في الوقت الذي يترقب فيه الغرب اليومين المقبلين بحذر شديد، لرؤية ما ستؤول إليه الأمور، بعدما أبدى الانفصاليون في شرق أوكرانيا إصرارهم على إجراء استفتاء لتقرير مصيرهم بالبقاء ضمن أوكرانيا أو الانفصال عنها، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة مثيرة للجدل إلى القرم أمس، تزامنت مع اشتباكات عنيفة شرق أوكرانيا بين قوات الأمن الأوكرانية وانفصاليين، راح ضحيتها 20 انفصاليا.ً
وقال بوتين، أمام الآلاف من سكان مدينة سيباستوبول في ذكرى الانتصار في 1945، إن «سنة 2014 سيبقى السنة التي شهدت قرار الشعوب التي تعيش هنا البقاء مع روسيا، مؤكدةً بذلك وفاءها للحقيقة التاريخية ولذكرى أجدادنا»، كما استعرض الرئيس الروسي على متن زورق، سفن الأسطول الروسي في البحر الأسود في ميناء سيباستوبول.
وكان بوتين قد ألقى في وقت سابق من أمس كلمة أمام الجنود وقدامى المحاربين، في الميدان الأحمر في موسكو، في الاستعراض العسكري السنوي للذكرى نفسها، الذي شاركت فيه قوات ودبابات وقطع مدفعية ومنصات إطلاق صواريخ متحركة، مرت أمام الرئيس الروسي، فيما حلقت المقاتلات في السماء.
وقال بوتين «الإرادة الحديدية للشعب السوفياتي، وعدم الخوف والعزيمة أنقذت أوروبا من العبودية. كان بلدنا هو الذي طارد النازيين الى عرينهم، وحقق تدميرهم الكامل والنهائي، وهو الامر الذي تكلف ملايين الضحايا ومصاعب رهيبة».
وأضاف «سنحمي دائما هذه الحقيقة المقدسة التي لا تخبو، ولن نسمح بخيانة أو طمس سيرة هؤلاء الأبطال، الذين لم يهتموا بأنفسهم، وإنما حافظوا على السلام على هذا الكوكب».
من جهته، انتقد البيت الأبيض أمس زيارة الرئيس الروسي إلى القرم، مؤكداً أن النتيجة الوحيدة لهذه الزيارة ستكون «تصعيد التوتر».
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، المعني بالسياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما، لورا لوكاس ماغنسن، «لا نقبل ضم روسيا غير الشرعي للقرم. وهذه الزيارة لن تؤدي إلا إلى تصعيد التوتر».
كما انتقدت وزارة الخارجية الأميركية زيارة بوتين للقرم ووصفتها بأنها مستفزة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكي للصحفيين في المؤتمر الصحفي اليومي «هذه الزيارة مستفزة ولم يكن لها داع. القرم تخص أوكرانيا ولا نعترف بالطبع بالخطوات غير المشروعة التي اتخذتها روسيا في هذا الصدد».
بدوره، وصفت السلطات البريطانية «زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القرم بـ«الاستفزازية» و«رسالة خاطئة».
كذلك دانت الخارجية الأوكرانية بشدة زيارة بوتين لشبه جزيرة القرم، وأفاد بيان لها أمس، أن «تلك الخطوة التي أقدم عليها بوتين اليوم تعد تجاهلاً صارخاً من قبل الإدارة الروسية للقانون الأوكراني والدولي»، لافتاً إلى أن «ذلك يعد انتهاكاً لاتفاقية الصداقة والتعاون والشراكة الموقعة عام 1997 بين روسيا وأوكرانيا».
وأشار البيان إلى أن تلك الخطوة الاستفزازية، من شأنها زيادة التوتر في العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، وتؤكد مرة أخرى عدم وجود نية لدى روسيا لحل المشاكل العالقة بين البلدين عبر الطرق الدبلوماسية.
وانضم حلف شمال الأطلسي إلى قافلة المنددين بالزيارة، فوصفها الأمين العام للحلف أندريس فوغ راسموسن، بأنها «غير لائقة»، كما وصف الخطوات التي اتخذتها روسيا بخصوص أوكرانيا بـ «المتجاوزة للحدود»، و«غير المشروعة، والمخالفة للقانون».
وأوضح راسموسن في كلمته بجامعة تالين بالعاصمة الأستونية تالين، «أنهم ما زالوا يرون القرم، جزءاً لا يتجزأ عن أوكرانيا في إطار القانون الدولي».
كذلك رأى أن «أوروبا باتت أقل استقراراً وأمناً بسبب الخطوات التي اتخذتها روسيا»، مشيراً إلى أن «الأخيرة اتخذت خطوات تجاهلت فيها القانون والنظام الدولي، والمؤسسات الدولية»، لافتاً إلى أن «الحلف اتخذ التدابير الدفاعية المشروعة ضد الخطوات العدائية من روسيا، وأنه مستعد لاتخاذ المزيد إذا لزم الأمر».
في غضون ذلك أعلن وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف أن عشرين انفصالياً وشرطياً واحداً قتلوا في مواجهات وقعت أمس في مدينة ماريوبول (جنوب شرق أوكرانيا) الساحلية.
وقال الوزير الأوكراني على صفحته على فيسبوك، إن «عشرين إرهابياً قتلوا وأربعة أسروا. قسم من المهاجمين اختبأ في المدينة تاركاً وراءه أسلحته. بلغت خسائرنا قتيلاً وخمسة جرحى. ومبنى الشرطة المحلية يحترق».
وأضاف أن مجموعة من نحو ستين «إرهابياً» مزودين بأسلحة رشاشة، حاولوا الاستيلاء على مبنى الشرطة. وحصلت قوات الأمن على تعزيزات وتلت ذلك «معركة حقيقية».
وفي الجهة المقابلة، أعلن رئيس حكومة «جمهورية دونيتسك الشعبية» المعلنة من طرف واحد، ميروسلاف رودينكو، أنه لم يعد هناك سبيل للحوار السلمي مع سلطات كييف، عقب قتل القوات الأوكرانية 20 معارضاً في ماريوبول. وأكد رودينكو أنه «بعد ما فعلوه اليوم في ماريوبول، وبعد هذا العدد من الضحايا، لا يمكن الحديث عن أي حوار سلمي» مع كييف.
إلى ذلك قال دبلوماسيون أوروبيون أمس، إن سفراء الاتحاد الأوروبي وافقوا من حيث المبدأ على إضافة نحو 15 شخصاً وخمس شركات مقرها شبه جزيرة القرم، إلى قائمة العقوبات التي أعدها الاتحاد ضد روسيا بسبب ضمها للقرم من أوكرانيا.
وقال الدبلوماسيون إن القرار النهائي بفرض المزيد من العقوبات، لن يتخذه سوى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين، مع الأخذ في الحسبان التطورات التي ستحدث خلال اليومين المقبلين، حيث يعتزم الانفصاليون المؤيدون لروسيا إجراء استفتاء على الاستقلال في شرق أوكرانيا.
الأخبار