لم ينتظر أحد من المبعوث العربي والدولي، الأخضر الإبراهيمي، أن يأتي بجديد في جلسة مجلس الأمن الدولي أمس. كل جبهة من جبهتي المجلس كانت تريد منه أن يدين الجبهة الأخرى ويوفر لها مزيداً من الذخيرة الخطابية لتساعدها على ممارسة الضغوط من أجل نيل تنازلات لصالحها في أي تسوية محتملة. وإذا لم تكن هناك تسوية، فلرفع الملامة عنها من الفواجع التي قد تحدث على الساحة السورية النازفة. الإبراهيمي أمسك العصا من الوسط، ووجه اللوم يمنة ويسرة. تحدث عن معادلة قديمة بأن الجيش يعتبر خاسراً إذا لم يكسب الحرب، والثائرون يكسبون إذا لم يخسروها، مؤكداً أن شرعية الحكم السوري منيت بالمزيد من الضرر جراء ديمومة المعارك. لكنه شدّد على أن النظام لا يزال قادراً على الصمود.
وبعد استعراض المآسي التي تحدث داخل سوريا وفي محيطها، استعرض الأعضاء مواقفهم وركزت الدول الغربية على فقدان النظام لشرعيته وسط غموض حول توقيت وهوية مرتكبي مجزرة بستان القصر في حلب. مجزرة وقعت في تزامن مريب مع جلسة الإبراهيمي.
وكما كان منتظراً، لم يعلن الإبراهيمي عزمه التخلي عن منصبه كما فعل سلفه كوفي أنان، وحذر من أن سوريا تتفكك أمام سمع العالم وبصره. وطلب من الأعضاء المؤثرين على أطراف النزاع ممارسة النفوذ من أجل التوصل إلى تسوية تقي سوريا ذلك المصير، وتقي المنطقة ما هو أعظم. ودعا مجلس الامن الى التحرك لانهاء «مستويات غير مسبوقة من الرعب» الذي «يدمر» سوريا، مشيراً الى «عدم وجود تقدم».
في هذا الوقت، تلقت دمشق جرعة دعم من طهران، على هامش مؤتمر الوحدة الاسلامية، الذي حضره المفتي العام لسوريا أحمد بدر الدين حسون. إذ جدد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لدى لقائه حسون بحضور سفير سوريا في طهران عدنان محمود، وقوف إيران إلى جانب سوريا حكومة وشعباً، ودعمها للبرنامج السياسي لحلّ الأزمة عبر الحوار الوطني واستعادة الأمن والاستقرار. وفي لقاء مماثل مع حسون، أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أنّ لا شيء يمكنه منع إيران من تقديم الدعم الشامل للشعب والحكومة السورية لتجاوز الأزمة.
وفي ظلّ تأكيد دمشق الدائم على أولوية الحلّ السلمي، لفت نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، إلى أنّ «الحلّ السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة في سوريا». وشدد، في حديث مع قناة روسيا اليوم، على أنّ اعتقاد البعض بإمكانية استنساخ التجارب التونسية والليبية والمصرية في سوريا يعني ببساطة أن هؤلاء «لا يفهمون التاريخ والجغرافيا»، ولا البعد الحضاري لسوريا «التي كانت دائماً مقبرة الغزاة». ورأى أنّ تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الأخيرة حول سوريا ما هي إلّا اعتراف فرنسي بحتمية الحلّ السياسي.
على المقلب الأميركي، تصاعدت حدّة المواقف إزاء سوريا، فأكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، على «رحيل الرئيس السوري بشار الأسد»، مشيراً إلى أنّ «أيامه معدودة». وأوضح أنّ «المعارضة في سوريا تحقق التقدم»، لافتاً إلى أنّ بلاده «ستواصل اتخاذ خطوات مع شركائها لتوفير المساعدات الإنسانية والمساعدات غير القاتلة للمعارضة، والوصول إلى مرحلة سوريا ما بعد الأسد، بما يعكس إرادة الشعب ليقرّر مستقبله بنفسه». من ناحيته، اعتبر السفير الأميركي السابق في سوريا، روبرت فورد، أنّ النظام يفقد سيطرته على الأرض. وأكد جهوزية الحكومة الأميركية للتعامل مع حكومة من المعارضة.
في سياق آخر، أنهت الكويت تحضيراتها لاستضافتها اليوم مؤتمر المانحين الدولي لمساعدة اللاجئين السوريين، وقال نائب رئيس الحكومة الكويتية، وزير الخارجية، صباح الخالد الصباح، إنّ «الهدف هو جمع مبلغ يقدر بمليار ونصف المليار دولار أميركي من أجل تخفيف معاناة السوريين». وأعلنت 60 دولة مشاركتها في المؤتمر، بما فيها روسيا وإيران.
وفي شريط فيديو نشر على «يوتيوب»، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مساعدة إضافية بقيمة 155 مليون دولار للاجئين السوريين. وتابع أنّه «في الوقت الذي نعمل فيه من أجل وضع حدّ لأعمال العنف، فإنّ هذه المساعدة ستلبي بعض احتياجاتكم المباشرة واليومية».
في غضون ذلك، تعهدت منظمات خيرية، شاركت في مؤتمر عقد بالكويت أمس، بدفع 183 مليون دولار لإغاثة اللاجئين السوريين. وقالت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، التي نظمت المؤتمر، «إنّ من هذا المبلغ 100 مليون دولار التزمت بها الجمعيات الخيرية الكويتية». وشارك في المؤتمر 63 منظمة كويتية وعربية وإسلامية، وعدد من منظمات الأمم المتحدة المعنية.
بدورها، ستعرض المفوضية الأوروبية دفع 100 مليون يورو لمساعدة السوريين المتضرّرين، خلال اجتماع الجهات المانحة، كما أعلنت المفوضة المسؤولة عن المساعدة الانسانية كريستالينا جورجيفا.
ميدانياً، عثر على قرابة 80 جثة في نهر قويق، قرب حي بستان القصر في حلب، لأفراد قتلوا برصاصات في الرأس. واتهمت دمشق جبهة النصرة الاسلامية المتطرفة بارتكاب «اعدام جماعي» بحق قرابة 80 شخصاً . وافادت وكالة الانباء السورية (سانا)، بأن هؤلاء هم مدنيون كانوا مخطوفين لدى الجبهة. واضافت ان «الاهالي تعرفوا إلى اعداد ممن اعدمتهم جبهة النصرة الارهابية، واكدوا ان اختطاف ابنائهم كان بسبب رفضهم التعامل مع هذه الجبهة ومطالبتهم لارهابييها بمغادرة احيائهم السكنية».
يذكر أنّ مثل هذه المجزرة، تحصل للمرة الرابعة قبيل اجتماع مجلس الأمن حول سوريا.