تروي أم سياف، زوجة أحد قادة تنظيم "داعش" والمحكوم عليها بالإعدام في العراق، كيف كشفت مكان أبو بكر البغدادي للاستخبارات الأميركية لكن الأميركيين لم يستهدفوا المنزل الذي كان فيه بذريعة عدم إيذاء مدنيين.
كشف مراسل صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مارتن تشولوف في تحقيق له من إربيل عاصمة إقليم كردستان العراقية من خلال مقابلة مع إحدى الأسيرات البارزات من تنظيم "داعش"، المعروفة بـ"أم سياف"، كيف أبلغت الاستخبارات الأميركية والكردية عن مكان وجود زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في منزل في الموصل في شباط - فبراير 2016 لكن المقاتلات الأميركية التي حامت فوق المنزل، لم تستهدفه بذريعة عدم إيقاع خسائر بالمدنيين في الحي، وسرعان ما غيّر البغدادي منزله وفقد أثره. والآتي ترجمة نص التحقيق:
لعبت أسيرة بارزة من تنظيم "داعش" دوراً رئيسياً في البحث عن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، حيث ساعدت في تحديد المنازل الآمنة التي يستخدمها القائد الإرهابي الهارب، وفي إحدى الحالات حددت موقعه في الموصل، كما كشفت صحيفة الغارديان البريطانية.
وقد ساعدت الامرأة من "داعش" نسرين أسعد إبراهيم، المعروفة بلقبها العسكري أم سياف، ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) والاستخبارات الكردية في بناء صورة مفصلة عن تحركات البغدادي ومخابئه وشبكاته، كما كشف المحققون. وقد أكدت أم سياف هذه المزاعم في أول مقابلة لها منذ أن تم أسرها في غارة قامت بها "قوة دلتا" الأميركية في سوريا قبل أربعة أعوام والتي أدت إلى مقتل زوجها، وزير النفط في ذلك الوقت.
أم سياف، البالغة من العمر 29 عاماً، شخصية مثيرة للجدل إلى حد كبير واتهمت بالتورط في بعض أكثر الجرائم بشاعة التي ارتكبتها المجموعة الإرهابية، بما في ذلك استعباد عاملة الإغاثة الأميركية الأسيرة كايلا مولر والعديد من النساء والفتيات الإيزيديات، اللاتي اغتصبن من قبل كبار قادة "داعش".
وقد حُكم عليها بالإعدام من قبل محكمة في أربيل في العراق، وتحدثت إلى الغارديان، جزئياً من خلال مترجم، في أحد سجون المدينة. وكانت برفقة ضابط مخابرات كردي لم يقم بأي محاولة للتدخل في المقابلة.
وطلبت محامية حقوق الإنسان آمال كلوني نقل أم سياف من العراق إلى الولايات المتحدة لمواجهة العدالة بسبب جرائمها. وأخبرت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إبريل / نيسان الماضي أن أم سياف "حبست الأسيرات في غرفة، وحرضت على ضربهن ووضعت عليهن مساحيق تجميل لإعدادهن للاغتصاب".
وكانت أم سياف زوجة فتحي بن عون بن جيلدي مراد التونسي، وهو صديق مقرب من البغدادي ومن قدامى المحاربين في التنظيم الذي تسلم واحداً من أهم أدواره وقت وفاته.
في شباط - فبراير 2016، حددت أم سياف منزلاً في الموصل يُعتقد أن البغدادي كان يقيم فيه. ومع ذلك، وفقًا للمسؤولين الأكراد، رفض القادة الأميركيون الدعوة إلى غارة جوية على المنزل، وفقط تم الاعتراف لاحقاً بأن أكثر الأشخاص المطلوبين في العالم ربما كانوا في داخلها وقد نجا البغدادي بحياته من النشاط المحموم في سماء العراق في تلك الليلة بسبب الخوف من إصابات بين المدنيين في الحي المكتظ بالسكان.
قالت أم سياف "قلت لهم أين كان المنزل. عرفت أنه كان هناك لأنه كان أحد المنازل التي تم توفيرها له، وهو أحد الأماكن التي أحبها أكثر من غيرها."
إن زواج أم سياف، ومرتبتها الجهادية – حيث كانت عائلتها جزءاً لا يتجزأ من قيادة داعش - أعطاها قرباً من البغدادي أكثر من جميع نساء داعش. كواحدة من أهم زوجات قادة التنظيم، كانت لديها وصول نادر إلى الاجتماعات والمناقشات الشخصية وكانت حاضرة مرات عدة عندما سجل البغدادي رسائل دعاية صوتية في المنزل الذي تشاركه مع زوجها.
وقالت أم سياف: "لقد كان يفعل ذلك في غرفة جلوسنا في التاجي [بلدة في وسط العراق]. كان زوجي هو رئيس الإعلام [في داعش] في ذلك الوقت، وكان البغدادي يزوره كثيراً".
كانت غارة أيار - مايو 2015 التي أسفرت عن مقتل التونسي، والمعروف باسم أبو سياف، والتي تم فيها القبض على أم سياف، نقطة تحول في الحرب التي استمرت خمس سنوات ضد داعش والتي بلغت ذروتها بهزيمة المعركة قبل شهرين في آخر معقل لها في باغوز، تبعد حوالى 60 ميلاً (95 كيلومتراً) من مكان احتجازها في حقل عمر النفطي، حيث كانوا يتمركزون فيه.
