منذ انطلاق الأزمة السوريّة برزت معضلة "العلم". فقد لجأ المعارضون إلى العلم السابق المستخدم إبان الاحتلال الفرنسي معتبرين أن العلم الحالي يختصّ بالنظام السوري حصراً.
لم تنتهي المسألة عند حدود المظاهرات أو اجتماعات المعارضة في تركيا وفرنسا وقطر والسعوديّة، بل انتقلت إلى الجامعة العربيّة في "قمّة الدوحة" وبعدها إلى العديد من أروقة المفاوضات الدوليّة، ليطرح السؤال الجوهري نفسه: هل العلم السوري يختصّ بالنظام دون المعارضة؟ أو بفئة دون أخرى؟
بعيداً عن التجاذبات السياسيّة حول مسألة "العلم"، يستحق هذا العنوان المقدّس لدى كافة دول العالم وشعوبها، نظراً لرمزيته التي تكرّست على مدى عشرات السنين، المعالجة بصورة واقعية بعيداً عن التحزّبات والتجاذبات القائمة.
الجميع أخطأ في سوريا، وندرك أنها ليست المدينة الفاضلة التي تحدث عنها أفلاطون والفلاسفة القدماء. أوروبا ليست كذلك، ولا حتّى دولها الإسكندنافية. وبالتالي، لا ينكر أحد أخطاء النظام في سوريا، إلاّ أنّه من غير المعقول أن تستخدم هذه الأخطاء ذريعة للنيل من قدسيّة هذا الرمز في نفوس السوريين بأكملهم من مؤيّدي النظام والمعارضة على حدّ سواء.
أزمة العلم، الأزمة الحقيقية، في مكان آخر عنوانه: نسف الوضع الموجود والانتقال إلى وضع آخر حتّى لو كانت النتيجة خاسرة للمعارضة، فالهدف تأرجح منذ اليوم الأول بين تحقيق الأهداف وكسر أهداف الطرف المقابل.
لا ندري الذريعة التي يقدّمها هؤلاء في سبيل تبرير هذه الخطوة لشريحتهم الشعبيّة، كون هذا العلم هو علم الوحدة بين مصر وسوريا، ولا يختصّ بالنظام الحالي، أو الرئيس السابق حافظ الأسد. فلا هو أول علم تم اعتماده بعد تسلم حزب البعث للسلطة في سوريا، ولا حتّى هو العلم الذي تم اعتماده من قبل الرئيس حافظ الأسد بين عامي 1972 و1980.
لسنا في وارد الدخول في جدال العلم المقابل على مختلف مسميّاته "علم الانتداب الفرنسي" أو "علم الاستقلال"، ولا حتّى بدلالاتها الطائفيّة التي تصبّ في خانة تقسيم الوطن، كما يريد اليوم، أعداء سوريا الذين هم أعداء الحكومة والشريحة الأوسع من المعارضة في هذه النقطة تحديداً.
لكن من حقّنا أن نسأل على سبيل الاستفهام أسباب المشكلة التي تمتلكها المعارضة مع العلم الحالي، وهل يحقّ لمن رفع شعارات برّاقة كالمطالبة بـ "الحرية" و"الاستقلال" والـ "تحرير" أنّ يقرّر رمز البلاد دون اللجوء إلى دستورها، أو إلى استفتاء شعبي يعطيهم الحقّ في مسّ هذا الرمز الذي كان مقدّساً لجميع مكوّنات النسيج السوري عدا تلك التي تنادي بالقوميّة أو المذهبية البغيضة.
قد يعتقد البعض أنّ في هذا الأمر حرّية كتلك التي طالب بها، إلاّ أنّه اعتقاد خاطئ فالحريّة مسؤولية تقتضي احترام مقدّسات الشعوب وشعاراتها. هذا التصرّف هو إهانة للشعب السوري بكامل أطيافه، ولعل هذه التصرّفات الصبيانيّة هي التي أفقدت هذه المعارضة الزخم الشعبي وجعلتها معارضة مقطّعة الأوصال تتناثر بين معارضات سياسيّة وأخرى عسكريّة وثالثة تكفيرية. في الحقيقة هناك جملة من الأخطاء القاتلة للمعارضة السوريّة بدءاً من مجلس إسطنبول الذي ترأسه برهان غليون حتى وفد الهيئة العليا في الرياض، ومن ضمن هذه الأخطاء: عدم وجود منهج وخارطة طريق واضحة لدى أغلب القيادات السياسيّة المعارضة، التشرذم والانتقال من فندق إلى آخر، الخطاب الطائفي الذي كانت تتحدث به الجماعات المسلحة في سوريا، تبعية الجماعات المسلّحة للخارج، عدم قدرتها على تقديم نموذج واضح، ومن ضمن هذه الأخطاء ما يتعلّق بإهانة العلم السوري، وهذه النقطة تحديداً اتخذها النظام ممسكاً على المعارضة في الشارع، دفعت بالعديد من السوريين لمراجعة حساباتهم.
في الختام، ندعو المعارضة إلى مراجعة حساباتها بما يتعلّق بالعلم السوري، بما يخدم مصلحتها قبل أيّ طرف آخر، فهذا الشعار المقدّس يخصّ الشعب السوري بكامل أطيافه، لا فئة دون أخرى، ومن يعتبره كذلك يكون قد أخرج نفسه من الدائرة الشعبية الأوسع التي ترعرعت على تقديس هذا الرمز الوطني، معارضةً كانت أم لم تكن.