قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾([1])
إشارات:
- يكرّر الله سبحانه وتعالی في هذه الآية الأمر بالتقوی، وهذا يفيد التأكيد، ومضافاً إليه يمكن أن يدلّ التكرار علی المعاني الآتية:
١- الدعوة الأولی تتعلّق بأصل العمل، والثانية تتعلّق بكيفيّة أدائه.
٢- الدعوة الأولی هي دعوة إلی فعل الخير، والثانية هي دعوة إلی ترك المحرّمات.
٣- وربّما تكون الدعوة الأولی دعوة إلی التوبة، والثانية دعوة إلی التزوّد للآخرة.
- عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلی الله عليه وآله): "تصدّقوا ولو بصاع من تمر، ولو ببعض صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة، فإنّ أحدكم لاقی الله فيقال له: ألم أفعل بك؟ ألم أفعل بك؟ ألم أجعلك سميعاً بصيراً؟ ألم أجعل لك مالاً وولداً؟ فيقول: بلی، فيقول الله تبارك وتعالی: فانظر ما قدّمت لنفسك، قال، فينظر قدّامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئاً يقي به وجهه من النار([2]).
التعاليم:
١- الإيمان هو الأرضيّة المساعدة علی التقوی، والتقوی هي الشرط الذي يرتّب النفع علی الإيمان: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا«.
٢- علی الإنسان أن لا يراهن علی فعل ورثته الخير له، بل عليه أن يفكّر هو نفسه في آخرته، ويعدّ العدّة لها: «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ«.
٣- علينا أن ننعم النظر في ما ندّخره لآخرتنا بوصفه عملاً صالحاً: «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ«.
٤- محاسبة النفس من الواجبات: «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ»، (فإذا لم ننظر اليوم ونتأمّل فسوف نشعر بالخجل والحياء يوم القيامة من تقصيرنا: «يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا»([3]).
٥- ليس يوم القيامة بعيداً: «لِغَدٍ» (وفي محلٍّ آخر يقول سبحانه وتعالی: «إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا»([4]).
٦- بعد النظر والتفكير في العاقبة، من لوازم الإيمان: «مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ«.
٧- التقوی من دواعي محاسبة النفس، ومحاسبة النفس سبب للرشد وتمتين حالة التقوی: فقد ورد قوله تعالی: «وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ»، بين أمرين بالتقوی.
٨- لا ينبغي أن يعدّ الإنسان نفسه في مأمنٍ في أيّ فترة من فترات حياته: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... واتَّقُوا اللَّهَ«.
٩- الإيمان بخبرة الله وسعة علمه، من العوامل المساعدة علی التقوی: «وَاتَّقُوا اللَّهَ...إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ«.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة الحشر، آية 18
([2]) تفسير نور الثقلين، ج٥، ص٣١٣.
([3]) سورة النبأ: الآية ٤.
([4]) سورة المعارج: الآية ٦.