وسط أجواء الترحيب والاحتفال باتفاق جنيف -3، التي تهيمن على تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بدا إعلان رئيسة وكالة الطاقة الدولية ماريا فان دير هوفن، أمس، تشاؤمياً بقولها إنه سيكون من الصعب على إيران استعادة مستويات إنتاج النفط السابقة سريعاً في حالة رفع القيود على التصدير.
وتأتي تصريحات فان دير هوفن في موسكو غداة توقيع القوى العالمية الست (5+1) اتفاقاً أول من أمس مع إيران يرمي إلى تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف محدود للعقوبات.
لكن في طهران كان الرئیس الإيراني حسن روحاني، واضحاً في أن الاتفاق، الذي وضع حداً لسنوات من لعبة الكر والفر بين طهران والدول الغربية الكبرى، كان نتيجة لسياسة خفض التوتر مع الغرب.
وقال روحاني، خلال استقباله نواب محافظة آذربایجان الشرقیة، انه «بالنسبة إلى الموضوع النووي فقد اتُخذت الخطوة الأولی مع الحفاظ علی ثوابت وأطر الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة»، مشيراً الى أنه «رغم الطریق البالغ الصعوبة الذي كان قائماً، فقد تمكنا من التوصل الی الاتفاق بشأن الخطوة الأولی». وأكد أن «هذا المسار صعب وشاق، لكننا نأمل أن نحقق النجاح في المراحل اللاحقة أیضاً، وندافع عن حقوق الشعب».
ورأى الرئيس الإيراني أن خفض التوتر مع الغرب أحد أهداف السیاسة الخارجیة لحكومته. وقال إن «قائد الثورة الاسلامیة (المرشد الأعلى علي خامنئي) دعم سیاسة الحكومة والمسار المتخذ حالیاً، ونحن نشعر بالارتیاح للدعم الذي تقدّمه غالبية نواب مجلس الشوری الاسلامي لبرامج الحكومة أیضاً». وشدد روحاني على أن الحكومة مكلفة أن تتحرك في المسار الذي حدده الشعب لها.
بدوره، رأى وزیر الخارجیة الإیراني محمد جواد ظریف، أنه جرى الحفاظ علی هیكلیة برنامج إیران النووي في مفاوضات جنیف فیما انهارت هیكلیة الحظر. وأشار ظریف، خلال ملتقی حول التعبئة في طهران أمس، الی تصریحات بعض المسؤولین الأميركیین، بأن حق التخصیب لم یُذكَر في معاهدة حظر الانتشار النووي (ان بي تي)، متسائلاً: «وهل حق بناء المحطة النوویة والمفاعل النووي ورد في المعاهدة؟».
من ناحيته، أكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أن «مبادئ الاسلام والثورة لن تسمح لنا بان نتنازل أمام من لا يضمرون الخير لنا».
وقال، في مؤتمر صحافي عقده أمس في طهران، إنه «بفضل توجيهات القيادة الحكيمة لم نضيّع الهدف»، مضيفاً إن نتيجة صمود الشعب الايراني على مدى 34 عاماً ظهرت مساء أمس (الأحد في جنيف). واشار صالحي الى استمرار ايران في نشاطاتها النووية بموازاة المفاوضات، قائلاً «لقد نجحت ايران في النهاية بحلحلة الأزمة المفتعلة في خصوص برنامجها النووي واستيفاء حقوقها المشروعة».
في غضون ذلك، رحبت الصحف الايرانية الصادرة أمس بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى، مشددة على النجاح الشخصي لوزير الخارجية الايراني، لكنّ عدداً من الصحف المحافظة رأت ان الولايات المتحدة «ليست جديرة بالثقة».
وعنونت صحيفة «اعتماد» الاصلاحية: هنا ايران، الجميع سعداء. ونشرت تحقيقاً تضمن شهادات جمعتها من شوارع مدن عديدة ومن شبكات التواصل الاجتماعي، تعكس حالة الانتظار التي عاشها الايرانيون الذين بقوا مستيقظين طول ليل السبت الأحد بانتظار نتائج مفاوضات جنيف.
