لمحاسبة النفس أهمّيّة كبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومن ثمّ اهتمامه بالتزوّد من أعمال البرّ والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.
لذلك كثرت النصوص التي تحرّض على المحاسبة بأساليبها الحكيمة البليغة:
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإنّ للقيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مقام ألف سنة، ثمّ تلا: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[1]"[2].
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "ابن آدم، لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك..."[3].
كيفيّة المحاسبة
قيل: يا أمير المؤمنين، وكيف يحاسب الرجل نفسه؟ قال عليه السلام: "إذا أصبح، ثمّ أمسى، رجع إلى نفسه، وقال: يا نفس، إنَّ هذا يوم مضى عليك، لا يعود إليك أبداً، والله سائلكِ عنه فيما أفنيته، فما الذي عملتِ فيه؟ أذكرتِ الله أم حمدتِه؟ أقضيتِ حقّ أخ مؤمن؟ أنفّستِ عنه كربته؟ أحفظتِه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتِه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففتِ عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنتِ مسلماً؟ ما الذي صنعتِ فيه؟ فيذكرُ ما كان منه، فإنْ ذكر أنّه جرى منه خيرٌ، حمد الله عزّ وجلّ وكبّره على توفيقه، وإنْ ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله عزّ وجلّ وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمّد وآله الطيّبين، وعَرْضِ بيعة أمير المؤمنين على نفسه وقبولها، وإعادة لعن شانئيه وأعدائه، ودافعيه عن حقوقه، فإذا فعل ذلك، قال الله -عزّ وجلّ: لستُ أناقشك في شيء من الذنوب، مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي"[4].
أهمّ ما يجب محاسبة النفس عليه
أ- أداء الفرائض
أوّل ما يجدر محاسبة النفس عليه أداء الفرائض التي أوجبها الله تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحجّ والزكاة ونحوها من الفرائض.
ب. فعل الذنوب والآثام
محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، ولقد ضرب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أرفع مثل لمحاسبة النفس، والتحذير من صغائر الذنوب ومحقّراتها، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رسول الله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء، ما بها من حطب، قال: فليأتِ كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به، حتّى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا تجتمع الذنوب، ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب! فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[5].[6]
ج- تضييع فرصة العمر
يجب محاسبة النفس دائماً على عدم تضييع فرصة العمر التي منّ الله تعالى بها عليه، فالعمر هو الوقت المحدَّد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾[7].
من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت عليهم السلام موضّحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة، نذكر منها:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك"[8].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: يوم مضى بما فيه، فليس بعائد، ويوم أنت فيه، فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت مِن أهله، ولعلك راحل فيه، أمّا اليوم الماضي فحكيم مُؤدِّب، وأمّا اليوم الذي أنت فيه فصديق مودِّع، وأمّا غد فإنّما في يديك منه الأمل".
وعنه عليه السلام أنّه قال: "ما من يوم يمرّ على ابن آدم، إلّا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيَّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعد هذا أبداً"[9].
ورُوي أنّه جاء رجل إلى الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام يشكو إليه حاله، فقال: "مسكينٌ ابن آدم، له في كلّ يوم ثلاث مصائب، لا يعتبر بواحدة منهنّ، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فأمّا المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره"، قال: "وإنْ ناله نقصان في ماله اغتمّ به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يردّه، والثانية أنّه يستوفي رزقه، فإن كان حلالاً حوسب عليه، وإن كان حراماً عوقب عليه"، قال: "والثالثة أعظم من ذلك"، قيل: وما هي؟ قال: "ما من يوم يمسي، إلّا وقد دنا من الآخرة رحلةً، لا يدري على الجنّة أم على النار"[10].
الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية - بتصرف
[1] سورة السجدة، الآية 5.
[2] الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ج1، ص329.
[3] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414ه، ط1، ص115.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص70.
[5] سورة يس، الآية 12.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص346.
[7] سورة الأعراف، الآية 34.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص76.
[9] المصدر نفسه، ج70، ص111.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص523.