كان أبو سياف قد قاد القوات التي استولت على منشآت إنتاج النفط في سوريا واستخدمت العائدات لتمويل تعزيز الجماعة الإرهابية وتوسعها في جميع أنحاء شرق سوريا وغرب العراق. لقد أدى موته إلى شل التدفق النقدي للجماعة الإرهابية والتباطؤ في زخمها.
في البداية رفضت أم سياف التعاون مع خاطفيها وظلت كئيبة وأحياناً متقلبة في زنزانتها في شمال العراق. ولكن بحلول أوائل عام 2016، كانت قد بدأت تكشف عن بعض أسرار التنظيم الأكثر حساسية، وبخاصة كيف يتحرك البغدادي ويقوم بشغيل التنظيم.
على مدار ساعات طويلة، كانت أم سياف تعلق على الخرائط والصور الموضوعة على طاولة أمامها، إلى جانب رجال أميركيين. قالت: "لقد كانوا مهذبين جداً وارتدوا ملابس مدنية. لقد عرضت عليهم كل ما أعرفه."
وسرعان ما أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جهود جمع المعلومات الاستخباراتية إلى جانب الضباط الأميركيين والأكراد التي قادتهم إلى مخبأ في غرب المدينة كان قد أعده البغدادي من قبل عمتها. قالت أم سياف: "اسمها سعدية إبراهيم. مات اثنان من أبنائها مع "داعش". وقد كانت مع البغدادي منذ البداية. تدير شبكة البيت الآمن له. إنها أخت أبي ."
وتحدثت أم سياف عن البغدادي، فقالت: "لقد زارنا كثيراً في سوريا. قبل أن ننتقل إلى حقل العمر [النفطي]، كنا نعيش في منزل في الشدادي [بلدة قريبة]".
هناك احتُجزت مولر لمدة شهر في أواخر عام 2014، إلى جانب ما يصل إلى تسع نساء وفتيات يزيديات تم أسرهم في آب - أغسطس من ذلك العام واستعبادهن من قبل "داعش". أم سياف متهمة من قبل الحكومة الأميركية باحتجاز مولر، عاملة الإغاثة كرهينة، إلى جانب الإيزيديات، وبأنها طرف في الاعتداء الجنسي على مولر على أيدي البغدادي. يُعتقد أن مولر توفيت في الرقة في شباط - فبراير 2015.
أم سياف نفت هذه المزاعم. وقالت عن البغدادي "مهما كان ما فعله فلم يشاركني به. في بعض الأحيان كان يأتي لبضع ساعات. في بعض الأحيان كان يبقى لفترة أطول. كان مجرد منزل عادي، وقد قدمت له ولزوجي الشاي. كنا نذهب أيضاً إلى الرقة معه، وأتذكر الذهاب مرتين. قلت للأميركيين أين كان المنزل. لقد عصبوا أعيننا في كل مرة دخلنا فيها إلى الشارع، لكنني كنت هناك من قبل، وعرفت كيف يبدو".
وقال مسؤول استخبارات كردي رفيع المستوى عن تعاون أم سياف: "لقد أعطتنا صورة واضحة حقًا عن بنية عائلة أبو بكر البغدادي والأشخاص الذين كانوا أكثر أهمية بالنسبة له. لقد تعلمنا منها حول زوجات الناس من حوله على وجه الخصوص، وهذا كان مفيداً للغاية بالنسبة لنا. حددت الكثير من الناس ومسؤولياتهم. وأعطتنا شعوراً بالمشاعر الحقيقية لزوجات القيادات".
وقال ضابط استخبارات كبير آخر إنه في حالة الموصل، بدأت المصادر على الأرض في إحدى مناطق غرب الموصل التي حددتها أم سياف في التقاط نمط غير عادي من الحركة. "اعتادوا وضع حراسهم في الشارع، وكان هؤلاء هم رجال الأمن الداخلي، الذين يتجولون فقط عندما يكون هناك شخص مهم هناك. لاحقاً، ركزنا على المنزل، وكنا واثقين جداً من أن البغدادي كان هناك. أخبرنا الأميركيين وطلبنا منهم التحرك، وقالوا إن لديهم أشياء أخرى. قام البغدادي بنقل المنازل بسرعة كبيرة وفقدناه. في وقت لاحق، عاد الأميركيون وقالوا إننا كنا على حق".
عن مكان وجود البغدادي الآن، اقترحت أم سياف أنه عاد إلى العراق، حيث شعر دائماً بالأمان. "لم يشعر قط بالرضا في سوريا، لقد أراد دائماً أن يكون في العراق. وقال انه سوف يأتي فقط للقيام بأمر ما والخروج. آخر ما سمعته عنه، أراد الذهاب إلى القائم والبوكمال، لكن ذلك كان منذ بعض الوقت ".
تتلقى أم سياف زيارة شهرية من عائلتها، وتتاح لها إمكانية الوصول إلى الأطباء وعمال الإغاثة. وعلى الرغم من تعاونها مع السلطات، فمن غير المرجح أن تكسب تغييراً في الحكم الصادر ضدها. قال رئيس الاستخبارات الثاني: "لن نسمح لها بالرحيل. إنها تأتي من بيئة جذرية للغاية، وإذا عادت إليهم، ستصبح مثلهم".
مارتن تشولوف
ترجمة: هيثم مزاحم – الميادين نت