وكتبت صحيفة «هفت صبح ا»، إن «ظريف انتصر في معركة الفيسبوك»، موضحة ان حوالى 164 الف شخص وضعوا اشارة اعجاب على اعلانه عن الاتفاق على صفحته صباح الأحد.
أما صحيفة «آرمان» الاصلاحية، فرأت انه يجب منح ظريف «ميدالية ذهبية». ونشرت صحف عديدة صورة ظريف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري وهما يتصافحان بعد الاتفاق.
وكتبت صحيفة «اعتماد» على صدر صفحتها الأولى: مصافحة سمحت بالخروج من الطريق المسدود، بينما أكدت صحيفة «شرق» الاصلاحية أيضاً أن «العقوبات ستتكسر»، مرددة بذلك ما قاله الرئيس حسن روحاني.
واشادت صحيفة «إيران» الحكومية بانتصار «دبلوماسية الاعتدال»، شعار روحاني. واكدت ان الحكومة نجحت في أقل من مئة يوم، في اخراج البلاد من «أزمة عشر سنوات».
ومن اصل حوالى عشرين صحيفة تصدر في ايران، اختارت اثنتان محافظتان فقط توجيه انتقادات. وكتبت «كيهان» أن «الولايات المتحدة ليست جديرة بالثقة»، مضيفة أن «اتفاق جنيف لم يستمر سوى ساعة واحدة»، لأن كيري اكد انه «لا يعترف لايران بحق تخصيب اليورانيوم».
اما صحيفة «وطن أمروز»، فقالت إن «ظريف يصر وكيري ينكر». وقالت «بعد ساعة على الاتفاق، بدأت معركة الكلمات بين وزيري الخارجية الايراني والأميركي حول الحق في تخصيب اليورانيوم».
وعلى صعيد المواقف الدولية، قال وزیر الخارجیة التركي أحمد داود أوغلو، ان الاتفاق النووي بین ایران ومجموعة «5 + 1» یعدّ خطوة مهمة لإنهاء الموضوع النووي، وان أنقره تدعم هذا الاتفاق.
وأكد داود أوغلو أن الاتفاق كشف أن أشد القضایا تعقیداً، یمكن أیضاً تسویتها عن طریق الحوار، مشيراً إلى أن تركيا رأت علی الدوام ان الخیار الوحید للموضوع النووي الإیراني یكمن في المفاوضات والحوار.
بدورها رأت وزارة الخارجیة التركیة في بیان أول من أمس أن «هذا الاتفاق بمثابة الخطوة العملیة الاولی المتخذة من قبل الجانبین بعد 10 سنوات».
كذلك، رحبت فرنسا بالاتفاق، لكنها قالت إن شيئاً لم يحلّ بعد.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في حديث إذاعي، إنه يتعين على كل طرف التزام تعهداته.
وأضاف إن «اليقظة يتعين أن تطبق على الطرفين. أعني أن طهران ستكون يقظة تجاه التزامنا الصارم بتنفيذ تعهداتنا. على سبيل المثال التزمنا بتخفيف عدد معين من العقوبات. وهذا يمكن العدول عنه. سترون عندما تطّلعون على النص. هناك عبارة استخدمت مرتين على التوالي وهي مهمة وترقى إلى قول: طالما لم يحل كل شيء فإن شيئاً لم يُحل».
وأشار فابيوس إلى أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيجتمعون خلال بضعة اسابيع لصياغة اقتراح لرفع جزئي للعقوبات المفروضة على إيران.
وتابع أن «هذا متوقع خلال بضعة أسابيع. سيكون لنا اجتماع مع وزراء الخارجية. وتحت اشراف السيدة (وزير خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين) أشتون وبدعم منا بالطبع نقترح رفعاً (للعقوبات) لكنه رفع محدود وموجه وقابل للتغيير. وينطبق ذلك أيضاً على الجانب الأميركي».