هل تحققت أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء؟

قيم هذا المقال
(2 صوت)
هل تحققت أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء؟

قال الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: اللّهمّ إن كنتَ حَبَسْتَ عنّا النصر، فاجعلْ ذلك لما هو خير في العاقبة، وانتقم لنا من القوم الظالمين[1].

شاء الله أن يحبس النصر عن الحسين (عليه السلام)، فيُسْجَنَ أنصاره في الكوفة، ويُقتل مسلم وهانئ، ثمّ يُحاصر هو وأهل بيته وأنصاره، ويُقتل مظلوماً مدافعاً عن نفسه وعياله، ويُقتل معه أهل بيته وأنصاره الذين بايعوه على النصرة بين يديه، وقد ضربوا أروع المثل في الوفاء، ثمّ سيقت الرؤوس ونساء الحسين (عليه السلام) سبايا إلى الكوفة ثمّ إلى الشام.

 وفي قبال ذلك استوسق الملك ليزيد، وصفا له الجو سنتان إلاّ سبعاً وثلاثين يوماً بعد قتل الحسين[2].

وظاهر ذلك أنّ الحسين (عليه السلام) قد فشل في تحقيق ما كان يستهدفه من هدف.

فهل كان الأمر كذلك؟ أم أنّ الحسين (عليه السلام) كان قد نجح كلّ النجاح في حركته، وتحقّق له هدفه في حركته تلك، واستجيبَ دعاؤه بأن يكون الخير كلّ الخير في عاقبة الحركة التي بدأها وقتل من أجلها، مضافاً إلى انتقام الله له من الظالمين؟
ونرى من الضروري قبل الإجابة على السؤال أن نستذكر الأمر الذي استهدفه من حركته، ودفع الحسين (عليه السلام) حياته ثمناً له، وهو قضيتان:

القضية الأولى:
كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل بيته (عليهم السلام)، وبيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله، والحديث النبوي الصحيح في توهين بني اُميّة، وكذلك الحديث الصحيح في السنن والأحكام التي خالفها الخلفاء بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ثمّ انتشار تلك الأحاديث من جديد ليأخذ أهل البيت (عليهم السلام) مقامهم في المجتمع بوصفهم أئمّة هدى منصوص عليهم؛ ليتمكّنوا من نشر حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الذي كتبه علي (عليه السلام) بيده، ثمّ ليلتفّ حولهم ويواليهم، ويأخذ عنهم معالم الدين مَنْ شاء أن يفعل ذلك دون حرج أو خوف.

القضية الثانية:
إفهام المسلمين جميعاً أنّ طاعة بني اُميّة ليست من الدين في شيء بل على العكس من ذلك ؛ فإنّ الدين يدعو إلى البراءة منهم، والوقوف بوجههم، ومجاهدتهم والإطاحة بهم.
ونحن حين ننظر إلى مجريات الحوادث في الواقع التاريخي خلال سبعين سنة بعد قتل الحسين (عليه السلام)، نجد أنّ كلا القضيتين قد حقّق الحسين (عليه السلام) بداياتها الأساسية في الشهور الخمسة من تصدّيه المعلن، الذي انتهى بشهادته المرتقبة من قِبَله ومن قِبَل الأمّة، ثمّ جعل الله تعالى شهادة الحسين (عليه السلام) وظلامته أوسع الأبواب لتتحرّك تلك البدايات باتّجاه تحقيق تينك القضيتين بأتمّ درجة مرجوّة. وفيما يلي بيان مختصر عن ذلك ونفضّل البدء بالحديث عن القضية الثانية أوّلاً:

تفهيم الأمّة أنّ الدّين يدعو إلى الإطاحة ببني اُميّة:
يتّضح تحقّق هذا الهدف من معرفة حال حركة الأمّة، ووضع الدولة الاُمويّة خلال السنوات السبعين التي تلت قتل الحسين (عليه السلام).

لقد كان حال الأجيال الجديدة آنذاك ـ وهم أكثرية الأمّة ـ قبل حركة الحسين (عليه السلام) هو التأثر بالضلال الأموي، ومن ثمّ التعامل مع الحاكم الأموي على أنّه خليفة الله وحجّته، وأنّ طاعته هي الدين، ومن هؤلاء مَنْ هو رعية، ومنهم مَنْ هو في الجيش والشرطة والإدارة.

ونموذج هذا القسم الثاني شمر بن ذي الجوشن، إذ كان يدعو الله بعد الصلاة ليغفر له، فيقول له صاحبه: كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! قال: ويحك! فكيف نصنع؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء[3]، (يريد إنّ معصية خليفة الله توجب النار).

