السؤال الرئيسيّ الآن هو، كيف وُجدت الحضارة الإسلاميّة؟ ذهب البعض إلى القول بأنّها مستقاة من حضارة الفرس، وذهب البعض الآخر إلى أنّها مستقاة من الحضارة الرومانيّة، لكنّ هذه الآراء آراء جاهلة وصبيانيّة. لنفرض أنّ عشرة كتب نُقلت في الحضارة الإسلاميّة من حضارات أخرى، فهل يمكن بهذه الكتب العشرة بناء حضارة؟! وهل الحضارة الإسلاميّة بُنيت من خلال ترجمة الآثار اليونانيّة والرومانيّة والهنديّة؟! لا، فجوهر الحضارة الإسلاميّة كان نابعًا من ذاتها. بالطبع، الحضارة الحيّة تستفيد أيضًا من الآخرين.
السؤال هو: من أين أتى هذا العالم العامر، هذا الاستخدام للعلم، هذا الكشف لحقائق من الدرجة الأولى في عالم الوجود، عالم المادّة نفسه ـ الذي تحقّق على أيدي المسلمين؟ من أين أتى هذا الاستخدام للأفكار والعقول والأذهان، والأنشطة العلميّة العظيمة، وتأسيس الجامعات الكبرى بالمقاييس العالميّة في ذلك الزمان، وتأسيس عشرات الدول الغنيّة والقويّة في ذلك الزمان، والسلطة السياسيّة التي لا نظير لها على امتداد التاريخ؟ إنّكم على امتداد التاريخ، لا تجدون سلطةً سوى السلطة السياسيّة للإسلام، أصبحت، من قلب أوروبا إلى عمق شبه القارّة الهنديّة، دولةً واحدةً، وحكمتها سلطةٌ خالدة. لقد كان عصر القرون الوسطى في أوروبا، عصر الجهل والتعاسة لأوروبا. والأوروبيّون يسمّون القرون الوسطى بـ "عصر الظلام". وهذه القرون الوسطى نفسها التي كانت في أوروبا عصور الظلام، كانت عصر تألّق العلم في البلدان الإسلاميّة، ومن جملتها إيران. ولقد أُلّفت أساسًا، الكتب حول القرن الرابع الهجريّ ـ الذي كان عصر تألّق العلم ـ وجرت حوله الأبحاث. ما الذي ولّد مثل سلطة سياسيّة كهذه، وقوّة علميّة كهذه، وعالم منظّم وحكم كهذا، واستخدام كهذا لكافّة الطاقات البشريّة الحيّة والبنّاءة والفعّالة؟ إنّ هذه الأمور كانت نتيجةً لتعاليم الإسلام. المسألة هي مجرّد هذا[1].
الفتح، ليس بالسيف بل بسلاح الرحمة
تنتهي الحروب، لكنّ التجارب تبقى. في الحوادث الكبرى دروس للشعوب. هذا الدرس سوف يبقى في نفوس البشريّة وذاكرتها الخالدة، حيث: حضارة مع كلّ هذا الزهو، ومع كلّ هذا الادّعاء- تخرج مخفقة من شبّاك الامتحان. في الأعمال التي يمارسونها: إشعال الحروب والظلم والجور، والغرور والنشوة، التصرّفات غير العقلانيّة. البدء بالحروب، تهديد السلام، قتل الناس الأبرياء، إنفاق رؤوس الأموال الكثيرة لإشعال نار الحروب، وذلك أيضًا بذرائع واهية، هذه تجارب حضارة ما. قارنوا هذا بالحضارة الإسلاميّة، في عهد الخلفاء الراشدين: عندما فتح المسلمون مناطق غرب العالم الإسلاميّ، أي: مناطق بلاد الروم وسوريا الحاليّة، عاملوا اليهود والمسيحيّين في تلك المناطق معاملة، أدّت إلى اعتناق الكثير منهم الإسلام. في بلدنا إيران، استسلم الكثير من الناس من دون مقاومة، ذلك لأنّهم شاهدوا مروءة المسلمين ورحمتهم ومداراتهم للأعداء، لذا جاؤوا واعتنقوا الإسلام. في بلاد الروم، عندما جاء المسلمون، قال اليهود إنّنا طوال عمرنا لم نرَ يومًا جيّدًا كما اليوم. كان الحكم مسيحيًّا وكان يحلّل الظلم لهم، عندما جاء الإسلام، شعروا بالرحمة الإسلاميّة[2].
تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي دام ظله، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (20/9/1994).
[2] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/10/2001).