هل تقيّد التقوى حريتنا؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
هل تقيّد التقوى حريتنا؟

لا ينبغي أن نراقب الآخرين وأفعالهم، بل علينا أن نعرف ما علينا نحن القيام به. ومنذ بداية الثورة وهذه عقيدتنا، حيث كنا نقول أننا لا نأخذ الأوامر ممن لا نرضى بأفعالهم. نحن نتبع في أفعالنا أوامر عقائدنا وتشخيصنا. يجب أن تحمل أفعالنا طابعًا دينيًا، وأن نراعي فيها التقوى والاعتدال والمداراة، بحيث يكون ﴿أُسّس على التقوى﴾[1] حقاً، فيكون مبنى وملاك العمل هو التّقوى. فإن صادف وعلمنا أن هناك في المجتمع من لا يراعي التقوى ولا يجعلها الملاك في أعماله، أفنقول ولم هو يخالف التقوى (وعلينا نحن الالتزام بها)؟ إن ترك هو التقوى وكان عمله خلافها، فهذا لا يعني أن نجيز لأنفسنا مخالفتها[2].

إن مفردة التّقوى المقدّسة وكذلك مفردة التّزكية، والتي كثيراً ما أوصى الإسلام بها، هي في الواقع تخطّي العوائق الذّاتية للحريّة. التقوى تعني أن يصون الإنسان نفسه بوعي، وأن يحول دون تأثير الأهواء والرّغبات، والشطحات، والمنعطفات في طريقه في سبيل الله والإنسانيّة فلا ينحرف عنه. والتّزكية تعني تطهير النّفس من الفساد، والتلوّث، والتعلّقات النّفسية والقلبية. فيطهر نفسه من كل دناءة، ورذالة، وانحطاط. فمن يزكِّ نفسه ويتّقِ ربّه يكنْ في الحقيقة حراً، يمكنه التفوق على القوى العالمية الكبرى. وكذلك الشعب إذا ما وُجدت التقوى والتزكية في أفراده، ولو بشكل نسبي (بنسب متفاوتة) يمكنه التّغلب على القوى المهددة لحرياته بنفس تلك النسبة. ولربما قد سمع الكثير منكم بالقصة التي ينقلها “ديوجانس” الحكيم الشهير، فيقول: أراد الإسكندر المقدوني، الذي يعدّ فاتحاً عظيماً في زمانه، عبور طريق ما متبختراً، وكان الجميع يقعون له إجلالاً وتعظيماً، وينهالون عليه بالمدائح. صادف أن رأى رجلاً عجوزاً مرتدياً ثياباً رثة يظهر الفقر عليه جالساً على قارعة الطريق، ولا يبالي بقدوم الإسكندر، فسأل عنه، اقتربوا منه، ووجدوا أنه عجوز فقير لا يهتم بقدوم الإسكندر، فطلب إحضاره، فسأله: لماذا لم تحترمني؟ فأجاب: ليس من واجبي أن أحترمك، فأنت عبد لعبيدي. تعجّب الإسكندر وقال: وهل جننت، أتقول لمن هو مثلي عبد؟ بل عبد العبيد؟ فأجابه العجوز: لا تعجب يا إسكندر! فأنت أسير وعبد لشهواتك وغضبك، وأما أنا فقد أسرتُ الشهوة والغضب وقيّدتهما.

... الخطوة الأولى، هي التحرر من الأهواء والرّغبات النّفسانية، وهذه هي التقوى، وأنا أوصي أخوتي وأخواتي المصلّين الأعزاء، أن يسعوا لتحرير أنفسهم من قيود الأهواء، والرغبات، والشهوات، والرذائل، والأنانيات والغرور والتشاؤم. وأطلب من الرب المتعال، التوفيق لنا جميعاً كي نستطيع أن ننقذ وننجي أنفسنا، ونفسي، من المستنقع الذي تنبع منه الأهواء، والرّغبات النّفسانية[3].
 


[1] سورة التوبة، جزء من الآية 108.
[2] في لقاء مع أعضاء جامعة «فرهنكيان» الإسلامية في 9/1/1990
[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران في تاريخ 9/1/1987

قراءة 301 مرة