الله(ص)،  هزيمة قبيحة، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه. فلما رأى رسول الله(ص)،  الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال: «إني أنا رسول الله فإلى أين تفرّون عن الله ورسوله».

لم يبق مع الرسول(ص)،  إلاّ أمير المؤمنين(عليه السلام)  وأبو دجانة، وكلما حملت طائفة على الرسول(ص)،  استقبلهم أمير المؤمنين(عليه السلام)  فيدفعهم عنه ويقتل فيهم حتى انقطع سيفه. فلما انقطع سيفه جاء إلى الرسول فقال: يا رسول الله إنّ الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي. فدفع إليه الرسول سيفه «ذا الفقار» وقال: قاتل بهذا.

فلم يكن يحمل على رسول الله أحد إلاّ يستقبله أمير المؤمنين(عليه السلام)  فإذا رأوه رجعوا، وانحاز الرسول(ص)،  إلى ناحية أحد فوقف، فلم يزل علي(عليه السلام)  يقاتلهم حتى أصابه في وجهه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة.

وسمعوا منادياً ينادي من السماء: «لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي». ونزل جبرئيل على الرسول وقال: هذه والله المواساة يا محمد. فقال الرسول(ص)،: لأني منه وهو مني. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

 

استشهاد حمزة(عليه السلام)

وكان حمزة بن عبد المطلب(عليه السلام)  يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد منهم. وكان وحشي عبداً حبشياً لجبير بن مطعم. وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشياً عهداً: لئن قتلت محمداً أوعلياً أو حمزة لأعطينّك رضاك.

يقول وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس هداً، فمرّ بي فوطأ على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميته بها فوقعت في خاصرته وخرجت مغمّسة بالدم([10]).

وجاءت هند فأمرت بشق بطن حمزة وقطع كبده والتمثيل به، فجدعوا أنفه وأذنيه ومثّلوا به، ورسول الله مشغول عنه لا يعلم بما انتهى إليه أمره.

وقال القمي في (تفسيره): وجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين (حلقتين) وشدّتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه([11]).

 

([1]) تفسير القمي 1: 110.

([2]) تفسير القمي 1: 111.

([3]) تفسير القمي 1: 111.

([4]) إعلام الورى 1: 176.

([5]) تفسير القمي 1: 112.

([6]) الإرشاد 1: 80.

([7]) مغازي الواقدي 1: 221.

([8]) تفسير القمي 1: 112.

([9]) المصدر السابق: 113.

([10]) تفسير القمي 1: 116.

([11]) المصدر السابق: 117.

قراءة 4432 مرة