يسطر الشعب الأردني هذه الأيام أسمى أنواع الصمود في وجه الاحتلال الاسرائيلي، وهناك مناخ عام في الأردن غاضب إلى أقصى الحدود من كيان العدو الصهيوني وما يقلق الأخير أنه اعتقد بإمكانه من خلال تسليم الغمر والباقورة اللتان انتها عقديهما قبل أشهر قليلة، أن يكسب مشاعر الأردنيين من جديد ويتمكن من الإقدام على خطوات جديدة في مسار التطبيع إلا أن موقف الأردنيين الأخير من اتفاقية الغاز جاء صادما للصهاينة، حيث بدء الشعب والبرلمان خطوات فاعلة للضغط على الحكومة لإنهاء أو ايقاف اتفاقية الغاز الموقعة بين الجانبين في العام 2016 والتي من المقرر أن تدخل حيز الضخ التجريبي للغاز الطبيعي المستورد من إسرائيل، اعتبارا من مطلع العام المقبل، بحسب ما أعلنت شركة الكهرباء الأردنية.
ويأتي إعلان الشركة، عقب ساعات قليلة من طلب رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، في جلسة عقدت قبل يومين، من اللجنة القانونية، إعطاء مذكرة إلغاء اتفاقية الغاز صفة "الاستعجال".
ومنذ مطلع الأسبوع الفائت تحرك البرلمان الأردني لإلغاء الاتفاقية التي وقعتها الحكومة في شهر فبراير/شباط 2018 وتقضي باستيراد غاز إسرائيلي بقيمة 10 مليارات دولار ولمدة 15 سنة، وهي قريبة من بنود الاتفاقية التي أبرمتها مصر مع دولة الاحتلال وفي نفس العام.
ويجري حاليا باللجنة القانونية النيابية، الإعداد لمشروع قانون لإلغاء اتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل، بناءً على مذكرة نيابية وقعها 58 نائبا (من أصل 130)، جرى توقيعها في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وفي مارس/ آذار الماضي، اتخذ مجلس النواب الأردني قرارا بالإجماع برفض اتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل، إلا أن المحكمة الدستورية أصدرت قرارا حينها، بأن الاتفاقية "لا تتطلب موافقة مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)"، لأنها موقعة بين شركتين وليس حكومتين.
الشعب الأردني ينفجر غضبا في وجه الاتفاقية
يضرب الشعب الأردني أروع الأمثلة على مقاومة كل أشكال التطبيع الاقتصادي والتجاري مع دولة الاحتلال رغم إبرام حكومة المملكة اتفاق سلام منذ أكثر من ربع قرن عرف بمعاهدة وادي عربة.
هذا التطور لا يعد جديداً على الساحة الأردنية فعقب إبرام الاتفاقية تشكلت الحملة الوطنيّة الأردنية لإسقاط اتفاقيّة استيراد الغاز مع الكيان الصهيوني التي تبنت شعار (غاز العدو احتلال)، وضمت الحملة أحزابا سياسية، ونقابات وحراكات شعبيّة، وعقدت فعاليات جماهيرية للتوعية بمخاطر الصفقة على الاقتصاد الأردني وخطورة ربط اقتصاد المملكة بالاقتصاد الإسرائيلي، كما ضغطت الحملة على الحكومة لإلغاء الاتفاقية، بل ووجهت إنذارات قضائية لرئيس الوزراء عمر الرزاز، وأعضاء الحكومة، لعدم الاستجابة لضغط الشارع وإلغاء الاتفاقية.
وخلال الشهر الجاري تحركت حملة (غاز العدو احتلال) بشكل سريع للضغط على الحكومة لإلغاء اتفاقية استيراد الغاز المنهوب من مياه إقليمية عربية، كما أصدرت بيانا يوم 4 ديسمبر الجاري قالت فيه:" على أصحاب القرار إلغاء اتفاقيّة الغاز العبثيّة مع الصهاينة فورًا ودون تأخير، وعلى مجلس النوّاب القيام بواجبه التشريعي والرّقابي بمنع استيراد الغاز من الصهاينة، وإسقاط هذه الحكومة في حال استمرّت بمشروع إحكام حبل الابتزاز الصهيوني حول عنق كل مواطن أردني، وتبديد أموال دافعي الضرائب الأردنيين على دعم الإرهاب الصهيوني. ولا ننسى (ولن ننسى)، علينا محاسبة ومحاكمة كلّ مسؤول مجرم ساهم في توريطنا بهذه الكارثة السياسية والاقتصاديّة والأمنيّة والأخلاقيّة، كائنًا من كان، وفي أي مستوى من مستويات القرار".