وأمّا حال الأجيال السابقة فإنّ أكثرهم يفهم الانحراف على أنّه تعطيل الأحكام والاستئثار بالفيء، غير أنّهم يخشون صولة النظام وبطشه، وقلّة منهم ـ وهم شيعة علي الذين صبَّ النظام الأموي جام غضبه عليهم ـ يفهمون أنّ الذي يجري إنّما هو محق لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله).

وبإزاء هذا الوضع ليس من راية للتغيير، أو ثائر على النظام إلاّ الخوارج، وهؤلاء لا يتعاطف معهم أحد؛ لأنّهم يكفِّرون كلّ الناس من جهة، ويبادئون الأبرياء بالقتال من جهة أخرى. هذا مضافاً إلى أنّ النظام الأموي كان قد تبنّى نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي تدين الخوارج الذين خرجوا على علي (عليه السلام) خاصة في النهروان، وترفع من شأن مَنْ يقاتلهم مع حذف ما يرتبط بعلي (عليه السلام) بصفته المحور في تلك الأحاديث، وجعلها أحاديث عامّة موجّهة إلى كلّ مَنْ يخرج على الخليفة[4].

والذي حصل بعد حركة الحسين (عليه السلام) وشهادته هو اتضاح حقيقة الحاكم الأموي، وأنّ طاعته ليست من الدين في شيء بل الدين يدعو إلى القيام والثورة بوجهه، وذلك من خلال أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيحة التي انتشرت، واقترافه الجريمة البشعة بقتل الحسين (عليه السلام)، الذي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عنه وبكاه منذ ولادته. ومن هنا نجد ثورة أهل المدينة ضدّ يزيد، ثمّ ثورة أهل مكّة، وقد جاءت الطريقة المروعة التي تعامل بها الاُمويّون مع ثوار المدينة ومكة، وغزوهم مكّة، ورمي البيت الحرام بالمنجنيق، ووقوع الحريق فيه مؤكّدة؛ لما بدأه الحسين (عليه السلام) مع بني اُميّة أنّهم ليسوا من أهل الدين، وأنّ الدين يأمر بحربهم والنهوض ضدّهم. واستمرت الثورات بعد ذلك على بني اُميّة بعد يزيد من قبل أهل العراق خاصّة كثورة سليمان بن صرد، ثمّ ثورة المختار، ثمّ ثورة زيد بن علي، ثمّ ثورة عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب، ثمّ ثورة العباسيِّين أخيراً الذين استطاعوا القضاء على حكم بني اُميّة بشعار الثار للحسين (عليه السلام) سنة 132.

إنكسار الطوق المفروض على حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام):
لقد كسر الحسين (عليه السلام) بنفسه هذا الطوق في مكّة مدّة أربعة أشهر وأيام حين لم يُعِر أهمية لقرار السلطة بالمنع عن نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام)، حيث أخذ يذكِّر ويُسمِع القادمين من الآفاق للعمرة أو للحجّ، ثمّ يدفعهم ليسألوا من بقايا أخيار صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) الذين بين أظهرهم بما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل البيت (عليهم السلام) بشكل عام، أو ما قاله في أبيه علي (عليه السلام)، أو في أخيه الحسن (عليه السلام)، أو فيه خاصة؛ سواء في بيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله، أو في بيان شهادته (عليه السلام).

وما يجري عليه من بني اُميّة وأعوانهم الظلمة، والثواب العظيم لمَنْ يوفّق لنصرته والقتل بين يديه. ثمّ ختمت تلك الأيام العامرة بنشاط الحسين (عليه السلام) وأصحابه فكريّاً وسياسيّاً بالخروج من مكّة اضطراراً حين علم أنّ السلطة قد دسّت إليه مَنْ يقتله في مكّة، وكره الحسين (عليه السلام) أن تستباح به حرمة الحرم.

