رسالة أخرى نجح حزب الله في إيصالها للعدو، وهي جاهزية مقاتلي الحزب، وأن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بما فيه لبنان بسبب جائحة كورونا، لم تؤثر في تأهب عناصره على جبهات القتال.
وجّه حزب الله رسالة ساخنة إلى "إسرائيل" لم يعلن عنها في الوسائل الإعلامية، ولم يتبنَّاها بصورة رسمية بل ترك الميدان يتحدث عنها، عبر إحداث عناصر من المقاومة ثلاث ثُغر (فتحات) في الجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، من دون أن تتمكّن أجهزة الإنذار والمراقبة الإسرائيلة من اكتشافها، ومن دون تنفيذ أيّ عملية استهداف لجنود الاحتلال، في حادثة وصفها جيش العدو بالخطيرة.
رسالة حزب الله السريعة والدقيقة جاءت رداً على السلوك الإسرائيلي الذي تحدّثت وسائل إعلامه عن استهداف سيارة قالت إنها تتبع لعناصر من الحزب على طريق بيروت- دمشق بالقرب من الحدود اللبنانية مع سوريا. فـ"إسرائيل" وبالرغم من الظروف الإنسانية التي تهيمن على العالم، ما زالت تولي الاعتبارات الأمنية الأولوية الأولى في سلوكها السياسي والأمني، في محاولة منها لتثبيت قواعد مغايرة للاشتباك مع حزب الله في الجولان المحتل.
فالعدو الصهيوني منذ اندلاع الأحداث في سوريا وضع استراتيجية تصدّ وخطوطاً حمراً، تركزت في منع نقل سلاح كاسر للتوازن من سوريا إلى حزب الله، عبر استهداف قوافل السلاح، وملاحقة المقاومة الشعبية في هضبة الجولان، والتصدي لأي عمل عسكري ينطلق منها.
لم يقبل حزب الله فرض المعادلة الإسرائيلية، ورد على عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة عسكريين من الحزب أثناء نشاطهم في الجولان المحتل، كما جرى بعد استهداف الشهيد جهاد نجل القائد عماد مغنية، ورد المقاومة اللبنانية باستهداف آلية عسكرية، كذلك بُعيد اغتيال الشهيد سمير القنطار، وآخر ردوده قبل أشهر عندما عمد العدو إلى تحريك طائرات مسيّرة انفجرت وسط بيروت، فكان الرد عبر استهداف مدرعات عسكرية داخل فلسطين المحتلة على مقربة من الحدود اللبنانية.
المعركة الآن بين حزب الله والعدو الصهيوني على الصواريخ الدقيقة، وهنا لا يمكننا الجزم هل كانت "إسرائيل" ترغب في اغتيال أفراد الحزب، أم إطلاق صاروخ للتحذير وتدمير المعدات الدقيقة كما يقول إعلامها؟ الإعلام الصهيوني قدّم الروايتين.
ربما رمت "إسرائيل" من خلال سلوكها إلى جسّ نبض حزب الله، ومعرفة كيفية تعامله مع الاستهداف، سواءٌ تصفية عناصره بالاغتيال المباشر وتدمير ما يحملونه أو تجنب اغتيال الكوادر والاكتفاء بتدمير ما يحمله أبناء الحزب في السيارة، ومهما كان هدف "إسرائيل" فقد أخفقت في تحقيقه، وهذا ما تثبته الصور المنشورة عن الاستهداف.
لقد فشلت "إسرائيل" في تغيير قواعد الاشتباك مع حزب الله سواءٌ على الأرض اللبنانية أو السورية، وأثبت الحزب قدرة عالية على توجيه الرسائل الموجزة والسريعة إلى "إسرائيل"، ففتح الثغر الثلاث في السياج الأمني وعودة المنفذين من دون دراية جيش العدو، يعنيان أن مقاتلي الحزب قادرون على الدخول وتنفيذ عمل عسكري مباشر داخل فلسطين المحتلة، بذلك يرفع الحزب مستوى قواعد الاشتباك مع العدو، ويقيّد مساحته في المعركة المحتدمة على الصواريخ الدقيقة.
رسالة أخرى نجح حزب الله في إيصالها للعدو، وهي جاهزية مقاتلي الحزب، وأن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بما فيه لبنان بسبب جائحة كورونا، لم تؤثر في تأهب عناصره على جبهات القتال، بل على العكس، أظهرت أداءً ميدانياً فاجأ العدو.
فرسالة حزب الله الواضحة لـ"إسرائيل" أنه إذا جرى المسّ بعناصرنا في لبنان أو سوريا، فسيكون جنودكم في مرمى نيراننا.
تعي شعبة الاستخبارات الإسرائيلية مغزى الرسالة جيداً، كما يعيه قادة الجيش الإسرائيلي. فـ"إسرائيل" لا ترغب بالدخول في أيّ مواجهة في المرحلة الراهنة، سواءٌ كانت محدودة أو شاملة، نتيجة ما تمر به من ظروف متعلقة بمكافحة فيروس كورونا، وعلى الرغم من ذلك ستبقى "إسرائيل" أمام معضلة منع امتلاك حزب الله الصواريخ الدقيقة، فخياراتها اليوم باتت صعبة؛ ما بين تحمّل رد حزب الله وبين الخضوع لتطوير منظومته الصاروخية الدقيقة.