إن خروج ملايين العراقيين إلى شوارع العاصمة العراقية بغداد ومشاركتهم في الاحتجاجات التي طالبت بطرد كل القوات الاجنبية المستقرة داخل الاراضي العراقية وعلى رأسها قوات أمريكا التي قامت خلال السنوات الماضية بالكثير من الجرائم والاغتيالات لعدد من رموز المقاومة في عدد من المدن العراقية، بالتأكيد يعتبر نقطة تحول مهمة في تاريخ العراق المعاصر، وهذه الخطوة الشعبية لن يكون لها فقط آثار مختلفة على العراق، ولكنها أيضًا سوف تُلقي بظلالها على التطورات السياسية في منطقة الشرق الاوسط وفيما يلي سوف نستعرض أبرز الآثار والنتائج المحتملة لهذه الاحتجاجات المليونية.
1. واشنطن تقع على مفترق طرق وينبغي عليها اختيار أحد الطريقين
صُدم المسؤولون السياسيون والعسكريون في واشنطن الشهر الماضي عندما أصدر البرلمان العراقي قانون سحب القوات الأجنبية من كل الاراضي العراقية، وبعد أن أفاق المسؤولون الامريكيون من صدمتهم قاموا بالبحث عن مخرج لهم وقاموا باختلاق العديد من الذرائع والمبررات غير المنطقية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطورات العراقية، مثل عدم وجود توافق في الآراء بين جميع الجماعات والفصائل العرقية والجماعات السياسية العراقية، وزعمهم بأن بعض ممثلي البرلمان العراقي كانوا تحت ضغط بعض الجماعات المناهضة للوجود الامريكي على الاراضي العراقية، وعدم وجود دعم كافٍ للقانون البرلماني، وقاموا أيضا بالإعلان عن اتفاقياتهم التي وقعوا عليها من وراء الكواليس مع بعض المسؤولين العراقيين للحفاظ على استمرار وجودهم في العراق. ولكن في الوقت الحالي ومع خروج الحشود المليونية المطالبة بطرد كل القوات الاجنبية من الاراضي العراقية وعلى رأسها القوات الامريكية، فإن قادة البيت الابيض مضطرون الآن للاختيار بين البقاء على الاراضي العراقية كمحتلين أو أن يقبلوا الهزيمة ويغادروا العراق واحترام القانون الدولي وسيادة العراق. بطبيعة الحال، سيكون كلا الخيارين مثل الانتحار لإدارة "ترامب".
وفي صعيد متصل، كشفت بعض المصادر الاخبارية بأن البنتاغون الامريكي يبذل الكثير من الجهود في وقتنا الحالي لنقل قواته العسكرية إلى المناطق الشمالية والشمالية الغربية التي يسيطر عليها الأكراد العراقيون وإلى المناطق القريبة من الحدود مع سوريا. وفي الأيام القليلة الماضية، التقى مسؤولون أكراد من كردستان العراق، بعدد من المسؤولين الأمريكيين وخلال تلك الاجتماعات أبدى الجانب الكردي ترحيبه بوجود القوات الامريكية على الاراضي الكردية العراقية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة التي قامت بها سلطات "أربيل" والتي تعد انتهاكاً للدستور العراقي الذي جعل من البرلمان مرجعاً للسياسة الخارجية والعلاقات مع الحكومات الأخرى، لن تساعده على إضفاء الشرعية للاحتلال الأمريكي لبعض الاراضي العراقية على الساحة الدولية والعالمية.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو أنه بالنظر إلى التهديدات المتكررة التي أطلقتها العديد من الجماعات والفصائل العراقية وتأكيدها على استعدادها للدخول في مواجهة عسكرية مع قوات الاحتلال الأمريكي الموجودة داخل الاراضي العراقية، لن يكون أمام واشنطن خيار سوى قبول الواقع والإرادة الوطنية العراقية. وأما بالنسبة لبعض الاحزاب والفصائل والتيارات السياسية العراقية التي تقوم بإرسال بعض الإشارات من وراء الكواليس إلى البيت الأبيض والتي تعّبر فيها عن رغبتها باستمرار الوجود العسكري الأمريكي في الاراضي العراقية، فإنه ينبغي عليهم أيضًا عدم الوقوف أمام الإرادة العامة والشعبية في العراق.
