قذفت إيران الكرة النووية في اتجاه ملعب الغرب، عبر إقرار قانون في البرلمان، سيتسلح به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، «ملزماً» في المباحثات النووية. قانون فرضه مجلس الشورى الإيراني راسماً أساسيات أي اتفاق نووي ببنود غير قابلة للنقاش:
أولاً: ضرورة رفع العقوبات بشكل تام وكامل فور توقيع الاتفاق. ثانياً: عدم السماح بإجراء عمليات تفتيش للمراكز العسكرية والأمنية والدفاعية، كذلك فإنه لن يسمح بأي عمليات تفتيش غير «متعارف عليها». ثالثاً: عدم السماح بمقابلة أو استجواب العلماء النوويين أو الحصول على دراسات ووثائق نووية. رابعاً: عدم فرض أي قيد أو شرط على مشاريع الأبحاث والتطوير العلمي النووي.
القراءة المتمعّنة للبنود المفروضة تسمح بتوسيع دائرة التحليل للوصول إلى خلاصة مفادها أن ما أقرّه مجلس الشورى هو عملية استباقية تهدف إلى الرد على أي مطالب بفرض موضوع (PMD)، وهو الاصطلاح الخلافي (Possible Military Dimensions) أي «الأبعاد العسكرية المحتملة»، الذي تطرحه واشنطن على الطاولة، فيما يعارض الجانب الإيراني هذه التسمية ويصرّ على طرحها تحت عنوان (PPI)، أي مواضيع الماضي والحاضر (Past Present Issues ).
الخلاف في المصطلاحات نابع من اقتناع إيراني بأن ما يجري الحديث عنه ليس أبعاداً عسكرية للملف، بل مواضيع مبنية على فبركات تحاول إدخال الملف النووي في متاهة (PMD)، وهو ما يسمح للبروتوكول الإضافي في حال إقراره بتفتيش منشآت تدور حولها شبهات عسكرية نووية، ويسهّل الدخول إلى قواعد عسكرية تحت طائلة فرض عقوبات أو استخدام الفصل السابع في مجلس الأمن.
يعود التشدد الإيراني في رفض التسمية إلى «عملية مرلين»، وهي عملية قامت بها الاستخبارات الأميركية، ابتداءً من عام 1998 حتى عام 2000، في عهد الرئيسين الأميركيين السابقين، بيل كلينتون وجورج بوش الابن.
تفاصيل «عملية مرلين»، التي سُرّبت عبر أحد العملاء الفدراليين ونشر تفاصيلها الصحافي الأميركي جيمس ريزن عام 2006 في كتابه «state of war»، تظهر حجم التورط الأميركي في ضرب البرنامج النووي والإعداد لضرب إيران عسكرياً، وفرض عقوبات عليها عبر تزوير وثائق وقلب الحقائق، خدمة لمصالح واشنطن ضد طهران.
في عام 1997، قام العميل الفدرالي الذي يعمل في الملف الإيراني جفري سترلينغ بدراسة اللغة الفارسية، بهدف تجنيد أشخاص إيرانيين في الخارج، للعمل لمصلحة الاستخبارات الأميركية، إضافة إلى مشاركته في «عملية مرلين». ثم تواصلت الاستخبارات الأميركية، في عام 1998، مع عالم نووي روسي أطلق عليه اسم «مرلين»، وقامت بتزويده بتصاميم لصناعة قنبلة نووية ليسلّمها إلى الإيرانيين. التصاميم كانت تحتوي على معلومات وأرقام مغلوطة، حيث قامت وحدات الهندسة النووية في الاستخبارات الأميركية بوضع مخطط ناقص لصناعة قنبلة نووية، ليتم نقله إلى العلماء الإيرانيين، عبر العميل الروسي. وكانت الخطة تقضي بأن تتسلّم طهران المخطط وتقوم بتجربته، فإما يقع انفجار نووي يدين طهران بالتجربة، أو ينجح الخبراء الإيرانيون في كشف الثغر فيطلبون مساعدة العميل الروسي الذي يطالبهم بدفع مبالغ مالية، ما يقدّم دليلاً قاطعاً وملموساً، بالوثائق، على تورّط إيران في السعي إلى امتلاك قنبلة نووية، مع العلم بأن توقّعات الاستخبارات الأميركية كانت تشير إلى قدرة الإيرانيين على اكتشاف وتصحيح الخلل في التصميم، في مدة تصل إلى أكثر من خمسة أشهر كافية لإدانة طهران. ولكن حصل ما لم يتوقعه المخططون للعملية، فقد رفضت إيران التعامل أو حتى الإجابة على اقتراح العميل الروسي، ولم تعر أهمية للموضوع، بل تجاهلته.
ردّ الفعل الإيراني دفع بالعميل الروسي إلى إرسال نسخة عن المخطط، عبر البريد الإلكتروني، إلى ممثلية إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، إلا أنه لم يلقَ جواباً من الجانب الإيراني الذي لم يكن يعلم، مطلقاً، بالمخطط الأميركي الهادف إلى توريطه في صناعة قنبلة نووية.
مفاجأة أخرى دخلت على خط إفشال العملية وكشفها، تمثلت في قيام أحد عناصر الاستخبارات الأميركية بإرسال رسالة إلكترونية مشفرة إلى عميل إيراني يعمل لمصلحة واشنطن، كان فيها بعض التفاصيل عن أسماء عملاء للـ«سي آي إيه» في إيران. العميل الإيراني كان مزدوجاً، سلّم المعلومات إلى الاستخبارات الإيرانية التي قامت، بصمت، باعتقال عدد من العملاء، ما أدى إلى كشف هوية مشغليهم، وبالتالي شكّل فشلاً مضاعفاً لواشنطن في حربها على إيران.
خلاصة القول أن الخلافات حول الاتهامات بالمساعي الإيرانية لصناعة قنبلة نووية مبنية على معلومات استخبارية، فلا دليل مقنعاً على نيات عسكرية في الملف النووي الإيراني، وهو ما يؤكد إمكان أن يكون الحاسوب المحمول ــ الذي وجدت عليه بعض التصميمات النووية عام 2003 ونقله عناصر من المعارضة الإيرانية إلى الغرب ــ قد احتوى فبركات، كالوثائق المفبركة التي قادت إلى حرب العراق. وإن كان ذلك يعني شيئاً، فهو دليل إضافي على احتمال وجود شهود زور ضللوا الرأي العام العالمي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال الترويج لسعي طهران لامتلاك قنبلة نووية مزيّفة، صمّمتها واشنطن وقدمتها لطهران، لإيهام العالم بأن الخطر الإيراني بات كبيراً، وللقول إنه «لن ينقذكم من رستم* الإيراني إلا السوبرمان الأميركي».