ما هي منزلة الدعاء في الفكر الشيعي؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما هي منزلة الدعاء في الفكر الشيعي؟

جواب:

الدعاء لغةً هو بمعنى أن تجلب الشيء نحوك بصوت أو كلام. ويقول ابن فارس عند تعرّضه لبيان أصل هذه الكلمة: «هو أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك». (1)

وعليه، فإنّ «الدعاء» هو بمعنى توجيه نظر المدعوّ نحو الداعي من أجل جلب النفع أو دفع الضرر. وقد تمّ استعمال كلمة «الدعاء» في القرآن والروايات الإسلاميّة مع الأخذ بعين الاعتبار لمعناها اللغوي. وما يهمّنا بيانه هنا هو المعنى الحقيقي لدعاء الإنسان تجاه الخالق تعالى، وتجميع مجمل الآيات والأحاديث الواردة حوله:

ألف. حقيقة الدعاء

عند التأمّل في الاستعمالات القرآنيّة والحديثيّة لكلمة «الدعاء»، يتبيّن أنّ دعاء الإنسان لله تعالى هو ـ بمعناه الحقيقي ـ أن يرى الإنسان نفسَه عبداً محضاً لله تعالى وفقيراً مطلقاً إليه، وأن يسعى إلى استجلاب رحمته وعنايته من خلال طاعته وعبادته. ومن هنا، فكلّما ازداد الإنسان إدراكاً ومعرفةً، كلّما ازداد دعاءً. ونُلاحظ كيف أنّ أئمّة الدين ـ وبسبب استقرارهم في أعلى مراتب العقل والمعرفة ـ كانوا يرون أنفسهم أفقر الناس إلى الله تعالى، ويهتمّون بالدعاء بشكل غير طبيعي. وأبرز نموذج على ذلك، ما نُشاهده في الصحيفة السجّادية للإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وقد حثّت العديد من الآيات القرآنيّة الشريفة الإنسانَ على الدعاء والاستجداء من الله تعالى، مثلما نُطالع في إحدى هذه الآيات الكريمة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. (2)

وتدلّ هذه الآية الكريمة بجلاء على أنّ حقيقة الدعاء من وجهة نظر القرآن هو شعور الإنسان بالعبوديّة في مقابل خالقه، وطلب قربه ورحمته عن طريق طاعته وعبادته. ولهذا، فإنّها تُعبّر عن هذه الحقيقة بدايةً بلفظة «الدعاء»، ثمّ بعد ذلك بكلمة «العبادة».

ب. أهميّة الدعاء ودوره في الحياة

تدلّ العديد من الآيات والروايات على الآثار والبركات العظيمة للدعاء في حياة الإنسان. ونُطالع في إحدى هذه الآيات: { قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ}. (3)

كما تعرّضت عدّة أحاديث إلى بيان آثار الدعاء وبركاته.

وعلاوةً على ذلك، فقد تمّ الحديث في الروايات عن الشروط والآداب التي تجب مراعاتها لاستجابة الدعاء، غير أنّ التعرّض لذكرها يستدعي مجالاً آخر.

ج. الطلب من غير الله تعالى

إنّ المسألة التي يجدر بنا البحث حولها هي: هل من اللازم أن يكون الطلب من الله تعالى بشكل مباشر، أو أنّه من الممكن أن نطلب من الله عزّ وجلّ حاجتنا من خلال واسطة؟

بالنظر إلى الآيات والروايات المتعدّدة التي تدلّ على جواز الطلب من الله تعالى بشكل غير مباشر، فإنّ الشيعة يعدّون التوسّل بأحبّاء الله عزّ وجلّ في الدعاء والاستجداء منه تعالى أمراً جائزاً، بخلاف الوهابيّين الذين يرون هذا العمل منافياً للتوحيد، ويتّهمون الشيعة بالشرك.

وسنتعرّض في هذا الموضع إلى ذكر نموذج من الآيات والروايات التي تدلّ على جواز هذا العمل، لنترك الحكم الأخير بعهدة القاريء المحترم.

1. لو كان التوسّل والاستعانة بغير الله تعالى شركاً أو بدعةً، فلماذا لم يقل موسى عليه السلام لقومه حينما تقدّموا بطلبهم إليه: لقد جعلتم لله بطلبكم هذا شريكاً.