 وليس من شك فإنّ قضية إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بشهادة الحسين (عليه السلام)، وما يرتبط بها من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام)، سوف تكون الشغل الشاغل لهؤلاء الحجّاج، حيث سينقلونها إلى قرباهم ومَنْ يثقون به من أصدقائهم، ومن ثمّ سوف يترقّب الجميع تحقق النبوءة؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكذب، وحين يصلهم خبر تحقّقها وبشاعة ما جرى على الحسين (عليه السلام) من قبل بني اُميّة وجندهم، وما ظهر من الحسين (عليه السلام) من إصرار على موقفه في إحياء أحاديث جدّه وتوعية الأمّة بها، ثمّ تضحيته بكلّ غال ونفيس من أجل ذلك، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، ليس من شك أنّ ذلك سيؤدي إلى انتشار أكبر لتلك الأحاديث. ومن الطبيعي أن يكون ذلك سرّاً في بادئ الأمر؛ تفادياً لعقوبة النظام وشراسته في هذه المسألة خاصة، أمّا حين تتصدّع وحدة الدولة بعد موت يزيد، ويختلف أهل الشام، ويقتتلون فيما بينهم كما حصل بين مروان بن الحكم ومَنْ معه، والضحاك بن قيس الفهري ومَنْ معه، وهما من أبرز وجوه النظام العاملين على تقويمه. ويضاف إلى ذلك استقلال الحجاز والبصرة بقيادة ابن الزبير، واستقلال الكوفة وما والاها بقيادة المختار، واستقلال اليمن بقيادة نجدة الخارجي، واستقلال خراسان بقيادة عبد الله بن خازم، ليس من شك أنّ وضعاً كهذا سوف تغيب فيه رقابة السلطة على الحديث النبوي الصحيح، ويبدأ الناس يحدّثون بما عندهم. ومن الطبيعي أن يكون الحديث المرتبط بأهل البيت وعلي (عليهم السلام) الذي كانت الدولة تلعنه على المنابر، والحسين (عليه السلام) الذي قُتل وسُيِّر رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى الشام، وإخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بشهادة الحسين (عليه السلام) وبكائه عليه منذ ولادته هو من أهم تلك الأحاديث.

وإذا عرفنا أنّ الدولة الاُمويّة لم تسترجع قوتها ووحدتها، ومن ثمّ فرض سياستها السابقة كما كانت عليه زمن معاوية ويزيد إلاّ بعد عشرين سنة تقريباً، استطعنا أن ندرك بسهولة كيف أنّ الله تعالى هيّأ لحركة الحسين (عليه السلام) التبليغيّة القصيرة جدّاً الظرف المناسب؛ لتمتدّ وتتسع بعد شهادته مدّة عشرين سنة تقريباً في ظلّ الاختلاف السياسي الشامل الذي عمّ البلاد الإسلاميّة بعد موت يزيد. حيث أتيحت الفرصة لصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) ممّن حمل حديثه عنه وعن علي (عليه السلام) في مدن إقامتهم أن ينشروا أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام) خاصّة، وكذلك الأحاديث الصحيحة في متعة الحجّ وغيرها، وكذلك سيرة علي (عليه السلام).
 
 الحسين (عليه السلام) في مواجهة الضلال الأموي، السيد سامي البدري

[1] الطبقات 1 / 471.
[2]  قتل الحسين (عليه السلام) في 10محرّم سنة 61 هجرية، وكانت وقعة الحرّة في الثالث من ذي الحجّة سنة 63 هجرية.
[3]  لسان الميزان (ترجمة شمر بن ذي الجوشن).
[4] من قبيل ما رواه البخاري في المختصر 6 / 3541 قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد الواحد، حدّثنا الشيباني، حدّثنا يسير بن عمر، وقال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول ـ وأهوى بيده قبل العراق ـ: «يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية». وما رواه الطبراني في المعجم الكبير 8 / 268 قال: حدّثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا أبو غالب قال: رأيت أبا اُمامة الباهلي أبصر رؤوس الخوارج على درج دمشق، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! ثمّ بكى وقال: شرّ قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى مَنْ قتلوه. والرواية الأولى محرّفة بالنقيصة، والثانية محرّفة بالزيادة. أمّا أصل الرواية فهي ما رواه أبو داود في سننه 4 / 244 قال: حدّثنا الحسن بن علي (عليه السلام)، ثنا عبد الرزاق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل قال: أخبرني زيد بن وهب الجهني أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع علي (عليه السلام) الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يخرج قوم من أمّتي يقرؤون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيّهم (صلى الله عليه وآله) لنكلوا على العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع على عضده، مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض، أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ؛ فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله». قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتّى مرّ بنا على قنطرة، قال: فلمّا التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم: ألقوا الرماح وسلّوا السيوف من جفونها ؛ فإنّي أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. قال: فوحشوا برماحهم، واستلّوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم. قال: وقتلوا بعضهم على بعضهم. قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلاّ رجلان، فقال علي (عليه السلام): «التمسوا فيهم المخدّج». فلم يجدوا. قال: فقام علي (عليه السلام) بنفسه حتّى أتى ناساً قد قُتل بعضهم على بعض، فقال: «أخرجوهم». فوجدوه ممّا يلي الأرض، فكبّر وقال: «صدق الله، وبلغ رسوله». فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين، والله الذي لا إله إلاّ هو، لقد سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: «إي والله الذي لا إله إلاّ هو» حتّى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف.

قراءة 1970 مرة