إن ميلنا الضروري إلى عدم اعتماد تصريحات العدو ووسائل إعلامه، لا يجعلنا نهمل هذه الجوانب من الأحداث والتصريحات التي تثبت بطريقة أو بأخرى وقوف كيان العدو في كل ركن لاستثمار التوتر الكبير بين فتح وحماس وافتعاله حيناً وتأجيجه حيناً آخر.
قد يبدو في العنوان بعض التفاؤل والإيجابية، ولكن الأمر ليس كذلك. وكأن السؤال ليس مَن مِن الفلسطينيين يجب أن يضرب الكيان الإسرائيلي أولاً، وإنما مَن هو الهدف الأول للعدوان الأميركي-الصهيوني. وفي مطلق الأحوال لا مفرّ من التصعيد في الأشهر المقبلة ولا مناصَ من أن هذا التصعيد أصبح شأناً من شؤون وجود المقاومة وبقاء فلسطين، وهو محكوم بالإيجاب قطعاً مهما كانت النتائج قياساً إلى تصفية القضية.
لاتبدو تصريحات محمود عباس هذا المساء في حق حركة حماس على خلفية محاولة تفجير موكب رئيس حكومة التوافق الحمدالله مجرّد ردّ فعل أهوج رغم التوتّر الحاد الذي ظهر في نبرته وفي مضمون تصريحاته، بل اقتناص لفرصة ذهبية للنفاذ إلى ما وراء المصالحة بصرف النظر عن المصالحة ذاتها. وبالمقابل، لاتبدو التصريحات المُضادّة التي وردت في بيان حركة حماس قبل حين خالية من رؤية مُسبقة على خلفية ضرورة وقف صفقة القرن بصرف النظر عن المصالحة. وبالتالي فإننا أميل إلى ترجيح احتمال تسابق كليهما أي فتح وحماس، في ظلّ الاستحالة العملية للمصالحة بعرقلة إقليمية ودولية صهيونية، تسابق كليهما نحو استخدام أقصى ما يستطيعه الآخر من أجل الاشتباك مع العدو الصهيوني والأطراف الساعية لإجبار الفلسطينيين غصباً على القبول بصفقة القرن. هو سباق نحو الدفع إلى الاشتباك فرضته الضرورة وانسداد الأفق فلسطينياً وإقليمياً ودولياً وليس استراتيجية نابعة من إرادة سياسية واضحة.
أما إذا أردنا أن نذهب إلى ما وراء حماس من جهة وما وراء فتح من جهة أخرى ، فسنجد تسابقاً آخر على طرفي النقيض بين مَن يدفع مع حماس لمواجهة صفقة القرن مقاومياً ومَن يقف مع عباس لتلطيف صفقة القرن والذهاب بها إلى تسوية مع العدو الصهيوني. هذا ولا يبدو لنا من الصواب اتّهام أحدهما بالقبول بهذه الصفقة. إذ يتمثّل الفارق بينهما في مدى ابتلاع الطُعم، طُعم الحلول المرحلية مع كيان العدو، وهو أمر دابت عليه فتح خاصة بعد أوسلو وانتقل إلىِ حماس بعد سنوات السلطة على غزّة وبعد وثيقتها الأخيرة التي تعترف مرحلياً بحدود 1967.
في الواقع، تُدرك فتح كما تُدرك حماس أنه لن يبقى أحد للقدس إذا لم يتقدمّ الفلسطينيون للمواجهة. ويُدرك كلٌ منهما أن الساعة اقتربت: مسيرات العودة الكبرى ثم ذكرى النكبة (العودة) وتاريخ احتلال سنة 1948 وإعلان الصهاينة كيانهم وهو التاريخ الذي سيتطابق مع الضغط الأميركي بإجراءات نقل سفارته إلى القدس المحتلة.
قبل يوم كان وزير الحرب الصهيوني ليبرمان يقول على القناة الثانية العبرية إن محمود عباس يدفع نحو تفجير الوضع مع حماس وجرّ جيش الاحتلال إلى هذه المواجهة، بعد ذلك تمّ ضبط موظّف قنصلي فرنسي بصدَد تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية، هذا من دون اعتبار التقديرات الصهيونية اليومية بحتميّة تصاعُد العمليات ضد الكيان وتحميل الصهاينة حماس كل شيء، ورغم تأكيد جيش الاحتلال من ناحية وحماس من ناحية ثانية عدم رغبتهما في التصعيد، رغم أن الإعلام الصهيوني يقول إن المخابرات المصرية سرّبت استعداد حماس لقصف الكيان بالصواريخ لمدة 6 أشهر متتالية.
إن ميلنا الضروري إلى عدم اعتماد تصريحات العدو ووسائل إعلامه، لا يجعلنا نهمل هذه الجوانب من الأحداث والتصريحات التي تثبت بطريقة أو بأخرى وقوف كيان العدو في كل ركن لاستثمار التوتر الكبير بين فتح وحماس وافتعاله حيناً وتأجيجه حيناً آخر.
ثم إن آخر التصريحات القادمة من واشنطن عن اجتماع بن سلمان وترامب واتهامهما المستمر لإيران، وأكثر من ذلك ولأول مرة، حشر روسيا أكثر فأكثر في الملف السوري والملف اليمني بالذات، يشي بأن أمراً ما يُحضّر لغزّة أيضاً.
صلاح الداودي كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.