استطاع الجيش الإسرائيلي أن يطوّر أدواته وبنيته العسكرية والتكنولوجية بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، وتمكّن من صناعة بروباغندا ذكية لنفسه مكنته من استعطاف الغرب من جهة والمستوطنين الإسرائيليين من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك وجود قادة سياسيين وعسكريين سابقين تفننوا في قتل العرب والفلسطينيين فأحبهم الإسرائيليون لأنهم أبعدوا عنهم خطر "البعبع" العربي الذي صوروه لهم، لكي يرعبوهم ويجبروهم على الالتحام مع القيادة الإسرائيلية فكرياً وعقائدياً، لكن اليوم لا تبدو الأمور كذلك، فما الذي تغيّر حتى انحرف الجيش الإسرائيلي عن كل ما كان يعمل عليه طوال العقود السبعة الماضية؟!.
في الحقيقة هناك مجموعة من التطورات الميدانية والسياسية والداخلية أدت مجتمعة إلى إضعاف بنية الجيش الإسرائيلي من الداخل وحالياً يتم العمل على استيعاب هذا الفلتان والضعف، والاتجاه نحو إيجاد انتصارات سياسية لأن ما يحدث في بنية الجيش الإسرائيلي كارثي وفي حال لم تتم معالجته سنشهد انهيار هذا الجيش في أي حرب مقبلة تقوم بها "إسرائيل" أو تقام ضد "إسرائيل"، وهذا ما يفسّر لنا هروب الصهاينة من إشعال حرب جديدة مباشرة في المنطقة.
نشرت كبرى الصحف الإسرائيلية تقارير عدة حول أسباب ضعف الجيش الإسرائيلي ولعلّ أبرز خطر يعاني منه الإسرائيليون هو ضعف الجبهة الداخلية العسكرية والمدنية معاً، في ظل تنامي قوة المقاومة الفلسطينية واللبنانية واكتساب خبرة أكبر في مجال الحروب، فضلاً عن الصواريخ الدقيقة التي أصبحت تملكها والتي تهدد العمق الإسرائيلي العاجز عن منعها من الوصول إلى نقاط حساسة للجيش الإسرائيلي وما حدث مؤخراً على جبهة الجولان السوري المحتل يوحي لنا بالكثير، ويعطينا رسائل واضحة بأن "إسرائيل" اليوم أضعف من أي وقت مضى، ولعل مجموعة النقاط التالية توضح لكم أسباب ذلك:
أولاً: هناك مجموعة من الأزمات التي تعصف في بنية الجيش الإسرائيلي، منها التمرد: كان الانضباط والالتزام والتفاني في خدمة الجيش الإسرائيلي، من أبرز مقومات الجندي الإسرائيلي، الذي لم يعد اليوم كذلك، فقبل عشرة أيام نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً، قالت فيه إن الجيش قرّر فصل (10) جنود من الوحدة الخاصة "إيجوز"، وذلك بسبب رفضهم التوقيع على تمديد فترة خدمتهم في الجيش لمدة سنة قادمة، هذا وقد دفع الجيش لتحذير قيادته من تفشي ظاهرة التمردات ولا سيّما أنها وصلت إلى الوحدة الخاصة الأكثر اهتماماً من قادة الجيش.
ثانياً: لم يعد الجندي الإسرائيلي لديه الثقة بإمكانية القيادة الإسرائيلية في ردع أي هجوم محتمل، وبدأت هذه الثقة تتزعزع بعد حرب تموز 2006 التي شكلت ضربة قاسية قصمت ظهر الجيش الإسرائيلي وأحدثت زلزالاً بين جنوده، لتأتي بعدها حرب غزة وتكمل هذا الزلزال الذي من نتائجه اليوم، هروب الجنود الإسرائيليين من الخدمة العسكرية، والتحاقهم بأعمال ضمن القطاع الخاص، أو الهجرة من الكيان الصهيوني والعمل لدى شركات عالمية، حيث بلغت نسبة التسرب من الجيش (27%) خلال العام الماضي.
