مع إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته دخل لبنان مرحلة سياسيّة جديدة تتزامن مع أزمة مالية غير مسبوقة وتحرّكات شعبية واسعة.
لا ندري الأسباب التي تقف وراء استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، فهل هي استجابة للضغوط الخارجيّة وبالتالي المشاركة في الانقلاب على رئيس الجمهوريّة ميشال عون، أم هي استجابة لضغط الشارع، وبالتالي هي لعبة مدروسة لامتصاص الغضب الشعبي، أم إنّه بالفعل قد وصل إلى طريق مسدود كما قال: حاولت إيجاد مخرج والعمل بصوت الناس وحماية البلد واليوم وصلت إلى طريق مسدود.
لا تزال الأجواء ضبابية، وحتى لو كانت الاستقالة هي استجابة للضغط الشعبي، إلا أنها في الحقيقة ليست باللعبة المنسّقة مع كل من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، الأمر الذي يدفعنا للذهاب إلى الخيار الآخر، فإما أن الرئيس الحريري قد لمس وصول الأزمة إلى نفق مسدود، وخشية خسارة الشارع السني توجّه إلى الاستقالة في ظل تحريض أطراف سنيّة عليه في طرابلس وهذه الأطراف تسعى لحرقه لدى الشارع الطرابلسي بغية الوصول إلى رئاسة الحكومة، أو أنّه بالفعل مرتبط بجهات وأجندات خارجيّة.
وبين هذا الخيار وذاك، بات الضغط اليوم على رئيس الجمهورية الذي لن يتوجّه بالطبع إلى الاستقالة، لاسيّما أنّه دعا بسرعة لاستشارات نيابية لاختيار رئيس الحكومة المكلف هذا الأسبوع، وبالتالي لم يطلب منه تصريف الأعمال.
صحيح، أن البلد كان أمام تهديد، لكنّ خطوة الحريري هذه قد نقلته من تهديد إلى آخر، كونها تبدو غير منسّقة مع بقيّة الأطراف في الحكم، خاصّة أن بعض المصادر تتحدّث عن مطالب تعجيزية يضعها الحريري للحكومة المقبلة، بالأمس، وعقب تقديم الحريري استقالته خرجت احتفالات في عدد من المناطق اللبنانية باستقالته، كما أن مناصرين لتيار المستقبل سينضمون إلى ساحة النور للمشاركة في التجمع، في حين أن بعض مناصري الحريري قاموا بقطع الطرقات في بيروت اعتراضاً على الاستقالة.
بالأمس وبعد استقالة الحكومة بدا هناك ارتياح واضح في الشارع، كما أن العديد من الأطراف السياسيّة قد دعت إلى الحوار، من هنا يسعى رئيس الجمهورية لتحويل هذا التهديد إلى فرصة.
اليوم، اتخذت القوى الأمنية قراراً بفتح جميع الطرقات ومنع المعتصمين من قطع الطرقات على الناس الذين يريدون التوجّه إلى أعمالهم، فقد أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان أنه "إلحاقاً للبيانات السابقة التي أصدرتها قيادة الجيش، وبعد مرور ثلاثة عشر يوماً على بدء حركة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية والمطلبية، وتفاقم الإشكالات بين المواطنين بشكل خطير نتيجة قطع طرق حيوية في مختلف المناطق اللبنانية، وبعد التطورات السياسية الأخيرة، تطلب قيادة الجيش من جميع المتظاهرين المبادرة إلى فتح ما تبقَّى من طرق مقفلة لإعادة الحياة إلى طبيعتها ووصل جميع المناطق بعضها ببعض تنفيذاً للقانون والنظام العام، مع تأكيدها على حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي المصان بموجب أحكام الدستور وبحمى القانون، وذلك في الساحات العامة فقط".
إذن، الآن بعد فتح الطرقات يبدو أن هناك طاقة أمل للحلحة في الشارع، ولكن ماذا عن الأزمة المالية؟ ماذا عن إجراءات الورقة الإصلاحيّة؟ ماذا عن الحكومة المقبلة، نجيب بالتالي:
أوّلاً: بدا واضحاً أن الرئيس الحريري استخدم سياسة الحبال، في ظل المعلومات التي تتحدّث عن جلسات سريّة عقدها مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط، وبطبيعة الحال دون أن يستثني نفسه من رئاسة هذه الحكومة. وبالتالي بدت الاستقالة بالأمس وكأنها محاولة للخروج من شعار "كلن يعني كلن"، حبال الرئيس الحريري لم تتوقف عند هذا الحد بل تحدّثت مصادر في 8 آذار عن محاولات من قبله لإخراج باسيل من الحكومة، كما قال أمام أحدهم أنه لم يعد قادراً على تحمّل باسيل والتعامل معه.
لماذا يريد إخراج باسيل؟ هل بسبب موقفه من المقاومة والعلاقة مع سوريا؟ من هي الجهة التي ستحصل على وزارة الخارجيّة؟ وهل سيتمّ تجيير هذه الوزارة لمصالح إقليمية أو أمريكية؟
ثانياً: لا يحقّ للحريري بسبب خلافه الشخصي، أو حتى خلاف داعميه الإقليميين والدوليين، مع الوزير جبران باسيل أن يُدخل البلد في المجهول، ألم يكن الحريري-وباسيل الحليفين الأقوى في الحكومة خلال الفترة الماضيّة، ألم يسبّب تناغمهما امتعاضاً للعديد من الأطراف السياسية اللبنانيّة؟ ألا تدل استقالة الحريري على تماهٍ مع الضغوط الخارجيّة؟ لماذا لم يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى؟ ألم تكن هذه الخطوة أيضاً ضدّ باسيل وفق ما تحدّثت مصادر إعلاميّة؟
ثالثاً: يبدو أن سياسة الأحلاف ستشتد في المرحلة المقبلة، فقد نكون أمام تحالف ثلاثي بين جعجع والحريري وجنبلاط، ومقابل تحالف ثلاثي آخر بين التيار وحزب الله وحركة أمل، ففي حين سارع النائب السابق وليد جنبلاط إلى الترحيب بالاستقالة، قال رئيس حزب القوات سمير جعجع: "حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك".
رابعاً: الأهم من ذلك كله، أن تسقط ثمار التظاهرات الشعبية في فخوخ المصالح السياسيّة، فإن أي خلاف سياسي اليوم يعني، استمرار الحقبة السابقة، والقضاء على أكبر فرصة إصلاحية في تاريخ لبنان الحديث.
لا يمكن لأحد أن يجزم بوضع المرحلة المقبلة، لكن ما هو واضح وجود سلسلة من الاجتماعات بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل لوضع التصورات الممكنة لمواجهة المرحلة المقبلة.
المصدر: الوقت