2. تغيير اتجاه الاحتجاجات في المستقبل
سيكون للمظاهرات المليونية التي اجتاحت العديد من شوارع العاصمة العراقية للمطالبة بطرد القوات الامريكية من كافة الاراضي العراقية، تأثر بالغ للغاية في تحديد مسار التطورات السياسية الداخلية في العراق. يذكر أن الآلاف من أبناء الشعب العراقي خرجوا قبل عدة أشهر في مظاهرات شعبية سلمية ضد الحكومة العراقية وذلك من أجل المطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والقضاء على البطالة ولقد أدت هذه الاحتجاجات إلى تقديم الحكومة العراقية استقالتها ودخول البلد في فراغ وأزمة سياسية ومثل هذه الاوضاع ساعدت العديد من الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية الخبيثة، مثل البعثيين والتيارات الموالية للسعودية والإمارات على استغلال الانفلات الامني الذي تشهده العديد من المدن والشوارع العراقية والقيام بالكثير من الاعمال التخريبية وزيادة اعمال الشغب في العديد من الشوارع العراقية وذلك من أجل تقليص احتمال تشكيل حكومة جديدة في العراق.
وفي صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن مسيرة مليونية خرجت يوم الجمعة الماضي في العاصمة العراقية بغداد تدعوا إلى استنهاض المشاعر المعادية لأمريكا وطرد القوات الاجنبية من كل الاراضي العراقية ولقد تجمع آلاف العراقيين منذ الصباح الباكر في وسط العاصمة، ورفعوا لافتات تندد بالوجود الأمريكي على الأراضي العراقية، في ظل إجراءات أمنية مشددة وانتشار كبير لقوات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية والجيش والأجهزة الاستخبارية لتأمين الشوارع. وذكرت تلك المصادر الاخبارية بأن زعيم التيار الصدري في العراق "مقتدى الصدر" دعا أنصاره إلى المشاركة الواسعة في المظاهرات التي خرجت الجمعة وجابت العديد من شوارع العاصمة بغداد وذلك من أجل المطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وفي تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال السيد "الصدر"، "لقد دقت ساعة الاستقلال والسيادة، فهل أنتم عاشقون للوطن؟". ولهذا، يمكن القول أن هذه المسيرة المليونية العراقية المناهضة لاحتلال الأمريكي سوف تساعد على إحباط جميع السيناريوهات والمؤامرات الأجنبية التي تسعى من خلالها مواصلة خلق حالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن في العراق.
3. تسريع تراجع الهيمنة الأمريكية في المنطقة
مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية حقبة الحرب الباردة، كثفت أمريكا من استغلالها للقوات العسكرية لحلف "الناتو" والتذرّع بقضايا مثل مكافحة الإرهاب، لتعزيز وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط الحساسة والاستراتيجية كنقطة محورية لنظامها العالمي أحادي القطب وخلال السنوات الماضية قامت أمريكا باحتلال أفغانستان والعراق وهنا تكشف العديد من التقارير أن الهدف الرئيس للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة هو لمواجهة محور المقاومة الإسلامي الذي خلق خلال الفترة الماضية العديد من التحديات لمصالح أمريكا وحلفائها، وخاصة الكيان الصهيوني في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.
وفي ظل هذه الظروف، قامت أمريكا بإنفاق قدر كبير من المال واستغلال عدد من القادة والمسؤولين العسكريين في العراق وسوريا ولبنان وذلك من أجل تحويل المشهد الأمني في المنطقة على حساب محور المقاومة الذي وجهت إليه الكثير من الاتهامات وقالت بأنه السبب الرئيس وراء فقدان الامن وعدم الاستقرار في المنطقة وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية الامريكية مع مرور الوقت قد فشلت وزادت قوة محور المقاومة في المنطقة، إلا أن الاحتجاجات المليونية العراقية جاءت بمثابة طوق النجاة لأبناء الشعب العراقي من جميع الخطط والمؤامرات الأمريكية التي رسمتها خلال الفترة الماضية في المنطقة للحفاظ على هيمنتها ومن المؤكد أن الانسحاب القسري للقوات الامريكية من العراق سوف يشجع ويعزز التيارات والحركات المعادية لواشنطن في المنطقة.
المصدر:الوقت