وبحسب تقارير صحفية إسرائيلية فإن نسبة التسرّب ترتفع بين الجنود والضباط العاملين في وحدات التكنولوجيا العسكرية خصوصاً وحدتي (8200) و (السايبر)، إذ إن الجندي يتدرّب ويكتسب خبرة لدى هذه الوحدات، ثم يتركها ويتوجّه للعمل في شركات مدنية خاصة.
ثالثاً: من أبرز نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي أن الكيان الذي يدافع عنه ليس لديه عمق استراتيجي، ومع امتلاك المقاومة لصواريخ دقيقة هل تتخيل ماذا سيحدث في الجبهة الداخلية الإسرائيلية عندما تبدأ الحرب، ويكفي أن نقول لك بأن صحيفة معاريف الإسرائيلية قد كشفت مؤخّراً، أنه قد تم تحصين 10% فقط من بين 150 من مرافق البنية التحتية المُعرّضة لمخاطر عالية في حال اندلاع حرب على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
أضف إلى ذلك بأن أكبر عرض لـ "إسرائيل" في وسطها يُقدَّر بـ 17 كم، وعرضها في الشمال 7 كم، وعرضها في الجنوب 10 كم ، فلا خيار أمام الجبهة الداخلية في "إسرائيل" عند الضغط العسكري إلا الفرار منها بشكل كامل حيث لا يوجد (عُمق استراتيجي) أو مكان آمن فيها خاصة بعد تعدّد الجبهات وتطوّر القُدرات والإمكانات العسكرية التي تمتلكها قوى المقاومة.
ويرى القادة الإسرائيليون أنه في حال اندلعت الحرب على الجبهة الشمالية أو الجنوبية، ستُطلق آلاف الصواريخ يومياً على "إسرائيل"، وتشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن أجهزة النظام الدفاعي مثل القبّة الحديدية وغيرها قد لا تكون كافية لتوفير حلّ كامل للجبهة الداخلية، من جانبه أشار المُحلّل العسكري رون بن يشاي، إلى أنّ التقدير في المؤسّسة الأمنيّة "الإسرائيلية" يوضّح أن الإيرانيين مع شركائهم، غزّة و حزب الله وسوريا، يمكنهم التسبّب بوقوع خسائر وأضرار للجبهة الداخلية والعسكرية في "إسرائيل" بحجم أكبر مما كان يمكن أن يسبِّبوهُ لنا قبل سنوات.
رابعاً: الخلافات السياسية المتكررة بين الأحزاب الإسرائيلية والتي تتعمق يوماً بعد يوم، في ظل الفساد الذي يطول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والقرارات السياسية التي تتخذها القيادة الإسرائيلية مؤخراً، ففي الأمس حمّل حزب العمل الإسرائيلي، نتنياهو، مسؤولية عملية التصعيد بغزة.
حتى أن القادة الأمنيون والعسكريون يشتكون من التوجيه السياسي الغامض للقيادة في جميع الحروب، فضلاً عن عدم وجود أهداف سياسية واضحة وواقعيّة، وعدم الوضوح في الأهداف العسكرية، الأمر الذي أطال أمد الحرب دون جدوى، وبالتالي رفع حجم الاستنزاف الذي لا يناسب الآلية التي تعمل عليها "إسرائيل" في حروبها حتى أنها لا تستطيع تحمّل فاتورتها.
يمكننا أن نختم بنقاط ضعف أخرى للجيش الإسرائيلي منها" الانتحار والشذوذ الجنسي" اللذان ارتفعت معدلاتهما بشكل كبير في بين أفراد الجيش الإسرائيلي، وسجّل العام الماضي أكبر نسبة انتحار لدى المجندين، حيث أقدم (16) جندياً على الانتحار خلال عملهم في القواعد العسكرية الصهيونية، وباستخدام الأسلحة الخاصة بالجيش.
أما بالنسبة للشذوذ فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي احتل المركز التاسع عالمياً، بين أكثر جيوش العالم في الشذوذ الجنسي وزواج المثليين، فتخيلوا معنا كيف سيكون حال هذا الجيش في أي حرب مقبلة.