كيف يظلم الإنسان نفسه وغيره؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف يظلم الإنسان نفسه وغيره؟

ظلم الإنسان نفسه:
الذي يفهم من لفظ الظلم وجود ظالم صدر منه الظلم، ومظلوم وقع عليه الظلم فمن هو الظالم، ومن هو المظلوم؟ إنه هذا الإنسان المسكين، هو الظالم والمظلوم، ظلم نفسه وأوبقها، وظلم عباد الله عزّ وجلّ، فأساء إليهم، وأساء إلى نفسه وظلمها بما يُعرّضها من العقوبات في الدنيا والآخرة، وذلك بقطع صلتها مع الله تعالى، وبإهمال توجيهها إلى طاعة الله، وتقويمها بالخلق الكريم، والسلوك الرضي، ممّا يزجّها في متاهات الغواية والضلال، فتبوء آنذاك بالخيبة والخسران كما عبّر الله تعالى في الفرقان: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾[1]، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[2]، وقال سبحانه: ﴿سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾[3]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[4].
 
وظلم العبد لنفسه يكون فيما بينه وبين ربّه، ويتحقّق ذلك عندما يقطع العبد الصلة النورانية بينه وبين نور السموات والأرض الذي مثل نوره كمشكاة فيها مصباح. والظلم خلاف الضياء والنور، ويتحقّق ذلك من خلال تقصير العبد الظالم لنفسه في المسارعة لتنفيذ أوامر الله تعالى، وفي الجرأة على إتيان نواهيه.
 
أعلم أخي المسلم: أنك إذا تعدّيت حدود الله ببصرك، فنظرت به إلى الحرام، فقد عملت سوءً وظلمت نفسك، وإذا تعدّيت حدود الله بأذنك فسمعت بها الحرام من الغناء أو الكذب أو الغيبة أو النميمة، فقد عملت سوءً وظلمت نفسك، وإذا تكلّمت بلسانك كلاماً يسخط الله فقد عملت سوءً وظلمت نفسك، وإذا بطشت بيدك أو مددتها على ما لا يحل، فقد عملت سوءً وظلمت نفسك، وعندما تسمع الأذان وتنام، ولا تقوم لتصلّي، فقد عملت سوءً وظلمت نفسك، لأنّ الله دعاك إلى إنقاذ نفسك فظلمتها.
 
الذي يهجر القرآن، ولا يقرأه ظالم لنفسه، لأنّه فوّت على نفسه من الحسنات ما لا يعلمها إلا الله تعالى الذي لا يذكر الله، ولا يدعوه، ولا يهتم بأمر المسلمين ولا يهتم بهذا الدين ظالم لنفسه الخ.
 
قال مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "ألّا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، أمّا الظلم الذي لا يُغفر، فالشرك بالله. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾[5]، وأمّا الظلم الذي يُغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم بعضاً القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً بالمدى ولا ضرباً بالسياط، ولكنّه ما يستصغر ذلك معه.."[6].
 
ظلم العبد لغيره:
أي الظلم الذي بينه وبين الناس، وإياه قصد الله تعالى بقوله: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[7]، وهو ظلم لا يمكن الخروج منه، والتخلّص من شؤمه وإثمه بمجرّد الإقلاع والندم، بل يكون الخلاص منه بردّ المظالم إلى أهلها، أو استباحتهم منها، وإلا كان القصاص يوم القيامة بالحسنات والسيئات، وليس بالدينار والدرهم، وكفى بهذا حاجزاً عن الظلم، وكفى به رادعاً وواعظاً للعبد المسلم في أن يتخفّف من حقوق العباد، ويخرج من هذه الدنيا سالماً لا يطلبه أحد من العباد بمظلمة في دين أو نفس أو مال أو عرض، فقد روى أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام قال: "أما إنّه ما ظفر بخير من ظفر بالظلم. أما إنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم، ثم قال: من يفعل الشر بالناس، فلا ينكر الشر إذا فُعل به.."[8].
 
وكي لا يمتطي الظالم سفينة الغفلة، فيرد موارد الهلاك، بجرأته على حقوق الآخرين بادر رحمة الله المهداة للعالمين بإغلاق كل المنافذ على الظلم والظالمين، وذلك من خلال فصل خطابه، وعظيم جوابه فروى عنه حفيده الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "ألا أنبّئكم بالمؤمن ؟ المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم وأمورهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السيئات فترك ما حرّم الله"[9]، وقال حفيده العظيم الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: "المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه، ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه[10].
 


[1] سورة الشمس، الآيات 7-10.
[2] سورة البقرة، الآية 57.
[3] سورة الأعراف، الآية 177.
[4] سورة يونس، الآية 44.
[5] سورة النساء، الآية 48.
[6] أبن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 34، طبعة 1 ـ دار الكتب العلمية.
[7] سورة الشورى، الآيات 40 - 42.
[8] الشيخُ مُحمّدْ بن الحسن الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص49، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، ط2، مطبعة - مهر - إيران، 1414هـ، باب تحريم الظلم، ح9.
[9] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة الوفاء - لبنان، ط2، 1983م، باب وصايا الإمام الباقر عليه السلام ج 64، ص 302.
[10] الحُرّ العامِليّ، وسائل الشيعة، ج 12، ص181 ـ 205.

قراءة 267 مرة