هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد انه إذا وافق المشرعون الأمريكيون على فرض عقوبات على تركيا بذريعة شرائها نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز S-400 فستقوم انقرة باغلاق قاعدة إنجيرليك الجوية رداً على هذه الاجراءات، وتعتبر قاعدة إنجرليك مركزاً مهماً للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في الشرق الأوسط.
وهدد أردوغان أيضًا بإغلاق محطة كوريسيك، وهي منشأة رادارات تابعة لحلف الناتو في جنوب شرق تركيا، والتي من المفترض أن توفر إنذارًا مبكرًا ضد هجمات الصواريخ الباليستية ضد أوروبا. وقال "إذا هددونا بتطبيق هذه العقوبات، فسننتقم بالتأكيد".
تعتبر إنجرليك قاعدة عسكرية أمريكية مهمة في المنطقة. فعلى سبيل المثال تستخدمها أمريكا للقيام بمهام طائراتها من دون طيار في إفريقيا. تقع هذه القاعدة الضخمة في أضنة على بعد 250 كيلومتراً فقط من الحدود السورية، وتحتوي ما يقرب من 5000 طائرة أمريكية مع أكثر من 50 مخبأ للطائرات تتوارى فيها الطائرات الأمريكية النفاثة.
كما ان السبب الآخر لأهمية إنجرليك هو وجود القنابل النووية الأمريكية في القاعدة. ولم يعترف البنتاغون رسمياً بوجود القنابل النووية الأمريكية في تركيا، لكن هناك وجهة نظر منتشرة على نطاق واسع أن هناك 50 قنبلة نووية من طراز B-61 محفوظة في قاعدة إنجرليك الجوية. حيث قامت أمريكا منذ العام 2000 بإخراج 40 قنبلة نووية من تركيا ولديها الآن 50 قنبلة متبقية في القاعدة. B-61 هي قنبلة منخفضة الأداء نسبياً ولكنها تعتبر سلاح تكتيكي.
تمت المصادقة على العقوبات المفروضة على تركيا من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الأربعاء ، تحت عنوان "تعزيز الأمن القومي الأمريكي ومنع إحياء قانون داعش في عام 2019" ، لكن لم يوافق عليها مجلس الشيوخ بأكمله بعد, وما زال من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيضع موافقته النهائية على هذه الخطة حالما يتم طرحها على طاولته.
حاولت تركيا بعد صفقة ال S-400 مع موسكو شراء منظومة باتريوت الامريكية والذي سبق أن منع بيعها لأنقرة لاسترضاء واشنطن وتجنب اجراءات عقابية. ومع ذلك ، تم طرد تركيا من برنامج المقاتلة F-35. ولكن لم يفلح طرد تركيا من مشروع F-35 ولا حتى المفاوضات مع المسؤولين الأمريكيين والمعارضة الواسعة من حلف الناتو في ردع أردوغان عن تنفيذ صفقة شراء S-400 مع الروس.
والآن يبدو أن جولة التوتر الجديدة في لعبة الشطرنج بين الجانبين قد تكثفت بشكل غير مسبوق ، لدرجة أنه حتى بالنظر إلى الشخصية العملية لأردوغان ، الا انه أظهر وجود احتمال تدمير كل جسور التحالف بين تركيا وحلف الناتو.
إن الصعود والهبوط في العلاقات التركية - الأمريكية ليس بالأمر الجديد ، ونحن نشهد صعود وهبوط هذه العلاقات الثنائية منذ فترة طويلة، ويتجلى ذلك في انقلاب يوليو 2016 الفاشل ورفض تسليم فتح الله غولن العدو الشرس لأردوغان الى تركيا. ومع ذلك ، فقد أحدثت التطورات جديدة شكلاً جديدًا من التوتر لا يمكن حله من منظور ايجابي.
