ظل الحديث عن وجود قيادات أو أعضاء من حركة "الإخوان المسلمون" المصرية في السودان، محط جدل في الساحة السياسية، على مدار السنوات الخمس الماضية، يُثار بين حين وآخر.
خلال الأيام القليلة الماضية، طفا الموضوع على السطح مجددا، بعد أن تحدّثت وسائل إعلام عربية ومحلية حول طلب السودان من أعضاء الجماعة مغادرة البلاد.
هذا الطلب أرجعته وسائل الإعلام التي تناولت الأمر في 17 فبراير/شباط الماضي إلى اتفاق مع الحكومة المصرية، عقب اجتماعات الرباعية (وزيرا خارجية ومديرا مخابرات البلدين) في 8 من الشهر ذاته، بالقاهرة.
ومنذ إطاحة الجيش بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، في يوليو/تموز 2013، خرجت اتهامات من القاهرة للخرطوم بإيواء جماعة الإخوان (المصنفة إرهابيا في مصر).
الاتهام هذا ربما يرجع إلى التقارب بين الرئيس السوداني عمر البشير، ومرسي، والذي جاء بعد سنوات من فترة حكم محمد حسنى مبارك (1981-2011) التي شهدت خلالها علاقات البلدين توترا.
وقد برز هذا التقارب بعد وصول مرسي إلى السلطة في 2012، والتي شهدت فترة حكمه القصيرة، زيارات بين البلدين، أعلن خلالها فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
وحسب مراقبين، فإن هذا الأمر شكّل عاملا أساسيا، ارتكز عليه الاتهام المصري لحكومة البشير، بإيواء "الإخوان المسلمين"، بعد الإطاحة بمرسي.
ويسهل الربط بين موقف الحكومة السودانية ودعمها الإخوان المسلمين المصريين، بمجرد أن تسوء العلاقة بين القاهرة والخرطوم.
ويدعم هذا الرأي، مجاهرة الحكومة السودانية (منذ انقلاب الإسلاميين على الحكم عام 1989، بقيادة عمر البشير) بمرجعيتها الإسلامية، حتى خلال تحولاتها الكثيرة في علاقاتها الخارجية، وفق مراقبين.
وشهدت الآونة الأخيرة، هجوم الإعلام المصري على حكومة الخرطوم، في عدة ملفات منها حلايب وسد النهضة، فضلا عن مسألة استضافة السودان أعضاء الجماعة، وإن لم يكن تناولها بذات حجم القضايا الأخرى.
وظلت قضية وجود إخوان مصر بالسودان، أحد عوامل التوتر بين البلدين، لاسيما أن القاهرة تصنف الجماعة "إرهابيا"منذ ديسمبر/ كانون أول 2013.
وعلى صعيد ما تناولته وسائل الإعلام حول طلب السودان مغادرة الجماعة أراضيها، نفى القيادي بالحزب الحاكم وعضو القطاع السياسي فيه، عبد السخي عباس، الأمر,
وقال عباس للأناضول، "لا يوجد إسلاميين مصريين بالسودان، وإن كان الأمر كذلك لحددتهم القاهرة أسماءهم وطالبت بتسليمهم".
واعتبر أن "الحديث المتداول حول طلب السودان مغادرة الإخوان المسلمين أراضيها، من بنات أفكار وسائل الإعلام (التي تحدثت عن الأمر)".
وحول اتفاق الخرطوم مع القاهرة على طرد المعارضين الإسلامين، قال وكيل وزارة خارجية السودان، عبدالغنيم النعيم، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، الخميس قبل الماضي، "لم تيصدر عن الحكومة السودانية موقف كهذا.. هذه الأخبار فيها الكثير من التكهنات والاحتمالات والمآلات".
وفي المضمار نفسه، سار وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، إذ نفى وجود أي حديث حول طرد معارضين من البلدين (السودان ومصر).
وأشار غندور في تصريحات الأسبوع الماضي، أن البلدين ناقشا في 8 فبراير/شباط الماضي، وجود المعارضين بطريقة مفصلة، وتم طرح أسمائهم كل على حدة".
بدوره، اتفق وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال، مع سابقيه. وقال: "إنها شائعات. السودان لا يأوي إخوانا مسلمين حتى يطردهم".
وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية: "لا يمكن للمصريين السفر دون الحصول على تأشيرة لدخول السودان بعد موافقة الحكومة المصيرية".
وتابع الوزير المشارك في حكومة الوفاق الوطني عن حزب الاتحاد الديمقراطي: "أؤكد عدم وجود تنظيم إخوان مسلمين معارض لا لمصر ولا لأي دولة أخرى".
تصريحات المسؤولين السودانيين توافقت مع حديث مصدر مقرب من جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية، الذي أكد كذلك عدم وجود نشاط للجماعة في السودان.
وقال المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه ، لأسباب أمنية: "جميع من أتوا (إلى السودان) غالبيتهم من الأسر، أي ليسوا أعضاء ناشطين في الجماعة".
وأضاف: "لم يأتوا للسودان بشكل جماعي منسق، بل أفراد. جاوا للعمل، وتأسيس حياة مستقرة لأسرهم في بلد هو الاقرب لمصر تاريخيا واجتماعيا وثقافيا".
وبحسب مدير تحرير صحيفة "اليوم التالي" (خاص) خالد سعد، فإن ذلك قد يشكل ورقة ضغط يسخدمها البلدين في حال عدم استقرار العلاقات، لاسيما أنها تتأرجح بين توتر وهدوء نسبي قد لا يطول، على حد قوله.
وقال سعد "وجود الإخوان المسلمين في السودان، ليست ورقة خلافية على المستوى الرئاسي، بل يمكن أن تكون ورقة تقارب بين الحكومتين (..) تسهم في عقد مصالحة مصرية بين السيسي والإخوان المسلمين، وهو مؤهل لذلك (البشير)".
واستدرك: "بعيداً عن هذه الرؤية حكومة، فإن إسلاميو السودان يرون أن السيسي إنقلابي، وأن حكومته تحاول ابتزاز السودان".
وأضاف سعد: "إسلاميو السودان يرون أن مصر تحاول أن تبتز السودان بورقة الإخوان المسلمين (المصرية)".