اسمها ونسبها:
زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، أمّها سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت النبي(ص)،.
ولادتها:
ولدت بالمدينة المنورة، في الخامس من جمادى الأولى، في السنة الخامسة للهجرة.
سيرتها وفضائلها:
كانتعليها السلام عالمة غير معَلّمة، وفهِمة غير مفهّمة، كما وصفها بذلك الإمام زين العابدين(ع)([1])، عاقلة لبيبة، جزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمها الزهراء عليهما السلام.
اتصفت عليها السلام بمحاسن كثيرة، وأوصاف جليلة، وخصال حميدة، وشيم سعيدة، ومفاخر بارزة، وفضائل طاهرة.
حدثت عن أمها الزهراءعليها السلام ، وكذلك عن أسماء بنت عميس كما روى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الإمام الحسين(ع)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبّّاد العامري([2]).
عرفت زينبعليها السلام بكثرة التهجّد شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول(ص)، وأهل البيت عليهم السلام ، وروي عن الإمام زين العابدين(ع) قوله: Sما رأيت عمتي تصلي الليل عن جلوس إلا ليلة الحادي عشرR أي أنها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى تلك الليلة الحزينة، بحيث أن الإمام الحسين(ع) عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء، قال لها: «يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل»([3]).
وذكر بعض أرباب السير أن زينب عليها السلام كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء في الكوفة في زمن إمامة أمير المؤمنين(ع)، حيث دخل عليها أبوها (ع) فوجدها تفسّر لهنّ (كهيعص)([4]) من سورة مريم، وأيضاً روى أرباب السير أن دعاءها كان مستجاباً.
شخصية السيدة زينب عليها السلام :
ولدت السيدة زينب الكبرى في جمادى الأولى السنة الخمسة للهجرة، على ما حققه الشيخ جعفر النقدي، وقيل في السادسة، أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وأمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوتها الحسن والحسين من أمها فاطمةعليها السلام ([5]).
حينما علم النبي(ص)، بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته فأخذها، غير أن دموعه تبلورت على سحنات وجهه الكريم، فضمها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً.
بهرت فاطمةعليها السلام من بكاء أبيها، فانبرت قائلةً: ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً؟!
فقال: يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا([6])..
وحينما علم سلمان المحمدي بولادة هذه الوليدة المباركة أقبل على أمير المؤمنين يهنئه، فألفاه حزيناً واجماً، فتحدث له ما ستعانيه ابنته من المآسي والخطوب([7]).
سألت فاطمة عليها السلام علياً أن يسمي وليدته المباركة، فقال (ع): Sما كنت لأسبق رسول الله (ص)، R فعرض الإمام (ع) على النبي (ص)، أن يسميها، فقال (ص)، : Sما كنت لأسبق ربيR.. فجاءه النداء من السماء: Sسمّ هذا المولود زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسمR([8])..
وكانت عليها السلام تكنّى بأم كلثوم، وقيل بأم الحسن([9])، ولقّبت بألقاب سامية تنم عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة، فقد لقبت بـ: عقيلة بني هاشم، - ومعنى العقيلة: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها -، والعالمة وعابدة آل علي، والكاملة والفاضلة([10])، كما اشتهرت بأمّ المصائب، لهول ما لاقته في مسيرة حياتها، وكنّاها الكتّاب المتأخّرون ببطلة كربلاء.
تربّت السيدة زينب عليها السلام في بيت النبوة، ومركز العلم والفضل، ومنبع الكمال، فجدّها المصطفى خير من على وجه الأرض، وأبوها سيد الأوصياء، وإمام المتقين، وأمها سيدة نساء العالمين، وإخوتها الحسن والحسين الإمامان إن قاما أو قعدا، فورثت من جدها دعوته ورسالته، ومن أبيها بلاغته وشجاعته، ومن أمها عبادتها وجلالتها، فكانت بحق مصداقاً فريداً للبيت النبوي.
فقدت السيدة زينب جدها النبي(ص)، وعاصرت محنة علي وفاطمة، وعايشت جميع مصائب أمها الزهراء، وشاهدت عن كثب آلامها وأوجاعها بقلب حزين، ومهما تخيلنا فلا نصل إلى واقع مصابها عندما فقدت أمها ولم تزل في ربيع الصبا، في الوقت الذي أحوج ما كانت تحتاجه إلى أمها، وكم أظلم البيت عليها في تلك الليالي التي كانت تمر عليها، ولا ترى لأمها فيه شخصاً، ولا تسمع لها حسيساً.
