هل أن تكريم مواليد أولياء الله ووفيّاتهم بدعة ؟!

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الجواب :

إن الزمرة الوهابية تدّعي حرمة ذلك ... فإنها تُضمر الحقد الدفين والعداء البغيض لأولياء الله وقادة الإسلام ، حيث أنها تمنع من إقامة الاجتماعات في مواليدهم ووفياتهم .

يقول الوهابي ((محمد حامد فقي)) رئيس جماعة ((أنصار السنة المحمدية)) – في حواشيه على كتاب الفتح المجيد - :

(( الذكريات التي ملأت البلاد باسم الأولياء هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم )) (1) .

إن العلّة الأساسية في كل هذه الانحرافات هي أن الوهابيين لم يحدّدوا معنى ((التوحيد)) و((الشرك)) و((العبادة)) حتى الآن ، ولهذا فهم يعتبرون كل تكريم لأولياء الله عبادة لهم وشركاً بالله ، وقد قرأت أن المؤلف الوهابي خبّط شعواء فقرن بين كلمتي ((العبادة)) و((التعظيم)) وذكرهما بأزاء الآخر ، ظناً منه أن المعنى فيهما واحد .

وإننا سوف نتحدث عن العبادة ومفهومها – في فصلٍ قادم – وسنبرهن على أن كل تكريم وتعظيم لأولياء الله ليس عبادة لهم أبداً . والحديث الآن حول جواز تكريم مواليد الأولياء ووفيّاتهم ، على ضوء القرآن الكريم .

مما لا شك فيه أن القرآن الحكيم ذكر جمعاً من الأنبياء والأولياء بكلمات المدح والثناء والتجليل والاحترام فمثلاً :

1- يقول بالنسبة إلى النبي زكريا ويحيى وغيرهما :

(( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات وتدعوننا رَغَباً ورَهَباً وكانوا لنا خاشعين )) (2) .

فإذا أُقيم حفل تكريمي لهؤلاء الأنبياء ، ووقف خطيب يتحدّث عنهم بمثل ما جاء في القرآن الكريم من كلمات المدح والثناء لهم ، وذَكرهم بالتجليل والاحترام ، .. فهل ارتكب خطيئة بذلك ، سوى أنه اقتدى بالقرآن الكريم ؟!

2- يقول بالنسبة إلى أهل البيت – عليهم السلام - :

(( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )) (3) .

فإذا اجتمع شيعة الإمام علي أمير المؤمنين – عليه السلام – في يوم ميلاده الشريف ، وقال خطيبهم : إنّ هذا الإمام هو من أولئك الذين قدّموا طعامهم للمسكين واليتيم والأسير ، فهل يعني هذا أنهم عبدوه ؟!

وهكذا الحال بالنسبة إلى ميلاد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم – فإذا أقمنا احتفالاً عظيماً يوم ميلاده السعيد وتحدّثنا فيه عن الآيات القرآنية التي امتدحت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أو ترجمناها من اللغة العربية إلى غيرها – حسب ما يقتضيه ذلك الحفل – أو ذكرنا معنى تلك الآيات في قوالب شِعريّة ، أو ما شابه ذلك ، فلماذا نكون عاصين بهذا العمل ؟!!

إن الوهابية هم أعداء تكريم الأنبياء والأولياء ، ويُلبسون عداءهم هذا بلباس الدين فيقولون : إن التكريم بدعة ، منعاً من إقامته بين المسلمين .

أيّها القارئ الكريم : إن الموضوع الذي تُثيره الوهّابية الشاذة وتهرّج ضده في أبواقها الدعائية هو أن الاحتفال بذكرى الأولياء – بما أنه يُقام باسم الإسلام – يجب أن يُقرّه الإسلام بنصٍّ خاص أو عام ، وإلا فهو بدعة وحرام .

والجواب على هذا واضح جداً ، إذ أن الآيات القرآنية التي تدعونا إلى ضرورة تكريم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كافية في الجواز ، وأن هذه الاحتفالات والمراسيم لا تُقام إلا ((تكريماً)) للأنبياء والأولياء فقط .

