كيف يمكن إقامة دعائم الوحدة في المجتمعات الإسلامية؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف يمكن إقامة دعائم الوحدة في المجتمعات الإسلامية؟

لا بدّ للدولة والقوى الحاكمة في المجتمع الإسلاميّ الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن إقامة دعائم الوحدة داخل البلاد وخارجها، لا بدّ لهم من الاستعانة ببعض الوسائل اللّازمة من أجل الوصول إلى هدفهم. وإذا سلّمنا بأنّ أُسس إيجاد الوحدة هي تلك التي أشرنا إليها آنفاً فمّما لا شكّ فيه أنّ العوامل والسُّبُل التالية ستكون مؤثّرة في إيجاد تلك الوحدة.
 
1- القانون والنظام
عندما تتّضح الأهداف المشتركة لأفراد المجتمع الإسلاميّ وتتبلور فإنّ أوّل عامل يمكنه أن يؤثّر باتّجاه خلق الوحدة هو القانون. فالقوانين والأنظمة تُعتبر ضروريّة للحفاظ على تضامن ووحدة المجتمع وإن كان محدوداً، بل وحتى داخل المجلس باعتباره صورة مصغّرة لذلك المجتمع. لهذا، وعلى الرغم من أنّ القوانين الإسلاميّة قد بيّنت الأُطُر العامّة والحقوق الاجتماعيّة المختلفة، فإنّه لا غنىً عن وجود المجالس التشريعيّة الخاصّة بسنّ القوانين وكذلك المجالس والمؤسّسات الدوليّة الإسلاميّة وضرورتها للحفاظ على الوحدة.
 
ولعلّ هذه النقطة المهمّة تمثّل أحد الأسباب التي دفعت الإمام إلى التأكيد على استحداث المؤسّسات القانونيّة الشعبيّة في الأيام القليلة التي سبقت انتصار الثورة على النظام الشاهنساهيّ. فعندما يتمّ وضع القوانين من قبل ممثّلي الأحزاب وطبقات المجتمع المختلفة فإنّ ذلك يُهيّئ أرضيّة مناسبة ومهمّة لخلق التضامن والائتلاف بين تلك الطبقات والأحزاب.
 
2- الوعي والتعليم والتّذكير
أمّا مهمّة إزالة العائق الثاني من طريق الوحدة، والمتمثّلة في جهل الأفراد وعدم امتلاكهم الوعي الكافي، فتقع على عاتق الحكومة الإسلاميّة. وغنيّ عن القول إنّ أفراد المجتمع الذين لا يدركون حاجاتهم المتبادلة في ما بينهم، هم في الواقع غافلون من عدوّهم المشترك، وعندما يكونون عاجزين عن التمييز بين محاسن الوحدة وأضرار الاختلاف نتيجة افتقارهم للتطوّر الاجتماعيّ والوعي اللازم لذلك، فمن الطبيعيّ أن لا يكونوا قادرين على تحديد طريق الوحدة. ومن هنا، فباستطاعة الحكومة الاستعانة بكلّ الوسائل الضروريّة الخاصّة بنشر الوعي والإرشاد.
 
ولا شكّ في أنّ الإمام الخمينيّ ظلّ يؤكّد على أهميّة هذه المسألة مشيراً إلى النتائج الطيّبة للوحدة والعواقب السيّئة للفُرقة والاختلاف، ومذكّراً الجميع بالهدف المشترك والعدوّ المشترك لهم. ولطالما نبّه البلدان الإسلاميّة إلى الآثار الإيجابيّة التي تجنيها من الوحدة والتضامن، معتبراً أنّ قوّة تلك الأقطار تكفي لاستعادة أرض (فلسطين) وأنّ بإمكانها الاستغناء عن أيّة قوّة أخرى في العالم ومنها الولايات المتحدة الأميركيّة إذا ما اتّحدت وأصبحت قوّة رادعة واحدة[1]. وكان يشير إلى العديد من الشواهد التاريخيّة للوحدة وآثارها الطيّبة كانتصار (خالد بن الوليد) على جيوش الرّوم[2].
 
ولا تقف تعاليم ووصايا الإمام عند الآثار الماديّة للوحدة والاختلاف، بل تعدّتها إلى التذكير والاهتمام بالآثار المعنويّة التي تكمن في حثّ المجتمع على التحرّك نحو الوحدة، وفي إشارة له إلى رواية "يد الله مع الجماعة" قال: فلنسعَ لإبقاء يد الرحمة الإلهيّة على رؤوسنا من خلال الحفاظ على الوحدة إذ إنّ يد الرحمة تلك ستُرفع مع ظهور الاختلافات بيننا[3].
 
