مرحلة جديدة تدخلها العلاقات بين بغداد وطهران من خلال الزيارة التي بدأها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران لمدة يومين، على رأسِ وفد يضم وزراء التجارةِ والصناعة والتخطيط، ويبحث خلالها مع المسؤولين الإيرانيين ملفاتٍ ثنائية وإقليمية حساسة.
الهدف المعلن للزيارة هو تمتين أواصر العلاقة بين البلدين في مختلف المجالات، ويتصدرها السياسة والاقتصاد، فضلا عن التحضير للمحادثات المقبلة بين إيران ومجموعة «5+1» التي ستجري في بغداد في 23 أيار المقبل، في تحول بالغ الدلالة على تدني مستوى العلاقات الإيرانية - التركية على خلفية الأزمة السورية.
وفي الشأن الإقليمي فإن الأوضاع في سوريا حاضرة بقوة في صلب برنامج الزيارة وأهدافها على ضوء دور العراق في محيطه العربي بعد ترؤسه للقمة للعربية والتقارب المتزايد مع إيران إزاء الأوضاع في سوريا.
وتأتي الزيارة في ظل أزمة سياسية داخلية يعاني منها العراق منذ انسحاب قوات الاحتلال الأميركي منه أواخر العام 2011، ولا سيما مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم بالضلوع في «الإرهاب» والمتنقل خارج العراق من عاصمة إلى أخرى، وهو ما فتح الأزمة على العلاقة المضطربة أساساً لبغداد مع إقليم كردستان في شمال العراق، كما فتحها خارجياً مع تركيا، حيث تبادل رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان مع المالكي الاتهامات بالطائفية والانحياز على خلفية الأزمة مع الهاشمي في الظاهر والأزمة السورية في الباطن.
وأكد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لدى استقباله المالكي، أن «المستقبل القريب سيشهد تموضع إيران والعراق في قمة التطور والاقتدار والعزة، وإذا كانت إيران والعراق في أوج العزة فإنه لن يكون لأعداء الأمم، ومنها أميركا والكيان الصهيوني أي مكان» في المنطقة، مشدداً على أن البلدين «سيدافعان عن وجودهما واستقلالهما بكل اقتدار، ولن يتمكن الأعداء من تحقيق أهدافهم التآمرية من خلال التوسل بالإرهاب والتفجير».
وأضاف نجاد أن «جميع الظروف التاريخية والثقافية والسياسية تحتم على البلدين أن يقفا إلى جانب بعضهما البعض من أجل تطور وتقدم البلدين».
وأكد المالكي، من جهته، ضرورة إيجاد التفاهم والتوافق في المنطقة، وأنه يمكن لإيران والعراق، عبر التعاون الثنائي، العمل على تحقيق الثبات والاستقرار في المنطقة ومعالجة الأزمات الموجودة من خلال التفاهم واحترام حقوق الشعوب.
وأوضح أن «تزايد مستوى التشاور والتنسيق السياسي بين بغداد وطهران يمكن أن يؤدي دوراً مهماً ومؤثراً في مسيرة السلم والاستقرار في المنطقة».
وبعد استقبال المالكي في المطار من قبل وزير الطاقة الإيراني مجيد نامجو، قام نائب الرئيس محمد رضا رحيمي باستقباله رسمياً في قصر سعد آباد شمالي طهران.
واعتبر رحيمي أن زيارة المالكي إلى طهران «ستفتح فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات بين البلدين»، داعياً إلى تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، ومشيراً إلى أن «المؤامرات التي تحاك إقليمياً وعالمياً ضد الشعبين هي بسبب المشتركات والأهداف التي تجمعهما، وإذا توحد البلدان فإنهما سيشكلان قوة كبرى في العالم». كما أبدى استعداد إيران «للتعاون في مجال الطاقة وتجهيز العراق بالكهرباء وتذليل الصعوبات التي تحول دون تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين البلدين».
وشدد المالكي على ضرورة «تطوير العلاقات الثنائية على أساس السلم والاستقرار والمصالح المشتركة»، وعلى «ضرورة إيجاد قفزة وتحول كبير في العلاقات بين البلدين في الزيارة الحالية».
كما التقى المالكي رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) علي لاريجاني الذي أكد «أن البلدين الجارين إيران والعراق يجب أن يقوما بدور فعال في حل أزمات ومشكلات المنطقة»، مشدداً على «ضرورة زيادة التعاون والتنسيق والتشاور بين البلدين في المشاكل الإقليمية والدولية». وأضاف لاريجاني «إن المشاكل الداخلية في سوريا يجب أن تحل سلمياً ومن خلال الإصلاحات التدريجية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية».
من جهته أكد المالكي أهمية «الاستقرار والثـبات والهـدوء في المنطقة كلها»، مشدداً على «ضرورة إعطاء سوريا الفرصة الكافية لحل مشاكلها».
وسيلتقي المالكي خلال زيارته مرشد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي والأمين العام للمجلسِ الأعلى للأمنِ القومي سعيد جليلي، وهو كبير المفاوضين مع مجموعة «5+1» حول الملف النووي، حيث من المقرر إجراء الجولة التالية من المفاوضات في بغداد، وهو ما اعتبره رئيس جمعية الصداقة البرلمانية الإيرانية العراقية، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية حشمة الله فلاحت بيشه، «دليلاً على المكانة والأهمية التي توليها إيران للعراق»، مضيفاً إن «موضوع سوريا وموضوعات أمنية أخرى مطروحة على جدول أعمال الزيارة»، وإن تحقيق «الأمن في العراق والمستقبل السياسي لهذا البلد من المواضيع التي تهتم بها طهران بشكل خاص».
إلى ذلك أكد السفير العراقي في طهران، مجيد الشيخ، أن بغداد مكان مناسب للمحادثات بين إيران والدول الأخرى، في إشارة إلى الجولة المقبلة من المحادثات مع مجموعة «5+1».
يشار الى ان حجم التبادل التجاري بين ايران والعراق بلغ خلال العام الماضي نحو 9,7 مليارات دولار، ومن المتوقع ان يرتفع الى 12 مليار دولار خلال العام الحالي. وتعتَبر زيارةُ المالكي الأولى الى طهران منذُ انتخابه للمرةِ الثانية رئيساً للوزراء بعد سقوط النظام السابق. وكان المالكي زار طهران في تشرين الأول العام 2010 بهدف كسب التأييد لترشحه على رأس حكومة جديدة في العراق.