في وقت أعلن فيه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن باريس كانت على علم بوجود مباحثات سرية بين ايران والولايات المتحدة حول الملف النووي منذ بدايتها، موضحاً ان نظيره الاميركي جون كيري ابلغه بها، ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن عدداً من الدول الغربية طالبت إسرائيل، عبر قنوات سرية، وأخرى علنية بوقف انتقاداتها لاتفاق جنيف، والتعامل معه باعتباره حقيقة ناجزة. ووسط الأجواء المتوترة في الخليج نتيجة الاتفاق النووي، توقع الرئيس الايراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، توصل بلاده إلى اتفاق نووي شامل مع القوى الست الكبرى في غضون عام، وأبدى، من جهة ثانية، استعداده للسفر إلى السعودية «لطمأنة السعوديين إلى أن الصداقة مع طهران تعود بالفائدة على المنطقة، وعلى كلا البلدين». لكنه لمح خلال مقابلة اجرتها معه صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أن زيارة الرياض في المستقبل «تحتاج إلى قرار داخل ايران حول طرق التعامل مع السعودية في وضع مربح للجانبين، واتفاق قادة ايران على سياسة لاجتثاث التصعيد». وذكرت «فايننشنال تايمز» أن رفسنجاني قلق من ارتفاع التوتر بين إيران والسعودية، ليس فقط في ما يتعلق بالموضوع النووي، بل أيضاً في ما يتعلق بمختلف قضايا العالم العربي بما فيها الأزمة السورية.
وأكدت الصحيفة أن رفسنجاني شدد على ضرورة اتصال إيران بالمسؤولين السعوديين، مشيراً إلى أن الصداقة بين البلدين تخدم مصالح إيران والسعودية والمنطقة بأكملها. وأشار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الى ان «الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه ايران مع «5+1» في جنيف الأحد الماضي بشأن برنامجها النووي، كان الخطوة الأصعب، لأنه تغلب على عقود من القطيعة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية في ايران عام 1979». واضاف ان الاتفاق المؤقت «كان بمثابة كسر للجليد، والمرحلة الثانية ستكون روتينية أكثر، ويعود جزء من هذا الاختراق إلى أن الحديث مع الولايات المتحدة كان من المحرمات، وإدراك أن هذه المحرمات لا يمكن كسرها بسهولة، وأن المحادثات النووية لا يمكن تحريكها قدماً إلى الأمام من دونها».
وفيما شدد على أن ايران «لا مصلحة لديها في تطوير أسلحة نووية»، رفض رفسنجاني (79 عاماً) التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية ضدها لوقف برنامجها النووي. وقال: إن «إسرائيل صغيرة جداً، ولا يمكن لسمكة صغيرة أن تأكل سمكة كبيرة»، معرباً عن أمله في أن يؤدي الاتفاق الأخير إلى «انعاش الاقتصاد الإيراني وتشجيع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى ايران». وتابع: ان ايران «ليست لديها أيّ نية للتخلي عن برنامجها النووي وستجعله يتماشى مع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، التي تسمح بتطوير طاقة نووية للأغراض السلمية، لأن المعاهدة مقبولة بالنسبة إلينا وسنعدّ أي شيء أكثر من ذلك مفروضاً علينا».
في هذا الوقت، أفادت صحيفة «هآرتس» بأن دبلوماسيين أوروبيين أشاروا الى أن الرسائل الأوروبية أوضحت لإسرائيل، على نحو لا يقبل التأويل، أنه يستحسن لها أن تتوقف عن شكاواها حول ما جرى الاتفاق عليه، أي الاتفاق المرحلي في جنيف، ومباشرة التعاون مع الدول العظمى في كل ما يتعلق بالمفاوضات خلال الأشهر الستة المقبلة مع إيران للتوصل للاتفاق الدائم والنهائي.
وأكدت «هآرتس» في السياق نفسه، أن الرسالة نفسها سمعها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال الاتصال الهاتفي الأخير مع الرئيس الاميركي، باراك أوباما، الذي أعرب عن رغبة الولايات المتحدة في سماع الموقف الاسرائيلي بشأن الاتفاق الدائم، وهي نفس الرسالة التي سمعها وزير الشؤون الاستراتيجية، يوفال شطاينتس من وزير الخارجية الفرنسي.