لكن رغم كل الصعوبات كانت تقف مع إخوتها إلى جانب السيد الأكبر علي بن أبي طالب، مجسّدة أفعال أمها، وارثة عنها حنانها المتدفّق الذي أفرغته لسائر أفراد أسرتها، ولئن وفّق الله النبي(ص)، بابنته الزهراء التي كانت مصداقاً حقيقياً لخديجة في وفرة حنانها على النبي(ص)، والوقوف إلى جانبه، حتى قال فيها النبي(ص)، : Sفاطمة أم أبيهاR([11]). فكذلك كانت زينب أُماً حنوناً ليست لعلي(ع) فحسب بل لسائر أفراد أسرتها.
لما بلغت مبلغ النساء هبّ لخطبتها الأشراف([12])، غير أن علياً(ع) اختار لها ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار، الذي ربّاه([13]) بعد شهادة أبيه، وكانت أمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء، وقد أصدقها الإمام (480 درهماً) من خالص ماله، كصداق أمها الزهراء ([14]).
وكان عبد الله ممن صحب النبي وسمع حديثه، وحفظ عنه، ولازم عمه أمير المؤمنين، وابني عمه الحسن والحسين، وأخذ العلم عنهم. وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم، وكانت له ضياع كثيرة، ومتاجرة واسعة، وكان أسخى رجل في الإسلام، وله حكايات في جوده وسخاءه وكرمه كثيرة وعجيبة([15]).
عاشت زينب عليها السلام مع ابن عمها في حياة يسودها الإيمان والطمأنينة والرحمة، وكان نتاج هذا الزواج المبارك أربعة أولاد: عون([16]) - الذي استشهد مع خاله في كربلاء -، وعلي المعروف بالزينبي([17])، وإليه يرجع نسل عبد الله من زينب، وعباس([18])، وأم كلثوم البنت الوحيدة لزينب، والتي خطبها مروان بأمر من معاوية ليزيد، فجاء مروان وخطبها من أبيها عبد الله بن جعفر، فقال له: إن أمرها ليس إليّ، إنما هو لخالها الحسين، فلما أخبر الحسين بذلك وجرى بينه وبين مروان حوار، زوّجها (ع) من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، وكان صداقها كصداق أمها وجدتها (480 درهماً)([19]).
وذكر بعض المؤرخين أن لها عليها السلام ولد آخر واسمه (محمد)، وقد استشهد مع الحسينA في كربلاء ولكنه خطأ، لأن محمداً هذا هو ابن عبد الله بن جعفر من الخوصاء من بني بكر بن وائل([20])، فاشتبه البعض فظن أن نسبته إلى عبد الله يعني ابن زينب.
مواقـفها:
يُسجل لنا التاريخ بكل فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيدة زينبعليها السلام في يوم عاشوراء، حتى أنها أصبحت شريكة الحسين(ع) في نهضته، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف ونتجاهل مواقفها، وسنذكر بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم العصيب وفاءً لها ولصمودها بوجه أعداء آل البيت عليهم السلام.
شاهدت زينب عليها السلام قتل أخيها الإمام الحسين(ع) وإخوتها وبني عمومتها من الشيوخ والشباب والأطفال، وخلّص أصحاب الحسين(ع) يوم عاشوراء، وكذلك قتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينيها، ثم حُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام مع رؤوس الشهداء، ومع ذلك قابلت ابن زياد بكل شجاعة ورباطة جأش.
والملفت للنظر أن زينب عليها السلام كانت متزوجة من عبد الله بن جعفر، واختارت مرافقة أخيها الحسين(ع)، والخروج معه على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما، والجهاد بين يديه ففعلا حتى قُتلا، وحق لها ذلك، فمن كان لها أخ مثل الإمام الحسين(ع) وهي بهذا الكمال الفائق، لا يستغرب منها تقديم أخيها على زوجها.
أمّا موقفها عليها السلام من ثورة الإمام الحسين(ع) فقد تبنّتْ التبليغ لهذه الثورة مع باقي نساء أهل البيت عليهم السلام بلسان فصيح هو لسان علي(ع)، والخطبتان المشهورتان اللتان ألقتهما في الكوفة والشام خير شاهد على ما نقول.
([1]) مقتل الحسين للخوارزمي، والاحتجاج للطبرسي، طبع لبنان عام 1403 هـ ج2، 305.
([2]) الخصائص الزينبية للسيد الجزائري 68، وكتاب رياحين الشريعة للمعلاقي ج3، 57.
([3]) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد: 255.
([11]) طبعاً هذا المعنى الظاهري لكلمته ، ويوجد لها معاني عميقة أُخرى.
([15]) مع بطلة كربلاء لمغنية: 33.
([16]) ذكره الكثير من المؤرخين، وقد ورد ذكره فيمن استشهد مع الحسين(ع) في كربلاء في زيارة الناحية.
([18]) المرأة العظيمة: 104، ولم يذكر المحققون شيئاً عن حياته.