فالهدف من هذه المراسيم والاحتفالات – التي تُزاولها كافّة الشعوب في العالم – ليس إلا التكريم والتقدير للشخصيات البارزة ، وأن هذه الاحتفالات متداولة لدى كافة الشعوب الإسلامية ، باستثناء الشرذمة ((النجدية)) المعقّدة فقط ، فلو كان هذا العمل بدعة وظاهرة جديدة ومخالفاً للشريعة الإسلامية لما كان علماء الإسلام – في الأقطار الإسلامية كلها – يقيمون بأنفسهم هذه الاحتفالات ويشتركون فيها بإلقاء الكلمات والقصائد ، مما يزيد الاحتفال بهجة وحيوية وحبوراً .

 

القرآن وتكريم الأنبياء والأولياء

والآن نذكر بعض الأدلة من القرآن الكريم على جواز تكريم الأنبياء والأولياء فيما يلي :

الآية الأولى :

إن القرآن الكريم يُشيد بجماعةٍ كرّمت النبيّ – صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول :

(( فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون )) (4) .

إن الكلمات التي وردت في هذه الآية هي :

1- ((آمنوا به)) .

2- ((عزّروه)) .

3- ((نصروه)) .

4- ((اتبعوا النور)) .

هل يحتمل أحد أن تكون هذه الكلمات والأوصاف خاصة بزمن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ؟!

بالتأكيد : لا .

ومع انتفاء هذا الاحتمال قطعاً ، تكون كلمة ((عزّروه)) – التي هي بمعنى التكريم والتعظيم (5) – عامّة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وبعد وفاته ، فالله تعالى يريد أن يكون حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – معظّماً مكرّماً حتى الأبد .

ونتساءل : أليست إقامة الاحتفالات في يوم ميلاد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وبعثته ، وإلقاء الخطب والقصائد ، مصداقاً واضحاً لقوله تعالى : ((عزّروه)) ؟!

يا للعجب !! إن الوهابيين يعظّمون شخصياتهم وأمراءهم أكبر تعظيم ، تعظيماً يعتبرون جزءاً منه بدعة وشركاً إذا كان للنبيّ أو لمنبره ومحرابه – صلى الله عليه وآله وسلم - !!

إن الوهابية – بهذه العقائد الجافّة – تُشوه سمعة الإسلام أمام الرأس العامّ العالمي ، وتُعرّفه ديناً عارياً عن كل عاطفة ، وفاقداً للمشاعر الإنسانية ، وناقصاً عن كل تكريم واحترام ، ورافضاً لتكريم عظمائه وقادته ، وبهذا تُنفّر الناس من الإسلام وتتركهم في رفضٍ واشمئزازٍ منه .

تماماً ... بعكس الإسلام الذي جعله الإسلام ديناً سهلاً سمحاً يتجاوب مع الفطرة البشرية ويتماشى مع العاطفة الإنسانية ، ويجذب – بجماله وروعته – الشعوب والأُمم إلى اعتناقه .

الآية الثانية :

إن الزمرة الوهابية – التي تُعارض كل نوع من أنواع العزاء والبكاء على الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله – ماذا تقول بشأن ما حصل للنبيّ يعقوب – عليه السلام- ؟!

إذا كان هذا النبي الكريم اليوم حياً يعيش بين أهالي ((نجد)) وأتباع محمّد بن عبد الوهاب ، كيف كانوا يحكمون عليه ؟!

لقد كان يعقوب – عليه السلام – يبكي على فراق ولده يوسف ليلاً ونهاراً ، ويستفسر عنه ويترنّم باسمه حتى : (( ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم )) (6) .

وبالرغم من كل ما كان يعاني منه يعقوب من ابيضاض العين وحُزن القلب وألم الفراق ، فإنه لم ينسَ ابنه يوسف، بل كان يزداد شوقاً إليه كلما قرب الوصال واللقاء به ، حتى أنه شمّ ريح يوسف من مسافة بعيدة .