في هذا الوقت، قال فابيوس في مقابلة مع اذاعة «فرانس كولتور» وصحيفة «لوموند» عقب الكشف عن مباحثات سرية أميركية ايرانية سبقت اتفاق جنيف -3، «كنا نعرف ذلك، جون كيري ابلغني أن هناك مفاوضات بين الأميركيين والايرانيين. انا ابلغت.. فور بدئها». وأوضح فابيوس «لم نبلغ التفاصيل، لكننا اتفقنا مع جون كيري على ان هناك من جهة مفاوضات 5+1 تقودها كاثي اشتون، التي قامت بعمل ممتاز، ولأن الأميركيين في الصف الاول في هذا النزاع، هناك ايضاً محادثات بين الاميركيين والايرانيين، كانت سرية»، لكنه اوضح انه لم تجر مفاوضات سرية بين باريس وطهران. واضاف إن المفاوضات السرية الأميركية الايرانية سمحت بصياغة نص عرض على المفاوضين في جولة المحادثات التي جرت في 7 و8 و9 تشرين الثاني في جنيف. وتابع أن هذه الوثيقة «لم تكن مقبولة بأكملها» من طهران، ورفضتها باريس لأنها لم تكن صارمة بدرجة كافية حيال البرنامج النووي الايراني.
وكان مسؤول أميركي قد كشف السبت الماضي عن وجود مفاوضات سرية بين الجانبين، موضحاً أنها بدأت منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني في حزيران.
وحول الاتفاق الذي أبرم الاحد مع طهران، قال وزير خارجية فرنسا، انه «اتفاق مرحلي حالياً، لكن التقدم كبير».
واضاف «سيكون علينا حل كل ذلك في الأسابيع المقبلة. ويجب علينا ايضاً التنبه لتطبيق الايرانيين التزاماتهم هم ايضا بشأن الرفع الجزئي للعقوبات»، مؤكدا ان هذه المسألة ستناقش في منتصف كانون الاول في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
وأشار فابيوس إلى أن «مجموعة اولى سترفع فور بدء مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد ذلك الجزء الأساسي للعقوبات لا يمكن ان يجري رفعه الا في مرحلة ثانية»، موضحاً أن رفع العقوبات في مرحلة اولى سيمثل «حوالى خمسة في المئة» من القيمة الاجمالية للعقوبات المفروضة على ايران.
في المقابل، قال وزیر الخارجیة الایراني محمد جواد ظریف ان لدیه تفاؤلاً مشوباً بالحذر تجاه مستقبل المفاوضات النوویة مع مجموعة «5+1».
وأعلن ظریف في ختام الاجتماع الحادي والعشرین لوزراء خارجیة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي الاقلیمي (اكو)، الذي افتتح أمس في طهران أنه «ونظراً إلی ان الشعب الإیراني أثبت أن اجراء المفاوضات معه علی أساس الاحترام المتبادل والمواقف المتكافئة هو السبیل الوحید لحل الملف النووي، فان هذا یؤسس لتفاؤل مشوب بالحذر وبتیقظ تجاه استمرارها».
في غضون ذلك، فنّدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الايرانية مرضية أفخم، ما أورده الموقع الالكتروني للبيت الأبيض حول نص اتفاق جنيف، ووصفته بأنه تفسير أُحادي الجانب عن الاتفاق.
وقالت أفخم حول الصفحة الاعلامية (Fact Sheet) التي نشرتها الإدارة الأميركية، والتي ترجمتها وبثتها بعض وسائل الاعلام على انها ترجمة لنص اتفاق جنيف: «إن ما نشره الموقع الالكتروني للبيت الأبيض على انه صفحة اعلامية (Fact Sheet) هو تفسير احادي الجانب لنص اتفاق جنيف، وان بعض الايضاحات والمصطلحات في هذه الصفحة تتعارض مع نص برنامج العمل المشترك، حيث قامت للاسف بعض وسائل الاعلام بترجمة الصفحة الاعلامية (Fact Sheet) ونشرها على انها نص اتفاق جنيف وهو ما يجافي الحقيقة».