مبررات الأردنيين لرفض اتفاقيّة استيراد الغاز المنهوب من قبل إسرائيل كثيرة منها ما هو سياسي وأخلاقي، إذ يرفض رجل الشارع كل أنواع التطبيع مع كيان لا يزال يحتل أراضي عربية.
كما أن الغاز الذي ستستورده الأردن لمدة 15 سنة هو في الأصل غاز منهوب من قبل سلطات الاحتلال وتابع لدول عربية، فآبار الغاز التي يتم استخراج الغاز منها تقع في منطقة شرق البحر المتوسط وداخل المياه الإقليمية لمصر ولبنان وفلسطين، إضافة إلى أن الحكومة زودت الرأي العام بمعلومات وبيانات مضللة وغير صحيحة حول الاتفاقية، كما قال نائب البرلمان ونقيب المحامين السابق صالح العرموطي.
وهناك أسباب اقتصادية ومالية لرفض صفقة الغاز المنهوب، فهناك بدائل عربية وأجنبية أفضل وأرخص من هذا الغاز الذي سطت عليه دولة الاحتلال في غفلة من الحكومات العربية أو بتواطئ منها، من بين البدائل الغاز الجزائري والمصري والعراقي، فقد عرضت الجزائر على الأردن تزويده بكامل احتياجاته من الغاز بأسعار تفضيلية، وهو ما يوفر أموالا طائلة للخزانة العامة الخاوية، ويساهم في تخفيض فاتورة الطاقة المرتفعة، لكن الحكومة الأردنية رفضت العرض لأسباب غير معلومة أو مفهومة.
وهنا يثار السؤال: ما سبب إصرار هذه الحكومة على إتمام صفقة الغاز مع دولة الاحتلال، رغم تلقي عروض بأسعار أقل، ولماذا تصر الحكومة المصرية على السير في صفقة مماثلة رغم اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي، بل وتصدير الفائض إلى الخارج؟.
المعركة لا تزال مستمرة ولم تحسم بعد، فالشارع الأردني يرفض الصفقة وكل أشكال التطبيع، والحكومة تصر على الصفقة لأسباب غير مبررة، محتمية بقرار المحكمة الدستورية الصادر قبل شهور ويقضي بعدم وجوب عرض اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل على مجلس النواب.
الصهاينة غاضبون من الملك
تماهى موقف الملك الاردني عبدالله الثاني مع الشعب وتطلعاته خلال الفترة الماضية غلى حد كبير، الامر الذي أغضب أصحاب القرار في "اسرائيل"، وكانت البداية عندما استرد الملك عبدالله منطقتي الباقورة والغمر خلال خطاب في نوفمبر الماضي.
وبدأت السلطات الأردنية، في 9 نوفمبر الماضي، منع الإسرائيليين من دخول الأراضي الأردنية في الباقورة والغمر التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم "نهاراييم"، إثر انتهاء العقد الذي سمح للمزارعين الإسرائيليين بالعمل في تلك الأراضي.
كذلك أجرى الجيش الأردني تدريبات غير اعتيادية على حدود "إسرائيل" في بداية ديسمبر الجاري، تحمل "رسالة سياسية" في ظل التوتر في العلاقات بين عمّان وتل أبيب، وفق القناة "13" الإسرائيلية.
وفي هذا الاطار كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن وجود مخطط يقوده اليمين الإسرائيلي لإسقاط وإزاحة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، من على عرش المملكة الأردنية الهاشمية.
وأكد الكاتب الإسرائيلي روغل ألفر، في مقال له نشر في الصحيفة اليوم الأحد، أن اليمين الإسرائيلي يصف الملك عبد الله بأنه "عربي وقح تجرأ على رفع رأسه، ويحاول التحرر من العبودية"، ويُضيف كُتّاب اليمين أنّه إذا واصل التمسّك بهذا الموقِف فإنّ إسرائيل ستقوم بمنع وصول المياه إلى مملكته، بهدف احتقاره وازدرائه، وأنْ يؤدّي ذلك إلى تشويش تفكيره حتى يُعلِن عن تجميد اتفاق السلام مع إسرائيل أوْ حتى إلغائه، وعندها يُمكِن لليمين وحلفائه العمل على إسقاطه من الحكم، كما أكّد الكاتِب في (هآرتس)، الذي أضاف أنّه من ناحية إسرائيل الملك هو مفتاح ضمّ الضفّة الغربيّة بدون ضمّ ملايين الفلسطينيين الذين لا يتمتّعون بأيّ حقوق.
المصدر: الوقت