قال تعالى على لسانه :

(( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تُفَنِّدون )) (7) .

فكيف تكون هذه المحبّة والمودّة والتعبير عن العلاقة الشديدة بالمحبوب ((يوسف)) في حياته عملاً صحيحاً ومتفقاً مع توحيد الله تعالى ، ولكنها تنقلب بدعة وحراماً بعد وفاته ؟!!

مع العلم أن فراق العزيز وموته يترك القلب في نيران الأسى والحزن والألم بصورة أكثر من فراقه في حياته .

واليوم ... إذا اجتمع المؤمنون – الذين يشبهون يعقوب في حُزنه – في عزاء وليّ من أولياء الله – كالأئمة الطاهرين الذين يشبهون يوسف في مصابه ، بل مُصابهم أشدّ منه كثيراً – وأحيى المؤمنون ذِكر ذلك الوليّ الصالح ، بالكلمات والخُطب والقصائد ، وردّدوا سيرته وخُلُقه الكريم وخصاله الحميدة وسلوكه الطيّب ، ثم ذرفوا دموع العاطفة والحنان عليه ... فهل معنى هذا كلّه أنهم عبدوا ذلك الولي ؟!!

قليلاً من التفكّر والموضوعية !

قليلاً من الفهم والمعرفة !

الآية الثالثة :

قال تعالى :

(( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القُربى )) (8) .

مما لا شكّ فيه أن مودّة ذي القربى هي إحدى الفرائض الدينية التي نصّ عليها القرآن بكل صراحة (9) فلو أراد شخص أن يؤدّي هذا الواجب الديني – بعد أربعة عشر قرناً – فماذا يجب أن يفعل والحال هذه ؟!

أليس المطلوب أن (( يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم )) ؟!

فلو أقام مراسم خاصة أشاد فيها بشخصية ذلك العظيم وحياته المتلألئة وفضائله الكريمة وتضحياته الجبّارة ، واستعرض جانباً من آلامه وما جرى عليه من المصاعب والمصائب ... فهل ارتكب حراماً بعمله هذا ؟ أم أنه أحيى ذِكر ذلك العظيم وأدّى ((المودّة)) تجاهه ؟!!

ولو أن الإنسان – لمزيد المودّة في القربى – تفقّد من ينتسب إلى ذوي القربى ، وقام بزيارة قبور ذي القربى وأقام تلك المجالس عند مراقدهم ... ألا يحكم العقلاء وأهل البصيرة والدين بأنه يؤدي فريضة (( المودّة في القربى )) ؟!

إلا أن يقول الوهابيون : إن الواجب هو كتمان المودّة في النفوس وعدم إبرازها بأي وجه مما هو ثابت البطلان !.

لقد شهد عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – وما بعده من العصور التي عاشت تغييراً في العقائد وتحولاً في الأفكار – شهد إقبالاً عظيماً من الشعوب والأمم المختلفة تجاه الإسلام ، حتى قال تعالى :

(( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً )) (10) .

وكان الإسلام يحتضنهم ويكتفي منهم – في البداية – بالشهادتين ، مع محافظتهم على ثقافتهم وآدابهم وتقالديهم ، ولم يعمل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن جاء من بعده ، على فرض الرقابة على عادات الشعوب وتقاليدها ، وصَهْرها في بوتقةٍ واحدة .

إن احترام كبار الشخصيات وإقامة مجالس العزاء في ذكريات وفاتهم ، والاجتماع عند مراقدهم ، وإظهار الحبّ والمودّة لهم ... كلّ ذلك كان ولا يزال أمراً متداولاً لدى كافة الشعوب في العالم كلّه .

وفي عصرنا الحاضر ... ترى الشعوب الشرقية والغربية تقف ساعات طويلة في الانتظار لزيارة الأجساد المحنَّطة لزعمائها وقبور قادتها القدامى ، ويذرفون دموع الشوق بجوارها ، ويعتبرون ذلك نوعاً من الاحترام والتقدير .