وقد نوّه سماحته كذلك إلى تطبيق الأحكام الشرعيّة مبيّناً أنّ الخلاف وعدم الاتّحاد يمثّلان معصية[4].
 
3- التباحث والمصالحة
بعد قضية اكتساب الوعي اللازم بشأن القانون، فإنّ الوسيلة الأخرى التي يمكن أن تؤثّر في طريق إيجاد الوحدة هي التصرّف أو التعامل الخاصّ مع كلّ مسألة موضع الاختلاف. وهنا، يمكن للحكومة مثلاً دعوة المعارضين والتباحث معهم بشأن عوامل الاختلاف وسُبُل إزالتها. وكان الإمام الخمينيّ يقوم بإرسال أحد ممثّليه من أجل التباحث والمصالحة ورفع الخلافات التي كانت تظهر في حياته. ومن أهمّ الأمثلة على ذلك إرساله ممثّلاً عنه إلى الجلسة التي كانت قد عقدتها اللجنة المكوّنة من ثلاثة أشخاص لمناقشة وبحث الخلافات التي برزت بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وذلك عام (1980م). وعلى الرغم من أنّ اللجنة المذكورة لم تستطع التوصّل إلى النتيجة المرجوّة بسبب الاعتراضات الواهية لرئيس الجمهورية آنذاك (أبي الحسن بني صدر) إلّا أنّ ذلك يشير بوضوح إلى السيرة التي كان الإمام ينتهجها إزاء تلك الأمور.
 
وقد بيّن سماحته كذلك شروط التباحث، مطالباً ممثّلي الشعب بطرح المسائل ومناقشتها على أُسس أخويّة، واتّباع حسن النيّة في ذلك بدلاً من المنازعة والتخاصم، بقوله: إذا كانت هناك أيّة اختلافات بيننا على صعيد الأسلوب أو الرؤية فعلينا الجلوس والتحدّث في أجواء هادئة لمناقشة القضايا من خلال التفاهم لا بالمواجهة والتخندُق ضدّ بعضنا البعض، فيقف أحدنا في طرف مع جماعته ومناصريه. ويقف الآخر في الطرف المقابل وسط مواليه وأتباعه، ويسعى كلّ منهما إلى إضعاف الآخر بالنتيجة إضعاف البلد الإسلاميّ[5].
 
4- التخلّي عن الذاتية
كان الإمام الخمينيّ يُعير جُلّ اهتمامه ويبذل قصارى جهده للمحافظة على الوحدة وهو أمرٌ تجلّى بشكل واضح في سيرته ونهجه العملي، حتى أنّه كان يتنازل عن حقّه في سبيل الوصول إلى الوحدة. ولعلّ عبارته التالية تمثّل خير دليل على ذلك: إنّني أُعلنها بوضوح أنّه إذا قام أحدهم بسبّي وشتمي أو مزّق صُوري، فليس من حقّ أحد التعرّض له. يُحرم التعرّض لأيّ شخص يقوم بسبّي أو شتمي أو تمزيق صورتي أو ضربي، أو أيّ عمل يقوم به (ضدّي)، لا يحقّ لأيّ كان التعرّض لذلك الشخص وإحداث صراع أو فتنة أو عصيان في هذا الوقت العصيب الذي نعيش فيه وهذه المصيبة الكبرى التي نمرّ بها.
 
خاتمة
في ضوء ما تقدّم حتى الآن، تتّضح الزوايا في رأي الإمام حول الوحدة. لكنّ السؤال الرئيسيّ الذي يطرح نفسه هو: هل كانت الوحدة في رأيه تمثّل فكرة ثابتة وراسخة، أم أنّها خضعت للتغيير والتطوّر طيلة حياته السياسيّة؟
 
الأمر المؤكّد هو أنّ جوهر رؤية الإمام حول وحدة العالم الإسلاميّ والأُمّة الإسلاميّة بل وحول الوحدة والتضامن بين مستضعفي العالم لم يشهد أيّ تغيير أو تحوّل. فقد كان سماحته، ومنذ انطلاق النهضة الإسلاميّة، أحد المدافعين عن الوحدة السياسية للعالم الإسلامي في مقابل الكفر في العالم وخاصّة إسرائيل، غير أنّ تلك الوحدة لم تعنِ بالنسبة إليه على الإطلاق التخلّي عن أصول المذهب.
 


[1] صحيفة النور، ج 15، ص 272.
[2] م.ن، ج 6، ص 49.
[3] راجع: صحيفة النور، ج 7، ص 66 - 67.
[4] م.ن، ج 20، ص 74.
[5] م.ن، ج 14، ص 38.

قراءة 321 مرة