كيف نجتنب الغضب؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف نجتنب الغضب؟

روى مولانا أبو عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: "أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رجل بدوي، فقال: إني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلم، فقال: آمرك أن لا تغضب، فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلا بالخير"[1].
 
ومعنى اجتناب الغضب أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، فلا يُقْدم على قول أو فعل يندم عليه في حال الرضى، بحيث يكون كل سلوكه محكوماً بعقله السليم في حالتي الغضب والرضى، لا بالغرائز الجامحة، وإذا كان سلوك الإنسان محكوماً بوحي من عقله السليم، فإنه يحوز الخير كله، ويبتعد عن الشر كله، لأن العقل السليم ينسجم تماماً مع الدين الإسلامي الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها.
 
وهكذا جاءت وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لذلك الرجل، ووصية حفيده الباقر عليه السلام في كلمة واحدة "لا تغضب"، ولكن هذه الكلمة تتضمّن توجيهاً عالياً نحو السلوك الأمثل، فالإنسان في حال الغضب يتصرّف بدافع من عاطفته بعيداً عن تحكّم العقل الرشيد، فلا يؤمَن - والحال هذه - عليه أن يتفوّه بكلام سفاهة أو أن يعتدي بجوارحه على من غضب عليه، فالحلم عند الغضب ضمان لسلوك المسلم في كفّ أذاه بلسانه ويده، وإذا علمنا أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم قد جعل كفّ الأذى رمزًا للمسلم الحقّ، وذلك في قوله الذي رواه عنه حفيده الباقر عليه السلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"[2]، فإنّنا نعلم سمو المقاصد التي اشتملت عليه هذه الكلمة "لا تغضب".
 
ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عظمة الإنسان الذي يملك نفسه عند الغضب وذلك من خلال قوله: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[3]، فالشديد ليس هو القوي في بدنه الذي يصرع الرجال، وإن كان هذا يعدُّ في عرف الناس شديدًا، إنما الشديد حقاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فكم من غضبة جرحت العواطف المرهفة، وشحنت النفوس بالأضغان، وفصمت عرى الإخاء والمحبة والتآلف بين الناس، وكم من غضبة زجّت أناساً من الأبرياء في قعر السجون، وعرّضتهم للتلف، وكم من غضبة أثارت الحروب، وسفكت الدماء، فذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء.
 
دور الوصية في إيجاد الصبر والثبات
وكانت هذه الوصية من إمامنا الباقر عليه السلام لجابر ليحثّه على الصبر على مشاق الدعوة ومواقفها التي تتطلّب صبراً عالياً، ومقاومة شديدة، وضبطاً للنفس لا يقدر عليه إلا أهل اليقين الصامدون في خندق العقيدة، والثابتون على طريق المبدأ، ذلك أن إقامة الخلْق على العبودية لله تعالى تُكلِّفهم أن يخرجوا على هوى أنفسهم، وينعتقوا من أسر عاداتهم، وما ورثوه عن آبائهم، وما ألفوه في حياتهم من الطقوس والتقاليد الجاهلية، وهذا ما يشقّ على النفوس، ويستحيل على كثير من الناس أن يستجيبوا له.
 
"إذن فمن المناسب هنا أن يبادر مَن هم مِن أمثال الإمام الباقر عليه السلام لنصيحة جابر (وعبره إلى كل مؤمن تبلغه هذه الوصية): "إِنْ كُذِّبْتَ فَلا تَغْضَبْ"، فعندما لا يكون ثمّة قصد غير طلب الخير للآخرين وإنّ الطرف الآخر لا يُقدِّر ذلك حقّ قدره فيتعيّن على الذين ينتهجون نهج الأنبياء أن يستعدّوا للسيطرة على أنفسهم ومشاعرهم عندما يواجَهون بتكذيب المعارضين وأن لا يغضبوا.
 
فإذا لم يُعِدّ المرء نفسه مسبقاً لمواجهة مثل هذه السلوكيّات فسوف لن يتمالك نفسه ويخرج عن حالته السويّة، لكنّه إذا لقّن نفسه قبل الولوج في هذا الميدان فسوف لن يشقّ عليه كثيراً تكذيب المكذّبين ومعارضة المعارضين. فإذا أحبّ المرء نصيحة الآخرين طلباً لخيرهم فليحدّث نفسه قائلاً: إذا كُذِّبتُ فعليّ أن لا أعبأ بكلامهم. فإنّ على عاتقي مهمّة وقد أدّيته، وإنّ على الطرف المقابل تكليفاً وهو مخيّر بين أن يعمل أو لا يعمل به، فهو الذي يتحمّل في النهاية مسؤوليّة فعله، ولا أتحمّل أنا أيّ مسؤوليّة، وعندها لن يغضب في مقابل إساءة الآخرين له. وهذه هي الوصيّة الثالثة التي وجّهها الإمام عليه السلام إلى جابر، وفّقنا الله وإيّاكم للعمل بها إن شاء الله"[4].
 
المبصرون، من وصايا الإمام الباقر عليه السلام لتلميذه جابر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 354 ـ 373.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 64، ص 302.
[3] م.ن، ج 74، ص 151.
[4] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزديّ (دامت بركاته) ألقاها بتاريخ 4 / آب / 2011م.

قراءة 282 مرة