حيث نُطالع في إحدى الآيات القرآنيّة:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَني‏ إِسْرائيل‏}. (4)

وعليه، يتبيّن أنّ طلبهم من نبيّ الله موسى عليه السلام لم يكن مخالفاً للتوحيد وعبادة الإله الواحد، ولا تُستشمّ منه أيّ رائحة للشرك؛ لأنّ قوم موسى عليه السلام توسّلوا به لأجل رفع البلاء والشدائد عنهم بواسطة العهد والميثاق الذي كان له مع الله تعالى (أي الرسالة والنبوّة والولاية). فلو كانت الاستغاثة والاستعانة بغير الله تعالى شركاً، فلماذا طلب أتباع موسى عليه السلام المساعدة منه عند حلول البلاء؟! ولماذا حكى الله تعالى عنهم هذه الاستغاثة من دون نقد ولا إنكار؟!

2. ونقرأ في سورة يوسف عليه السلام:

{قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}. (5)

حيث طلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم عند الله تعالى، فقبل يعقوب بدوره منهم هذا الطلب.

ونستخلص من الآيات السابقة أنّ طلب الاستغفار من الغير ـ فضلاً عن عدم مخالفته للتوحيد ـ فإنّه يُعدّ طريقاً لاستجلاب اللطف الإلهي، وإلاّ كيف يُمكن لنبيّ الله يعقوب أن يقبل من أبنائه طلبهم، ويردّ بالإيجاب على توسّلهم.

3. يأمر القرآن المجيد العصاة بأن يأتوا عند رسول الله، ويطلبوا منه أن يدعو الله تعالى لهم بالعفو والمغفرة؛ لأنّ دعاء الرسول لهم مستجاب، مثلما جاء في الآية الكريمة:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ  لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً}. ‌(6)

ومن الممكن أن يُقال هنا أنّ هذه المسائل مرتبطة بزمن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وأمّا بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّه لا يسمع كلامنا، وبالتالي سيكون عملنا هذا لغواً.

وجواباً عن ذلك نقول: لو صحّت دعواكم هذه، لماذا نُسلّم على الرسول في تشهّد الصلاة ونُخاطبه بـ: «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته»؟

وإذا كان الأموات لا يسمعون أصوات الأحياء، لماذا ورد في الروايات أنّ الرسول كان يُخاطب الأموات ـ حينما يأتي لزيارتهم ـ بهذا الكلام: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ... ‌». (7)

أفلا يكون الاعتقاد بأنّ الإنسان لا يسمع أيّ كلام بعد موته مخالفاً للروايات التي وردت في صحيح البخاري ومفادها أنّ الرسول قال: «الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ  نِعَالِهِم». (8)

فبالنظر إلى كلّ هذه المسائل، ينبغي علينا القول أنّ الدعاء والطلب من غير الله تعالى لا تفوح منه رائحة الشرك إلاّ حينما نعدّ المدعوّ مستقلاًّ عن الله تعالى وفي عرضه، وأمّا إذا لم نعتبره كذلك، وجعلناه وسيلةً لاستجابة الدعاء، ففضلاً عن عدم مخالفته للتوحيد، فإنّنا نعثر على العديد من النماذج لمثل هذا العمل في الآيات والروايات والتي تدلّ على جوازه ومطلوبيّته، مثلما ورد في صحيح البخاري ـ الذي يعدّه أهل السنّة أصحّ كتاب بعد القرآن ـ عن توسّل الخليفة الثاني بعمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في حادثة الاستسقاء، حيث قال: «اللهمّ إنّ كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا، فاسقنا». (9)

وتدلّ المطالب السابقة على أنّ التوسّل بأولياء الله تعالى هو أمر جائز إجمالاً، وأنّ الذين يحظرونه ويعدّونه مخالفاً لأصل التوحيد، إمّا أنّه لا اطّلاع لهم على المعارف القرآنيّة، وإمّا أنّ التعصّب الخاطيء والأغراض النفسانيّة صارت تحجبهم عن الرؤية.

 

الهوامش:

1. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، قمّ، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي التابع للحوزة العلميّة بقمّ‌، 1404 ق، ج ‌2، ص 279‌.

2. غافر (40)، الآية 60.

3. الفرقان (25)، الآية 77.

4. الأعراف (7)، الآية 134.

5. يوسف (12)، الآيتان 97 ـ 98.

6. النساء (4)، الآية 64.

7. النيشابوري القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، ج 1، ص 218.

8. البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله، صحيح البخاري، بيروت، دار ابن كثير، اليمامة، 1407 ق، ج 1، ص 448‌ (باب المّيت يسمع خفق النعال).

9. نفس المصدر، ص 342، ح 964.

 

قراءة 3354 مرة