ولم يُعهد من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يجري تحقيقاً عن عقائد الناس وآدابهم المعروفة – أولاً – ثم يوافق على دخولهم في إسلامهم ، بل كان يكتفي بتشهّدهم للشهادتين ، ولو كانت هذه العادات محرّمة وعبادة لتلك الشخصيات لاشترط عليهم البراءة والتخلّي من كل ما لديهم من عادات وتقاليد ، ثم الدخول في الإسلام ، ولم يكن الأمر كذلك .

الآية الرابعة :

إن النبي عيسى – عليه السلام – سأل ربه أن يُنزل عليه مائدة من السماء ، ويَعتبر يوم نزولها عيداً له ولأصحابه .

يقول القرآن الكريم – عن لسان عيسى - :

(( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (11) .

فهل – يا ترى – أن شخصية الرسول – صى الله عليه وآله وسلم – أقل شأناً من تلك المائدة التي اتخذ المسيح يوم نزولها عيداً ؟!!

إذا كان اتخاذ ذلك اليوم عيداً لكون المائدة آية إلهية ومعجزة سماوية ... أليس نبيّ الإسلام أكبر آية إلهية ومعجزة القرون والعصور ؟!

تبّاً وبُعداً لقوم يوافقون على اتخاذ يوم نزول المائدة السماوية – التي لم يكن لها شأن سوى إشباع البطون الجائعة – عيداً ، ولكنهم يُهملون يوم نزول القرآن على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ويوم مبعثه الشريف ، بل ويعتبرون الاحتفال به بدعة وحراماً !!

الآية الخامسة :

قال سبحانه :

(( ورفعنا لك ذكرك )) (12) .

إن إقامة المجالس والاحتفالات هي نوع من رفع الذكر ، والمسلمون لا يهدفون من الاحتفال بميلاد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ومبعثه وغير ذلك من المناسبات الدينية سوى رفع ذِكره وذِكر أهل بيته الأطهار – عليهم السلام - .

فلماذا لا نقتدي بالقرآن ؟!.

أليس القرآن قدوة وأسوة لنا ؟!

هذا ... وليس لأحدٍ أن يقول : (( إن رفع ذِكره – صلى الله عليه وآله وسلك – خاصّ بالله سبحانه ولا يشمل غيره )) لأن ذلك يشبه أن يقول : إن نصْر النبي خاص بالله سبحانه ولا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن ينصره وقد قال تعالى :

(( وينصرك الله نصراً عزيزاً )) (13) .

ولعلّ الهدف من هذه الآيات هو دعوة المسلمين إلى نصر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتخليد ذكراه وإحياء اسمه ورسمه .

__________________________

الهوامش :

(1) الفتح المجيد : ص 154 . في هذه الأيام أنشغل فيها بتأليف هذا الكتاب ، يحتفل المسلمون – في كافة البلاد الإسلامية – بميلاد خاتم الأنبياء ومنقذ البشرية النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وقد أفتى مفتي آل سعود ((ابن باز)) بحرمة الاحتفال بهذه المناسبة الكريمة واعتبرها بدعة ، ولكن هذا المفتي نفسه خاطب الملك فيصل – في فترة حكومته – بـ ((أمير المؤمنين)) مما أثار السّخط والاشمئزاز في الأوساط كلها ، حتى أن نفسَه أعرب عن عدم استحقاقه لهذا اللقب .

(2) سورة الأنبياء : آية 9 .

(3) سورة الإنسان : آية 8 .

(4) سورة الأعراف : آية 157 .

(5) راجع كتاب مفردات القرآن : للراغب ، مادّة : عزر .

(6) سورة يوسف : آية 84 .

(7) سورة يوسف : آية 94 .

(8) سورة الشورى : آية 23 .

(9)لقد وردت عشرات الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في أن ((القربى)) في الآية هم أهل البيت – عليهم السلام - .

(10) سورة النصر : آية 3 .

(11) سورة المائدة : آية 114 .

(12) سورة الانشراح : آية 7 .

(13) سورة الفتح : آية 3 .

قراءة 3047 مرة