لقد سخّر الله تعالى جميع مخلوقاته في خدمة الإنسان والرقيّ به نحو الكمال، وهي نِعم لا تدوم ولا تزيد إلا بوجود أسبابها وأداء الواجب نحوها، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الإسلام: "فيه مرابيع النِّعم([1])، ومصابيح الظُلم، لا تُفتح الخيرات إلّا بمفاتيحه، ولا تُكشف الظلمات إلّا بمصابيحه"([2]). لذا كان لا بدّ للإنسان من أن يقوم بما يفي لهذه النِّعم الإلهيّة ولو بالقليل، كالقيام على سبيل المثال بـ:
1- أداء الشكر لله على هذه النِّعم، لأنّ الشكر يزيد في النِّعم والبركات. قال تعالى: ﴿ولوْ أنّ أهْل الْقُرى آمنُواْ واتّقواْ لفتحْنا عليْهِم بركاتٍ مِّن السّماء والأرْضِ ولـكِن كذّبُواْ فأخذْناهُم بِما كانُواْ يكْسِبُون﴾([3])، ﴿ولوْ أنّهُمْ أقامُواْ التّوْراة والإِنجِيل وما أُنزِل إِليهِم مِّن رّبِّهِمْ لأكلُواْ مِن فوْقِهِمْ ومِن تحْتِ أرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمّةٌ مُّقْتصِدةٌ وكثِيرٌ مِّنْهُمْ ساء ما يعْملُون﴾([4]). وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من أُعطي الشكر أُعطي الزيادة يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لئِن شكرْتُمْ لأزِيدنّكُمْ﴾".
2- الدوام على ذكر نِعم الله وعدم الغفلة عنها، قال تعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمت اللهِ عليْكُمْ هلْ مِنْ خالِقٍ غيْرُ اللهِ يرْزُقُكُم مِّن السّماء والْأرْضِ لا إِله إِلّا هُو فأنّى تُؤْفكُون﴾([5]). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وذكِّرْهُمْ بِأيّامِ اللهِ﴾ (أي): "بنعم الله وآلائه"([6])، وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وأمّا بِنِعْمةِ ربِّك فحدِّثْ﴾([7]): "الّذي أنعم عليك بما فضّلك، وأعطاك وأحسن إليك، ثم قال: فحدّث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه"([8]).
- أيضاً: معناه اذكر نعمة الله وأظهرها وحدِّث بها، وفي الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، والتحدُّث بنعمة الله شُكر وتركه كُفر"، وعن الإمام الحسن عليه السلام: "تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرِفت"([9])، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أحسنوا صحبة النِّعم قبل فِراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها"([10]).
3- القناعة بنِعم الله تعالى وعدم الإسراف فيها، قال الإمام الكاظم عليه السلام: "من اقتصد وقنع بقيت عليه النِّعمة، ومن بذّر وأسرف زالت عنه النِّعمة"([11]).
4- السعي في قضاء حوائج الناس، قال الإمام عليّ عليه السلام: "من كثُرت نِعم الله عليه كثُرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء"([12]).
5- الامتناع عن ظلم الناس والاستعانة بنعم الله على معاصيه لا سيّما التكبُّر على عباده، قال الإمام عليّ عليه السلام: "ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم فيها، إلّا كان حقيقاً أن يُزيلها عنه"([13]).
وورد في زبور داود عليه السلام: يقول الله تعالى: "يا بن آدم! تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تُلحّ عليّ بالمسألة فأُعطيك ما سألت، فتستعين به على معصيتي"([14]). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم ما تنصفني! أتحبّب إليك بالنِّعم وتتمقّت إليّ بالمعاصي، خيري عليك منزل وشرّك إليّ صاعد"([15])، ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "بالتواضع تتمّ النِّعمة"([16]).
6- إظهار النِّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان، قال الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله جميل يُحبُّ الجمال، ويُحبُّ أن يرى أثر النِّعمة على عبده"([17]).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُمّي حبيب الله محدِّثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سُمّي بغيض الله مُكذِّباً بنعمة الله"([18])، وعنه عليه السلام: "إنّ الله تعالى يُحبُّ الجمال والتجميل، ويُبغض البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه، ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره، ويكنس أفنيته، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق"([19]).
مظاهر الرحمة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) مرابيع: جمع مِرباع، بكسر الميم: المكان ينبت نبته في أوّل الربيع.
([2]) نهج البلاغة، الخطبة 152.
([3])الأعراف:96.
([4])المائدة:66.
([5])فاطر:3.
([6])الدر المنثور، للسيوطي، ج4، ص 70.
([7])الضحى:11.
([8])الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 94.
([9])بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 75، ص 115.
([10])علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص 464.
([11]) ميزان الحكمة، ج4، ص 3313.
([12]) نهج البلاغة، الحكمة 372.
([13]) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 482.
([14]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج70، ص 365.
([15]) م. ن، ج70، ص 352.
([16]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص 3318.
([17]) الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
([18]) الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
([19]) أمالي الطوسي، ص 275.