أصدر الكونجرس الأمريكي يوم الخميس قرارًا يعترف فيه بإبادة الأرمن من قبل تركيا. يقال إن التطهير العرقي قد نفذه الأتراك العثمانيون في أوائل القرن العشرين ، ما أسفر عن مقتل حوالي 1.5 مليون شخص. وكان موقف أنقرة الرسمي هو أن الإبادة الجماعية لم تحدث أبداً وأن أي مذبحة حدثت كجزء من الحرب العالمية الأولى. لا يمكن لهذه الخطوة ، التي أغضبت الأتراك بأي حال من الأحوال ان تظهر انعكاسًا للوحدة بين تركيا وأمريكا، وفي المقابل تعهد أردوغان أيضًا بالاعتراف بالإبادة الجماعية للسكان الأصليين (الهنود الحمر) في الولايات المتحدة ردًا على القرار.
ربما هناك نظرة تفاؤل بأن هذه التدابير تم اعتمادها بدون تدخل ترامب حتى، ترامب الذي اتخذ سلوكًا أكثر إقناعًا تجاه أنقرة. حيث قال في قمة لحلف شمال الاطلسي في وقت سابق هذا الشهر "أحب تركيا." "علاقتي جيدة جدًا مع الرئيس التركي. إنه عضوًا جيدًا جدًا في الناتو وسيبقى كذلك."
ومع ذلك ، فإن ما جعل حل ترامب لهذه المشكلة أكثر تعقيداً هو أن تركيا لم تبق سلبية ، وقام أردوغان بوضع شرط إقامة منطقة آمنة شمال الأراضي السورية مقابل تخريب حلف الناتو للحفاظ على قاعدة اينجرليك, وقد أعلن أردوغان مؤخراً عن فشله في التوصل إلى اتفاق مع أمريكا وحتى روسيا حول إقامة منطقة آمنة، داعياً إلى تلبية المطالب التركية بشكل صحيح. في هذه الأثناء ، يعلن الأكراد السوريون التزام أمريكا بحمايتهم من جولة جديدة من الهجمات التركية في أعقاب عملية نافورة السلام. العملية التي أدت حتى الآن إلى طلب جزء من الأكراد التعاون مع الحكومة السورية ، وبطبيعة الحال لا ترغب أمريكا أن تحتضن الحكومة المركزية وروسيا الأكراد بالكامل.
وربما استنادًا إلى هذا المستقبل الغامض والعقد المتشابكة , ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أكتوبر / تشرين الأول أن البنتاغون يبحثون سراً موضوع تخزين القنابل النووية في تركيا ، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت القنابل قد نُقلت إلى مكان آخر ام لا, ومن ناحية أخرى تم إقرار مشروع قانون في الكونغرس يسمح للبنتاغون بالعثور بسرعة على مكان آخر لـ "الموظفين والأصلاء" الأمريكيين في قاعدة اينجرليك.
من ناحية أخرى ، أظهر ترامب أنه يميل إلى ان تدفع الدول المستضيفة للقواعد الامريكية في الخارج تكاليف حفظ امن هذه القواعد. كما قام ترامب بمنع التمويل العسكري عن عشرات المشاريع في جميع أنحاء العالم لتأمين الميزانية الكافية لبناء جداره المكسيكي الحدودي ، وكان أحد هذه المشاريع عبارة عن مشروع بقيمة 14.5 مليون دولار كان من المقرر تخصيصه حصريًا لقاعدة إنجرليك الجوية.
وعلى الرغم من هذا كله، حتى لو بقيت القوات الأمريكية في انجرليك ، يبدو أن الدولتين تتباعدان حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسة. فعلى سبيل المثال ، لأنقرة علاقة خاصة مع إيران وتعتبر الجمهورية الإسلامية شريكًا اقتصاديًا لها - وهو موقف يقف في وجه عقوبات واشنطن الأحادية الجانب. باختصار يمكن القول انه إذا لم تفكر أمريكا في حل ، فإن المواجهة مع أردوغان قد تفشل اتحاد تركيا والغرب الذي دام لعقود من الزمن.
المصدر:الوقت